بعد اختيار السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحماس.. من يقود مفاوضات الهدنة؟
جاء إعلان جماعة حماس تعيين قائدها في قطاع غزة يحيى السنوار رئيسا جديدا لمكتبها السياسي، خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتيل قبل أسبوع في العاصمة الإيرانية طهران، ليطرح سيلا من الأسئلة، لاسيما وأن الاختيار كان مفاجئا للبعض، في وقت اعتاد الفصيل الفلسطيني أن يكون رئيس مكتبه السياسي خارج غزة، نظرا لما يتطلبه هذا الدور من إمكانية السفر وهو ما لا ينطبق على السنوار الذي يعرف بـ”رجل الأنفاق”.
تساؤلات عدة أثارتها تلك الخطوة بشأن دلالاتها على صعيد التوقيت، حيث تشهد المنطقة تصعيدا غير مسبوق، وعلى صعيد الرسائل، خصوصا فيما يتعلق بمستقبل حماس، وعدد من الملفات المفتوحة والملحة، ويبدو أهمهما حاليا ملف المفاوضات، التي يقودها وسطاء إقليميون وغربيون يضغطون بكل جهد على طرفي الصراع، من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب التي أكملت شهرها العاشر ولا بصيص أمل يلوح في الأفق.
حول هذا الموضوع، يرى الدكتور رمضان أبو جزر مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث BIC رئيس المجلس الفلسطيني الأعلى أن حماس فاجات الجميع باختيارها ليحيى السنوار على رأس المكتب السياسي، معتبرا، أنه كانت هناك خيارات أكثر عقلانية وأكثر عملية بدلا من زعيم الحركة في غزة، في ظل وجوده مختبئا وصعوبة تواصله واتصاله للقيام بواجباته الرئيسية كرئيس للمكتب السياسي.
وأضاف أبو جزر في حديثه مع أخبار الآن أنه لم يكن هناك من يعتقد بأن حماس سوف تذهب إلى هذا الخيار، لكنه لفت إلى أن ما جرى يؤشر إلى وجود خلافات داخلية كبيرة، جعلت من الصعوبة بمكان اختيار شخصية معروفة وازنة، أو شخصية غير جدلية، وهو ما جعلها تذهب مباشرة إلى السنوار، باعتباره الشخص القوي في حماس والمتحكم ربما فيها حتى من قبل 7 أكتوبر.
رئيس المجلس الفلسطيني الأعلى، يرى أنه سيكون من الصعوبة بمكان أن يدير السنوار ملف المفاوضات من مخبأه في أنفاق غزة، لافتا إلى أن إنجاز ملف الأسرى بشكله التفاوضي لا يتقنه السنوار، لاسيما وأنه لطالما وصف نفسه بأنه ليس رجل سياسة.
وفي هذا الصدد اعتبر أبو جزر أن هذا الاختيار بمثابة إقرار ضمني بأن حماس الآن واقعة تحت سيطرة جناح في الأفق، ولا يظهر أنها في طريق التعافي، وبالتالي فإن تعيين السنوار وقيامه بالإشراف على هذا الملف يعني أن الحركة تزداد تعمقا في النفق التي أدخلت نفسها فيه، وجعلت الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رهينة لأخطائها.
وأشار مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث إلى أنه على الرغم من أن ملف الأسرى يعتبر الوحيد ذي قيمة في أيدي حماس، إلا أن الفترة الماضية شهدت تناقضات كبيرة في الخطابات الصادرة عن قيادات الحركة، سواء التي كان يلقيها أسامة حمدان من بيروت، أو إسماعيل هنية قبل اغتياله من قطر أو تركيا، وحتى بالنسبة للقياديين موسى أبو مرزوق وخالد مشعل.
وبينما يشير تولي السنوار قيادة الفصيل الفلسطيني بوضوح إلى توجه حماس نحو تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية وفقا لتقارير عدة، لا يتوقع الدكتور رمضان أبو جزر أن تشهد الفترة المقبلة، قرارات عقلانية بعد اختيار السنوار، حيث يرى أن هذا القرار سوف يلقي بظلاله المظلمة على قرارات الحركة وبالتالي على مصير الشعب الفلسطيني.
واستبعد رئيس المجلس الفلسطيني الأعلى، أن يتم إنجاز ملف الوحدة الفلسطينية في ظل التطورات الأخيرة، كما يعتقد أنه لن يتم التعامل مع يحيى السنوار كمسؤول من قبل أي طرف إقليمي أو دولي، مشيرا إلى إدراجه على قوائم الإرهاب الأمريكية والإسرائيلية كذلك، فضلا عن ان المجتمع الدولي يحمله مسؤولية أحداث 7 أكتوبر، ومن ثم لا يعتقد أبو جزر أن أن وجود السنوار سيكون إيجابيا في إنجاز ملف الأسرى من الناحية التفاوضية والسياسية.
لكن ماذا عن الرسالة التي أردات حماس إيصالها من وراء هذا القرار المفاجئ؟. يقول مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث إن هذه الرسالة رسالة حرب، مفادها الاستمرار في خط المواجهة حتى النهاية، إما أن تموت ويموت من ورائها معظم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإما أن تنتصر بمعايير السنوار الذي هو “فناء إسرائيل وحلفائها”.
وفيما يؤكد عدم وجود إجماع حول شخصية السنوار، ذكر أبو جزر بما جرى في عام 2021 حين فشل في الحصول على النجاح كرئيس للحركة في الدورة الثانية، حتى أعادت حماس الانتخابات 3 مرات فشل في جميعها، وفي الرابعة فاز بفارق بسيط بلغ 50.3% وهو أمر يدل بحسب المحلل السياسي الفلسطيني على انه لا يوجد إجماع على الرجل الذي يرى أنه انتزع و”سرق” هذا الإجماع من خلال تغييب القيادات التوفيقية داخل حماس.
هدية حماس لإسرائيل
وفيما اتهم رئيس المجلس الفلسطيني الأعلى، إسرائيل بالتسبب في عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار حتى الىن بسبب نتنياهو الذي يحارب فكرة الوقف الدائم، سرا وعلانية، يرى أن انتخاب حركة حماس ليحيى السنوار يعزز موقف نتنياهو ويخدم رؤيته بالاستمرار في قتل الفلسطينيين بحجة ملاحقة الإرهاب، وملاحقة حماس، بالإضافة إلى محاولة تحرير الأسرى.
ويعتقد الدكتور رمضان أبو جزر مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث أن تعيين السنوار رئيسا للمكتب السياسي، هي هدية أخرى من حماس تضاف إلى الهدايا التي قدمتها إلى نتنياهو منذ السابع من أكتوبر، وبالتالي ليس من المستبعد ان يخوض حروبا جديدة في غزة، وخارج غزة، بحجة ملاحقة السنوار.
تكريس السلطة
وأشار أبو جزر في حديثه مع أخبار الآن إلى أنه منذ تأسيس حركة حماس، لم يسبق أن جمع أي شخص أو أي قيادة ولا حتى لجنة، في حماس بين الجناحي العسكري والسياسي في آن واحد، وهو أمر بحسب رئيس المجلس الفلسطيني الأعلى، كانت الحركة تتغنى به معتبرين أن أن هناك تنسيق بين الجناحين وليس تبعية.
وينظر مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث إلى هذا التعيين، بأنه سيتسبب في معاناة الحركة على صعيد تركيبتها ومؤسساتها، وكذلك على صعيد العمل في الداخل والخارج، موضحا، أن حماس لديها ثلاث قيادات: قيادة حماس في غزة، وقيادة حماس في الضفة، وقيادة حماس في الخارج، لكن بهذا الاختيار تجتمع كل السلطات بيد شخص واحد، يختبئ ويصعب التواصل معه، وكذلك التنبؤ بما يمكن ان يقوم به.
في المقابل، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن اختيار السنوار رئيسا لمكتب حماس السياسي، قد يفتح الطريق أمام سرعة التوصل لاتفاق مرحلي لوقف إطلاق النار في ” غزة”، لكنه أشار إلى أن هذه الخطة، ستتوقف على رد فعل الطرف الآخر على هذا الاختيار.
ويعتقد الدبلوماسي المصري في حديثه مع أخبار الآن أن السنوار هو من سيتولى مهام المفاوضات في المرحلة المقبلة بالتنسيق مع أعضاء مجلس شوري الحركة، وأعضاء المكتب السياسي، مضيفا أن موقف حماس فيما يتعلق بهذا الملف، تم بلورته والاتفاق عليه قبل اغتيال إسماعيل هنية.
وأكد السفير حسين هريدي أن إسرائيل هي التي تعرقل التوصل لوقف اطلاق نار دائم، في غزة، بسبب رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استمرار الحرب المفتوحة زمنيا وعلى كافة جبهات المواجهة في الشرق الأوسط، من أجل تحقيق مصالح ذاتية.
وكان القيادي في حركة حماس أسامة حمدان، قال إن عملية التفاوض بشأن وقف الحرب على قطاع غزة وتبادل الأسرى مع إسرائيل عبر الوسطاء ستستمر بعد اختيار يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي، مؤكدا أن موضوع التفاوض كان يُدار بقرارات القيادة، والسنوار لم يكن بعيدًا عن عملية التفاوض بل حاضرًا بتفاصيلها.
وأشار حمدان إلى أن عملية التفاوض ستستمر، وأن المشكلة في العملية ليست التغيير الذي جرى في حركة حماس، بل في إسرائيل ونتنياهو.
من هو يحيى السنوار؟
ولد يحيى السنوار في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين في جنوب قطاع غزة وانضم لحركة حماس التي أسسها الشيخ أحمد ياسين قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987.
أنشأ السنوار الجهاز الأمني للحركة في العام 1988، وهو المسؤول عن ملاحقة المتهمين بالتجسس لصالح إسرائيل ومعاقبتهم وأحيانا إعدامهم.
بحسب محضر التحقيق الذي خضع له في إسرائيل ونشر في وسائل إعلام عبرية، اعترف السنوار بخنقه متعاونا مع إسرائيل بالكوفية حتى الموت في مقبرة في خان يونس.
تخرّج السنوار من الجامعة الإسلامية في قطاع غزة وتعلّم اللغة العبرية التي يتحدثها بمستوى جيد خلال 23 عاما قضاها في السجون الإسرائيلية. ويقال إن لديه فهما عميقا للثقافة والمجتمع الإسرائيليين.
حكم على السنوار بالمؤبد أربع مرات لقتله جنديين إسرائيليين. وكان من بين 1027 فلسطينيا أطلق سراحهم في صفقة أبرمت في العام 2011 مقابل إطلاق سراح الجندي الفرنسي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
لاحقا، أصبح السنوار قائدا بارزا في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قبل أن يصبح زعيم الحركة في القطاع.