ما هو مصير محور فيلادلفيا في ظل الخلاف المصري الإسرائيلي؟
في ظل استمرار مفاوضات التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تحولت الأنظار مرة أخرى إلى “محور فيلادلفيا“، الذي يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم انسحاب قواته منه، بينما تؤكد القاهرة رفضها بقاء أي قوات على هذا الشريط الممتد على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة.
عقبة رئيسية
ويعتبر محور فيلادلفيا من أبرز أبرز النقاط العالقة في مناقشات المفاوضات التي تهدف إلى هدنة بغزة، حيث تتمسك إسرائيل بإبقاء سيطرتها على محور صلاح الدين “فيلادلفيا” الذي تعتقد أن حماس تهرب أسلحة ومقاتلين عبره.
في مقابل هذا التعنت الإسرائيلي، أكدت مصر مرارا تمسكها بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا، ونفت ما تناولته وسائل الإعلام العبرية من موافقة على بقاء القوات الإسرائيلية في هذه المنطقة.
و”محور فيلادلفيا” هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب “اتفاقية السلام” الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، واحتلته إسرائيل مع الجانب الفلسطيني من معبر رفح في مايو (أيار) الماضي، وسط رفض مصري متكرر وتمسك بانسحاب كامل منه.
في هذا الصدد يؤكد الدكتور سعيد الزغبي أستاذ العلوم السياسية في جامعة السويس، أن مصر لن تقبل أبدا استمرار بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا، ولا تعترف إلا بما تم التوافق عليه قبل سنوات في اتفاقيات دولية، تنص على أن يقع الجانب الغربي من المحور تحت السيطرة المصرية، فيما تسيطر السلطة الفلسطينية على جانبه الشرقي.
وفند الزغبي في حديثه مع أخبار الآن ما يزعمه الجانب الإسرائيلي بشأن رغبته في السيطرة على المحور من أجل مكافحة تهريب الأسلحة عبر أنفاق موجودة بالمنطقة لحماس، معتبرا أن ما يثار حول هذه النقطة ليس سوى ادعاءات باطلة.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن مصر قضت بالفعل على الأنفاق التي كانت موجودة بالمنطقة، منذ حربها على الإرهاب والعملية الشاملة التي استهدفت سيناء عام 2018، ولم يعد هناك أي وجود لهذه الأنفاق، التي تحاول إسرائيل اتخاذها ذريعة لتبرير رغبتها في الاحتفاظ بقوات على طول فيلادلفيا.
محور رئيسي
كان محور فيلادلفيا الذي تحده أسوار شائكة يتراوح ارتفاعها بين مترين وثلاثة أمتار والكثير من الكتل الخرسانية، تحت سيطرة الدولة العبرية حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي من جانب واحد من قطاع غزة في عام 2005.
كجزء من هذا الانسحاب الذي قررته حكومة أرييل شارون وقتذاك، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية، تعرف باسم اتفاقية فيلادلفيا، تنص على نشر وحدة من 750 جنديًا من حرس الحدود المصريين على طول المنطقة العازلة (على الجانب المصري).
لكن مع اندلاع حرب غزة، لم يتوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الإشارة إلى رغبته السيطرة على المحور، وكان من بين تصريحاته في ديسمير الماضي “يجب أن يكون محور فيلادلفيا في أيدينا وتحت سيطرتنا، وأي ترتيب آخر غير ذلك لن تقبله إسرائيل”.
هل تصمد اتفاقية السلام؟
تبعت هذه التصريحات سيطرة فعلية في مايو الماضي مع الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وهي الخطوة التي أثارت غضب القاهرة، ثم جاء اليوم الإصرار على الاحتفاظ بوجود هذه القوات هناك، وهو ما فتح الباب أمام بعض الأسئلة بعضها يتعلق باتفاقية السلام بين البلدين، وما إذا كان من الممكن أن يؤثر ذلك على صمودها.
وفقا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس، فإن المعاهدات لا تلغى كما يمكن ان يحدث مع البروتوكولات مثلا، وهو بالتالي لا يمكن إلغاء معاهدة السلام، لكنه أشار إلى إمكانية تعديلها بإضافة بعض البنود أو حذفها.
وأضاف أن الجانب المصري إذا رأى أن هناك خطورة على الأمن القومي أو تهديد استقرار أمنه الداخلي، فيمكنه طلب ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة للجانب الإسرائيلي الذي يرى أنه خالف بلا شك معاهدة السلام بين الجانبين.
أما في حالة قضية محور فيلادلفيا، فيؤكد الزغبي أن مصر لن توافق بأي شكل من الأشكال على ما يطرحه نتنياهو، مشيرا إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعرب في آخر لقاء له مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قبل يومين عن قلق القاهرة البالغ إزاء إصرار نتنياهو على الاحتفاظ بقوات في فيلادلفيا، لحين الانتهاء من عدم وجود أنفاق.
وجدد التأكيد على أن الدولة المصرية لديها إصرار لا يتزحزح على عد القبول بأي تسويات تضمن التواجد الإسرائيلي بفيلادلفيا، على غير المعتاد.
إسرائيل تطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد
وأفادت بعض التقارير الصحفية، أن الوفد الإسرائيلي كشف في جولة المفاوضات الأخيرة عن رغبة تل أبيب بإسقاط اتفاق 2005 المعروف باتفاق فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل، وإدخال تعديلات على الملاحق الأمنية لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في مارس/آذار 1979، المعروفة بمعاهدة كامب ديفيد، متعلقة بالمنطقة (د) والتي تضم المنطقة الحدودية على طول الشريط الحدودي بين مصر والنقب المحتلة وقطاع غزة، والتي كانت تخضع للسيطرة الإسرائيلية عند توقيع معاهدة السلام قبل خطة فك الارتباط وانسحاب إسرائيل من غزة عام 2005.
وبحسب التقارير واجهت المطالب الإسرائيلية، التي كانت مفاجئة، رفضاً مصرياً قاطعاً حيث تمسكت القاهرة بعدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد ونصوصها الحالية.
وفيما تناولت بعض التقارير وجود مقترح أمريكي بديل يطرح فكرة أن تكون هناك قوات دولية فقط لمدة ستة أشهر في محور فيلادلفيا وأن تكون هناك قوات أمريكية وفلسطينية في معبر رفح ومن جانب آخر ستكون هناك قوات مصرية على الجانب المصري كحل للمشكلة، يعتقد أستاذ العلوم السياسية الدكتور سعيد الزغبي أن القاهرة لن توافق على مقترحات في هذا الشان سواء كانت طويلة الأمد أو قصيرة، وأنها تصر على بقاء فيلادلفيا تحت السيطرة المصرية من الجانب الغربي، بينما تقود تأمينه السلطة الفلسطينية من الجانب الشرقي.
وبينما يثير إصرار نتنياهو على استمرار سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا مخاوف من أن تنفذ الدولة العبرية تهديدها بتهجير قسري للفلسطينيين، وهو أمر لطالما أكدت مصر رفضه وقيادتها السياسية، أشار الزغبي إلى أن القاهرة، منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب في غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، وهي تحذر من توسع رقعة الصراع وامتداده إلى أبعاد تشعل المنطقة، كما جرى لاحقا ودخلت جبهة لبنان على خط النزاع وإيران، وكذلك ميليشيا الحوثي الذي هددت الملاحة البحرية واعتدت على العديد من سفن الشحن في البحر الأحمر، وهي التهديدات التي طالت تداعياتها الاقتصادية العالم، ومنها مصر حيث تأثرت أكتر من 50% من حركة التجارة في قناة السويس.
وفي آخر تطورات الموقف الإسرائيلي، قال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لم توافق على سحب قواتها من محور فيلادلفيا على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، نافيا صحة تقرير بالتلفزيون الإسرائيلي أفاد بموافقة رئيس الوزراء على سحب القوات.
وقال مكتب نتنياهو في بيان “تصر إسرائيل على تحقيق جميع أهدافها للحرب، كما حددها مجلس الوزراء الأمني، بما في ذلك ألا تشكل غزة مرة أخرى تهديدا أمنيا لإسرائيل. وهذا يتطلب تأمين الحدود الجنوبية”.