تباينات في ردود الفعل الإيرانية تجاه اغتيال إسماعيل هنية
شهدت الساحة الإيرانية تحولات واضحة عقب اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حيث تدرجت تلك الردود من التهديد بالانتقام إلى التخفيف التدريجي في حدة التصريحات، وهو ما يشير إلى التحولات في الاستراتيجية الإيرانية تجاه التصعيد مع إسرائيل.
ردود الفعل الأولية
فور الإعلان عن اغتيال هنية، أصدرت القيادة الإيرانية، بما في ذلك المرشد الإيراني علي خامنئي، تصريحات غاضبة، محملة إسرائيل المسؤولية عن الهجوم. وبعدها تم رفع العلم الأحمر، وهو رمز الانتقام، على قبة مسجد جمكران، الذي يُعتقد أن الإيرانيين بنوه بأمر من الإمام المهدي. كما شاركت وسائل الإعلام الإيرانية ومئات الحسابات المؤيدة لإيران على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو تشير إلى الانتقام من إسرائيل.
رفعت إيران علم الثأر الأحمر الذي يحمل شعار "يا لثارات الحسين" بعد اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في طهران، وهو نفس العلم الذي رفع عند مقـ.تل قاسم سليماني.
— البــاشــا الـعـــراقـي 🇮🇶 (@ar_8kn) July 31, 2024
رسائل إيران
يقول الخبير في شؤون إيران وآسيا الوسطى مسعود الفك، إن إيران تستطيع رشق إسرائيل بوابل من الصواريخ وأسراب من المسيرات وربما يتم اسقاط معظمها إلا أنها تفكر في تبعات هذا الهجوم، وبالرد الإسرائيلي وربما بمشاركة الولايات المتحدة، والذي قد يستهدف المنشآت النووية والصاروخية والبنى التحتية الإيرانية.
وأضاف الفلك، في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”، أن “بدء مرحلة من الرد والرد المُضاد الذي من مضاعفاته الإضرار بالاقتصاد الإيراني الذي يعاني أساسًَا من العقوبات، وبالتالي فشل حكومة الرئيس مسعود بزشكيان الذي فاز في الانتخابات تحت شعار مد جسور الحوار مع العالم وتحسين الوضع المعيشي وردم الهوة بين الشعب والنظام”.
وأضاف أنه “رد غير مدروس من شأنه أن يكون ردًا مضادًا قد تكون مضاعفاته كارثية، هذا الأمر دفع الكثير من السياسيين المعتدلين والإصلاحيين تحذير النظام من الانزلاق إلى حرب يحدد نتنياهو مكانها وزمانها على حد تعبير الكثير منهم”.
وأكد أن إيران تقول إنها تدرس بدقة ولكن يبدو من ظاهر الأمر بأنها تركت الأمر للوقت والمكان المناسبين أي تراجع ضمني.
من ناحيته، كان قد توعد المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني علي محمد نائيني، إسرائيل بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية. مشددًا على أن إسرائيل ستتلقى الرد على اغتيال هنية في الموعد المحدد.
وصرح “نائيني” أن اغتيال هنية يعد نموذجًا للحرب المعرفية والسياسية التي تمت بهدف خلق الفتنة وتقليل ردع وإضعاف معنويات جبهة المقاومة، مضيفًا أن إسرائيل ومع الإدانة العالمية، فشلت في تحقيق أهدافها من هذا الاغتيال.
في بيان خطّي بعد اغتيال إسماعيل هنية، قال خامنئي: “النظام الصهيوني أغضبنا باستشهاد ضيفنا الكريم في بيتنا، لكنه في نفس الوقت قد أعدّ لنفسه عقوبة شديدة”، مما يشير إلى عزم إيران على الرد.
وقال خامنئي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا): “بهذا العمل جر النظام الصهيوني على نفسه أشد العقاب، ونعتبر أنه من واجبنا الثأر لدماء هنية التي سُفكت على الأراضي الإيرانية”.
أرسلت إيران إشارات واضحة بشأن نيتها المعلنة للهجوم على إسرائيل، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة. هذه الرسائل تأتي في إطار سياسة إيران الثابتة تجاه إسرائيل، والتي تتسم بالعداء منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
لكن ما يلفت النظر في الآونة الأخيرة هو التوازن الدقيق بين التصريحات الإيرانية والتحركات على الأرض، خاصة بعد تلقي طهران رسائل عبر وسطاء دوليين، أبرزهم قطر ومصر والولايات المتحدة، التي دعمت استئناف محادثات وقف إطلاق النار في المنطقة.
تحديات داخلية
لا شك أن اتخاذ قرار الهجوم على إسرائيل ليس بالمسألة البسيطة للقيادة الإيرانية، إذ تواجه الدولة مجموعة معقدة من التحديات الداخلية التي تؤثر بشكل كبير على سياستها الخارجية. فالاقتصاد الإيراني الذي يئن تحت وطأة العقوبات الدولية، وعدم الاستقرار الاجتماعي، والاضطرابات السياسية تجعل من الصعب على القيادة اتخاذ خطوات جذرية قد تزيد من تعقيد الوضع الداخلي.
هذا الاهتمام بالتداعيات الداخلية يتضح من حرص القيادة الإيرانية على تقليل حدة التصريحات بشأن الهجوم على إسرائيل. فالشعب الإيراني يعاني من آثار اقتصادية وخدماتية نتيجة العقوبات، وهو ما يجعل التركيز على قضايا خارجية مثل النزاع مع إسرائيل أقل أهمية بالنسبة للمواطنين، مقارنة بالقضايا المعيشية.
إيران، التي تُعرف بدعمها للفصائل الفلسطينية بما في ذلك حركة حماس، وجدت نفسها أمام معضلة مزدوجة بعد مقتل هنية. من ناحية، كان من المتوقع أن تقدم ردًا انتقاميًا قويًا ضد إسرائيل، ومن ناحية أخرى، كانت التحديات الداخلية التي تواجهها البلاد – من تدهور اقتصادي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية – تلقي بظلالها على أي قرار عسكري.
خياران
أمام إيران خياران: إما الهجوم على إسرائيل، أو تبرير الامتناع عن الهجوم. وبالنسبة للقيادة الإيرانية، فإن شعوب المنطقة والعالم قد تعتبر الهجوم غير كافٍ إذا حدث، كما أنهم سيتّهمون إيران بالجبن إذا لم يتم الهجوم. ولهذا السبب، تهتم القيادة الإيرانية بتقييم الشعب الإيراني للقرار أكثر من تقييم العالم الخارجي.
سياسة الصبر الإستراتيجي التي اتّبعتها إيران بعد مقتل قاسم سليماني في هجوم أمريكي بالعراق، واغتيال محسن فخري زاده في طهران، ومقتل العديد من الجنود الإيرانيين في سوريا، واستهداف مقر إيران والجماعات التي تدعمها في سوريا بشكل أسبوعي تقريبًا، أثرت على ثقة الشعب الإيراني في قوة البلاد وفي تصريحات قيادتها.
استجابة محدودة
وعلى الرغم من أن إيران نفذت هجومًا صاروخيًا وجوياً على إسرائيل في أبريل 2024 ردًا على استهداف السفارة الإيرانية في دمشق، إلا أن هذا الرد لم يكن كافيًا لتهدئة المشاعر الشعبية في إيران. الشعب الإيراني كان يتوقع ردة فعل أكثر حزمًا، ما يبرز التوتر بين الرغبة الشعبية في الانتقام والحذر الاستراتيجي الذي تتبعه القيادة.
بعد مرور 21 عامًا على غزو الولايات المتحدة للعراق، تزعزعت الثقة في سياسة “الصبر الإستراتيجي” التي اتبعتها إيران أثناء الهجمات. وفي هذا السياق، يخشى الإيرانيون من أن يؤدي القرار المتعلق باغتيال إسماعيل هنية إلى تأثير سلبي على النسيج الاجتماعي الهشّ في البلاد.
تداعيات مقتل هنية
جاء مقتل إسماعيل هنية كعامل جديد يزيد من تعقيد الموقف. إذ كان الإيرانيون يتوقعون ردًا قويًا على هذا الحدث، خاصة وأن هنية يمثل شخصية رئيسية في تحالف إيران مع حماس. ومع ذلك، تراجع التهديدات الإيرانية يمكن تفسيره بالحسابات الدقيقة التي تقوم بها القيادة الإيرانية، حيث تحاول الموازنة بين الحفاظ على صورتها الإقليمية كقوة داعمة لفلسطين، وبين التحديات الداخلية التي قد تعرقل أي ردّ عسكري شامل.
مع مرور أكثر من عقدين على غزو الولايات المتحدة للعراق، تعززت النظرة المشككة لدى بعض الإيرانيين تجاه سياسة “الصبر الاستراتيجي”، خاصة مع تزايد الضغط الداخلي. التحدي الرئيسي يكمن في الحفاظ على توازن بين مواجهة التهديدات الخارجية والحفاظ على استقرار الداخل. وإذا ما تم اتخاذ قرار باغتيال شخصية بارزة مثل إسماعيل هنية، فقد يتسبب ذلك في تداعيات سلبية على النسيج الاجتماعي الإيراني المتوتر أصلاً.