ما الذي نعرفه عن داعش خراسان؟
لا يقف تنظيم داعش ولاية خراسان، وراء الهجمات الإرهابية الأخيرة في روسيا وأفغانستان وإيران، وحسب، بل إنه يتطلع أيضا إلى ضرب الألعاب الأولمبية في باريس، التي تبدأ في 26 تموز/يوليو من العام الحالي 2024. فما الذي نعرفه عن التنظيم، وما مدى قوته، وهل يمكننا تجنب “حمام دم” في الأولمبياد؟
في 22 مارس من هذا العام، تعرضت موسكو لهجوم إرهابي في أحد مراكز التسوق الشهيرة في ضواحي العاصمة الروسية.
في البداية، كانت السلطات الروسية مرتبكة بسبب الحجم الهائل للكارثة، وسارعت إلى إلقاء اللوم على أجهزة المخابرات الأوكرانية، لكن سرعان ما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته.
وفي غضون يومين، قدم التنظيم دليلاً مرئيًا على مشاركته المباشرة، من خلال مقطع فيديو تم تسجيله في موقع الهجوم ومنشورات دعائية معتادة من التنظيم تم نشرها عبر وكالة الإعلام التابعة له.
وفي حين أن تنظيم داعش المركزي (مقره في سوريا والعراق) تفاخر بتنفيذه العملية، كان الهجوم عملية معقدة لعب فيها تنظيم ولاية خراسان دوراً قيادياً.
كان تنظيم ولاية خراسان، الذي يعمل من أفغانستان وباكستان، وراء الهجمات الثلاثة الأكثر دموية في عام 2024.
- هجوم موسكو (137 قتيلاً في 22 مارس/آذار)
- التفجير الانتحاري الدموي على جماعة طالبان في قندهار الأفغانية (20 قتيلاً في 21 مارس/آذار)\\
- تفجيران انتحاريان مزدوجان في كرمان بإيران (103 قتلى في 3 يناير)
رسميًا، أعلن تنظيم داعش المركزي مسؤوليته عن الهجمات في روسيا وإيران، بينما تبنى فرع ولاية خراسان الهجوم الذي وقع في قندهار، لكن ليس هناك شك في أن الهجمات الروسية والإيرانية نفذها تنظيم ولاية خراسان أيضًا، كما ذكرت لاحقًا سلطات كلتا الدولتين.
ولتحديد أهمية الأحداث، علينا أن نعود عقدًا من الزمن إلى الوراء، ففي 10 يونيو 2014، تم احتلال مدينة الموصل في العراق من قبل تنظيم داعش.
وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أعلن أبو بكر البغدادي نفسه خليفة، وبذلك، ألغى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”، وأنشأ ما تسمى بخلافة الدولة الإسلامية (داعش).
لم يكن التركيز على إنشاء “الدولة” من قبيل الصدفة، إذ كان هذا أحد الأهداف الرئيسية للجماعة. وبينما لم تكن الحرب في سوريا والعراق قد بدأت بالفعل بعد، دعا التنظيم إلى التوسع العالمي.
استجاب الجهاديون في جميع أنحاء العالم للنداء وانضموا إلى داعش، وهكذا ظهر علم التنظيم الأسود في مناطق مختلفة من أفريقيا والجزيرة العربية ووسط وجنوب وجنوب شرق آسيا. وأخيرًا، تم أيضًا إعلان “ولاية القوقاز” في المناطق التي تحتلها روسيا في القوقاز.
وبعد أن بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في عام 2014 قصف تنظيم داعش في سوريا والعراق عبر “عملية العزم الصلب”، أصبح من الواضح أن “الدولة” ستسقط، ولذلك قام التنظيم بتحويل بعض بنيته التحتية إلى خارج المنطقة وخاصة نحو تركيا وأفغانستان والصومال.
خسارة الخلافة لا تعني فقط أن تنظيم داعش قد خسر “دولته”، بل ويعني ذلك أيضًا أن تنظيم “الدولة الإسلامية” لم تعد لديه أرض فعلية يمكن لمخططيه الافتراضيين سيئي السمعة المتمركزين في الرقة أو الموصل العمل فيها بأمان.
هؤلاء المخططون الافتراضيون هم في الأساس أعضاء في تنظيم داعش يتواصلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع المتطرفين في جميع أنحاء العالم لتنظيم هجمات إرهابية.
وكان هؤلاء المخططون الافتراضيون في الرقة أو الموصل مسؤولين عن الكثير من المخططات الإرهابية في أوروبا وأماكن أخرى.
ومع خسارة الرقة والموصل، لم يعد هؤلاء “المخططون الافتراضيون” قادرين على العمل من أراضي “الدولة الإسلامية” الآمنة.
علاوة على ذلك، خسر التنظيم العراق في عام 2017 وسوريا في عام 2019 في الباغوز. وفي 2016/2017، تم طرد التنظيم من المدن الليبية الكبرى.
وفي أفغانستان تعرضوا لهجوم من قبل جماعة طالبان والولايات المتحدة بين عامي 2017-2019، وبعد كل هذه الخسائر، أصبح من الواضح أن “نموذج الدولة” بحاجة إلى التغيير.
تم تنفيذ هذا التغيير من قبل الإدارة العامة للولايات، وهي كيان تابع لتنظيم داعش مسؤول عن غالبية العمليات، كما يركز بشكل أكبر على تطوير قدرة (الفروع) الرئيسية الأخرى حول العالم.
تمت عملية إعادة هيكلة كاملة، ولم يقتصر تنظيم داعش على بلاد الشام فقط – سوريا والعراق، لكن توسع لتنتشر فروعه في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، وأهم هذه الفروع “الولايات”: “الكرار” في الصومال، و”الصديق” في أفغانستان.
أصبحت ولاية الكرار هي الممول المالي العالمي المشتبه به لتنظيم داعش، وتأتي أمواله من استغلال الفراغ الأمني في القرن الأفريقي وضعف الدول المحلية.
وفي وقت مبكر من عام 2022، حذرت وزارة الخزانة الأمريكية من أموال من أصل صومالي تم تحويلها بأمر من التنظيم المركزي إلى أفغانستان، حيث يوجد تنظيم داعش في ولاية خراسان.
وبهذه الأموال، أعد تنظيم داعش في ولاية خراسان هجمات في روسيا وإيران وأفغانستان، وهناك دلائل على وجود تهديدات كبيرة من التنظيم في ولاية خراسان لروسيا، وكذلك لأوروبا وتركيا.
وخلافاً لما كان عليه الحال قبل بضع سنوات، فقد تراجع الاهتمام بالتهديد العام الذي يشكله تنظيم “داعش” قليلاً. وبدلاً من ذلك، أصبح العالم مشغولاً الآن بالحروب في أوكرانيا وغزة والتنافس المتنامي بين الولايات المتحدة والصين حول وضع تايوان، لكن أمريكا لا تزال تقاتل التنظيم.
خسائر متتالية
في النصف الأول من عام 2023، خسر تنظيم داعش (رابع) خليفة له، وهو أمير مسؤول عن الإدارة العامة للولايات ومقره في سوريا، كما قتلت عملية أمريكية خاصة عنصرًا رئيسيًا في تنظيم داعش في شمال الصومال.
لكن انتشار شبكة العنكبوت الجهادية سمح لهم بالنجاة من الضرر، بل إن تنظيم داعش آخذ في التوسع في بعض الأماكن: خاصة في أفريقيا، بينما تعاني سوريا من مشاكل مستمرة بسبب العدد المتزايد من الهجمات التي يشنها التنظيم.
ويستمر الارتفاع البطيء ولكن الحتمي للتهديد الإرهابي، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا، التي تضم جالية كبيرة من مواطني آسيا الوسطى، وخاصة من طاجيكستان.
على مدى السنوات الأخيرة، حذرت أمريكا باستمرار من الهجمات الوشيكة على الأراضي الأوروبية والأمريكية، مشيرة إلى تنظيم ولاية خراسان باعتباره التهديد الأخطر، حتى أنهم زودوا إيران وروسيا ببيانات استخباراتية تشير إلى التهديد قبل هجمات كرمان وموسكو.
أولمبياد باريس.. هدف محتمل
وتنظيم داعش نفسه، الذي شجعه نجاح عملياته الإرهابية في روسيا وإيران، يدعو علناً إلى شن هجمات في أوروبا والولايات المتحدة.
هذا الأمر بدا جليا عندما أصدر كل من المتحدثين الرسميين وكذلك، داعش في خراسان عبر أجهزتهم الدعائية الخاصة، تهديدًا مباشرًا وسط اقتراب دورة الألعاب الأولمبية في فرنسا.
وفي الأشهر الأخيرة فقط، حدثت اعتقالات في فرنسا لشاب شيشاني كان يستعد لشن هجوم خلال الألعاب الأولمبية.
وفي ألمانيا، حاول مواطن مغربي ألماني بولندي كان على اتصال مع تنظيم داعش في ولاية خراسان، أن يحصل على وظيفة كحارس في الألعاب الأولمبية.
أما في الولايات المتحدة، فقد أُلقي القبض على ستة طاجيكيين، تم تهريبهم سابقًا عبر الحدود الجنوبية وسط أزمة المهاجرين.
هذه ليست سوى أمثلة قليلة، والصورة الأكبر أكثر كآبة، فوفقا للباحث المعروف آرون زيلين، يتم اعتقال 10 أشخاص أسبوعيا على صلة بتنظيم داعش في جميع أنحاء العالم.
وخلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس، تعتزم فرنسا نشر عدد ضخم من ضباط الشرطة والدرك يبلغ 45 ألفاً، علاوة على هذا العدد، تم تكليف 10.000 جندي من كتيبة تم إنشاؤها خصيصًا لتأمين الملاعب الأولمبية.
وتعلم فرنسا وروسيا وإيران وأفغانستان والعديد من البلدان الأخرى من خلال تجربتها: لا ينبغي للإرهابيين أن ينجحوا إلا مرة واحدة، في حين يجب أن تنجح قوات الأمن كل مرة.