الاقتصاد اليمني.. صدمة ومصير مجهول
في ظهيرة يوم الثلاثاء 23 يوليو الجاري كان صلاح إسماعيل في المكتب الرئيسي لبنك اليمن الدولي في مدينة صنعاء والذي كان من المفترض أن يسحب مبلغ مالي من حسابه البنكي، إلا أن الموظفين في البنك أقسموا له بأنه لا يوجد حتى 50$ في خزانة المركز الرئيسي للبنك، وذلك بسبب انعدام السيولة النقدية، في البنوك اليمنية خاصة الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويسرد اسماعيل لأخبار الآن مأساة البنوك التجارية وموظفيها “اليوم في بنك اليمن الدولي، حلفت لي مديرة الفرع ما معها خمسين دولار بالخزنة، وأعطتني البزنس كارد الخاص بها للتواصل بهم والتنسيق قبل الذهاب للبنك من أجل السحب النقدي، لأنهم منذ شهرين لا يوجد لديهم إي إيداع نقدي او سيولة كافية، وعند سؤالي للموظفين عن سبب استمرار فتح الفروع واستمرار الدوام فيها، أخبروني بأنهم يفعلوا ذلك من أجل المعاشات ولا يعرفوا ما إذا كانوا سيتسلموا رواتبهم هذا الشهر أم لا”.
ياتي ذلك بعد ساعات فقط من إعلان اتفاق بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، ففي صباح يوم أمس الثلاثاء 23 يوليو، أعلن مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن عن إتفاق بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، يتضمن ايقاف التصعيد الاقتصادي وإلغاء قرارات البنك المركزي اليمني التي كانت تهدف إلى إصلاح الإنقسام الاقتصادي الذي تسببت به جماعة الحوثي، حيث نص القرار على عدم إصدار قرارات مماثلة في المستقبل، حيث أثار ذلك البيان ردود فعل متباينة في الشارع اليمني رصدت أخبار الآن بعض منها.
الجدير بالذكر هو أن هذا الإعلان يأتي بعد أيام قليلة من إخطار شبكة سويفت المتخصصة بالمراسلات البنكية العالمية 6 بنوك تجارية يمنية بأنها ماضية في سحب الخدمة منها ما لم توفق أوضاعها مع البنك المركزي اليمني المعترف به دوليًا خلال مدة أقصاها 27 يوليو، وذلك عقب عدد من القرارات التي كان قد أصدرها البنك المركزي اليمني في العاصمة عدن، والتي تنص على إلزامية نقل البنوك التجارية اليمنية مراكز عملياتها إلى مدينة عدن وإغلاق بعض شركات الصرافة التي تعمل على المضاربة بالعملة وكذلك إيقاف التعامل بالعملة المحلية من الطبعة القديمة (قبل 2016)، وهو ما تسبب بصدمة للمتابعين والمواطنين.
خصوصا بعد إن نُشرت العديد من وسائل الإعلام المحلية، تسريبات ترجح تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي اليمني حتى أواخر أغسطس القادم، وذلك بعد رسالة المبعوث الأممي لليمن، الذي دعى فيها مجلس القيادة الرئاسي بتأجيل تنفيذ القرارات نظرًا للتعقيدات المترتبة على هذه القرارات والتي قد تفاقم من الوضع الإنساني، وبناءً على تلك الأخبار المتداولة، تواصل فريق أخبار الآن بالبنك المركزي اليمني قبل ساعات من إعلان مكتب المبعوث الأممي عن الإتفاق للاستيضاح حول صحة المعلومات وحصل على ردًا من الإدارة العليا للبنك المركزي تنفي صحة تلك المعلومات.
إحباط وصدمة لليمنيين
يقول محمد دهمان – باحث وناشط على مواقع التواصل الإجتماعي بأنه لم يكن يتوقع إلغاء القرارات تمامًا، “كنت اتوقع أن يتم تأجيل القرارات لفترة محددة في مقابل أن يكون للحكومة اليمنية شروط والتي قدمها مجلس القيادة الرئاسي والتي تتمثل في عودة تصدير النفط والتزام الحوثيين بعدم استهداف الموانئ النفطية، وتوحيد العملة وإنهاء الانقسام المصرفي، ولكن صياغة البيان الذي نشره مكتب المبعوث الأممي كان صادم بالنسبة لي، حيث إن صياغة هذا البيان كانت مُهينة تحديدًا فقرة (عدم إصدار قرارات مشابهة) وهو ما أراه تدخل في سيادة القرار اليمني”.
أبدى العديد من الإعلاميين والناشطين امتعاضهم من التنازلات المتكررة التي تقدمها الحكومة المعترف بها دوليًا، في مقابل عدم تنفيذ الحوثيين لأي من بنود الاتفاقيات التي يوقعها، حيث يرى اليمنيين أن بتوقيع الإتفاقية هذه تكون الحكومة اليمنية فقدت أحد كروت قوتها، حتى أن مجلس القيادة الرئاسي لم يضغط على الأمم المتحدة وجماعة الحوثي للقبول بالشروط والتي كان قد أعلنها في بيان سابق، حيث تضمنت توحيد العملة وإعادة تصدير النفط وتجنيب القطاع المالي والمصرفي من الصراع، مقابل إنتصار تروجه الجماعة الحوثية أمام أتباعها، حيث تقول بأنها انتزعت هذه الإتفاقية بالقوة دون أي تنازل.
وهو ما جاء في تغريدة الإعلامي كامل الخوداني، الذي قال أشار فيها إلى أن الحكومة اليمنية ومجلس القيادة تنازل دون أن الحصول على أي مكسب، وأن المكاسب كلها ذهبت لصالح الحوثيين.
ولا خرجوا بإي مكسب
حتى مكسب واحد مافيش
كلها لصالح الحوثيطيب اقل حاجه خلوهم يدفعوا قيمة الكوافي اللي اشتريناها.
هذا جنون
انتحار
عمرها ماحصلت بالتاريخ
ولا حصلوا على تنازل واحد وتنازلوا عن كل شي.. بلاش.هكذا لوجه الله.
كارثه.
ايش ماسكين عليهم من ذله
مستحيل يكونوا طبيعيين.— كامل الخوداني (@KamelAlkhodani) July 23, 2024
إلا أن العديد من السياسيين اليمنيين يروا بأن التنازلات التي قدمتها الحكومة الشرعية تأتي في إطار الوصول إلى حل شامل للأزمة اليمنية، وهو ما جاء في تغريدة حورية مشهور – وزير حقوق الإنسان السابق، والتي قالت بأن أي خطوة في طريق السلام في اليمن مُرحب بها شريطة أن تلبي تطلعات اليمنيين.
باختصار أي خطوة في طريق السلام في #اليمن مُرحب بها . والسلام المنشود هو السلام الشامل والعادل والذي ينبغي أن تُوفر له شروط الاستدامة. لا نريد – كقوى مدنية- سلاماً هشاً لا يعالج جذور الصراع ، بل سلام يحقق تطلعات اليمنيين كافة من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
— Hooria Mashhour (@Hooria_Mashhour) July 23, 2024
التراجع يضر بمكانة البنك المركزي
ويرى الخبراء المصرفيين إن التراجع عن قرارات البنك المركزي و الطلب من سوفت بإلغاء القرار قد يؤثر على مكانة البنك المركزي اليمني وقراراته في ضبط السياسة النقدية مستقبلاً، وقد يشجع جماعة الحوثي على التغول والبطش وزيادة إنتهاكاتها على القطاع المالي والمصرفي باليمن.
يقول عبدالواحد العوبلي – الباحث في الإقتصاد اليمني لـ أخبار الآن “نرجع لحقيقة أن قرارات البنك المركزي اليمني لم يكن لها تأثير على الاقتصاد اليمني بأرض الواقع، صحيح أنها ازعجت تحركات الحوثي الماليه فقط، لكنها لم تقضي على الانقسام النقدي بل أنها سببت مشاكل للبنوك ولم تحسن في الاقتصاد، يعني المواطن اليمني لم يجد أي تحسن في مائدته، وبالتالي فإن إلغاء القرارات ايضًا سيستفيد منه الحوثي بالمقام الأول لكن المواطن اليمني ستستمر معاناته كما كانت دائمًا، وأود التنبيه علي أن القرارات اخذت صدى اعلامي ضرها اكثر من نفعها”
ويضيف العوبلي ” أرى أنه لو كانت القرارات مرت بهدوء بدون الضجة الإعلامية يمكن كانت تنفذ بطريقة افضل او يمكن كانت تؤتي ثمارها بطريقة افضل بالتعاون مع البنوك، حيث أن مشكلة قرارات البنك المركزي أنها استعدت البنوك التجارية وجعلت منها أعداء أو خصوم، وهو ما أضعف موقف الحكومة والبنك المركزي وعزز قوة الحوثيين وتسبب بعدم تنفيذ أي من هذه القرارات”
تجدر الإشارة إلى أنه بعد إعلان المبعوث الأممي عن إلغاء القرارات، قدم محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي إستقالته برفقة منصور راجح وكيل المحافظ للرقابة على البنوك، إلا أن المجلس الرئاسي اليمني رفض الإستقالة بالإجماع وذلك بحسب إعلام رئاسة الجمهورية التي أكدت على الإبقاء على المحافظ والفريق التابع له في مهامهم، ولكن المثير أن الإستقالة التي نُشرت نسخ منها على مواقع التواصل كانت مؤرخة بتاريخ 17 من يوليو، وهو ما يدل على إن الأسابيع الماضية شهدت تجاذبات بين رئاسة البنك المركزي ورئاسة الجمهورية.
وتعليقًا على تقديم استقالة محافظ البنك المركزي أحمد المعبقي، يقول العوبلي أن محافظ البنك لم يقدم أي شيء للبنك المركزي فعليًا على أرض الواقع، ولكن ازعج الحوثيين، وأن العملية كانت غير محسوبة كان يمكن أن يتم اتخاذ القرارات هذه في وقت سابق وأن تُنفذ هذه القرارات بطريقة أكثر سلاسة وسهولة بالتعاون مع البنوك وليس بعدائها.
إنهيار متواصل لقيمة الريال اليمني
تجدر الإشارة أن قيمة الريال اليمني تراجع بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة في مناطق الحكومة اليمنية، حيث وصل إلى نحو 1900 ريال مقابل الدولار الواحد، وهو ما يعزوه رشيد الآنسي – المحلل الخبير الاقتصادي إلى إنعدام الدخل للحكومة من النقد الأجنبي، حيث يقول لـ أخبار الآن “السبب الأساسي للإنهيار المتسارع لقيمة الريال اليمني في الفترة الأخيرة، ليس له علاقة بقرارات البنك، بل من تتحمل ذلك هي الحكومة التي تعتمد في تمويل موازنتها على مصادر تضخمية، في ظل انعدام الإيرادات الدولارية.”
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه “كلما تأخرت الحكومة عن إجراء إصلاحات إقتصادية، كلما تدهور وضع الريال اليمني أكثر، وأعتقد أنه لا وديعة سعودية ولا مساعدات سوف تحسن من سعر الصرف، ما لم تقوم الحكومة بتحسين إيراداتها وتقليص مصروفاتها من النقد الأجنبي”.
ويضيف الآنسي “من الكارثي أن الإيرادات الحكومية تصل إلى الصفر من النقد الأجنبي، بينما كل مصروفات الحكومة وموظفيها بالدولار، خصوصًا مع تواجد معظم الموظفين بالخارج، وهذا سوف يؤثر بشكل كبير على إتساع الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، وآثاره واضحة من خلال تدهور سعر الريال، وقد يزداد التدهور بشكل أكبر، ومن المهم الإشارة إلى إن القرارات الأخيرة للبنك المركزي ليس لها أي علاقة في سعر الصرف، ولن تكون آثارها ملموسة على المدى القريب، وإنما ستكون على المدى البعيد”.
ولكن ما يهم المواطن اليمني اليوم ليس تنفيذ القرارات ولا إلغاؤها، ما يهم اليمنيين جميعًا هو تحسن الوضع الإقتصادي، حيث ارهقت سنوات الحرب جميع فئات المجتمع اليمني، من المواطنين مرورًا بالتجار والشركات التجارية وصولاً إلى البنوك والمصارف.