مفاوضات القاهرة.. فرصة جديدة لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

تتزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بينما تستعد القاهرة لاستضافة جولة جديدة من مفاوضات الهدنة وصفقة تبادل الأسرى، بعد أيام من جولة أخرى انتهت في الدوحة دون توافق على شئ.

وتتبادل الدولة العبرية وحماس الاتهامات بتعطيل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع المحاصر والمدمر والذي خلفت فيه الردود الانتقامية الإسرائيلية عشرات آلاف القتلى وتسببت بكارثة صحية وإنسانية.

مع تزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق.. من يعطل صفقة الهدنة في غزة؟

ومن المنتظر أن تستضيف مصر جولة مشاورات قبل نهاية الأسبوع الجاري، في محاولة للاتفاق على تبادل أسرى ووقف إطلاق النار بغزة، التي تتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة للشهر الحادي عشر.

وفي ختام جولة شرق أوسطية هي التاسعة له، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن بلاده تسعى لإقناع حركة حماس بالموافقة على ما أسماه “مقترح سد الفجوات”، وذلك بعد موافقة إسرائيل على هذا المقترح، وفق تعبيره

مقترح سد الفجوات “يزيد” الفجوات”

حول هذا الموضوع يقول الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن ما أطلق عليه اقتراح سد الفجوات، هو بالعكس يزيد الفجوات الموجودة بالفعل في ملف المفاوضات، مضيفا أنه لا يوجد اقتراح عملي مكتمل فيما يتم الإشارة إليه في هذا الصدد.

وأوضح الرقب في حديثه مع أخبار الآن أن ما جرى هو فقط ما جاء على لسان بلينكن خلال المؤتمر الصحفي بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين قال إن الأخير وافق على مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومطلوب من حماس أن توافق هي أيضا عليه.

مع تزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق.. من يعطل صفقة الهدنة في غزة؟

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن تصريحات بلينكن لا تمت إلى الحقيقة بصلة، لأنه لم نسمع أو نقرأ لا قبل إعلان بايدن أو بعده ولا بعد قرار 2735 الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 10 يونيو/ حزيران، والذي يهدف إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ولا حتى الآن أي بعد لقائه بايدن أن أعلن نتنياهو بشكل واضح قبول هذا المقترح.

ولفت الدكتور أيمن الرقب إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر أي بيان رسمي أو حتى غير رسمي عن نتنياهو او حكومته في هذا الصدد، وبالتالي وفق أستاذ العلوم السياسية فإن الولايات المتحدة تراوغ وتماطل، لو أرادت الوصول إلى نتيجة، فيمكنها بشكل أو بآخر أن الوصول إلى حلول وسط من كافة الأطراف، كما سعى الوسطاء إلى ذلك، لكنها تريد إطالة أمد الحرب إلى شهر أكتوبر المقبل.

ماذا نعرف عن مقترح “سد الفجوات”؟

وعن أبرز نقاط الخلاف بين ما سمي بمقترح سد الفجوات وإعلان بايدن السابق، يوضح الرقب أنه حسب ما يتوافر من معلومات تم طرح فكرة تقليص وجود القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا، وليس خروج كامل القوات، بينما كان ينص المقترح السابق، على أن الاحتلال الإسرائيلي في اليوم الـ16 بالانسحاب، من محور نتساريم، الذي يقسم قطاع غزة إلى شطرين، ومن ثم تبدأ عودة حرة أو طوعية للنازحين.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية في حديثه مع أخبار الآن أن الأمريكان يقترحون أيضا في المقترح الجديد، وجود مراقبة دولية أو مراقبة بالكاميرات، مع بقاء القوات الإسرائيلية حتى انتهاء المرحلة الأولى في أماكن قريبة، من نتساريم.

مع تزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق.. من يعطل صفقة الهدنة في غزة؟

وفيما يتعلق بموضوع الأسرى الإسرائيليين فتقترح واشنطن أن يتم تسليم إسرائيل أسماء أسراهم الأحياء في قطاع غزة بشكل كامل، على أن يتم التفاهم بعد ذلك على إطلاق سراحهم.

وبينما تستمر المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي وحماس برعاية مصرية أمريكية قطرية حول هدنة ووقف لإطلاق النار في غزة.. أفاد موقع “أكسيوس” الأمريكي، نقلا عن مصر بوجود “عقبتين رئيسيتين” أمام المفاوضات الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن، الذين تحتجزهم حماس منذ هجوم 7 أكتوبر.

وأوضح المصدر: “عقبتان رئيسيتان في المحادثات: أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة العسكرية على ممر فيلادلفيا على الحدود بين مصر وغزة، والثانية إنشاء آلية لمنع تهريب الأسلحة من جنوب غزة إلى الشمال”، مشيرا إلى أن حركة حماس ترفض المطلبين.

5 عقبات أمام اتفاق الهدنة

وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور أيمن الرقب أن النقاط العالقة أكثر من عقبتي ممر فيلادلفيا ومحور نتساريم، موضحا أن هناك خمس ملفات لم تحسم بشكل أساسي، من بينها بالتأكيد احتفاظ إسرائيل بقواتها في محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، الذي يقول وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أنه بالإمكان الخروج منه والعودة إليه خلال يوم على الأكثر إذا أرادت إسرائيل ذلك.

لكن الرقب يعتقد أنه إذا انسحب الاحتلال من غزة وفق تسوية سياسية، فلن يستطيع العودة إلى محور فيلادلفيا مرة أخرى.

أما الأمر الثاني يتمحور حول عودة النازحين من الشمال إلى الجنوب، واشتراط إسرائيل فحص العائدين، بينما يتحجج نتنياهو بعدم السماح بعودة المسلحين رغم علمه الجيد بأن المسلحين يتحركون تحت الأرض، ليس فوقها، لكنه حجة يستخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي لإبقاء قواته في محور نتساريم الذي بني بطريقة أمنية  جيدة، وهي نقطة يريد نتنياهو أن يبني عليها وهو الذي يرغب في استمرار الحرب بعد تنفيذ المرحلة الأولى.

مع تزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق.. من يعطل صفقة الهدنة في غزة؟

ويشير الرقب إلى أن الملفين الرابع والخامس يدوران حول صفقة تبادل الأسرى، حيث يريد نتنياهو أن يتسلم قائمة بأسماء الأحياء، فيما تصر حماس على أنها ستسلم قائمة بأسماء من تريد أحياء كانوا أو أموات.

ويضيف أن إسرائيل تريد أيضاً إلى أن يكون لها حق الاعتراض “فيتو” على هويات بعض السجناء الفلسطينيين الذين قد يتم إطلاق سراحهم في المقابل، بالإضافة إلى شروط أخرى، بينها نفي أسرى فلسطينيين من ذوي المحكوميات العالية إلى دول أخرى، وهو ما ترفضه حماس، وتصر أن يطلق سراحهم في الأراضي الفلسطينية.

وأخير يتضمن الملف الخامس انسحاب الاحتلال من قطاع غزة وإعادة التموضع خارج غزة، في المرحلة الأولى، بينما يصر نتنياهو على أن يكون هناك انسحاب جزئي.

استراتيجة اللعب بالمصطلحات

وبينما يرى مراقبون أن مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة تشهد “مرحلة حرجة” قبيل جولة القاهرة، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن استخدام مصطلحات مثل الدخول في “مرحلة حرجة” ومن قبلها “الفرصة الأخيرة” التي أطلقت على مفاوضات الدوحة، هي فكرة يحاول الأمريكان تمريرها، حتى يبدو وكأن الأمور وصلت بالفعل إلى مرحلة صعبة، مضيفا أن الأمر الصعب في الحقيقة هو استمرار عملية قتل أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حتى قاربت الحصيلة على ملامسة 41 ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال، وليسوا مقاتلين من حماس كما كان تدعي سلطات الاحتلال.

وتابع الرقب أنه وفقا لهذا الطرح فقد كانت كل المراحل حرجة، لكنه لفت إلى أن واشنطن هي من لا تريد الوصول إلى حل، من خلال عدم ممارستها ضغوطا حقيقية على نتنياهو، وبالتالي كل ما يدور في فلك الإدارة الأمريكية هو إطالة للوقت.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن الولايات المتحدة تعلم جيدا أن نتنياهو لن يطبق إلا المرحلة الأولى فقط من اتفاق التهدئة، ما يعني أننا أمام 42 يوما فقط حال تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، ومن ثم ستعود المعارك مجددا، خلال فترة الانتخابات الأمريكية، وهو أمر بالتأكيد لا تريده واشنطن حسب الدكتور أيمن الرقب، الذي يرى أن الإدارة الأمريكية تميل أكثر إلى تنفيذ التهدئة بعد احتفال إسرائيل بالذكرى الأولى للحرب في السابع من أكتوبر.

مع تزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق.. من يعطل صفقة الهدنة في غزة؟

يضيف أستاذ العلوم السياسية أن نتنياهو في هذه المرحلة سيقدم نفسه على أنه انتصر وقتل الآلاف من الشعب الفلسطيني، وتمكن من إخضاع “المقاومة” وإضعافها، وبالتالي قد يعلن تنفيذ هدنة يعود بعدها مجددا إلى المعارك فإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.

ويرى الرقب أنه على الرغم من هذا الطرح، فإن الوقت ليس لصالح الإسرائيليين، مشيرا إلى الأسرى الستة الذين وجدوا مقتولين في أحد الأنفاق، وتبين أنهم قتلوا في شهر مارس الماضي، خلال قصف إسرائيلي لم تنفه تل أبيب، وبالتالي فإن استمرار الحرب قد يعرض الأسرى المتبقين لدى حماس للموت.

“الصقور” أسهل من “الحمام”

وفيما يتساءل البعض حول ما إذا كان تواجد يحيى السنوار على رأس المكتب السياسي لحماس قد يفيد في هذه المرحلة من المفاوضات أم يعطلها، يقول أستاذ العلوم السياسية أنه كسياسي يعتبر أن “الصقور بالعادة أسهل في الوصول إلى اتفاق من الحمام”، وبالتالي قد يكون السنوار من وجهة نظره، أسهل في الوصول إلى اتفاق، مضيفا أنه وفقا لما لديه من معلومات فإن حماس قد تبدي مرونة في عدة ملفات من ضمنها ملف الأسرى دون وجود فيتو إسرائيلي، وأيضا بقاء بعض القوات في محور فيلادلفيا، لكنه يرى أن القضايا التي قد تبقى عالقة، مثل الاحتفاظ بقوات إسرائيلية في محور نتساريم، لما سيترتب عليه من إمكانية اعتقال المئات بل الآلاف من الفلسطينيين العائدين من جنوب غزة إلى شمالها، بحجة فقط انتماءاتهم السياسية.

مع تزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق.. من يعطل صفقة الهدنة في غزة؟

من يعطل صفقة التهدئة؟

ومع كل هذه النقاط العالقة، وتعطيل إتمام التوصل إلى صفقة في أكثر من مناسبة، أشار الدكتور أيمن الرقب إلى أن الورقة المصرية التي تم الإعلان عنها في شهر مايو الماضي كان من الممكن البناء عليها خصوصا مع ما تم الاتفاق عليه من قضايا وتجاوز أخرى وبالتالي كانت الأمور تشير إلى ناحية إيجابية، لكن الجانب الإسرائيلي هو من تراجع عنها.

لفت أستاذ العلوم السياسية إلى أنه في شهر يوليو الماضي كان هناك ملفات أيضا تم إنجازها، ولكن تراجعت إسرائيل كذلك، وبالتالي وفقا للرقب، يمكن إحداث اختراق ما في ملف المفاوضات، من خلال ممارسة ضغط أكبر من قبل الوسطاء، لأن الجميع يريد إيقاف هذه الحرب، أو على أقل تقدير التوصل إلى اتفاق من أجل التقاط الأنفاس.

يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني أنه وفقا لمتابعة إعلام الاحتلال ولما يتم الإعلان عنه في كل جولات التفاوض، فإن نتنياهو هو من يعيق التوصل إلى اتفاق، مشيرا إلى تصريحات أحد أعضاء وفد التفاوض الإسرائيلي في الدوحة، حين قال إن نتنياهو لديه مطالب لا يمكن أن توصل إلى اتفاق، فضلا عن ما قاله أحد أعضاء الموساد لبعض أسر الرهائن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يريد أن يكمل هذه الصفقة.

مع تزايد المخاوف من تلاشي آمال التوصل لاتفاق.. من يعطل صفقة الهدنة في غزة؟

وكانت هيئة البث العبرية الرسمية، نقلت الثلاثاء، عن مصادر بفريق التفاوض الإسرائيلي اتهامها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمحاولة “نسف المفاوضات” وعرقلة التوصل إلى صفقة لتبادل المحتجزين مع حركة حماس.

وجاء الاتهام لنتنياهو بالتزامن مع تسريبات إعلامية بشأن لقاء عقده مؤخراً مع ممثلي عائلات محتجزين إسرائيليين بغزة، أقر خلاله بأنه غير متأكد من إمكانية إبرام اتفاق مع “حماس”.

وقالت المصادر بفريق التفاوض الإسرائيلي لهيئة البث، إن “تصريحات نتنياهو هذه تهدف إلى نسف المفاوضات”.

وفي واشنطن، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن حركة حماس “تتراجع” عن خطة الاتفاق المطروحة. وأوضح أن التسوية  “ما زالت مطروحة، لكن لا يمكن التكهّن بأي شيء”، مضيفا “إسرائيل تقول أن بإمكانها التوصل إلى نتيجة… حماس تتراجع الآن”.

لكنّ حماس اعتبرت أن تصريحات بايدن التي اتهم فيها الحركة بأنها “تتراجع” عن خطة التسوية في غزة، هي “ادعاءات مضلّلة”.

وقالت الحركة الفلسطينية في بيان “تابعنا… باستغرابٍ واستهجان شديدين، التصريحات الصادرة عن الرئيس الأميركي جو بايدن والتي ادعى فيها أن الحركة تتراجع عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد ساعات من دعوة وزير خارجيته بلينكن للحركة للقبول بالمقترح الأخير”.

واضافت أنّ “تصريحات بايدن وبلينكن هي ادعاءات مضلّلة، ولا تعكس حقيقة موقف الحركة الحريص على الوصول إلى وقفٍ للعدوان”.

مقترح بايدن

وتتمسّك الحركة الفلسطينية بتنفيذ الخطة التي أعلنها بايدن نهاية أيار/مايو، ودعت الوسطاء إلى “إلزام الاحتلال بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه”.

وينصّ مقترح بايدن في مرحلة أولى على هدنة مدتها ستة أسابيع يرافقها انسحاب إسرائيلي من المناطق المأهولة في غزة والإفراج عن رهائن، وتتضمن مرحلتها الثانية انسحابا إسرائيليا كاملا من القطاع.

والثلاثاء، انتقد مسؤول أمريكي يرافق بلينكن في جولته تصريحات “متشددة” نسبت الى نتانياهو حول استمرار سيطرة إسرائيل على محور “فيلادلفيا” بين قطاع غزة ومصر، مؤكدا أنها لا تساعد في التوصل الى وقف لإطلاق النار مع حماس.

وقبيل مغادرته الدوحة شدّد بلينكن على أن “الوقت داهم” للتوصل إلى هدنة في غزة، ولفت إلى أن الولايات المتحدة ترفض احتلالا إسرائيليا “طويل الأمد” للقطاع.