الرئاسيات الجزائرية 2024: سباق سياسي حاسم
في خضم السباق الرئاسي الجزائري الذي تتوجه إليه أنظار العالم، أصدرت المحكمة الدستورية في 31 يوليو/جويلية قرارها باعتماد ثلاثة مرشحين في القائمة النهائية، مؤذنةً بانطلاق سباق سياسي لا يخلو من التحديات.
يتصدر هذا المشهد يوسف أوشيش، مرشح جبهة القوى الاشتراكية، بينما يترشح الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون بشكل مستقل، مستعدًا لمواجهة اختبار جديد أمام الشعب الجزائري. أما حساني شريف عبد العالي، فيخوض السباق ممثلاً لحركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي. الإعلان الرسمي الذي نقلته وكالة الأنباء الجزائرية يضع البلاد على أعتاب مرحلة سياسية حاسمة، حيث تزداد التوقعات وتتجه الأنظار نحو موعد الانتخابا
مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية، يتوجه الجزائريون إلى صناديق الاقتراع بين ثلاثة مرشحين بارزين، لكل منهم خلفية سياسية ومهنية تضعهم في صدارة المنافسة.
من هم هؤلاء المرشحون؟
في ظل هذه التحولات السياسية الحاسمة، يبرز تساؤل جوهري: من هم هؤلاء المرشحون الثلاثة الذين يخوضون غمار المنافسة على أعلى منصب في الدولة؟ وما هي الخلفيات التي تجعلهم مؤهلين لقيادة الجزائر في هذه المرحلة الدقيقة؟
عبدالمجيد أحمد تبون (الرئيس الحالي)
سياسي جزائري، بدأ مسيرته السياسية في جبهة التحرير الوطنية، وتدرج في المناصب الحكومية حتى تولى رئاسة الحكومة الجزائرية عام 2017، لكنه أقيل منها بعد أشهر قليلة، قبل أن يعود ويترشح للانتخابات الرئاسية ويفوز بها عام 2019
ولد عبدالمجيد أحمد تبون في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1945 بولاية النعامة غربي الجزائر، وينحدر من أب أمازيغي من بلدية بوسمغون بولاية البيض، وأم عربية من الولاية نفسها.
كان والده ينتمي إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكانت له خطابات وطنية استفزت الاستعمار الفرنسي، فاضطرت العائلة للانتقال إلى ولاية سيدي بلعباس بعد 8 أشهر فقط من ولادة الطفل عبدالمجيد.
واستمرت المضايقات ضد والده في سيدي بلعباس، وكان يرغم للتوجه إلى مركز الشرطة الفرنسية باستمرار، فقرر عام 1954 -بعد رفع العقوبة عنه- الهجرة مجددا إلى مدينة المشرية في شمال الجنوب الغربي، وهي أكبر بلديات ولاية النعامة
المسار المهني
بدأ عبدالمجيد تبون مساره المهني في عاصمة ولاية بشار، التي كانت تُعرف آنذاك بالساورة وتضم كل من بشار، تندوف وأدرار. بعد أدائه الخدمة الوطنية بين عامي 1969 و1971، استمر في مسيرته المهنية كإداري، ثم مكلفاً بمهمة، قبل أن يتم ترقيته إلى منصب أمين عام بولاية الجلفة حديثة النشأة آنذاك عام 1974. وفي عام 1976، تم تحويله لنفس المنصب إلى ولاية أدرار، ثم إلى ولاية باتنة سنة 1977، وأخيراً إلى ولاية المسيلة سنة 1982.
شغل تبون مناصب والي في عدة ولايات:
- ولاية أدرار (1983)
- ولاية تيارت (1984)
- ولاية تيزي وزو (1989)
في عام 1991، انضم تبون إلى حكومة سيد أحمد غزالي كوزير منتدب مكلف بالجماعات المحلية، لكنه ترك الحكومة سنة 1992 واستقر مع عائلته في ولاية أدرار سنة 1994.
وفي عام 1999، تم استدعاؤه مجدداً لشغل منصب وزير الاتصال والثقافة، ثم وزيراً منتدباً مكلفاً بالجماعات المحلية للمرة الثانية.
في الفترة من يونيو/جوان 2000 إلى مايو/ماي 2001، شغل تبون منصب وزير مفوض للحكومة المحلية، ثم عاد ليتولى حقيبة وزير الإسكان والتخطيط العمراني من عام 2012 حتى 2017.
في مايو/ماي 2017، عينه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في منصب رئيس الحكومة خلفاً لعبد المالك سلال، لكنه أُقيل من المنصب في 15 أغسطس/أوت من نفس العام.
بعد الاحتجاجات الشعبية التي أدت لاستقالة بوتفليقة، أعلنت هيئة الانتخابات الجزائرية في ديسمبر/كانون الأول 2019 فوز تبون بالانتخابات الرئاسية، التي شهدت نسبة مشاركة بلغت 41.14%.
وفي مارس 2024، أعلن تبون إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سبتمبر/أيلول 2024، قبل 3 أشهر من الموعد المقرر، مشيراً إلى “أسباب تقنية محضة”. وفي 18 يوليو/جويلية الجاري، أعلن ترشحه لولاية ثانية بدعم من أحزاب الأغلبية البرلمانية.
ويحظى الرئيس تبون بدعم أحزاب الأغلبية في البرلمان، وهي جبهة التحرير الوطني (الحاكم سابقا)، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل، وحركة البناء الوطني (إسلامي)، وكان قد انتخب رئيسا للبلاد في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، لولاية رئاسية مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، بحسب نص الدستور.
وأجريت آخر انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وفاز فيها الرئيس الحالي بحصوله على 58% من الأصوات.
يوسف أوشيش
مرشّح جبهة القوى الاشتراكية وأمينها العام، انخرط فيها وعمره لا يتجاوز 19 سنة لتتم تزكيته كأمينٍ عام لها سنة 2024. تدرج في عدة مناصب بها كأمين وطني لحركة الجمعوية، وأمين وطني للإعلام والاتصال، فأمين للتنظيم بالجبهة خلال الفترة الممتدة من 2011 حتى2017.
ولديوسف في 29 كانون الأول/جانفي 1983 في مدينة بوغني بولاية تيزي وزو. يعتبر أحد الوجوه الجديدة في السياسة الجزائرية، ويبرز كزعيم صاعد في الحزب العريق الذي عرف بعدم الاستقرار السياسي في السنوات الأخيرة.
حيث تلقى تعليمه الأساسي حتى حصوله على شهادة البكالوريا عام 2003. بعد ذلك، التحق بجامعة الجزائر، حيث تابع دراسته في كلية العلوم السياسية، وحصل على شهادة في العلوم السياسية مع تخصص في العلاقات الدولية.
تميز أوشيش خلال فترة دراسته الجامعية بنشاطه النقابي والسياسي، مما أدى إلى تعرضه للعديد من الملاحقات القضائية، بما في ذلك حكم بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ. كان أحد الأعضاء البارزين في مجموعة الطلاب المستقلين التي أسسها مع زملائه في جامعة الجزائر.
من الصحافة إلى القيادة السياسية
بعد تخرجه، عمل أوشيش كصحفي في الصحافة المكتوبة من 2008 إلى 2012، ثم شغل منصب ملحق برلماني خلال الفترة من 2012 إلى 2017. في نوفمبر 2017، قاد بنجاح قائمة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات المحلية، مما أدى إلى انتخابه رئيسًا لمجلس الشعب لولاية تيزي وزو، ليصبح أصغر رئيس مجلس شعبي ولائي على المستوى الوطني.
منذ انضمامه لجبهة القوى الاشتراكية في سن التاسعة عشرة، تولى أوشيش عدة مسؤوليات داخل الحزب. وبتعيينه سكرتيرًا وطنيًا أول في 16 يوليو 2020، عزز موقعه كقائد سياسي ذو تأثير كبير على الساحة الجزائرية.
قام بإصلاحات كبيرة، منها إلغاء الهيئة الرئاسية المؤقتة التي كانت قائمة بعد انسحاب حسين آيت أحمد. تحت قيادته، تم القضاء على العديد من المشاكل التنظيمية، وأصبح الحزب تحت قيادته أكثر تنظيماً وفعالية.
موقفه من الانتخابات الرئاسية
في خطابه عند ترشحه للانتخابات الرئاسية، أعرب أوشيش عن صعوبة القرار، موضحًا أنه تم اتخاذه بعد تحليل موضوعي للظروف. أشار إلى مخاوفه من صغر سنه وصعوبة إقناع الناخبين في ظل الظروف الحالية في الجزائر. ومع ذلك، حصل على دعم كبير من المؤتمر، حيث صوّت 2 فقط من بين 1100 مؤتمر ضد ترشحه، مما يعكس تأييدًا واسعًا له في الحزب.
خطاباته وأهدافه
أوشيش يتحدث بلغة عربية فصيحة ويجيد الفرنسية والأمازيغية. يتميز خطاباته بالكثير من المفاهيم السياسية النظرية، حيث يركز على السيادة الوطنية وسلامة التراب الوطني. يهاجم “الانفصاليين” و”أصحاب الخطاب العدمي” ويدعو إلى التحلي بالمسؤولية لمواجهة التهديدات الوطنية.
علاقاته السياسية
التقى أوشيش بالرئيس عبدالمجيد تبون مرتين، وأعرب عن استعداد حزبه لمرافقة السلطة في عملية إعادة البناء الوطني. كما يشارك في المعركة ضد حركة “الماك” المصنفة كحركة إرهابية، معبرًا عن اختلافه مع تصوراتهم حول الحركة الوطنية.
ويركز خطاب الرجل الحالي على الوضع الدولي ووقعه على الجزائر، خاصة على سيادتها وعلى سلامتها الترابية، وهو ما يفرض وفق ما جاء في خطابه بمناسبة تأسيس الحزب العام المضي، أكثر من أي وقت مضى “التحلي بواجب المسؤولية”. وينتقد أوشيش من يصفهم بالعدميين الذين يقزمون هذه التهديدات وينظرون إليها بطريقة سطحية وغير مسؤولة على أنها مناورات لامتناهية من طرف السلطة، حتى وإن كانت هذه الأخيرة، حسبه، توظفها لخنق الحريات.
حساني شريف عبد العالي
زكّته حركة مجتمع السلم كرئيس لها سنة 2023، فمترشحا عنها في الانتخابات الرئاسية الجزائرية. تدرّج في كل مستويات الهياكل التنظيمية المحلية والولائية للحركة بولاية المسيلة، انطلاقا من ترؤس مكتبها الولائي بهذه الولاية بين 2008 و2013.
وُلد عبد العالي حساني شريف في نوفمبر 1966 ببلدية مقرة في ولاية المسيلة، الواقعة جنوب شرق العاصمة الجزائر. نشأ في عائلة ذات جذور ثورية ونسب شريف، حيث ارتبطت عائلته بتاريخ طويل من النضال الوطني والمشاركة في الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين في منطقة الحضنة.
انخرط حساني شريف في العمل الدعوي والتربوي والسياسي منذ سنوات شبابه، حيث انتسب إلى الحركة الكشفية في الثمانينات، والتي كانت بداية لتكوينه القيادي. خلال سنوات 1987-1992، ناضل في صفوف الحركة الطلابية بجامعة المسيلة، حيث تنوعت مجالات دراسته بين العلوم التقنية والعلوم القانونية. حصل على شهادة مهندس دولة في الهندسة المدنية من جامعة محمد بوضياف بالمسيلة عام 1992، وتابع دراسته ليحصل على شهادة الليسانس في العلوم القانونية والإدارية من نفس الجامعة في عام 2004.
الحزب
بدأ عبد العالي حساني شريف مسيرته السياسية الحزبية بإنضمامه إلى حركة مجتمع السلم (حمس)، وهي حركة إسلامية سياسية ذات تأثير كبير في الجزائر. عمل منذ بداية تسعينات القرن الماضي على تطوير الأنشطة التنظيمية للحركة في ولاية المسيلة، حيث شغل مناصب قيادية على المستوى المحلي. ترأس المكتب الولائي للحركة في ولاية المسيلة من عام 2008 إلى 2013، مما ساهم في تعزيز دور الحركة في المنطقة.
المسار السياسي
كان المسار السياسي لعبد العالي حساني شريف متنوعاً وملحوظاً في الساحة السياسية الجزائرية. انتُخب نائباً في المجلس الشعبي الولائي لولاية المسيلة عن حركة مجتمع السلم من 2002 إلى 2007، حيث شغل منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الولائي. بعد ذلك، فاز بمقعد في المجلس الشعبي الوطني بين 2007 و2012، حيث شغل منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني خلال هذه الفترة.
في عام 2013، تولى حساني شريف مسؤولية التنظيم والرقمنة في المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم، حيث قضى عشر سنوات في تطوير هيكلة الحزب ونظامه الرقمي. في 8 مارس 2023، تم انتخابه بالإجماع رئيساً لحركة مجتمع السلم، مما يدل على ثقة الحزب في قيادته وإمكانياته.
اليوم، عبد العالي حساني شريف هو مرشح رئيسي للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في سبتمبر 2024، وقد جمع دعمًا واسعًا من الجزائريين ووقعات كثيرة لدعمه. يعكس ترشحه استمراراً لتأثيره السياسي وقدرته على توجيه حركة مجتمع السلم في المرحلة المقبلة.