المغرب وصناعة السيارات.. تحديات وآفاق في مواجهة الهيمنة الصينية
شهدت صناعة السيارات في المغرب تقدمًا ملحوظًا ونجاحات كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت المملكة وجهة مهمة للاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع الحيوي. حيث تمكنت من جذب شركات عالمية بفضل استقرارها السياسي وتوفرها على بنية تحتية حديثة، إضافة إلى السياسات الحكومية المشجعة. ومع ذلك، تثير هذه النجاحات قلقًا بين البعض بشأن المنافسة المتزايدة من الصين، التي تعتمد على تكلفة إنتاج أقل بكثير.
يزداد القلق بسبب اعتماد الصين على معسكرات في شينجيانغ، حيث يتم استخدام العمالة القسرية في التصنيع، مما يمنحها ميزة غير عادلة في السوق العالمية. في هذا السياق، يتساءل البعض عن مستقبل صناعة السيارات في المغرب، وكيف يمكنها مواجهة التحديات القادمة من المنافسة الصينية وضمان استمرار نموها وتحقيق المزيد من النجاحات.
وبسبب الدعم الحكومي الصيني “غير العادل”، لصناعة السيارات الكهربائية، فرض الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت، في الأسبوع الأول من شهر يوليو الجاري، رسومًا جمركية إضافية قد تصل إلى 38 بالمئة على السيارات الكهربائية الصينية المستوردة، وسط تحذيرات بكين بأن من شأن هذه الخطوة أن تطلق شرارة حرب تجارية.
وكان قد أطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقًا العام الماضي، بشأن ما إذا كان الدعم الحكومي الصيني لقطاع السيارات الكهربائية ألحق بشكل غير عادل أضرارًا بمصنعي السيارات الأوروبية.
ومنذ الإعلان عن خطط زيادة الرسوم الشهر الماضي، والتي تُضاف إلى رسوم الاستيراد الحالية البالغة 10 بالمئة، بدأت المفوضية الأوروبية محادثات مع بكين سعيًا لتسوية المسألة فيما هددت الصين بالرد.
وبدأ تطبيق هذه الرسوم الجديدة استعدادًا لفرضها بشكل نهائي في نوفمبر المقبل، لفترة خمس سنوات، بعد تصويت أعضاء الاتحاد البالغ عددهم 27 دولة.
وقال مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي فلاديس دومبروفسكيس “توصل التحقيق الذي أجريناه، إلى أن السيارات العاملة بالبطاريات الكهربائية التي أُنتجت في الصين تستفيد من دعم غير عادل يشكّل تهديداً بإلحاق أضرارا اقتصادية بمصنّعي السيارات الكهربائية في الاتحاد الأوروبي”.
وبالتالي قالت المفوضية الأوروبية إنها فرضت رسومًا جمركية مؤقتة على المصنعين الصينيين تشمل 17,4 بالمئة على شركة “بي واي دي” و19,9 بالمئة على شركة “جيلي” و37,6 على “سييك موتور”.
وقد خُفضت هذه المعدلات قليلاً بالنسبة لجيلي وسييك، بعد إعلان أولي عن نحو 20 بالمئة و38,1 بالمئة لكل منهما على التوالي، عقب الحصول على المزيد من المعلومات من “جهات معنية”، وفق المفوضية.
وستفرض على مصنعي السيارات الكهربائية في الصين رسومًا بنسبة 20,8 بالمئة على الذين تعاونوا مع الاتحاد الأوروبي وبنسبة 37,6 بالمئة على عدم المتعاونين.
يرى د. بدر الزاهر الأزرق، المحلل الاقتصادي المغربي، وأستاذ قانون الأعمال بجامعة الحسن الثاني، أن “التوجهات الأوروبية الرامية إلى فرض أو تعزيز المنظومة الضريبية إزاء واردات السيارات الصينية ستنعكس إيجابًا على القدرة التنافسية لصادرات السيارات من المملكة المغربية، لأن السعر كان أحد أهم المكونات التي تشكل تحديًا حقيقيًا أمام السيارات المُصنعة في المغرب، علمًا أن هذه السيارات هي مصنعة من شركة أم، توجد في أوروبان مثل بيجو ورينو، وكذلك مجموعة من قطع الغيار التي تصنع لشركات أخرى”.
أضاف المحلل المغربي، في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”، أن “هذه السيارات وقطع الغيار والمعدات التي تصنع في المغرب، كانت تنقصها الفعالية التنافسية على مستوى الأسعار، لأن الصين دائمًا كانت تتفوق على هذا المستوى، وكانت تتوجه إلى فئات استهلاكية تضررت قدرتها الشرائية خلال الفترة الماضية، خاصة مع الصدمات التضخمية، بسبب كوفيد، وهذا ما أعطى أفضلية للمنتجات الصينية الرخيطة شيئًا ما مقارنة مع المنتجات الأوروبية، أو المنتجات الأوروبية المصنعة في بلدان أخرى كتلك التي تصنع في المغرب”.
ويستبعد “الأزرق”، هيمنة الصين على صناعة السيارات الصديقة للبيئة أو غيرها في المغرب، من خلال -الشراكة بين الرباط وبكين لإنتاج البطاريات- لأن المملكة المغربية تسعى إلى تنويع شركائها الاقتصاديين، ولن تكرر الخطأ الذي ارتكبته سابقًا بأن حدّدت شركائها، وارتبطت بشكل مباشر بدول الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وإسبانيا.
مركز إقليمي لصناعة السيارات
وفي بيانٍ خاص أرسلته وزارة الصناعة والتجارة ردًا على أسئلة “أخبار الآن”، قالت الوزارة المغربية: “شهدت الصناعة المغربية، بفضل التوجيهات السياسية، دينامية فريدة، وذلك من خلال الاستراتيجيات والمخططات الصناعية المتعاقبة التي عززت بشكل ملحوظ مكانة المغرب كوجهة صناعية ذات قدرات تنافسية متميزة. وبفضل ما تتميز به المملكة من استقرار سياسي ونظام ماكرو اقتصادي، وخبرة صناعية متراكمة، تأتَّى للصناعة المغربية تعزيز مختلف مواقعها في مهن وتخصصات ذات مستوى تكنولوجي عالٍ لتصبح محركًا تنمويًا ومحفزًا للإنتاج والتصدير، مما جعل المملكة اليوم وجهة عالمية لا مَحِيد عنها بالنسبة لقطاعات جد متطورة مثل صناعة السيارات”.
أضافت الوزارة: “المغرب يأتي في طليعة البلدان المنتجة للسيارات بإفريقيا، بقدرة إنتاجية تبلغ أكثر من 900.000 ألف سيارة سنويًا، وبنسبة اندماج محلي تصل إلى 64%. وقد بلغت صادرات قطاع السيارات 141,8 مليار درهم (14.46 مليار دولار أمريكي تقريبًا) سنة 2023، أي بزيادة قدرها 27% مقارنة بالسنة الماضية. تُظهر هذه الأرقام مكانة المغرب البارزة في أفريقيا، حيث جذبت استثمارات كبيرة من قبل شركات السيارات العالمية وساهمت في خلق فرص الشغل وتنمية الموردين المحليين.
وأكدت وزارة الصناعة والتجارة، أنه “من جهة أخرى، تلعب مناطق التسريع الصناعي دورًا مهمًا في رفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، كما تساهم في تحقيق توازن الميزان التجاري. وذلك من خلال توطين حوالي 836 شركة تنتج بشكل رئيسي للتصدير، وتوفير أكثر من 139,500 فرصة عمل في 7 مناطق للتسريع الصناعي”.
ومع عدم قدرة الصناعة المغربية على منافسة نظيرتها الصينية، قالت الوزارة إنه “من أجل مواكبة ودعم المقاولات المغربية، قامت الدولة بوضع آلية متكاملة تتوخى إعطاء دفعة قوية لنموها وقدرتها التنافسية حيث تشمل دعم الاستثمار، ودعم الابتكار، ودعم التكوين. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق بنك المشاريع لتحفيز التصنيع المحلي ودعم رأس المال المغربي في الصناعة وريادة الأعمال والاندماج الصناعي بهدف الحفاظ على الصادرات وتنشيطها”.
وفي هذا الصدد، وضعت الوزارة عدة برامج من بينها برنامج “تطوير-نمو أخضر”، الذي يهدف إلى مواكبة المقاولات الصناعية الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة في تطوير العمليات والمنتجات الخالية من الكربون ودعم انبثاق قطاعات صناعية خضراء جديدة وتقليص مستوى التلوث الصناعي. كما تم التوقيع على اتفاقية جديدة لصندوق دعم الابتكار بين الدولة والوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولة الصغرى والمتوسطة والاتحاد العام لمقاولات المغرب لإحداث برنامج جديد لدعم الابتكار الصناعي لمساندة مشاريع الابتكار والبحث والتطوير في القطاعات الصناعية التي تتولى إنجازها المقاولات الصناعية، لتعزيز قدرتها التنافسية وتحسين مستوى أدائها.
ومن أجل تعزيز مكانة المغرب كفاعل أساسي على الساحة العالمية، أطلقت الوزارة برنامج دعم المقاولات لولوج الأسواق الدولية ( “Go-To-Market”) والخاص بالمقاولات ذات الإمكانات التصديرية والعاملة في قطاعات الصناعة والخدمات، وذلك من أجل دعم القدرات التنافسية للمقاولات على الصعيد الدولي وتحسين قدرتها على مواجهة المنافسين في الأسواق الخارجية.
من جهة أخرى، ساهم الميثاق الوطني الجديد للاستثمار في تعزيز المنظومة المُــحدَثة لمواكبة المستثمرين، المحليين والأجانب، من خلال تيسير اندماجهم في سلسلة القيمة وتمكينهم من تحسين هوامش الربح.
شراكات دولية لتعزيز صناعة السيارات
وتتيح الشراكات الدولية فرصًا مهمة لتعزيز صناعة السيارات في المغرب من خلال اتفاقيات التبادل الحر، مع مجموعة من الدول حيث تلعب المملكة دورًا محوريًا لتعزيز التبادل التجاري على مستوى عدة قطاعات خاصة قطاع صناعة السيارات.
كما يتم خلق شراكات مع شركات تصنيع السيارات العالمية أو موردي المعدات أو مراكز الأبحاث لتطوير المركبات بشكل مشترك ولتبادل المعرفة التكنولوجية من أجل تعزيز صناعة السيارات في المغرب.
كما توجد في الوقت الحالي، فرصًا متعددة في مجال صناعة السيارات الكهربائية والمعدات ذات التقنية العالية والمتطورة، نظرًا لما اكتسبه المغرب من خبرة ويد عاملة مؤهلة.
وتقول وزارة الصناعة والتجارة المغربية: “يعتبر السوق الأوروبي أهم سوق دولية للمغرب. فمن أصل أول خمس سيارات الأكثر مبيعًا بأوروبا في عام 2023، يصنع المغرب سيارتين وهما داسيا سانديرو، وبيجو 208، كما أن أكثر من ثلاث أرباع الصادرات المغربية من صناعة السيارات توجه إلى أوروبا.
ويتميز المغرب بقدرته على التكيف مع الطلب في أوروبا كما يعتبر من الدول الأكثر اندماجا في سلسلة القيمة الأوروبية حيث يستوطن أهم الشركات المصنعة لمعدات السيارات وأجزائها.
وعن خطط المغرب للتوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، لاستغلال التوجهات الأوروبية لرفع الضرائب على السيارات الصينية، قالت الوزارة: “بما أن المغرب اتجه إلى تصنيع السيارات الكهربائية فهو مندمج في السيرورة الدولية في هذا الجانب. ونحن واثقون من إمكانيات المغرب لربح رهان صناعة السيارات الكهربائية، خاصةً أن لدينا في بلادنا خبرات بشرية مهمة يمكن أن تسهم في تطوير هذه الصناعة”.
وأضافت: “لا شك من أن قطاع صناعة السيارات الكهربائية سيساهم بشكل ملموس في النمو الاقتصادي المغربي وإحداث فرص شغل. وفي هذا الصدد، تم مؤخرا توقيع اتفاقية استثمارية، بقيمة 3 مليارات درهم لإنشاء أول مشروع لإنتاج الكاثودات في المغرب، وهي مكونات أساسية لبطاريات السيارات الكهربائية. وسيُقام المشروع في مدينة محمد السادس طنجة – تيك، بمصنع ذو طاقة إنتاجية سنوية تبلغ 50.000 طن، مع توفير أكثر من 2500 فرصة عمل جديدة.
بالإضافة إلى ذلك، تم مؤخرا التوقيع على اتفاقية شراكة مع شركتين صينيتين اللتين اختارتا “مدينة محمد السادس”طنجة تيك” للاستثمار في إنتاج بطاريات الليثيوم، مع الترحيب في المملكة بأول مشغل للنحاس الصناعي، من خلال مجموعة HAILIANG، وأول مشغل للأنود، شركة SHINZOOM . ومن شأن كل هذه الاستثمارات أن تخلق العديد من فرص العمل وتحقق نموًا اقتصاديًا على المستوى الوطني.
تعتبر صناعة السيارات الكهربائية من بين الفرص الاستثمارية الرئيسية في القطاع الصناعي، حيث تم إبرام مجموعة من الاتفاقيات مع مجموعات رائدة في مجال التنقل الكهربائي لتطوير سلسلة قيمة البطاريات الكهربائية، والتي ستموقع المغرب ضمن الخريطة العالمية للدول الكبرى في مجال التنقل الكهربائي.
من جهة أخرى، ستمكن الصناعات المستقبلية المرتبطة بصناعة السيارات الكهربائية، كصناعة بطاريات الليثيوم أيون، من إتاحة فرصة مهمة للمغرب لتحقيق التفوق على المستوى العالمي، حيث يمكن استغلال الاحتياطي المغربي من “الفوسفات” بشكل فعال لتصنيع هذا النوع من البطاريات، والتي تعتبر واحدة من أكثر أنواع البطاريات أمانًا.
تعزيز الشراكات الاستراتيجية
وعن الاستراتيجيات التي تعتمدها صناعة السيارات في المغرب لمواجهة المنافسة الخارجية، قالت وزارة التجارة والصناعة المغربية، إنه يتم تعزيز الشراكات الاستراتيجية من خلال: “الشراكة مع شركات تصنيع السيارات الأوروبية أو موردي المعدات أو مراكز الأبحاث لتطوير المركبات بشكل مشترك وتبادل المعرفة التكنولوجية، والتعاون مع الشركات الصينية للاستفادة من خبراتها في مجالات معينة، مع الحفاظ على المعرفة والملكية الفكرية المغربية. وكذلك استكشاف الشراكات مع معاهد البحوث والجامعات لتحفيز الابتكار وتطوير التقنيات الجديدة”.
وأضافت الوزارة أنه يتم التركيز على الاستدامة والمسؤولية البيئية، من خلال تسليط الضوء على التزام المغرب بإنتاج مركبات نظيفة ومستدامة، باستعمال الطاقة المتجددة وتقليص البصمة الكربونية لسلسلة الإنتاج، وتطوير المركبات الكهربائية والهجينة التي تتوافق مع المعايير واللوائح البيئية الأكثر صرامة”.
واستطردت في بيانها أنه يتم دعم التكوين وتنمية المهارات، من خلال الاستثمار في تدريب وتعليم القوى العاملة المغربية لتلبية الاحتياجات المتطورة لصناعة السيارات، لا سيما في مجالات التكنولوجيا والابتكار والرقمية، وإنشاء برامج تدريبية بالتعاون مع شركات تصنيع السيارات ومصنعي المعدات الأصلية ومؤسسات التعليم العالي. ودعم ريادة الأعمال والابتكار في قطاع السيارات المغربي”.
كيف هو عمل الإيغور في مصانع فولكس فاجن؟