أسرار القنب الهندي في المغرب
شباب يبحث عن الهروب، تقلبات مزاجية حادة، فقدان التركيز، وضبابية في الرؤية.. إنها أعراض القنب الهندي Cannabis. يُعَدُّ المغرب من أبرز الدول المنتجة للقنب الهندي في العالم، حيث يلعب دورًا هامًا في دخل بعض المناطق الريفية، وخاصة في شمال البلاد.
هذه الصناعة، التي ترتبط بشكل وثيق بمنطقة الريف الجبلية، لا تؤثر فقط على الاقتصاد ولكنها تثير أيضًا قضايا اجتماعية وسياسية وأمنية معقدة.
ورغم توفير زراعة القنب الهندي دخلًا ثابتًا للمزارعين في المناطق الفقيرة التي تفتقر إلى فرص العمل الأخرى، فإن الاعتماد على زراعة القنب له آثاره الاجتماعية السلبية، بما في ذلك العنف المرتبط بتجارة المخدرات، والتحديات الصحية المرتبطة بتعاطي المخدرات.
وفي خطوة غير مسبوقة في المنطقة العربية، أعلن المغرب عن تشريع بيع القنب الهندي في الصيدليات بدءاً من يونيو 2024، بعد حذفها حديثا من قائمة المخدرات الخطيرة في الأمم المتحدة
يُعتبر هذا القرار جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تنظيم استخدام القنب لأغراض طبية وترفيهية، ومحاربة الاتجار غير المشروع، وتعزيز الرقابة على بيع القنب.
بيع وتوزيع منتجات القنب ستقتصر في البداية على الصيدليات فقط لضمان المراقبة الدقيقة، مما يسمح للسلطات بترتيب النظام بشكل أفضل قبل النظر في توسيع نطاق البيع.
كشف تقرير حديث صادر عن المكتب الأممي المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) عن تصاعد مقلق في كميات القنب الهندي المضبوطة في منطقة الساحل الإفريقي، مع التركيز على دور المغرب كمصدر رئيسي لهذه المواد. ولكن، إلى جانب التقرير الأممي، تظهر العديد من الدراسات والمصادر الأخرى أبعادًا إضافية لهذا الموضوع.
زيادة في ضبط الكوكايين في منطقة الساحل
شهدت منطقة الساحل زيادة كبيرة في ضبط كميات الكوكايين. فقد ارتفعت الكميات المضبوطة من متوسط 13 كغ سنويًا خلال الفترة 2015-2020 إلى 1466 كغ في عام 2022، حيث تم ضبط معظم هذه الكميات في بوركينا فاسو ومالي والنيجر. يعكس هذا الارتفاع نشاطات متزايدة للاتجار بالكوكايين في المنطقة .
المخدرات الأكثر شيوعًا في منطقة الساحل
إلى جانب الكوكايين، يعتبر راتنج القنب والمواد الأفيونية الصيدلانية من المواد الأكثر شيوعًا في منطقة الساحل. ويعد القنب العشبي الأكثر ضبطًا من حيث الكمية. يعزى انتشار القنب الهندي إلى سعره المعقول، مما يجعله شائعًا بين المدمنين في جميع أنحاء العالم .
حيث صرّح د. عبد السلام الكرومبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات، لأخبار الآن، إن معضلة الإدمان بالمغرب، والمؤشرات الرقمية وواقع الحال يشيران بوضوح إلى أن الوضع في تفاقم مستمر. ما يثبت هذا هو الزيادة المضطردة في عدد الزيارات لمقر الجمعية.
وبالنسبة لنوع الإدمان الأكثر شيوعاً بين الحالات التي استقبلتها الجمعية، فإن الاستهلاك المتعدد لأكثر من نوع من المخدرات يتصدر القائمة، خصوصاً القنب الهندي، السيجارة بأنواعها، والحبوب المهلوسة. هناك نسبة أقل من الزوار ممن يتعاطون المخدرات الصلبة، ويرجع ذلك لعوامل فيزيولوجية، اجتماعية، نفسية، واقتصادية
المغرب المصدر رئيسي للقنب الهندي
تعتبر المغرب المصدر الرئيسي لراتنج القنب المتجه إلى منطقة الساحل. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج راتنج القنب في المغرب بلغ حوالي 901 طن في عام 2022. يتم تهريب هذه المواد عبر طرق برية تمر بموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، وأحيانًا عبر طريق بحري يصل إلى أبواب خليج غينيا .
هل تتواطأ وتتساهل الجهات المسؤولة؟
أوضح التقرير الأممي أن عمليات الضبط والاعتقال الأخيرة في بلدان الساحل أظهرت تورط مجموعة واسعة من الأفراد، من بينهم سياسيون وأفراد من قوات الدفاع والأمن وأعضاء في السلطة القضائية، في تسهيل عمليات تهريب المخدرات. يشير هذا التورط إلى وجود شبكات معقدة تسهم في استمرار هذه التجارة غير القانونية.
مواد كيميائية مشتقة
تحتوي نباتات القنب على العشرات من المواد الكيميائية المشتقة، بما في ذلك “الكانابيديول” أو “سي بي دي”.
وتنظم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية استخدام القنب الهندي في الأدوية والأجهزة الطبية والمكملات الغذائية والأغذية مثل حليب الأطفال.
زراعة القنب الهندي في المغرب: المناطق، الأوقات، وطرق التصدير
المناطق الزراعية:
زراعة القنب الهندي تتركز في شمال المغرب، خاصة في مناطق الريف. المناطق الرئيسية تشمل:
- إقليم الحسيمة: يتميز هذا الإقليم بتضاريسه الجبلية ومناخه المناسب لزراعة القنب الهندي.
- إقليم شفشاون: يشتهر هذا الإقليم بزراعة القنب منذ سنوات طويلة.
- إقليم تطوان: يساهم بشكل كبير في إنتاج القنب في المنطقة.
وقت الزراعة:
- الزراعة: تبدأ عملية زراعة القنب الهندي في فصل الربيع، تحديدًا في شهري مارس وأبريل.
- الحصاد: يتم حصاد القنب في فصل الخريف، عادةً في شهري سبتمبر وأكتوبر.
طرق الزراعة:
- التقنيات التقليدية: يعتمد المزارعون في هذه المناطق على الطرق التقليدية في الزراعة، مثل استخدام البذور المحلية والاعتماد على مياه الأمطار.
- التقنيات الحديثة: في بعض المناطق، يتم استخدام تقنيات حديثة مثل الري بالتنقيط واستخدام البذور المحسنة، مما يساعد على زيادة الإنتاجية وجودة المحصول.
- المساحة المزروعة: بحسب تقارير الأمم المتحدة، تُقدر المساحات المزروعة بالقنب في المغرب بحوالي 47,000 هكتار، وهو ما يمثل انخفاضًا مقارنة بالسنوات السابقة، حيث كانت المساحات المزروعة تصل إلى 130,000 هكتار في عام 2003. ورغم هذا الانخفاض، لا يزال المغرب المُصدر الرئيسي لراتنج القنب، وخاصة إلى الأسواق الأوروبية
التنظيم والتقنين:
في عام 2021، أصدر المغرب قانونًا ينظم زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية. هذا القانون يشمل:
- التراخيص: يتطلب القانون من المزارعين والشركات الحصول على تراخيص لزراعة ومعالجة القنب.
- المناطق المرخصة: يتم تحديد مناطق معينة يُسمح فيها بزراعة القنب الهندي.
- الأغراض الطبية والصناعية: يتم استخدام المحصول المنتج لأغراض طبية وصناعية فقط، مع منع الاتجار غير المشروع.
التصدير:
يسعى المغرب إلى تصدير منتجات القنب الهندي إلى الأسواق الدولية، وخاصة:
- الأغراض الطبية: يتم تصدير الزيوت المستخرجة من القنب الهندي المستخدمة في الصناعات الطبية إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
- المواد الصناعية: تصدير الألياف والبذور لاستخدامها في صناعات مثل النسيج والبناء.
أخيرا يمكننا القول أن القنب الهندي في المغرب قضية ذات أبعاد متعددة تتجاوز مجرد كونه نباتًا. من تأثيراته على الأفراد والمجتمعات إلى التحديات التي تطرحها الحكومة في مكافحة الاستخدام الغير مشروع، فإن القنب الهندي يكشف عن جوانب متنوعة ومعقدة من الحياة الاجتماعية في البلاد.