دعوى قضائية ضد نظام الأسد بتهمة قتل الطبيب مجد كم ألماز
لم يكن يدرك الطبيب الأمريكي من أصول سورية مجد كم ألماز، حين قدم إلى بلده الأم عام 2017 أنه لن يتمكن من رؤية عائلته مجددا، أو حتى يسمع صوت أي من أفرادها، فهي زيارة كان من المفترض أن تكون كغيرها، لرجل اعتاد أن يجول العالم لمساعدة الجرحى في الشفاء، من الناجين من إعصار كاترينا في نيو أورليانز إلى الناجين من الإبادة الجماعية في البوسنة وكوسوفو، وغيرها الكثير.
لكن ولأن النظام السوري ربما لا يميزه سوى طبيعته الوحشية وعمله القمعي العنيف، كان مجد واحدا من ضحاياه، دون أن يشفع له كونه طبيبا كرس حياته لمساعدة المحتاجين، بعد أن وجد شغفه في علاج الناجين من الصدمات والضيق، أو هؤلاء ممن عاشوا حياتهم يعانون، سواء كانت هذه المعاناة ناجمة عن كارثة طبيعية أو كانت من صنع الإنسان، فهو كما تصفه ابنته “كان الابن المحب، والزوج الرائع، والأب ذو القلب الطيب”.
في منتصف فبراير/شباط من عام 2017 ذهب الطبيب مجد لزيارة أحد أقاربه في سوريا، بعد أن تأكد من عدم وجود أي عوائق أمام دخوله لدى المسؤولين السوريين، لكن بعد دخوله الأراضي السورية انقطعت أخباره عن عائلته، لتظهر بعدها تقارير استخباراتية عن اعتقاله من قبل نظام الأسد.
تقول المنظمة السورية للطوارئ وهي منظمة سورية-أمريكية غير ربحية، مقرها واشنطن العاصمة، إن مجد اعتقل في دمشق بعد يوم واحد فقط من وصوله، بعد أن تم توقيفه عند نقطة تفتيش تابعة للنظام السوري، وظل محتجزًا بشكل غير قانوني حيث تعرض لتعذيب وحشي حتى تلقت عائلته تأكيدًا رسميًا بوفاته في أيار/ مايو 2024.
70 مليون دولار
وفي 22 تموز/يوليو الجاري، أعلنت شركة ميلر آند شوفالييه (Miller & Chevalier) للمحاماة بالتعاون مع المنظمة السورية للطوارئ (SETF) عن رفع دعوى مدنية بالنيابة عن عائلة المعالج النفسي الأمريكي مجد كم ألماز في المحكمة الجزائية الأمريكية بواشنطن العاصمة.
وهي التي تهدف بحسب مدير المنظمة للطوارئ معاذ مصطفى إلى محاسبة النظام السوري على جرائمه، بما في ذلك الاعتقال غير القانوني، التعذيب، والقتل، من خلال فرض عقوبات جزائية والمطالبة بتعويضات مالية لعائلة مجد كم ألماز.
وأضاف مصطفى في تصريحات لـ”أخبار الآن”: أن من بين أهداف هذه القضية هو ترتيب القواعد والأسس لرفع قضية جنائية من قبل الحكومة الأمريكية نفسها، ضد نظام بشار الأسد، وهو أمر سيساعد بالتأكيد في تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
كما تسعى الدعوى وفقا لشركة ميلر آند شوفالييه إلى الحصول على تعويضات عقابية وتعويضية لا تقل عن 70 مليون دولار من نظام الأسد عن الاحتجاز غير القانوني والتعذيب وقتل مجد كم ألماز.
فضح ممارسات الأسد
ويرى مصطفى أن دعوى كهذه ستسهم في فضح ممارسات نظام الأسد سياسيا، وأنه من خلال قصة مجد وعن طريق المحكمة المفتوحة، سيتم تسليط الضوء أكثر على سوريا وما يجري بها، مشيرا إلى تصريحات نقلها عن ابنة الدكتور مجد مريم حين قالت أن والدها كان سيستمر في النضال حتى إطلاق سراح جميع المعتقلين في معسكرات النظام.
في هذا الصدد، قالت مريم ابنة الدكتور مجد كم ألماز في حديث لها مع “أخبار الآن”، أن عائلتها تعمل على خطى الوالد لمساعدة المظلومين والمعتقلين، وأنهم لهذا السبب قاموا برفع الدعوى ضد النظام السوري، الذي تقول إنه عذب مئات الآلاف من المعتقلين وشرد ملايين اللاجئين.
تحقيق العدالة.. أمل كبير
وأعربت مريم عن أملها الكبير في تحقيق العدالة، من خلال هذا المسار القضائي الذي اختارت العائلة أن تسلكه بعد أن تأكدت وفاة الوالد في سجون النظام تحت التعذيب، مشيرا إلى سعيهم من أجل فتح تحقيق جنائي ومحكمة جنائية ومحاسبة كل من كان له دور في هذه الجرائم الفظيعة.
من جانبه أكد كيربي بير، عضو شركة ميلر آند شوفالييه والمحامي الرئيسي في القضية، أن هذه الدعوى تم رفعها لمحاسبة النظام السوري على جرائمه البشعة ضد مجد كم ألماز.
وأضاف: نهدف من خلال هذه الدعوى إلى تسليط الضوء الدولي على الفظائع التي يرتكبها النظام السوري ضد آلاف الضحايا.
عندما كان الدكتور مجد شابًا يعيش في ليتل روك، أركنساس، كان يقدم المشورة للشباب المضطرب ووقع في حب علاج الآخرين. وبعد فترة وجيزة من إكمال دراسته في علم النفس، توصل إلى استنتاج مفاده أنه سيعالج أولئك الذين عانوا من أشد أشكال الصدمات.
طبيب الإنسانية
وباعتباره معالجًا نفسيًا، سافر عبر البلاد وحول العالم، لمساعدة الجرحى على الشفاء.
بعد بدء الثورة السورية ولجوء السوريين إلى الدول المجاورة، وجد مجد أن لاجئي لبنان أكثر من يحتاج إلى المساعدة، فقرر إنشاء مركز للدعم النفسي والاحتياجات الإنسانية.
في عام 2012 أسس مركز دعم في لبنان، أحدهما في مدينة البقاع، والآخر في مدينة عرسال، وقدم خدمات الدعم النفسي للاجئين، والخارجين من المعتقلات، كما درّب أطباء ومدربين في مجال الدعم النفسي، وكان على تواصل مع أطباء من الداخل وكان يتعاون معهم فيما يخص التدريب والدعم.
وبينما شكل خبر اغتيال مجد كم ألماز على يد نظام الأسد ضربة مدمّرة لعائلته وأصدقائه وجميع الذين ناضلوا بلا كلل من أجل حريته، يقول مدير المنظمة السروية للطوارئ، معاذ مصطفى إن ما جرى جريمة ضد الإنسانية وضد الشعب السوري، كما أنها جريمة ضد المجتمع الدولي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي يحمل مجد جنسيتها.
جريمة ضد الإنسانية
يضيف مصطفى في حديثه مع “أخبار الآن” أن نظام الأسد ارتكب هذه الجريمة ضد إنسان يعلم تماما أنه لس مجرم، وإنما بالعكس يعمل في المجال الإنساني، وهو أمر بحسب معاذ يدفعهم أكثر إلى العمل من أجل الوصول إلى العدالة للدكتور مجد، وكذلك لكل الأهالي، الآباء، والأمهات والأطفال والمسنين السوريين، الذين اعتقلوا ومازالوا معتقلين أو هؤلاء الذين قتلوا وأعدموا في معسكرات النظام، مؤكدا أن المنظمة تعمل في هذه الدعوى باسم مجد لكل المعتقلين السوريين خصوصا هؤلاء الذين كانوا بالمخابرات الجوية بحي مزة في دمشق.
في هذا الصدد يتوقع السفير الأمريكي السابق لشؤون قضايا جرائم الحرب ستيفن راب أن تحكم المحكمة الجزئية الأمريكية على النظام السوري بمسؤوليته عن “الإرهاب الذي ترعاه الدولة” بتعذيب الدكتور مجد كم ألماز حتى الموت أثناء احتجازه لديها، ومنح عائلته الناجية تعويضات بملايين الدولارات.
محاسبة نظام الأسد
وحول إذا ما كان يمكن لهذه الدعوى أن تحاسب النظام السوري على جرائمه الشنيعة بحق مجد وغيره من الأبرياء الذين قتلوا في السجون، قال السفير ستيفن راب، في حديثه مع أخبار الآن، إنه من الممكن بالفعل صدور حكم مدني ضد الدولة السورية نفسها، بنفس الطريقة التي حصلت بها عائلة الصحافية الأمريكية ماري كولفين، بسبب استهدافها المتعمد من قبل ماهر الأسد والنظام السوري.
وقُتلت كولفين، التي كانت تعمل في صحيفة “صنداي تايمز” في 22 من شباط فبراير 2012، مع المصور الفرنسي ريمي أوشليك، بقصف لقوات النظام في حي بابا عمرو، الذي كان في ذلك الحين أحد معاقل المعارضة.
وبموجب الدعوى القضائية، أصبح ماهر، وهو قائد الفرقة الرابعة المدرعة، مطلوبًا للقضاء الأمريكي بجريمة قتل.
وشرح راب: ” سيكون مشابهاً للحكم المدني الذي صدر ضد سوريا لصالح الأمريكي كيفن داوس بتهمة التعذيب في زنزانات النظام، والذي كان محظوظاً بالنجاة منه”.
يضيف: “قضية كم ألماز ستكون مهمة لأنه سوري أمريكي، وبالتالي أكثر تمثيلاً لعشرات الآلاف من السوريين الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت على يد النظام. قضيته مهمة لأنه طبيب ذهب إلى المنطقة لأسباب إنسانية، ويجب تكريم خدمته”.
وبينما تنادي ابنة الدكتور مجد دوما بضرورة إقرار قانون مكافحة التطبيع مع النظام السوري بشكل عاجل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد مريم في تصريحاتها لـ”أخبار الآن” أن هذه الخطوة ستسهم في تحقيق العدالة ومحاسبة نظام بشار الأسد على جرائمه.
كما شددت على ضرورة فتح محاكم ضد النظام السوري ودعم جهود العاملين على حماية المدنيين وعلى محاسبة مجرمي الحرب، بتطبيق العقوبات عليهم ووضعهم أمام العدالة.
لكن ما هو المتوقع من هذه الدعوى المرفوعة في واشنطن؟، يقول مدير المنظمة السورية للطوارئ، إن هذه الدعوى تجعل الحكومة الأمريكية تحاول الوصول لأموال الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته، كما تزيد الضغط السياسي من قبل الشعب الأمريكي وكذلك الكونغرس.
يضيف معاذ مصطفى أن هذه القضية تمهد لقضية جنائية ومن الممكن أن تصل إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق كل من شارك في ارتكاب هذه الجرائم والانتهاكات الفظيعة، التي لم تفرق بين طفل أو شاب أو رجل أو امراة أو حتى مسن، مشددا على أنهم سواء في المنظمة السورية للطوارئ او عائلة الطبيب مجد كم ألماز، لن يستسلموا حتى يأتي اليوم الذي يرون فيه محاسبة نظام الأسد وكل من ساعده من إيران أو روسيا، وغيرهما من حلفائه.
بطلي وقدوتي
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها عائلته ومجموعات المناصرة والمجتمع الدولي، بما في ذلك جهود منظمة (SETF)، لتأمين إطلاق سراحه وضمان سلامته، ظل مجد محتجزًا ظلمًا لسنوات، تعرّض خلالها لتعذيب لا يمكن تصوّره. قبل أن تتلقى عائلة كم ألماز مؤخرًا تأكيدًا بأن مجد كم ألماز تعرّض للتعذيب حتى الموت على يد نظام الأسد.
تقول ابنته مريم وهي تتذكر ما جرى: “كان والدي بطلي وقدوتي وكان النور لمساعدة المظلومين”. تضيف أنه منذ اليوم الأول لاعتقال والدها، سعت العائلة مع الحكومة الأمريكية، وبذلت جهودا كبيرة من أجل حرية الدكتور مجد.
واستكملت حديثها: “لكن بعد فترة، علمنا من الحكومة الأمريكية أن والدي قتل تحت التعذيب في سجون النظام”.
مئات الآلاف من المعتقلين
ولم يكن الدكتور مجد كم ألماز الوحيد في سجون النظام السوري ممن يحملون الجنسية الأمريكية، إذ يقول معاذ مصطفى إن المنظمة السورية للطوارئ تعلم بوجود عدد من المعتقلين الأمريكيين في هذه المعسكرات، لكنه لم يشر إلى أي منهم بناء على رغبتهم عائلاتهم التي ترفض التصريح عن ذلك.
لكنه أشار إلى أن عدد المعتقلين ممن يحملون الجنسية الأمريكية في سجون سوريا أكثر من اي دولة أخرى، لافتا إلى أنه يعتقد أن العدد الإجمالي لم يقبعون في معتقلات نظام بشكل عام ربما يفوق مئات الآلاف من السوريين ومن يحملون جنسية أخرى.
يضيف: “لن نستسلم كذلك حتى إسقاط النظام ومحاسبة كل المجرمين”، معربا عن أمله في أن يتحرك المجتمع الدولي بفعالية أكبر من أجل تحقيق هذا الهدف، كما حدث في قضية اعتقال أحد رموز النظام قبل أيام سمير عثمان الشيخ.
وتطرق مصطفى إلى هذه القضية، مشيرا إلى أن المنظمة السورية للطوارئ هي من أعلمت الحكومة الأمريكية عن وجوده في في الولايات المتحدة، بعد أن بنت الأدلة وجمعت الشهود، بالتنسيق مع وزارة العدل والمحققين الأمريكيين، وحتى محاسبته على كل جرائمه في دير الزور أو في سجن عدرا.
وأضاف مدير المنظمة السورية للطوارئ أن قضية الشيخ تعنى اعتقال أكبر منصب من النظام بتاريخ سوريا، وهو أمر له صدى كبير ومهم على كل المستويات، بالنسبة للشعب السوري والثورة السورية، وكذلك على صعيد النظام وحلفائه.