جهاد طروادة.. كيف تحول تنظيم القاعدة تحت قيادة سيف العدل وإشراف الحرس الثوري

بعد مرور 23 عاماً على هجمات 11 سبتمبر، يقف تنظيم القاعدة اليوم على أرض مختلفة تماماً عن التي كان يقف عليها وقت تنفيذه هذه الهجمات، وتبدو قاعدة بن لادن شيئاً من الماضي مقارنة بالتنظيم الحالي الذي يهيمن الحرس الثوري الإيراني على قراره ويتحكم في قيادته.

فقد استغلت الوكالات السرية الإيرانية بعض المتطرفين الجهاديين السنة ممن وقعوا في قبضتها واستخدمتهم بمثابة حصان طروادة من أجل خدمة المشروع الإيراني، في تطبيق لـ”متلازمة ستوكهولم” وهي ظاهرة نفسية تصيب بعض ضحايا الاختطاف تجعلهم يتعاطفون مع خاطفيهم.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

ضحايا متلازمة طهران

غم العداء الأيديولوجي بين تنظيم القاعدة ونظام ولاية الفقيه، استغل الأخير حاجة قادة التنظيم إلى ملجأ آمن عندما كانوا في أشد الاحتياج له بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وقام بإيواء قادة القاعدة.

وبعد أكثر من عقدين وجدت القاعدة نفسها تحت سيطرة الحرس الثوري وأصبحت طهران عاصمة التنظيم الإرهابي الدولي بشكل ربما يصعب على إدراك معظم عناصره بل وقادته.

فمنذ اغتيال أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، في  ٣١ يوليو ٢٠٢٢، انتقلت القيادة، فعليا، إلى محمد صلاح الدين زيدان الشهير بـ”سيف العدل” المقيم في إيران، وبذلك نجح فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري في مخططه طويل الأمد لاختطاف التنظيم المعادي له وتسخيره لخدمة أجندته.

فسيف العدل يقيم تحت الحراسة الإيرانية منذ عام 2001، مع صهره مصطفى حامد الشهير بأبي الوليد المصري، صاحب موقع “مافا الإيراني” الذي يطلقه من طهران.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

أبو الخير المصري يتهم مصطفى حامد أبو الوليد بتبنى وجهة نظر المخابرات الإيرانية في كتاباته

سُجن حامد لفترة في إيران واستطاع العودة إلى مصر عام 2011 بعد ضغوط كبيرة لكنه آثر العودة إليها طواعية بعد خمس سنوات، وعُرض على صهره المغادرة عام 2015 في إطار صفقة أبرمتها القاعدة مع طهران لكنه قرر البقاء هناك، لذا تم اعتبارهم مصابين بـ “متلازمة طهران” تشبيهًا لها بمتلازمة ستوكهولم.

ويمكن رؤية أعراض “متلازمة طهران” بوضوح في كتابات حامد، على موقع مافا الإيراني، إذ يحاول توجيه القاعدة فكريًا وإعادة صياغة مشروعها دون أن تبدو هذه الانعطافة كرِدة عن مسيرتها السابقة، كي لا يُتهم سيف العدل بالعمالة للجمهورية الشيعية.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

ويضع حامد نفسه في منزلة أعلى من تنظيم القاعدة وأشباهه، ويحاول الإيحاء بأنه مجرد “مؤرخ للجماعات الجهادية” رغم أن أيديولوجيته امتزجت باستراتيجيات سيف العدل ليشكلا معًا برنامج عمل للقاعدة، حتى أنه يمكن الرجوع لكتابات الأول لفهم أفكار الثاني وأسس تحركاته، فهذا الثنائي يستهدف كتابة فصل جديد من مسيرة التيار الجهادي القادم من البيئة السنية وتسخيره للعمل تحت راية حراس الجمهورية الخمينية.

وبطبيعة الحال، داخل العائلة، يعتبر سيف الشخصية الأكثر أهمية، وقد ثارت التساؤلات لسنوات طويلة حول سبب بقاء سيف العدل في دولة شيعية عدوة، على الأقل منذ عام 2015 حين عقدت القاعدة صفقة مع طهران تم بموجبها تحرير أعضاء التنظيم هناك وسُمح لهم بالسفر إلى الخارج، لكنه لم يغادر، ولا يبدو واضحاً تماماً هل هو عاجز عن المغادرة لسبب أو لآخر أم أنه اختار البقاء بإرادته، وأيا كانت الإجابة فإن النتيجة واحدة وهي أنه لا يمكن تنصيبه ومبايعته رسميًا كقائد للقاعدة.

إذ كشفت وثيقة مسربة كُتبت في نهاية مارس 2014 أن كبار قادة التنظيم تعهدوا بأنه في حال وفاة الظواهري، سيبايعون أبي الخير المصري، وأبي محمد المصري، وسيف العدل، وناصر الوحيشي، بنفس هذا الترتيب، وقد قُتلوا جميعاً عدا سيف العدل، لكنه يُعد غير مؤهل للقيادة لأن الوثيقة اشترطت أن يكون الأمير في أحد فروع القاعدة، وبالتالي لا تنطبق عليه الشروط لأنه يعيش في إيران.

ورغم ذلك ظل سيف العدل في إيران وظل التنظيم بلا قيادة معروفة لأكثر من سنتين، لكن قمرة القيادة الفعلية في إيران، وبالطبع لا يمكن توقع أن يتخذ التنظيم مسارًا مخالفًا لطهران التي تحتفظ بقائده لديها، بغض النظر عن رأيه أو توجهه، فإنه سيضطر لمراعاتها رغبًا أو رهبًا أو اقتناعًا.

وقد كشفت “أخبار الآن” أن طالبان طلبت من سيف العدل عدم الإعلان عن وفاة الظواهري والتريث في إعلان تنصيب خليفته في قيادة التنظيم، وأضافت الرسالة:”انتظروا وقتًا مناسبًا، من فضلكم احترموا علاقتنا”، وجاء جواب سيف العدل من إيران واضحًا بالموافقة، وأكد أنه يفهم موقفهم تمامًا.

شعار القاعدة الجديد لو كان سيف العدل صادقا

رغم تغير استراتيجية وأفكار وطريقة عمل القاعدة، فإن التنظيم لم يعلن رسميًا تغيير شعاراته وأيديولوجيته، خشية ردة الفعل على انكشاف علاقته بالحرس الثوري، واعتباره أحد أذرع المحور الإيراني بحكم الواقع، وإلا لغيَّر شعاره إلى شكل يتناسب مع وضعه الجديد ليشبه راية حزب الله اللبناني أو الميليشيات الشيعية العراقية.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

تعود علاقة سيف العدل بالحرس الثوري لمرحلة تدريبه على يد عماد مغنية القيادي في حزب الله – صورة بالذكاء الاصطناعي

وقد بدأت علاقة سيف العدل بالحرس الثوري حين ذهب للتدرب في لبنان على يد عماد مغنية، أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله، وفي صيف 1998 نفذت القاعدة تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، باستخدام أساليب تفجير عمليات حزب الله تمامًا.

وعندما لجأ إلى إيران، راهن الحرس الثوري عليه ليكون رجلهم الذي يقود التنظيم، وتدخل الرئيس أحمدي نجاد لإقناع زعماء التنظيم المقيمين لديه باختيار سيف العدل ليكون الرجل الثالث بعد بن لادن والظواهري، وفق ما نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية عام 2006 نقلا عن مصادر وصفتها بالاستخبارية.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

أحصنة طروادة الإيرانية

وفقًا لأسطورة حصان طروادة الإغريقية، استطاع الغزاة اختراق المدينة عبر حصان خشبي ضخم اختبأ فيه الجنود، وفي حالة تنظيم القاعدة فإن الأمر أعقد من ذلك.

فإيران اخترقت قيادة التنظيم من رأسه، فكان الحصان الأول سيف العدل، وثانيا اخترقت المجتمعات السنية من خلال القاعدة، فكان التنظيم هو الحصان الثاني الذي نفذت طهران مخططاتها من خلاله.

تبنى سيف العدل نظرية خلاصتها التحالف مع محور المقاومة الشيعي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة العربية، ونفذ هذه النظرية من خلال استراتيجية جهاد طروادة.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

الحصان والفارس: إيران حولت سيف العدل لحصان طروادة حتى يقتحم قلعة الجهاديين السنة من الداخل ويقوم بتنفيذ جهاد طروادة ضد أعدائها

ويظهر جليا في كتابات سيف العدل المنشورة في موقع مافا اهتمامه الشديد بمفهوم الطابور الخامس المختبئ لضرب العدو من الخلف، وهذه هي بالضبط الطريقة التي وجه بها فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية ليصبح حليفًا لميليشيات الحوثي اليمنية الموالية لطهران، وطعن القبائل العربية في ظهورها بينما كان عناصر القاعدة يختبؤون وسط المجتمع السني في جنوب اليمن ويعتبرون جزءًا منه.

وكما مثّل فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الطابور الخامس في اليمن، فإن سيف ورفاقه في طهران أصبحوا بمثابة الطابور الخامس لاختراق للقاعدة من أعلى، وتسبب أسلوب  إدارة سيف العدل للتنظيم في تفتيته ووقوع انشقاقين خطيرين لاثنين من أبرز الأفرع وهما: الفرع العراقي الذي تحول إلى تنظيم داعش، والفرع السوري الذي تمثله هيئة تحرير الشام حاليًا.

كيف تحوّل دور القاعدة في اليمن إلى دور الطابور الخامس؟

القاعدة في اليمن تحولت للطابور الخامس لخدمة الحوثيين و الأجندة الإيرانية

كما أطاح سيف العدل بـ يوسف العييري لما عارض تنفيذ هجمات إرهابية في السعودية، وعزله من قيادة الفرع السعودي، ليُفتح بعدها الطريق أمام تنفيذ هجمات ومواجهات داخل المملكة أفضت إلى تصفية وجود القاعدة بها.

وهكذا حوّل سيف العدل القاعدة إلى كيان وظيفي يخدم مصالح إيران كما ظهر في الإصدارات التي نشرها أبو محمد العدناني، المتحدث السابق باسم داعش، وأبو ماريا القحطاني، القيادي الراحل بهيئة تحرير الشام، وشرعي الهيئة، عبد الرحيم عطون مما كشف أسرارًا هامة حول هذا الموضوع.

ويعد الوضع الميداني في جنوب اليمن مثالا بارزًا على التخادم بين القاعدة وطهران، فبالإضافة إلى الاتصالات الكثيرة التي تم الكشف عنها مرارًا، فإن ساحات القتال شهدت انسحاب مقاتلي القاعدة دون قتال أمام تقدم الحوثيين في مناطق عدة، بينما هاجم الطرفان الجيش اليمني والقوات القبلية الموالية له، وطعنت القاعدة الجنوبيين من الخلف، حتى صار هذا التنسيق الميداني واضحًا في مواجهة العدو السني المشترك، وهذا هو التطبيق العملي لاستراتيجية جهاد طروادة.

الفيروس القاتل

خلال فترة قيادة أيمن الظواهري(2011 : 2022)  استغل سيف العدل فترات غياب زعيمه الطويلة، بسبب تنقله بين المخابئ، وتحكم في الإدارة حتى تحول على يديه التنظيم الذي تبنى أهدافًا كونية عند تأسيسه ليصبح تنظيمًا انتحاريًا يتفتت في سبيل تحقيق الأهداف الإيرانية.

وبمرور الوقت تحولت متلازمة طهران إلى فيروس قاتل فتك بضحاياه، ففي اليمن استطاع الحوثيون اختراق فرع القاعدة وساعدوا على تصفية بعض الرافضين لتخادم تنظيمهم مع إيران، ووشوا ببعضهم علنًا، لكن في شهر مارس الماضي وقعت حوادث مريبة خلال أيام قليلة.

الأولى هي الإعلان عن وفاة خالد باطرفي، زعيم فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي كان معروفًا بتأييده للتخادم مع الحوثي، وقد فوجئ بعض قادة التنظيم بهذا الخبر حين تمت دعوتهم لاختيار خليفة له.

تبع ذلك الإعلان عن مقتل القيادي سليمان الصنعاني، وهو محسوب ضمن الجناح المقرب من سيف العدل، وكان مسؤولا عن سلاح الطيران المسير المرجح الحصول عليه من إيران.

وفي منتصف الشهر، انتشر خبر وفاة خالد زيدان ابن سيف العدل والذي أرسله والده لليمن عام 2015 ضمن اتفاق مع فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري.

ولم يستبعد مراقبون وقوع هذه الحوادث ضمن مخطط تصفيات لقيادات التنظيم، رغم أنها تمت بطرق تبدو طبيعية؛ فباطرفي كان مريضًا في أواخر أيامه، وخالد زيدان قيل إنه مات في حريق شب بمطبخ منزله، والصنعاني قيل إنه مات في حادث سير بين شبوَة وأبيَن.

وهكذا أدى تسلسل هذه الحوادث المفاجئة وتشابهها لترجيح فرضية كونها ضمن مسلسل عمليات اغتيال خفية تقوم بها جهة ما تستهدف عناصر القاعدة الموالين لطهران على عكس الأمر في السابق.

الاختراق المركب

لم تقتصر حوادث استهداف عناصر القاعدة المقربين من الحرس الثوري على الساحة اليمنية؛ بل سبق ذلك اغتيال أحد أهم قادة التنظيم العالمي، وهو أبو محمد المصري الذي قُتل في 7 أغسطس 2020 الموافق لذكرى تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، حيث كان أحد المتهمين بالتخطيط للعملية.

ووقع الاغتيال في قلب طهران، إذ تعرض لهجوم عناصر تستخدم دراجة نارية أطلقوا نحوه أربع رصاصات على الأقل، فقتلوه هو وابنته مريم، ولم يُعثر للمهاجمين على أثر.

نسبت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عملية الاغتيال للموساد الإسرائيلي، الذي يملك نفوذًا استخباراتيًا كبيرًا داخل إيران.

وكان أبو محمد المصري يقيم في طهران مثل سيف العدل لاعتقادهما أنهما بعيدان عن الخطر طالما تمتعا بحماية الحرس الثوري الإيراني، لكن ما حدث هو العكس؛ فقد وصل الاختراق الخارجي إلى عصب الأجهزة الأمنية للنظام الإيراني.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

صورة تجمع قيادات تنظيم القاعدة في إيران في عام 2015 من اليمين إلى اليسار: أبو الخير المصري، أبو محمد المصري، سيف العدل.

وقد أعلن الرئيس الإيراني الأسبق، أحمدي نجاد، أن مسؤول ملف مكافحة التجسس الإسرائيلي في وزارة الاستخبارات الإيرانية اتضح أنه هو نفسه عميل للموساد.

فالدولة البوليسية الإيرانية وأجهزة القمع العقائدية تعرضت لأعلى مستوى من الاختراق الأمني من جانب العدو الذي نجح في تنفيذ عمليات لا تُصدق مثل سرقة الأرشيف النووي بالكامل الذي يبلغ نصف طن من الوثائق ونقلها لإسرائيل، وكذلك اغتيال أهم العلماء النووين، وتفجير أجهزة تخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية، وكسب ولاء مجموعة أطلق عليها نجاد وصف “عصابة أمنية” يشغل عناصرها مناصب أمنية رفيعة المستوى في إيران.

وهكذا تحولت مظلة حماية الحرس الثوري إلى خطر مميت بالنظر إلى حالة الانكشاف الأمني الهائل الذي تعاني منه المنظومة الاستخبارية الإيرانية، مما يجعل مصابي متلازمة طهران في دائرة استهداف محتملة، بعد أن شكلت طهران بالنسبة لهم الوكر الآمن لأكثر من عشرين عامًا ظلوا خلالها بمنأى عن الاغتيالات التي أفنت قادة الصف الأول للتنظيم ودمرت مفاصله.

وبذلك يحق لقادة القاعدة في طهران والمصابين بمتلازمتها أن يتحسسوا رقابهم بعد اكتشافهم متأخرًا هشاشة السياج الأمني الذي يحميهم، وسقوط وهم الدولة القوية التي راهنوا على الانضواء تحت لوائها ومبايعتها قائدة لمحور المقاومة.

ويتعزز ذلك الشعور بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، فقد كشفت تقارير عن أن بعض الحراس الإيرانيين لمقر استضافة هنية من وحدة حماية أنصار المهدي، كانوا هم أنفسهم عملاء للموساد؛ ووقفوا وراء اغتياله بتفجير غرفته في 31 يوليو 2024، ولم يستطع الحرس الثوري تأمين حياته لساعات رغم أنه عاش في قطر لسنوات في مأمن من أي اعتداء.

لواء سيف العدل.. هذا هو مصير القاعدة بعد متلازمة طهران وجهاد طروادة

الخلاصة

استطاع الحرس الثوري الإيراني اختطاف بعض تيارات الإرهاب الدولي وتسخيرها لخدمة أجندته التخريبية، أبرزها تنظيم القاعدة الذي اخترقته طهران من الرأس عبر احتفاظها بقائده الفعلي سيف العدل داخل أراضيها، ومن ثم استطاعت توجيه مسيرة التنظيم الإرهابي ليهاجم خصومها الإقليميين ويساند ميليشياتها في ميادين العنف، كما في الحالة اليمنية حيث يقدم فرع القاعدة هناك إسنادًا ميدانيًا لميليشيات الحوثي الموالية لطهران.

ومع مرور الوقت تحول مصابي متلازمة طهران إلى ضحايا محتملين للاغتيالات مع الانكشاف الأمني الهائل الذي تعاني منه المنظومة الاستخبارية الإيرانية، وسقط بعضهم صرعى مُتحور طهران القاتل كأبي محمد المصري الذي اغتيل في قلب طهران.

كما حامت الشكوك حول مقتل أبرز رموز فرع القاعدة في اليمن المقربين من إيران، مما ساهم في كشف زيف الصورة الدعائية عن الاقتدار الإيراني وقوة رأس محور المقاومة واستحقاقها المزعوم لزعامة المنطقة بحجة مقاومة إسرائيل.

كما قدمت حرب غزة دليلا آخر، أو بالأحرى مجموعة أدلة إضافية، على أن الالتزام الإيراني بدعم حماس والفصائل الأخرى  ما هو إلا متاجرة بدمائهم على مائدة المساومات والمفاوضات، وأن خلف شعارات المقاومة عملية “مقاولة” كبرى خذلت عهود النصرة والتأييد التي قدمها المحور الإيراني للفصائل الفلسطينية في غزة وتخلى عن شعار وحدة الساحات الذي تغنى به مرارًا قبل اختبار السابع من أكتوبر لكنه عند التنفيذ تركها تواجه الآلة الحربية الإسرائيلية وحدها، واكتفى بما أسماه عملية عمليات الدعم والإسناد.

وأخيرا، فقد أصبح من الواضح أن متلازمة طهران أصبحت مرضاً قاتلاً لا علاج له، وبالنسبة للعديد من أتباع القاعدة، فإن الأمر الأكثر إثارة للغضب هو أن كبار قادة القاعدة أصيبوا بهذا المرض ليس بالصدفة، بل باختيارهم اللجوء إلى طهران وهم يعلمون المخاطر التي تنتظرهم هناك، والآن يدفع التنظيم بأكمله الثمن.