الإمارات تسعى أن تكون الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي بحلول 2051
تعد قضية الأمن الغذائي من أهم القضايا التي توليها دولة الإمارات اهتماماً كبيراً، نظراً لأهميتها في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة. في ظل التحديات العالمية المتزايدة مثل التغير المناخي والنمو السكاني، أطلقت الإمارات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، التي تهدف إلى جعل الدولة الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي بحلول عام 2051.
تشمل هذه الاستراتيجية تطوير منظومة وطنية شاملة تعتمد على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، وتوظيف التقنيات الحديثة في الزراعة والإنتاج الغذائي. كما تسعى إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الغذاء من خلال الشراكات الدولية، وتفعيل التشريعات والسياسات التي تسهم في تحسين التغذية والحد من الهدر الغذائي.
من بين المبادرات البارزة التي أطلقتها الإمارات لتحقيق هذه الأهداف، مجلس الإمارات للأمن الغذائي، وبنك الإمارات للطعام، وبرنامج رواد الغذاء والزراعة، بالإضافة إلى النظام الوطني للزراعة المستدامة. تهدف هذه الجهود إلى ضمان توفر الغذاء بشكل مستدام وآمن لجميع سكان الدولة، وتعزيز قدرة الإمارات على مواجهة الأزمات الغذائية في المستقبل.
من خلال هذه المبادرات والسياسات، تؤكد الإمارات التزامها بتحقيق الأمن الغذائي كجزء أساسي من رؤيتها المستقبلية، وضمان استدامة الموارد الغذائية للأجيال القادمة، ويستعرض هذا التقرير جهود الإمارات في دعم مشاريع ومساندة الزراعة الذكية، وعمل المجتمع على حلول مبتكرة لتحقيق الأمن الغذائي وحماية البيئة.
النظام الوطني للزراعة المستدامة
في 28 يونيو 2020 اعتمد مجلس الوزراء إطلاق النظام الوطني للزراعة المستدامة الهادف إلى زيادة نسبة الإكتفاء الذاتي في الدولة من المحاصيل الزراعية، وتحسين المردود الإقتصادي للقطاع، وزيادة الاستثمارات فيه وتوظيف التكنولوجيا لرفع الإنتاجية الغذائية للقطاع الزراعي. ويستهدف النظام تحقيق مجموعة من المحاور على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية تشمل ما يلي:
- زيادة نسبة الإكتفاء الذاتي في الدولة للمحاصيل الزراعية المستهدفة بمعدل سنوي يبلغ 5%
- تحسين المردود الإقتصادي للمزرعة بواقع 10% سنوياً
- زيادة القوى العاملة في المجال بمعدل 5% سنويا
- ترشيد كمية المياة المستخدمة في وحدة الإنتاج بواقع 15% سنوياً
وفي إطار سعيها لتحقيق هدفها الاستراتيجي بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول العام 2050 ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي بحلول 2051، والحد من الانبعاثات الكربونية في القطاع الزراعي، قطعت الإمارات شوطاً كبيراً في تطوير ممارسات زراعية ذكية مناخياً.
وتُعرف الزراعة الذكية مناخياً بأنها الزراعة المقاومة للمناخ، وهي نهجٌ متكامل لإدارة الأراضي الزراعية وتهيئة النظم الزراعية للاستجابة بفعالية للتغيرات المناخية، بما يضمن تحقيق الأهداف الثلاثة المتمثلة في زيادة الإنتاجية والعائد الاقتصادي من الزراعة بصورة مستدامة والتكيف مع تغير المناخ والحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
تبني نظم الزراعة الحديثة
يعد تطوير القطاع الزراعي وتحفيز تبني نظم الزراعة الحديثة وتوسيع قاعدتها إحدى الركائز الرئيسية للجهود التي تبذلها وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين والجهات المعنية على مستوى الإمارات، لضمان تعزيز الأمن الغذائي.
ووضعت الوزارة العديد من الخطط لتعزيز استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج الزراعي بما يتواءم مع الظروف المناخية في الدولة، والتي تتطلب تبني نظم الزراعة المستدامة، والزراعة العضوية والعمودية والمحمية.
وتعمل الوزارة على تبني التقنيات ذات الكفاءة العالية في استخدام مياه الري خصوصاً تقنيات الزراعة المحمية والمائية (بدون تربة)، وإدخالها ضمن المنظومة الزراعية في الدولة كأسلوب للزراعة، حيث تهدف الزراعة المحمية إلى زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية الصديقة للبيئة والمتكيفة مع المناخ من خلال توفير المياه بنسبة تصل الى 70% وتقليل انبعاث الغازات خاصة غاز ثاني أكسيد الكربون.
Net house
وقد تبنت الوزارة تقنية الزراعة المائية ونقلها إلى المزارعين في الدولة وتشجيعهم على تبنيها منذ عام 2009، كما تبنت في عام 2023 تقنية الزراعة باستخدام البيت الشبكي Net house باستخدام الطاقة الشمسية، بهدف تقليل تكلفة الطاقة الكهربائية والمياه، وذلك من خلال تقديم الدعم المادي لإنشاء الأنظمة للزراعة المائية والـNet house ومستلزمات الإنتاج بنصف القيمة.
كما نفذت الوزارة “مشروع الزراعة باستخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي”، لتوظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير منظومة الزراعة الحديثة بالاستعانة بشباب من منتسبي الخدمة الوطنية، وهو مشروع يأتي ضمن استراتيجية الوزارة لتعزيز أمن واستدامة الغذاء وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في تعزيز قدرات الإنتاج الزراعي المحلي بما يتماشى مع جهود العمل من أجل المناخ.
تطوير المزارع العمودية
كما تشهد الإمارات توجهاً متزايداً نحو تطوير المزارع العمودية باعتبارها حلاً واعداً يسهم في تحقيق الأمن الغذائي، حيث تستخدم هذه المزارع تقنيات متطورة تمكنها من توفير منتجات زراعية طازجة على مدار العام.
وتم تدشين أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية في أبوظبي في فبراير 2023، حيث تسهم المزرعة في تطوير الزراعة البيئية المستدامة الخاضعة للرقابة، والزراعة العمودية الداخلية للمساعدة في مواجهة تحديات سلاسل توريد المنتجات الزراعية على مستوى العالم.
وتستهدف المزرعة إجراء الأبحاث العلمية والتطوير في قطاع الزراعة وتطوير الجيل التالي من تقنيات وحلول الزراعة المستدامة في البيئات القاحلة والصحراوية.
وشهدت الإمارات خلال 2023 الإعلان عن إطلاق وتدشين عدد من المشاريع الضخمة للزراعة العمودية، مما يساهم في زيادة حجم الإنتاج المحلي من المنتجات الزراعية وتحسين معدلات الاكتفاء الذاتي منها.
وفي نهاية 2023، أعلنت شركة “سوكوفو” الزراعية عن افتتاح مزرعة عمودية في مدينة دبي الصناعية التابعة لمجموعة تيكوم، لإنتاج آلاف الأطنان من الخضروات الورقية والخضروات الدقيقة سنوياً، وذلك في إطار التوجه العالمي المتزايد نحو مبادرات العمل المناخي الفعّالة التي تحفّز على الاستثمار أكثر فأكثر في الإنتاج المستدام للأغذية.
زراعة بدون تربة
وتعد مزرعة “بستانِكَ” في دبي، التي أنشأتها “الإمارات لتموين الطائرات” التابعة لمجموعة الإمارات، أكبر مزرعة رأسية تعتمد على الزراعة المائية في العالم، وتستخدم المزرعة تقنيات متطورة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المتقدمة، وتعتمد على دورة إنتاج مستمرة تضمن إنتاجاً فائق النضارة والنظافة، ومن دون استخدام أي مبيدات أو مواد كيماوية، في حين تم تزويد المزرعة بنظام الدائرة المغلقة للري، حيث يعاد تدوير المياه مما يسهم في توفير 250 مليون لتر من الماء سنويا، بالمقارنة مع الزراعة الخارجية التقليدية التي تنتج نفس كمية المحصول.
وتولي دولة الامارات اهتماماً متزايداً بالزراعة الملحية، حيث تعد نهجاً مبتكراً يتجاوز آثار التغيرات المناخية القاسية، ووسيلة ناجعة لمواجهة شح الموارد المائية والجفاف إضافة إلى فوائدها المتمثلة في زراعة المحاصيل على مدار العام، والحد من ارتفاع نسبة التملح المتصاعد للتربة الذي يؤدي تدريجياً إلى تقلص حجم الأراضي الزراعية، كذلك إدخال أنواع وأصناف من المحاصيل تتحمل الظروف البيئية القاسية، وفي هذا الإطار ينفذ المركز الدولي للزراعة الملحية “إكبا ” برامج بحثية وتنموية تهدف إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية واستدامتها في البيئات المالحة والهامشية.
حزم تحفيزية
تبنت إمارة أبوظبي نظماً مبتكرة في مجال الزراعة، حيث تم اعتماد مجموعة من الحزم التحفيزية لاستقطاب الشركات المتخصصة في مجال التكنولوجيا الزراعية المحلية والعالمية إلى أبوظبي، إضافة إلى دفع جهود تطوير منظومة التكنولوجيا الزراعية في الإمارة، وترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً للابتكار في مجال الزراعة في البيئات الصحراوية.
وتعد التكنولوجيا الزراعية من أهم القطاعات التي يركز عليها مكتب أبوظبي للاستثمار، كونها تتمتع بمقومات نمو عالية، حيث يقدم برنامج الابتكار التابع للمكتب والبالغة قيمته 2 مليار درهم، الدعم لمجموعة واسعة من شركات التكنولوجيا الزراعية المبتكرة، بما في ذلك شركات مثل “آيروفارمز”، و”بيور هارفست للمزارع الذكية”، وذلك بهدف استكشاف مجموعة كاملة من الابتكارات الزراعية بدايةً من الزراعة العمودية الداخلية وصولاً إلى تعزيز كفاءة استخدام المياه.
كما تنفذ هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية مشروع إعداد خطة تنمية زراعية مستدامة في إمارة أبوظبي ستنتج عنه خطة تنموية شاملة للسنوات العشر المقبلة، تشمل التدخلات اللازمة ذات الأولوية لتحويل قطاع الزراعة في الإمارة إلى قطاع أكثر استدامة من النواحي الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
ويشمل المشروع تطوير أدوات دعم القرار التي تتكون من منصة ابتكارية وخرائط تفاعلية تعتمد على نظم المعلومات الجغرافية وتحليلات ونماذج رياضية لتخطيط المناطق الزراعية وتقسيمها بناء على خصائصها البيئية والزراعية والاجتماعية، ويعتمد على عدد من دراسات النمذجة الاقتصادية التحليلية المعمقة والدراسات التكميلية، وذلك بهدف رفع كفاءة الإنتاج الزراعي المستدام في الإمارة.
وتعتمد خطة التنمية الزراعية المستدامة في إمارة أبوظبي مبدأ التخطيط المناطقي لمزارع الإمارة، بحيث يتم تحديد المناطق المتشابهة من حيث مقومات التنمية والموارد ووضع إجراءات تطويرية لها بهدف صياغة خطة شاملة تتضمن تبني نهج الزراعة الذكية مناخياً بما يضمن تعزيز التنمية المستدامة في أبوظبي.
يذكر أن تقرير حالة الأغذية والزراعة لعام 2022 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، أظهر أن الأتمتة الزراعية تسهم في زيادة الإنتاجية وتحسين نوعية المنتجات وكفاءة استخدام الموارد، إضافة إلى الحد من نقص الأيدي العاملة، وتعزيز الاستدامة البيئية، وتيسير التكيُّف مع تغيُّر المناخ والتخفيف من آثاره، كما أنها تُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
المياه من الهواء
كما تعد تقنية استخراج المياه من الهواء واحدة من الابتكارات الرائدة التي تبنتها دولة الإمارات لمواجهة تحديات ندرة المياه. وتعتمد هذه التقنية على مبدأ تكثيف الرطوبة الموجودة في الهواء وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب. يتم ذلك من خلال أجهزة متطورة تقوم بجمع الرطوبة وتنقيتها لتصبح مياه نقية وخالية من الشوائب.
أحد الأمثلة البارزة على هذه التقنية هو مشروع “ما هوا” الذي يوفر مياه نقية من الهواء باستخدام أجهزة يمكنها إنتاج كميات كبيرة من المياه يومياً، تصل إلى 220 لتر في بعض الحالات. هذه الأجهزة لا تحتاج إلى بنية تحتية معقدة أو خطوط أنابيب، مما يجعلها حلاً مستداماً وفعالاً لتوفير المياه في المناطق التي تعاني من شح الموارد المائية.
كما قامت هيئة الطرق والمواصلات في دبي بالتعاون مع مجموعة ماجد الفطيم بتركيب أجهزة لتوليد المياه من الهواء في استراحات سائقي دراجات التوصيل، مما يسهم في توفير مياه شرب آمنة وصحية لهم. وهذه المبادرة تأتي ضمن جهود الدولة لتعزيز الاستدامة وتقليل البصمة البيئية.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت مدينة مصدر في أبوظبي إطلاق أول مشروع عالمي لإنتاج المياه من الهواء بكميات تجارية، معتمداً على مصادر طاقة متجددة، مما يجعله مشروعاً خالياً من الكربون.
من خلال هذه المبادرات، تؤكد الإمارات التزامها بالابتكار والاستدامة في مجال الموارد المائية، مما يساهم في تحقيق الأمن المائي وضمان توفر المياه للأجيال القادمة.