بعد صراعه مع “الشباب”.. الصومال يواجه خطرا جسيما بسبب تهديدات داعش
سجل مشروع بيانات أحداث العنف السياسي في الصومال 395 حدث عنف سياسي و1082 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها في الفترة من 1 يونيو إلى 26 يوليو 2024.
وبينما تركزت معظم أحداث العنف السياسي في منطقة شبيلي السفلى، حيث ظلت هجمات الشباب التي تستهدف قوات الأمن عند مستويات مرتفعة، بدا واضحا نشاط تنظيم داعش منذ شهر مايو/أيار، في الصومال بشكل متزايد في منطقة بونتلاند شبه المستقلة.
وبعد الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة في مايو/أيار والتي استهدفت مواقع التنظيم وهددت حياة زعيمه عبد القادر مؤمن، شن فرع داعش في الصومال عدة هجمات على قوات الأمن ومراكز الأعمال، واشتبك مع جماعة الشباب للسيطرة على سلاسل جبلية استراتيجية في بونتلاند.
استهداف “الخليفة” المزعوم
في الأسبوع الأخير من شهر مايو، نفذت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الجيش الصومالي، ثلاث غارات جوية استهدفت مواقع داعش في بونتلاند.
وهذه هي الجولة الأولى من الغارات الجوية ضد داعش منذ أبريل 2023، واستهدفت إحدى هذه الغارات عبد القادر مؤمن – زعيم ومؤسس داعش في الصومال- في محيط قرية دهدار، منطقة باري، في 30 مايو، لكنه نجا مؤمن من الهجوم، الذي قتل فيه ثلاثة مسلحين، من بينهم أحد القادة.
In coordination with the Federal Government of Somalia, U.S. Africa Command conducted an airstrike in Somalia targeting ISIS militants, May 31, 2024.https://t.co/MRu2qhzPQE
— U.S. Africa Command (AFRICOM) (@USAfricaCommand) May 31, 2024
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن تهديد داعش يتزايد في الصومال بعد أن سافر كبار أعضاء داعش إلى الصومال لتوسيع وتطوير الروابط في المنطقة.
علاوة على ذلك، يعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أن عبد القادر مؤمن هو زعيم داعش في جميع أنحاء العالم.
السيطرة على جبال بوراها كالي مسكات
وعلى الرغم من هذا التهديد المتزايد الذي يُقال إن فرع تنظيم داعش في الصومال يمثله إقليميًا وعالميًا، تشير التقارير إلى أن المجموعة لديها ما بين 100 و400 مقاتل، يعملون إلى حد كبير في ولاية بونتلاند الشمالية الشرقية.
وعلى الرغم من أن نشاط التنظيم ظل محدودًا إلى حد ما في عام 2024، حيث سجل سجل مشروع بيانات أحداث الصراع في الصومال خلال هذه الفترة ما يقرب من 10 أحداث، بدا واضحا أن داعش وسعت أنشطتها في معقلها في بونتلاند.
ومن الجدير بالذكر أن داعش فرضت السيطرة على سلسلة جبال بوراها كالي مسكات، التي كانت تحت سيطرة جماعة الشباب في السابق، في منطقة باري.
وهذه التضاريس الوعرة استراتيجية للتنظيم لأنها توفر مخابئ ومعسكرات تدريب للمتشددين.
عشيرة ماجيرتين
وعلى الرغم من وجود جماعة الشباب، فقد زاد داعش أيضًا من نفوذه في مدينة بوساسو الساحلية والقرى النائية المحيطة بها في منطقة قندلا.
وقد سهّل أحد العوامل هذا التوسع: منطقة قندلا هي موطن لعشيرة علي ساليبان، وهي عشيرة فرعية من عشيرة ماجيرتين، التي ينحدر منها مؤمن، وبالتالي فإن الوجود المسلح في هذه المنطقة يجعل من السهل على الجماعة تجنيد الأتباع وفرض السيطرة.
إتاوات داعش
ولتمويل معركتها من أجل السيطرة على المناطق الاستراتيجية في بونتلاند، زادت داعش مدفوعاتها الشهرية من الشركات، والتي تعتبرها الجماعة “ضرائب”.
وتستخدم هذه الأموال لدفع رواتب المقاتلين ودعم أنشطة الجماعة، بما في ذلك التجنيد.
ويواجه أولئك الذين يؤخرون أو يرفضون الدفع خطر العنف المستهدف؛ حيث يشن مسلحو داعش هجمات بالقنابل اليدوية ضد الشركات التي تفشل في الامتثال لمطالبهم بالدفع.
هروب شركات وإغلاق مستشفيات
وبعد أن بدأ داعش في طلب مبالغ أعلى في عام 2023، بدأت الشركات في الإغلاق بسبب التهديدات من الجماعة.
على سبيل المثال، في يونيو/حزيران 2024، أغلق مستشفيان خاصان كبيران في مدينة بوساسو في مواجهة مطالب ابتزاز داعش.
وكان هذان المستشفيان من آخر المستشفيات القليلة المتبقية في المدينة التي تقدم خدمات التشخيص.
وفي أحدث هجمات الجماعة في 19 و25 يونيو/حزيران، أمرت داعش شركة بولشو للتجارة وشركة توفيق للتجارة العامة في بوساسو بدفع “ضريبة”.
وردًا على ذلك، أغلق أصحاب الشركات التي زودت سلعًا مثل مواد البناء والمواد الغذائية خوفًا من الهجوم. وعلى نحو مماثل، أغلقت شركة بارزة في بونتلاند في عام 2023 مراكزها التجارية بعد أن طالبت المجموعة بـ 500 ألف دولار أمريكي واستهدفت الشركة بهجوم بقنبلة يدوية.
ووفقا لتقارير دولية، وعدد من المراكز البحثية المتخصصة في شؤون الجماعات الجهادية، بات فرع داعش في الصومال يشكل تهديدًا كبيرًا، ليس على المستوى المحلي فحسب وإنما على المستوى الدولي والإقليمي، ليس فقط بسبب تزايد هجماته الإرهابية وتحوُّل بعضها إلى هجمات واسعة النطاق، وإنما أيضًا لمساعي التنظيم تجنيد عناصر من خارج الصومال.
إلى ذلك تشير بعض التقارير إلى أن “داعش – الصومال” قد تحوَّل إلى مركز مالي لدعم التنظيم في إفريقيا، وذلك نظرًا لنجاحه في توفير مصادر تمويل تدرُّ عليه أموالًا طائلة، وهو ما جعل الصومال تمثِّل مركزًا لصرف الأموال ولتوجيه فروع وشبكات “داعش” في جميع أنحاء قارة إفريقيا.
واليوم، وبعد مرور عقد من الزمان على إعلان الخلافة في العراق وسوريا، خسر تنظيم داعش أراضيه، لكنه لا يزال يمارس نفوذه ويشكل تهديدًا متزايدًا في أفريقيا.
وفيما شكل صعود تنظيم داعش في العراق وسوريا تحولاً كبيراً في الإرهاب العالمي، واجهت الجماعة مقاومة عالمية شديدة بلغت ذروتها بمقتل البغدادي في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
ومنذ ذلك الحين، غير التنظيم استراتيجيته، وركز على الانتشار الأيديولوجي والعمليات اللامركزية، والتي وجدت لها أرضًا خصبة في أفريقيا.
بالعودة بالتاريخ إلى الوراء، يجد الباحث، أنه بعد عامين من تأسيس “الخلافة” المزعومة، أعلن البغدادي أن التنظيم “وسع نطاقه ونقل بعض قيادته ووسائل إعلامه وثرواته إلى أفريقيا”.
وبعد الهزيمة الإقليمية التي لحقت بتنظيم داعش في بلاد الشام، كان من المتوقع أن تستضيف أفريقيا العاصمة التالية للتنظيم.
وبناء على ذلك، فإن التحالف العالمي لهزيمة تنظيم داعش ينظر الآن إلى أفريقيا باعتبارها منطقة الأولوية العالمية الجديدة لمحاربة داعش.
وبينما يؤكد التهديد المستمر الذي يشكله تنظيم داعش في أفريقيا الحاجة إلى استراتيجيات مستدامة وقابلة للتكيف لمكافحة الإرهاب، يرى مراقبون أن القضاء على زعماء التنظيم في القارة السمراء لن يضع حداً للتهديد، مؤكدين أن معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتخفيف نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية تشكل خطوات حاسمة في مواجهة الظلال الدائمة لداعش في جميع أنحاء القارة.