ابتداءً من 2017 كثفت الصين من حملات قمعها الواسعة بحق الإيغور واعتقلت مئات الآلاف
في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي أعلنته الأمم المتحدة، لا ينبغي لنا أن ننسى معاناة الإيغور المنفيين الذين ينتظرون أخباراً عن أحبائهم في الوطن.
وبينما يتذكر هذا اليوم الذي يتم الاحتفال به في 30 أغسطس من كل عام، قدمت مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي المزيد من الأدلة على استخدام الصين للاختفاء القسري في إقليم شينجيانغ، لكن قبل سرد تفاصيل هذه الأدلة نستعرض قيما يلي بعض المعلومات بمفهوم الاختفاء القسري.
فوفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند: “القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.
ويتأثر الضحايا، الذين كثيراً ما يتعرضون للتعذيب والخوف المستمر على حياتهم، ويتأثر أفراد أسرهم، الذين يجهلون مصير أحبابهم، وتتأرجح عواطفهم بين الأمل واليأس، فيترقبون في حيرة، طيلة سنوات أحياناً، وصول أخبار قد لا تأتي أبدا.
ويدرك الضحايا جيداً أن أسرهم لا تعرف شيئا عما حل بهم، وأن فرص حضور من يمد لهم يد المساعدة ضئيلة. وقد أصبحوا في الحقيقية – بعد إقصائهم عن دائرة حماية القانون و “اختفائهم” من المجتمع – محرومين من جميع حقوقهم، وواقعين تحت رحمة آسريهم
أما بالنسبة للإيغور، فتساعد هيئة غير معروفة إلى حد ما تابعة للأمم المتحدة، وهي مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي، في تسليط الضوء على مدى حالات الاختفاء القسري التي ارتكبتها الصين في منطقة شينجيانغ المتمتعة بالحكم الذاتي.
ابتداءً من عام 2017، كثفت السلطات الصينية حملة قمع واسعة النطاق تهدف إلى تحويل الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية في هذه المنطقة.
وكجزء من هذه الحملة القمعية، تم إرسال ما يقدر بنحو 900 ألف إلى 1.8 مليون من الإيغور والكازاخستانيين وغيرهم من المسلمين بشكل غير طوعي إلى معسكرات شديدة الحراسة، والتي أطلقت عليها الصين اسم “مراكز التعليم والتدريب المهني”.
ووفقًا لبحث أجراه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كان التعذيب والاستجواب القاسي والأدوية القسرية والاغتصاب أمرًا شائعًا داخل هذه المعسكرات.
وتقول الحكومة الصينية إنها أنهت نظام المعسكرات في عام 2019، مدعية أن أولئك الذين خضعوا للاحتجاز “تخرجوا” و”وجدوا عملاً مستقراً”.
وفي حين لا يمكن التحقق من هذه الادعاءات، فإن الأبحاث المستقلة تشير بالفعل إلى أن نظام المعسكرات قد تراجع إلى حد كبير، حيث تم إطلاق سراح بعض الأشخاص وإرسال آخرين إلى السجن.
لكن إلى جانب نظام معسكرات الاعتقال، حُكم على مئات الآلاف من الناس بالسجن، حيث أشارت حكومة شينجيانغ نفسها إلى أن 540826 شخصًا تعرضوا للمحاكمة في المنطقة من عام 2017 إلى عام 2022، وهذا رقم مرتفع في منطقة يسكنها 25.8 مليون شخص، 14.9 مليون منهم من الأقليات العرقية.
لا يُعرف سوى القليل جدًا عن مصير وظروف الأشخاص الذين حُكِم عليهم بالسجن أثناء الحملة القمعية، حيث جعلت الحكومة الصينية من المستحيل تقريبًا على العالم الخارجي معرفة ما يحدث على الأرض.
ولهذا السبب فإن بعض الآراء الصادرة عن فريق العمل التابع للأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي تعتبر ذات قيمة كبيرة: فهي توفر نافذة على مصائر الأشخاص المحتجزين.
وتتولى مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي التحقيق في حالات الاحتجاز التعسفي المزعومة في مختلف أنحاء العالم.
كما ترسل نداءات وبلاغات عاجلة إلى الحكومات التي ورد أنها اعتقلت أشخاصاً بطريقة تعسفية، والتي يتعين على هذه الحكومات أن تستجيب لها. ومن الناحية المثالية، تتخذ الحكومات الإجراءات اللازمة لتصحيح أي انتهاكات لحقوق الإنسان.
تنتشر في مجتمع الشتات الإيغوري المنتشر في جميع أنحاء العالم عائلات مفككة، وأزواج منفصلين، وأطفال أيتام، كلهم يائسون من التحدث إلى أولئك الذين تركوهم وراءهم والاطمئنان إلى أنهم ما زالوا على قيد الحياة.
من بين هذه الأمثلة كثيرة على حالات الاختفاء القسري بين الإيغوريين، قصة ريزوانجول نور محمد التي اختفى شقيقها في عام 2017، التي لم تيأس على مدار سنوات من أجل البحث عن شقيقها ميولان نور محمد.
تقول ريزوانجول “كان هناك بصيص أمل في مارس/آذار 2019 عندما بدا أن ميولا، الذي اعتقلته الشرطة بملابس مدنية أثناء استراحة الغداء في عام 2017 وحُكم عليه لاحقًا بالسجن تسع سنوات بتهمة الأنشطة الانفصالية، قد يُطلق سراحه؛ لكن هذا لم يحدث وظلت قضيته هادئة”.
تضيف ريزوانجول: “أبلغت السلطات المحلية الأسرة أنه سيتم إطلاق سراح أخي وطلبت من الأسرة تجهيز الملابس له. لكن الإفراج لم يحدث؛ بدلاً من ذلك، في أبريل/نيسان 2019، نُقل من معسكر الاعتقال إلى سجن في مدينة بولي شمال إيلي التي تعانق الحدود الصينية الكازاخستانية حيث احتُجز في البداية”.
ومع تزايد قلقها، لجأت ريزوانجول إلى مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز القسري أو غير الطوعي للاستفسار عن أخبار عن مكان وجوده، وتم عرض قضيته على المجموعة في دورتها 118 في مايو/أيار 2019.
وفي نهاية المطاف، اعترفت الحكومة الصينية في الثاني من سبتمبر/أيلول بأنه تم نقله إلى سجن في مدينة شيهيزي، على بعد 374 كيلومترا من مدينة بولي، مسقط رأسه.
في أوائل يونيو/حزيران 2020، اعترفت السفارة الصينية في نيوزيلندا، حيث يحمل رضوانجول الجنسية الآن، بعد تحقيق من الحكومة النيوزيلندية، بأن ميولان حُكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات بتهمة “تقسيم الدولة”.
وقالت ريزوانجول: “لم تكن هناك معلومات رسمية تشرح سبب اعتقاله والحكم عليه. وعلى حد علمي، لم تكن هناك محاكمة”.
وبحسب ريزوانجول، فإن شقيقها “شخص بريء لم يفعل أي شيء ضد الحكومة، ولا أي شيء ضد القانون، ولا يشكل تهديدًا للدولة، وهو يسعى ببساطة إلى دعم أسرته”، كما قالت. “لقد تم اعتقاله تعسفيًا ويعاقب على جريمة لم يرتكبها”.
لدى ميولان ابن لم ير والده إلا نادراً، وُلد قبل اختفاء ميولان بفترة وجيزة، وتولت والدته وجدته تربيته.، وهو الآن في السابعة من عمره. وقالت ريزوانجول: “إن التفكير في نشأته دون أب يجعلني حزينة للغاية”.
وفي حالة من اليأس، ناشدت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي في 19 يونيو/حزيران من هذا العام التحقيق في مكان وجود شقيقها، مدعيةً أن احتجازه “تعسفي”.
وقالت للمجموعة: “إن احتجازه لفترة طويلة يشكل تهديدًا خطيرًا لصحته وحياته”، وطالبت المجموعة بمطالبة الصين بالإفراج الفوري عنه.
وتعتقد ريزوانجول أن شقيقها اعتقل بسبب هويته الإيغورية. وتقول: “شقيقي رجل إيغوري بريء. إن حالة عدم اليقين هذه تجعلني مستيقظة في الليل، قلقة بشأن صحته الجسدية والعقلية”.
وأضافت: “أصر على أن يطلق الحزب الشيوعي الصيني سراح شقيقي على الفور ودون قيد أو شرط. يجب على بكين أن تفي بالتزاماتها الدولية وأن تحترم حقوق الإنسان لجميع الإيغور، سواء داخل الصين أو خارجها. ومن الأهمية بمكان للعدالة والنزاهة الدولية أن يتم احترام هذه الحقوق”.