إيران تعدم 29 سجينا بينهم 26 جماعيا في سجن واحد
لا تتوقف إيران عن استخدام عقوة الإعدام كأداة لبث الخوف في الداخل تارة، والتغطية على فشل ما تارة أخرى، وهو ما بدا واضحا عندما أعدمت طهران أواخر الأسبوع الماضي 29 مدانا على الأقل، بينهم 26 جماعيا في سجن واحد، وفق ما أفادت منظمة حقوقية، وذلك غداة تنديد هيئات دولية بإعدام مدان بقتل ضابط في الحرس الثوري إبان احتجاجات 2022.
وقالت منظمة “حقوق الإنسان في إيران” ومقرها النرويج إنه تم إعدام 26 رجلا في سجن قزل حصار في ضواحي طهران، فيما أعدم ثلاثة رجال في سجن كرج في العاصمة الإيرانية، ليصل عدد الإعدامات خلال شهر واحد بعد الانتخابات الرئاسية إلى 87 شخصا على الأقل.
وفي تعليقه على هذه الأرقام المفزعة، يقول الحقوقي الإيراني إيراج مصداقي وهو أيضا سجين سابق بالسجون الإيرانية، إن هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها إعدامات جماعية في إيران.
وأكد مصداقي في حديثه مع أخبار الآن أن ما جرى سيتكرر مجددا ولن يقف عند هذا الحد، معتبرا أن الإعدامات الجماعية في إيران تشير إلى أزمة في النظام، تماما مثل الحمى في الجسم – على حد وصفه-
ويعتبر الإعدام الجماعي لـ 26 سجيناً في يوم واحد وفي سجن واحد أمراً غير مسبوق في العقدين الماضيين.
وبحسب منظمة “حقوق الإنسان في إيران” كانت آخر عملية إعدام جماعية على هذا المستوى قد جرت في 12 يوليو/تموز 2008، وسط الاحتجاجات الشعبية في ذلك العام، والتي أصبحت تعرف باسم “الحركة الخضراء”، حيث تم إعدام 20 سجيناً بتهم تتعلق بـ”المخدرات” في يوم واحد في سجن رجائي شهر بمدينة كرج.
ويعتقد الناشط الحقوقي الإيراني أنه ليس هناك علاقة مباشرة بين زيادة الإعدامات والانتخابات الأخيرة، لكنه يرى أن النظام الإيراني أراد أن يظهر للرئيس الجديد أن القوة الرئيسية في مكان آخر، مضيفا أن الجمهورية الإسلامية استخدمت الإعدام كأداة للترهيب منذ اليوم الذي وصلت فيه إلى السلطة.
واتّهمت مجموعات حقوقية طهران مرارا باستخدام عقوبة الإعدام أداة ترهيب منذ احتجاجات 2022، مع عدم مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة في مسعى لترهيب متعاطفين مع المحتجين، فيما تفيد المصادر نفسها بأن إيران هي الدولة الأكثر تنفيذا لحكم الإعدام في العالم بعد الصين.
ويتزامن تنفيذ السلطات الإيرانية عمليات الإعدام هذه في الوقت الذي يتمحور فيه اهتمام وسائل الإعلام العالمية والمحلية على التوترات الإقليمية مع إسرائيل.
علاقة إسرائيل بالإعدامات
وفي هذا الصدد يقول إيراج مصداقي إن التوتر بين طهران وإسرائيل هو أحد أسباب هذه الإعدامات الواسعة النطاق، مضيفا: “لقد مرت 10 أيام منذ أن قتلت إسرائيل إسماعيل هنية، الضيف الرسمي لإيران في قلب طهران، دون أن يتمكن نظام خامنئي من الانتقام كما يقول على الرغم من الوعود الكثيرة”.
يتابع: “لقد كشف مقتل هنية عن نقاط ضعف النظام. خامنئي في موقف صعب. إذا لم يشن هجومًا عسكريًا، فسوف يواجه أزمة كبيرة بين قواته في الداخل والخارج”، وهو أمر ربما دفع السلطات إلى تنفيذ هذه الموجة من الإعدامات، للتغطية على فشل النظام الكبير، وللقمع السياسي، ولزرع الرعب في قلوب الناس.
ومنذ اليوم الأول لمقتل إسماعيل هنية في طهران، والسلطات العسكرية والسياسية والقضائية والدينية الإيرانية تردد باستمرار شعارات رنانة، مثل “الرد المدمر على انتهاك السيادة في اغتيال الضيف”، و”الثأر”، و”الرد بقوة وحزم”.
وظل الإيرانيون والمراقبون الدوليون ينتظرون هذا الرد، ولكن على الرغم من التحذيرات المتكررة للرحلات الجوية الدولية لتجنب سماء غرب إيران والاتصالات المتكررة مع الدول المجاورة والقوى العالمية، فقد طال أمد هذا الرد وتأخر طويلًا، لدرجة أن الكثيرين باتوا يعتقدون أنه قد لا يكون هناك أي رد من طهران على الإطلاق.
وحول ما يمكن عمله لتجنب أن ينال آخرون نفس المصير، يرى الناشط الحقوقي إيراج مصداقي، أنه ليس هناك الكثير مما يمكننا فعله، حيث يرى النظام الإيراني حياته في الإعدام، وفي ظل عدم وجود إرادة قوية في العالم لمواجهة هذا النظام، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة والدول الاوروبية عارضوا في وقت ما بشدة التقرير الشامل الذي قدمه المقرر الخاص للأمم المتحدة جاويد رحمان عن المجازر في إيران خلال فترة الثمانينيات.
كما تطرق مصداقي في حديثه مع أخبار الآن إلى إعدام الشاب غلام رضا رسائي، وإجبار عائلته على دفن جثته في منطقة نائية بعيدا عن منزله، حيث شدد على أن هذه هي السياسة القديمة للنظام، لافتا إلى أن العديد من العائلات التي قتل أبناؤها في مذبحة عام 1988 لا تزال لا تعرف أين دفنوا.
وبحسب السجين السياسي السابق، ربما يخشى النظام لو تم دفن رضا رسائي بالقرب من مكان إقامته، أن يصبح هذاا لموقع مكاناً للاحتجاج.
إعدامات 1988
وفي 1988، أعدمت السلطات الإيرانية، بأوامر من المرشد الأعلى آية الله الخميني، آلاف السجناء السياسيين في جميع أنحاء البلاد بإجراءات موجزة وخارج نطاق القضاء.
لا يُعرف عدد الإعدامات بشكل قاطع، لكن بحسب تقديرات المسؤولين الإيرانيين السابقين والقوائم التي جمعتها منظمات حقوق الإنسان والمعارضة، أعدمت السلطات الإيرانية نحو 30 ألف سجين سياسي في 32 مدينة على الأقل في البلاد، في جریمة ضد الإنسانية وصفت بأنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
وأوضحت منظمة العفو أن حكم الإعدام صدر بحق رسائي في تشرين الأول/أكتوبر 2023 “بعد محاكمة فادحة الجور استندت إلى اعترافات قسرية انتُزعت منه تحت وطأة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بما في ذلك الضرب والصعق بالكهرباء والخنق والعنف الجنسي”.
بث الرعب
وحول هذه النقطة، يقول إيراج مصداقي، إن أحكام الإعدام في القضايا الأمنية لا تصدر من قبل القضاة، بل من قبل المحققين وضباط الأمن، وهؤلاء وفقا للناشط الحقوقي، لا يبحثون عن أدلة، وإنما يحملون الحبل في أيديهم ويبحثون عن الرقبة.
يذكر أن منظمة العفو الدولية، أشارت في تقريرها السنوي الأخير حول عقوبة الإعدام في العالم، إلى الزيادة الكبيرة في عمليات الإعدام في إيران، وأكدت أن ما يقرب من 75% من جميع عمليات الإعدام المسجلة في العالم العام الماضي تمت في طهران.
ووفقا لهذا التقرير، بعد احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”، زاد النظام من استخدام عقوبة الإعدام لبث الرعب بين المواطنين وإحكام سيطرته على الشعب.
وأشارت منظمة حقوق الإنسان إلى أن الجمهورية الإسلامية أعدمت في هذا العام 345 شخصا باحتساب الإعدامات الأخيرة، في حصيلة تبيّن أن تطبيق العقوبة لم يشهد تراجعا منذ تنصيب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيسا في الأسبوع الماضي.