أطفال السودان يواجهون شبح سوء التغذية والأمراض المُعدية تفتك بأجسادهم
ليلة قاسية قضتها عزيزة عثمان، تلك السيدة الثلاثينية وهي تحاول إنقاذ رضيعها الذي بات يكسو اللحم عظامه بالكاد، تحمله وتذهب به هنا وهناك بحثاً عن أي سبيل لعلاجه بعدما أصابه ألم حاد جعله على صرخة واحدة لا تهدأ، والسبب سوء التغذية الذي أفقده الكثير من وزنه.
جيل كامل من هؤلاء الأبرياء يعيشون ظروفًا قاسيةً ومؤلمةً، في خضم صراع عنيف لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فأطفال السودان يواجهون أزمة حادة في سوء التغذية مع دخول الحرب عامها الثاني على التوالي منذ بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع أبريل 2023.
والتي بدورها عرقلت وصول المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من العالقين في مناطق الاشتباكات، وأصبحت المواد الغذائية شبه معدومة وانتشرت الأمراض مما أثر على تغذية الأطفال وأدى إلى زيادة حالات سوء التغذية. هذا بالإضافة إلى ندرة مياه الشرب وانقطاع الكهرباء ومشاكل بيئية وقصف عشوائي لمناطق مدنية .
نقص الأدوية وارتفاع أسعارها ضريبة الحرب
“دخل إبني المستشفى بعد يوم واحد من ولادته ومكث فيها 43 يوم ، في البداية كان يعاني من اسهال حاد ثم كُحة ومشاكل تنفسية، ذهبنا في البداية إلى المستشفى الإيطالي والتي مكث فيها لمدة 24 ساعة وبعدها انتقلنا بالإسعاف لمستشفى الأطفال، المشكلة الأساسية التي نواجهها مع أطفالنا هي نفس العلاجات وارتفاع ثمنها، وابني حالياً بدأ في التحسن بعد تناول حليب التغذية “.. بهذه الكلمات سردت عزيزة تفاصيل معاناتها مع طفلها الذي لا يختلف وضعه كثيراً عن رضيع أم محمد الذي يعاني هو الأخر من إسهال وقيء متكرر إلى جانب ارتفاع درجة الحرارة للسبب نفسه .
أكثر من 4 ملايين طفل في السودان يعانون من سوء التغذية، من بينهم 750 ألفا يعانون سوء التغذية الحاد وفقاً لبيانات اليونسيف ، فإلى هذه المستويات الكارثية وصل الحال بالسودان وأطفاله ، خصوصاً في وسط دارفور ومع هذا الارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية بين الأطفال خصص مستشفى بورتسودان قسماً خاصاً لاستقبال الأعداد الكبيرة التي تتوافد يومياً .
الأمراض المعُدية تحاصر أطفال النازحين
“نعم نسبة الزيارات لعنبر سوء التغذية بمستشفى الأطفال التعليمي في ازدياد وتم تسجيل نسبة تتضمن النازحين من ولايات أخرى هؤلاء الفئة من السكان ظروفهم قاسية جدًا لا يستطيعون توفير احتياجات أطفالهم اليومية ولا التغذية الضرورية اللازمة لهم مما يعرضهم لكثير من الأمراض والأوبئة هذا بخلاف الأمراض المُعدية التي تنتقل نتيجة الإزدحام في المخيمات حتى في دور الرعاية الصحية فهم معرضون لفيضانات من الأمراض المزمنة” .
بهذه الكلمات بدأ الدكتور محمد إسحق ، مسؤول مستشفى الأطفال في بورتسودان حديثه لـ“أخبار الآن” قائلاً : الحالات التي يتم تسجيلها في عنبر سوء التغذية كلها حالات نتيجة للاسهالات المائية أو لفقدان الشهية وعدم الأكل أو رفض الاكل للطفل حديث الولادة ، والأطفال دون سن الخامسة أو العاشرة يكونوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المُعدية نظراً لتعرضهم الدائم لبيئة ملوثة.
وقد حذرت منظمة اليونسيف من أن التدمير شبه الكامل للبنية الأساسية في السودان والهجمات على المنظمات الإنسانية ونهب مستودعاتها حرم 7.4 ملايين طفل من الحصول على مياه الشرب النظيفة كما أصبح أكثر من 3.5 ملايين طفل معرضين للإصابة بأمراض مرتبطة بظروف النظافة الصحية مثل الكوليرا التي أدت بالفعل إلى وفاة العشرات خلال الشهور الأخيرة.
وفوق كل ذلك يتعرض هؤلاء الأطفال الآن لموجات حر أكثر بمرتين من تلك التي تعرّض لها أجدادهم قبل 50 عامًا ومع نقص المياه والغذاء والدواء فهم يعجزون عن الصمود أمام هذه الظروف القاسية.
وكانت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة وهي اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي حذروا من حدوث تدهور كبير في تغذية الأطفال وأمهاتهم في السودان بسبب الحرب داعية لتحرك عاجل لإنقاذ هؤلاء الأبرياء ، ووفق لأحدث دراسة أجرتها تلك المنظمات فإن الوضع الحالي يؤدي إلى تفاقم أسباب سوء التغذية لدى الأطفال .