كيف أجبر التوغل في كورسك روسيا على سحب بعض قواتها من أراضي أوكرانيا؟
أعلن قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي الخميس إقامة إدارة عسكرية في منطقة كورسك الروسية حيث تشن قواته هجوما غير مسبوق منذ السادس من آب/أغسطس.
وفي مؤشر إلى نية أوكرانيا في ترسيخ وجودها في المناطق التي سيطرت عليها في روسيا، قال سيرسكي خلال اجتماع مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن هذه الإدارة مكلفة تولي شؤون المنطقة وضمان الأمن فيها، والإشراف على المسائل اللوجستية للقوات الأوكرانية.
وكان مسؤولون أمريكيون قالوا إن روسيا سحبت بعض قواتها العسكرية من أوكرانيا للرد على هجوم أوكراني على الأراضي الروسية، وهي أول إشارة إلى أن توغل كييف يجبر موسكو على إعادة تنظيم قوتها الغازية.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن المسؤولون إن الولايات المتحدة لا تزال تسعى إلى تحديد أهمية الخطوة الروسية ولم يذكروا عدد القوات التي تقدر الولايات المتحدة أن روسيا ستنقلها.
لكن التقييم الأمريكي الجديد يعزز مزاعم المسؤولين الأوكرانيين الذين قالوا إن التوغل المفاجئ لإقليم كورسك الأسبوع الماضي أدى إلى إبعاد القوات الروسية عن أوكرانيا، حيث تسمح ميزة موسكو في القوى البشرية والمعدات لها بالتقدم في عدة أماكن.
وفي الوقت نفسه، أرسلت أوكرانيا دبابات ومركبات مدرعة أخرى لتعزيز قواتها التي أذهلت الكرملين بالاستيلاء على جزء من الأراضي الروسية.
إلى ذلك، أعلنت أوكرانيا أنها تحقّق “تقدّما جيدا” في كورسك الروسية الحدودية، وأكدت أنها تعتزم إقامة “منطقة عازلة” فيها لحماية نفسها من القصف، و”ممرات إنسانية” قالت إنها لإيصال المساعدات للمدنيين الروس.
NEW: Russian milbloggers claimed that Ukrainian forces marginally advanced in Kursk Oblast amid a generally slower tempo of Ukrainian operations as Russian forces continue attempts to stabilize the frontline in the area.
Kursk Tactical Update 🧵(1/15) pic.twitter.com/th7tMA0eLW
— Institute for the Study of War (@TheStudyofWar) August 15, 2024
وفي السادس من آب/اغسطس، شنت القوات الأوكرانية هجوما كبيرا على منطقة كورسك عند الحدود مع أوكرانيا وباغتت القوات الروسية وشنت أكبر هجوم لجيش أجنبي على الأراضي الروسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعبر نحو ألف جندي إلى منطقة كورسك الروسية القريبة من بلدة سودجا بمؤازرة 11 دبابة على الأقل وأكثر من 20 مدرّعة، وفق التقديرات الروسية.
حول هذا التوغل، يقول فولوديمير شوماكوف مستشار حاكم خيرسون السابق إن اوكرانيا نجحت في فتح جبهة جديدة للقتال، وأخذت زمام المبادرة في الحرب، بعد هجوم كورسك الذي يرى أنه تسبب في هلع السلطات الروسية، التي لم تكن تتوقع ما جرى.
وأشار شوماكوف، في تصريحات لـ”أخبار الآن” إلى أن القوات الأوكرانية لا زالت تحرز تقدما في توغلها، بعد اختراق خطوط القوات الروسية الدفاعية، في هذه المنطقة، موضحا أن كييف تحاول من خلال هذا الهجوم تحويل انتباه الروس عن إقليم دونباس.
وأضاف الدبلوماسي الأوكراني، أن كييف نجحت في تحقيق هذا الهدف، بعد أن قامت روسيا بسجب أجزاء من قواتها في دونباس وخيرسون وحتى شبه جزيرة القرم الذي تسيطر عليها منذ 2014، موضحا أن ما جرى يمكن توصيفه بأنه ضربة استباقية، بعدما حشدت روسيا قواتها في محافظة كورسك لتنفيذ هجوم على مدينة سومي الواقعة في شمال شرق أوكرانيا.
وكشف شوماكوف أن القوات الأوكرانية نجحت خلال هذا الهجوم في تدمير مستودعات الذخيرة الروسية بالمنطقة، وقامت بأسر عدد كبير من الجنود الروس، فضلا عن استيلاءها على عدد ليس بقليل أيضا فيما يتعلق بالمعدات العسكرية التي تركها بعض الجنود الذين هربوا من مواقعهم.
ويوم الأربعاء، عرض التلفزيون الأوكراني الرسمي لقطات لجنود أوكرانيين وهم ينزلون العلم الروسي من على بناية رسمية في بلدة سودجا الروسية الحدودية، وهي مركز لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
ما أهمية سودجا؟
تعتبر هذه البلدة البالغ عدد سكانها نحو 5 آلاف نسمة، هي أكبر بلدة تحاول أوكرانيا السيطرة عليها في هجومها، وتضم محطة لضخ الغاز هي الأخيرة التي ما زالت تمد أوروبا بالغاز، ولا سيما سلوفاكيا والمجر عبر أوكرانيا.
وفي عام 2023 تم ضخ 14.65 مليار متر مكعب من الغاز عبر سودجا، أي أقل بقليل من نصف إجمالي صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، وفق منصة “آر بي سي” الإخبارية الأوكرانية.
وأظهرت تسجيلات فيديو تم التقاطها في 9 أغسطس/آب جنودا أوكرانيين يحملون بنادق وأعلاما أمام منشأة تابعة لغازبروم على مقربة من البلدة.
كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال على تلغرام أمس “في منطقة كورسك نحقق مزيدا من التقدم. من كيلومتر إلى اثنين في مناطق مختلفة منذ مطلع اليوم. وأكثر من 100 عسكري روسي إضافي أُسروا في الفترة نفسها… هذا سيسرع عودة شباننا وشاباتنا إلى الوطن”.
ومساء جدد التأكيد على أن العسكريين الأوكرانيين يتقدّمون على نحو “جيد”، وقال “سنحقق أهدافنا الاستراتيجية”.
وبحسب تقارير، تقدمت القوات الأوكرانية مسافة 20 ميلاً على الأقل داخل الأراضي الروسية منذ شن الهجوم المفاجئ الأسبوع الماضي، حيث اجتاحت بسرعة الحدود التي لا تتمتع بحماية كافية.
وفي هذا الصدد يقول مستشار حاكم خيرسون السابق لـ”أخبار الآن” إن القوات الأوكرانية لم تجد صعوبة كبيرة أثناء توغلها، لا سيما مع عدم وجود قوات روسية كافية بالمنطقة، وإنما فقط شرطيين بدون دبابات أو طائرات روسية، بالإضافة إلى كتيبة أحمد الشيشانية التي هربت مع تقدم قوات كييف.
وأوضح شوماكوف، أن التوغل الأوكراني في كورسك يتم من خلال 3 اتجاهات، وهو ما سهل الأمر بالنسبة للقوات الأوكرانية، التي شيدت خطوطا دفاعية، واستعانت بأنظمة الحرب الأوكرانية المتطورة والطائرات المسيرة، لكنه لفت إلى أن المعركة ستكون عنيفة في المرحلة المقبلة، خصوصا مع سحب روسيا قواتها من أوكرانيا وإرسالها إلى كورسك.
ويرى الدبلوماسي الأوكراني، أن روسيا غرقت في مستنقع الحرب، بعد 30 شهرا تقريبا من بدء غزوها لأوكرانيا، حيث لم تحقق سوى إنجازات طفيفة مقارنة بحجم العتاد التي تمتلكه، لا سيما وأنها تمتلك الجيش رقم 2 في العالم من حيث القوة.
وأشار مستشار حاكم خيرسون إلى أن روسيا رغم ما تحاول ترويجه من خلال دعايتها، إلا أنها حتى الآن لا تزال غير قادرة على الاستيلاء بشكل كامل على منطقة دونباس، التي تتكون من محافظتي لوهانسك ودونيتسك، وإنما فقط تسيطر على عاصمتين هناك، بالإضافة إلى خسائرها في كييف، وخاركيف، وسومي، وكذلك الضفة الغربية من محافظة خيرسون، وميكولايف.
ويؤكد شوماكوف أن التوغل في كورسك جاء ليفتح جبهة جديدة في عمق روسيا، وأنه سيتسبب بلا شك في إحداث مشاكل داخلية كبيرة، وعلى صعيد الجمهوريات الروسية، التي تتحين الفرصة للخروج من عباءة الكرملين وسيده فلاديمير بوتين.
وفي وقت سابق، تحدث زيلينسكي عن معارك “صعبة وكثيفة” في منطقة كورسك مؤكدا السيطرة على 74 بلدة فيها وأسر “مئات” الروس.
من جانبها، اعترفت السلطات الروسية الاثنين بفقدان 28 بلدة وتحقيق كييف مكاسب تمتد على مساحة عرضها 40 كيلومترا وعمقها 12 كيلومترا.
ووفقا لمعهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث أمريكي، فإن القوات الأوكرانية سيطرت على نحو 800 كيلومتر مربع في منطقة كورسك، فيما أعلن قائد الجيش الأوكراني، أولكسندر سيرسكي، أن كييف تسيطر على نحو 1000 كيلومتر مربع من منطقة كورسك الروسية.
ويعتقد فلوديمير شوماكوف أن الهجوم الأوكراني نجح بنسبة كبيرة في تحقيق أهدافه، وتسبب في صدمة كبيرة لدى روسيا التي أصيبت بهلع، وأثر على الروح المعنوية لدى الجيش الروسي، فيما كان العكس بالنسبة للقوات الأوكرانية، التي نجحت في نقل الحرب إلى عمق روسيا، وليس على الأراضي الأوكرانية كما كان الحال طيلة عامين ونصف العام.
ويؤكد مستشار حاكم خيرسون السابق أن توغل أوكرانيا في كورسك أدى إلى إبعاد المدفعية الروسية عن نطاق القرى الواقعة على طول الحدود والتي كانت تحت نيران المدفعية لعدة أشهر، مشيرا إلى أن روسيا قصفت قرى حدودية في منطقة سومي الشمالية أكثر من 2000 مرة منذ الأول من يونيو.
واستخدمت القوات الأوكرانية مسيّرات طويلة المدى لاستهداف أربع مطارات في وسط روسيا وغربها، في كورسك وفورونيج وسافاسليكا وبوريسوغليبسك، وفق ما أفاد مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية. وفي هذه النقطة يقول شوماكوف إن كييف أرادت ان ترسل إشارة إلى الغرب بأنها يمكنها تنفيذ هجوم ناجح ، وتستطيع تحرير أراضيها، مع استمرار المساعدات العسكرية والاقتصادية في المستقبل.
ورفض الدبلوماس الأوكراني السابق، ما يقوله البعض بأن كييف ربما تسعى من وراء ذلك إلى الحصول على موقف أقوى في محادثات وقف إطلاق النار المحتملة في المستقبل، مؤكدا أن أوكرانيا، لا ترغب في وقف إطلاق النار، وإنما طرد الروس من أراضيها.
وأوضح أن وقف إطلاق النار يعني تجميد الصراع، ومن ثم عدم حصول كييف على مساعدات غربية، بينما ستعزز روسيا في الوقت نفسه قواتها، مستغلة هذه المهلة، لتكرار مهاجمة أوكرانيا مجددا، على نطاق واسع.
ويشدد شوماكوف على أن تجميد الصراع أمر انتحاري بالنسبة لأوكرانيا التي ربما تشهد حربا أكثر دموية بعد أن تنتهي المهلة المتفق عليها، مشيرا إلى أن روسيا تريد السيطرة على كامل التراب الأوكراني، بما في ذلك تغيير النظام السياسي واستبدال زيلينسكي بشخص آخر يكون أكثر موالاة لموسكو.
واعتبر الدبلوماسي الأوكراني، أن روسيا عندما غزت أوكرانيا قبل نحو عامين ونصف، كان الأمر بمثابة انتقام منها بسبب خروجها من منطقة نفوذ موسكو، التي تريد إعادة بناء الاتحاد السوفيتي، بداية من ضم أوكرانيا، التي تمثل الحجر الأول في الخريطة الجيوستراتيجية، مرورا بدول مجاورة مثل ليتوانيا وإستونيا، وبولندا، وفنلندا.
ويعتقد مستشار حاكم خيرسون السابق أن الحل بالنسبة لأوكرانيا يتلخص في طرد روسيا من أراضيها، بشكل فوري، وانضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي” الناتو”، لضمان حمايتها من طموحات موسكو الإمبراطورية، مؤكدا أن بوتين لا يرغب في إجراء مفاوضات.
وأشار شوماكوف مستنكرا إلى طلب الرئيس الروسي في بداية الحرب أن تنسحب كييف من أربع محافظات أوكرانية، قبل أن تحتلها جزئيا، وتجري بها استفتاءات مزيفة، أعلنت على إثرها ضم الأقاليم الأربعة وهي دونيتسك ولوغانسك بالإضافة إلى زابوريجيا وخيرسون.
ومع ذلك، يقول المحللون إن القوات الأوكرانية ستواجه تحديات خطيرة في الحفاظ على غزوها مع امتداد خطوط الإمداد وإعادة روسيا تجميع صفوفها.
كما أدى التوغل إلى إبعاد القوات والمعدات العسكرية النادرة عن خط المواجهة الرئيسي في شرق أوكرانيا، مما قد يؤدي إلى إضعاف دفاع كييف هناك.
وفي الأيام الأخيرة، واصلت القوات الروسية الضغط لتحقيق مكاسب نحو المركز اللوجستي في بوكروفسك.