بين تهديد حزب الله ووعيد إسرائيل.. هل انهارت قواعد الاشتباك على جبهة لبنان؟
في واحدة من أكبر الاشتباكات منذ أكثر من عشرة أشهر من الحرب الحدودية على جبهة لبنان، أطلق حزب الله مئات الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل في ساعة مبكرة من صباح الأحد، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه قصف لبنان بنحو 100 طائرة لإحباط هجوم أكبر.
وبينما تم تأكيد سقوط ثلاثة قتلى في لبنان، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل أحد جنود البحرية وإصابة اثنين آخرين في شمال البلاد.
وبحسب “تحقيق أولي”، فإن الجنود الثلاثة أصيبوا “مباشرة بقذيفة اعتراضية من القبة الحديدية أو بشظية من هذه القذيفة سقطت عن طريق الخطأ على زورق دورية سريع بعد اعتراض طائرة مسيّرة”.
وقال حزب الله إنه أطلق 320 صاروخ كاتيوشا تجاه إسرائيل وأصاب 11 هدفا عسكريا فيما وصفه بالمرحلة الأولى من رده على اغتيال إسرائيل للقيادي الكبير فؤاد شكر الشهر الماضي.
في غضون ذلك، كشف مسؤول في الحزب أنه تم إرجاء الرد لإتاحة الفرصة للمحادثات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في غزة و”اعتبارات سياسية” أخرى. وأضاف المسؤول أن الحزب عدل رده لتجنب إشعال حرب شاملة.
في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أحبط هجوما أكبر بكثير بشن غارات جوية استباقية على 40 موقع إطلاق بعد تقييم أن حزب الله يستعد لإطلاق الصواريخ.
وقال نتنياهو إن إسرائيل اتخذت إجراءات استباقية ضد حزب الله، مضيفا أن الدفاعات الجوية اعترضت جميع الطائرات بدون طيار التي أطلقت ضد هدف استراتيجي في وسط إسرائيل.
هل تغيرت قواعد الاشتباك؟
وتأتي هذه التطورات، فيما تزداد التحذيرات من أن أي تصعيد كبير في القتال، الذي بدأ بالتوازي مع الحرب في غزة، يهدد بالتحول إلى حريق إقليمي يجذب إيران، داعمة حزب الله، والولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، وهي تحذيرات تتزامن مع مخاوف من أن يتسبب التصعيد الحاصل في انهيار قواعد الاشتباك على جبهة لبنان.
حول هذا الموضوع، يرى الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي العميد أحمد رحال أن التصعيد الكبير الذي شهدته الجبهة اللبنانية الإسرائيلية بعد هجوم حزب الله، يندرج ضمن قواعد الاشتباك، المعمول بها منذ بداية التصعيد على جبهة لبنان، موضحا أن حزب الله لم يطلق طلقة على المدن الإسرائيلية، ولا على المرافق المدنية، وإنما استهدف بحسب ما أعلن 11 موقعا عسكريا، بصواريخ الكاتيوشا.
ضربة محدودة
وأكد رحال في حديثه مع “أخبار الآن” أن هذا النوع من الصواريخ لا يتعدى مداها حدود مناطق قواعد الاشتباك، ولم تؤدي إلى حدوث خسائر كبيرة، خصوصا في ظل الضربة الاستباقية الإسرائيلية والتي أحبطت جزءا كبيرا من الهجوم، مضيفا أن حزب الله يعلم جيدا أن أي عملية قد تؤدي إلى مقتل مدنيين، سيتبعها رد إسرائيلي كبير، وهو ما سيترتب عليه، حدوث عملية تهجير بالجنوب اللبناني، تشمل بالتأكيد شيعة حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.
يتابع المحلل العسكري والاستراتيجي، أن هؤلاء لا ملاذ آمن لهم، سواء في الشمال اللبناني، ولا في سوريا، التي لن تكرر مرة ثانية بحسب العميد أحمد رحال، ما فعلته سابقا، وبالتالي لن يقدم الحزب سوى على ضربة محدودة لحفظ ماء الوجه ليس إلا، وضمن قواعد الاشتباك.
ورفض حزب الله بيان إسرائيل بأن هجوم الحزب تم إحباطه بضربات استباقية، قائلاً إنه تمكن من إطلاق طائراته بدون طيار كما كان مخططًا له وأن بقية رده على مقتل شكر سيستغرق “بعض الوقت”.
وارتفعت توقعات التصعيد منذ أن أدى هجوم صاروخي على مرتفعات الجولان المحتلة الشهر الماضي إلى مقتل 12 شابا، وقيام الجيش الإسرائيلي باغتيال شكر في بيروت ردا على ذلك.
وينظر العميد أحمد رحال إلى ما جرى من تصعيد، على أنه ربما جزء مما توعد به حزب الله سابقا، ويأتي في إطار الرد على مقتل صالح العاروري نائب رئيس مكتب حماس السياسي والذي اغتيل مع اثنين من مرافقيه، في “ضربة إسرائيلية” على الضاحية الجنوبية لبيروت، في يناير الماضي، وأيضا كرد على مقتل القيادي فؤاد شكر كما جاء على لسان قيادات حزب الله.
حفظ ماء الوجه
وفي ما اذا كان الرد على مقتل شكر قد انتهى، قال نصر الله إن الحزب سيعكف على جمع معلومات عن نتيجة هجماته “.
وأضاف “إذا كانت النتيجة مرضية وتحقق الهدف المقصودـ فسنعتبر أن عملية الرد على اغتيال” شكر “قد تمت”، موضحاً في الوقت ذاته أنه “إذا كان الرد أوليا وبحاجة لاستكمال، فهذا يأتي وقته في وقت متأخر ولاحق”.
وفي هذا الصدد يقول الخبير العسكري العميد أحمد رحال إن حزب الله أوقف بالفعل العملية وقال بأنها انتهت، رغم حديثه عن هجوم على موجات متتالية، لكنه يعتقد أن الأمر يتوقف كذلك على رد إسرائيل الذي قد يلعب دورا كبيرا في هذا الصدد.
ورجح رحال أن تكون هذه الضربة هي نوع من حفظ ماء الوجه لحزب الله، مثل ضربة نيسان التي قامت بها إيران بشكل عشوائي، ردا على الهجوم الذي استهدف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، ووصفت حينها بأنها مسرحية، وانتهى الأمر بعدها.
ويعتقد المحلل العسكري، أن الهجوم قد يكون عملية منسقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وفرنسا، وإيران وحزب الله، على أن تتم هذه الضربة ويتم اعتبارها كرد تنتهي به موجة التصعيد الحالية.
وارتفع منسوب التوتر في الأسابيع الأخيرة بعد مقتل القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في ضربة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم بعد ساعات اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في طهران في ضربة نُسبت الى إسرائيل. وتوعّدت طهران وحزب الله بالردّ على مقتلهما.
صواريخ “مفرقعاتية”
وفيما يتعلق بحجم الصواريخ الذي أعلن حزب الله عن استخدامها في الهجوم، قال العميد أحمد رحال إن العبرة ليس في الكم الذي أطلق وعدده 320 صاروخ، وإنما فيما تحدثت عنه المصارد الإسرائيلية بأن حزب الله خطط لإطلاق حوالي 6000 صاروخ وطائرة مسيرة تجاه إسرائيل خلال الهجوم، قبل أن يتم إحباط ذك بضربة استباقية عبر 100 طائرة إسرائيلية وطائرات مسيرة ومجموعة من الصواريخ التي أطلقت من إسرائيل.
وكشف رحال في حديثه مع أخبار الآن أن 320 صاروخ كاتيوشا لا يعادلون صاروخا واحدا من الصواريخ المؤثرة ذات المدى البعيد، مضيفا أن هذه الكاتيوشا هي صواريخ مفرقعاتية، وبالتالي هذا العدد ليس بالحجم الكبير على صعيد النتيجة والتأثير، لسببين أولهما أنها ذات دقة إصابة قليلة جدا، والثاني أن الرأس المتفجر صغير ولا يمكنه إحداث خسائر كبيرة.
الضربات الاستباقية
كما تطرق الخبير العسكري إلى مبدأ الضربات الاستباقية، وشرح أنه مبدأ معتمد إسرائيليا، موضحا أن هناك نوعين من الضربات التي تعمل عليهم إسرائيل هما الضربات الاستباقية والضربات الوقائية التي تمنع أي شيء يمكن ان يؤثر على إسرائيل مستقبلا، مثل التي تنتهجها عند ضرب شحنات الأسلحة الإيرانية التي تأتي من سوريا.
أما الضربات الاستباقية وفقا للعميد أحمد رحال، فهي تلك التي تسبق هجوما ما، مثل ما حدث اليوم، وهو أمر تستطيعه إسرائيل من خلال وسائل الاستطلاع القوية التي تمتلكها وتتمتع بقدرات عالية، أو من خلال العملاء الذين يمكنهم تحديد موعد الهجوم.
يتابع: “وبالتالي القيام بضربة تسبق الهجوم لإحباطه هي مهمة الضربات الاسبتاقية، وأعتقد أن إسرائيل نجحت إلى حد ما في هذا الأمر”.
الهدف: قاعدة جليلوت
وأعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن “الهدف الأساسي” للهجوم الذي شنه الحزب فجرا على إسرائيل رداً على مقتل فؤاد شكر، أحد أبرز قيادييه العسكريين، كان “قاعدة جليلوت للاستخبارات العسكرية” قرب مدينة تل أبيب.
وقال نصرالله في كلمة بثتها قناة المنار التابعة للحزب إن قاعدة جليلوت كانت “هدفا أساسيا للعملية في العمق”، مشيراً الى انها “تبعد 110 كلم تقريبا عن حدود لبنان” و”تدير الكثير من عمليات الاغتيال التي تجري في المنطقة”.
وأفاد عن أن “الهدف المساند” للهجوم كان قاعدة الدفاع الصاروخي في عين شيمرا الواقعة على بعد سبعين كيلومترا من الحدود، مشيرا إلى أن عددا من المسيرات طالت هذين الهدفين، “لكن العدو يتكتم”.
ومنذ بدء الحرب، يتبادل حزب الله وإسرائيل القصف بشكل يومي عبر الحدود اللبنانية، بعد فتح الحزب اللبناني ما أسماه “جبهة إسناد” لغزة، ما زاد من مخاوف احتمال اندلاع حرب شاملة بمنطقة الشرق الأوسط، وهي المخاوف التي تتزايد أكثر بعد كل مرحلة من مراحل التصعيد بين إسرائيل وحزب الله.
وحول هذه النقطة، يقول العميد أحمد رحال المحلل العسكري والاسترتيجي، إن كل المعطيات تشير إلى أن إسرائيل لا تسعى إلى حرب شاملة، وكذلك حزب الله وإيران، ليس لديهم القدرة على مواجهة إسرائيل وداعمها الولايات المتحدة، مع وجود كل القوة الأمريكية التي باتت موجودة بالشرق الأوسط، مشيرا إلى الأسطولين الخامس والسادس بالمتوسط وبالخليج العربي خمس حاملات طائرات و19 قطعة بحرية بالإضافة إلى قوات المارينز التي وصلت المنطقة وطائرات رابتور22 ، فضلا عن كل القواعد الأمريكية بالمنطقة.
يضيف رحال: “وبالتالي زخم الوجود الأمريكي يردع حزب الله وإيران. صحيح يعطي طموح لنتنياهو الذي يحاول توسعة الحرب، لكن الضغوط الأمريكية والمعارضة الإسرائيلية والواقع الإسرائيلي بعد حرب غزة، يؤكد حقيقة عدم قدرة إسرائيل على حرب شاملة وبنفس الوقت لا حزب الله ولا إيران يمكنهما خوض حرب شاملة مع إسرائيل”.
واختتم المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي حديثه مع أخبار الآن، بالتأكيد على أن هذا التصعيد الحالي، لا يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة في هذه المرحلة بالذات، وإنما قد يتبعه عملية تبادل في موجات صواريخ من الطرفين.
مخاطر الصراع الإقليمي
وعلى خلفبة هذا التصعيد، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يتابع التطورات. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي شون سافيت “سنواصل دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسنواصل العمل من أجل الاستقرار الإقليمي”.
من جانبها، دعت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في البلاد جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار، ووصفت التطورات بأنها “مقلقة”.
كما حذرت مصر، أحد الوسطاء في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، من مخاطر فتح جبهة حرب جديدة في لبنان.
وأطلق حزب الله صواريخ على إسرائيل فور وقوع الهجمات التي شنها مسلحو حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ومنذ ذلك الحين، يتبادل حزب الله وإسرائيل إطلاق النار باستمرار، مع تجنب أي تصعيد كبير مع احتدام الحرب في غزة إلى الجنوب.
ولكن يبدو أن هذا التوازن الهش قد تحول بعد الضربة في مرتفعات الجولان، والتي نفت حزب الله مسؤوليتها عنها، واغتيال شكر، أحد أكبر القادة العسكريين في حزب الله، في وقت لاحق.
وسرعان ما تبع مقتل شكر في غارة جوية اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، مما دفع إيران إلى التعهد بالانتقام من إسرائيل.