إيران والقاعدة: الحكاية من اليمن

تحلّ اليوم الذكرى الـ 23 لهجمات 11 سبتمبر عام 2001، التي تبناها تنظيم القاعدة، وتعد أسوا هجوم على الولايات المتحدة، بعد مقتل ما يقرب من 3000 شخص، فيما تعرض نحو 400 ألف شخص لسحابة غبار مسرطنة، أغلبهم من رجال الإطفاء والشرطة الذين عملوا لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الناجين.

وتأتي ذكرى هذه الهجمات هذا العام، بينما تشهد الساحة الجهادية انقساما بين أنصار وجنود تنظيم القاعدة إلى ثلاثة أجنحة كما قد جرى الانقسام بين قادة التنظيم- إلا أن رقعة الانقسام تتوسع بين الجنود والأنصار-:

  1. جناحٌ يشدد على السمع والطاعة لقيادة التنظيم، متهمًا الجناح الآخر بالانحراف عن مسار التنظيم الذي كان عليهِ أسامة بن لادن.
  2. وجناحٌ آخر يستخدم نفس التهمة “الانحراف عن مسار بن لادن” لمواجهة تبعية سيف العدل لإيران.
  3. الطرف الثالث لزم الصمت والمتابعة والحياد والرمادية.

وقد ظهر ذلك مؤخرًا على مواقع الإنترنت، والمنتديات ومجموعات التليغرام الخاصة والعامة، ومن أبرز ذلك ما تداوله كُلاًّ من (وريث القسام)، (فؤاد الخطيب)، وأسماء حركيّة أخرى عُرفت منذ سنوات على مواقع التواصل بمناصرة تنظيم القاعدة.

والمتابع بحيادٍ لمسار تنظيم القاعدة يجد أن ثمة تحولات كبيرة في مسار التنظيم بقيادة ونفوذ سيف العدل المصري -المقيم في طهران- وهنا نطرح بعض أهم التحولات الجليّة لمسار التنظيم، من خلال ما يصدر عن التنظيم رسميًا، ومن ذلك ما يصدر عن فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب:

تضامن تنظيم القاعدة مع مليشيا الحوثي

فقد أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بـ 29 يوليو/تمُّوز، بيانًا يستنكرُ وينددُ فيهِ الضربات الإسرائيلية على مليشيا الحوثي في محافظة الحديدة غرب البلاد، وقد جاء البيان من ثلاث صفحات تحمل كمًا كبيرًا من المغاطلات.

وتلخيصًا لما جاء في البيان؛ فإن أبرز ما ورد:

  1. التحريض على الدول العربية، ووصفها بـ “الخائنة” “العميلة” “المرتدة”.
  2. استنكار القصف الإسرائيلي على مليشيا الحوثي في محافظة الحديدة.
  3. حاول البيان أن يستذكر شيىًا من ماضي تنظيم القاعدة البائد متباهيًا باستهداف أمريكا، والغرب عمومًا.
  4. أشاد بعملية “طوفان الأقصى”.

وقد أورد البيان العديد من المغالطات، متجاهلًا عددًا من الحقائق؛ من أبرزها:

  1. تجاهل البيان حقيقة توريط مليشيا الحوثي اليمن واليمنيين في سلسلة من الحروب، والأزمات.
  2. البيان أكتفى بطرح العبارات الطائفية والعداء القديم بين الشيعة والسنة، متهربًا من الواقع اليمني بذكر تاريخ  “الدولة الفاطمية”.
  3. تجاهل البيان قيادة ودعم إيران لعملية 7 أكتوبر، مُتجاهلًا أمرينِ في ذلك:

أولاً: تصريح القادة الإيرانيين من أن العملية ما هي إلا عملية ضمن سلسلة عمليات ثأرية لمقتل قاسم سليماني، ومن ذلك تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني.

ثانيًا: رسالة أبي محمد المقدسي- المنسوبة إليه، شديدة اللهجة- والتي وصف فيها التنظيم، بأنه “يرقص على أغاني لا تناسبه”، وبـ”النائحة المستعارة“، مخاطبًا التنظيم “إن المعركة يقودها من قتل إخوانكم في العراق وسوريا واليمن”.

مع كل تلك التخبطات والفوضى والتناقضات يُصر التنظيم أن يعيش في عالمهِ الخيالي والمفترض بنسخة إيرانية، فينفذ تارة أجندة طهران تقاربًا مع الحوثيين، وتارةً يحاول ذرَّ الرماد على أعين جنوده والأنصار كما فعل مؤخرًا بالحديث عن الدولة الفاطمية هربًا من كل الحقائق، والواقع اليمني.

سيف العدل والإشادة بعمليات مليشيا الحوثي

لقد نشر سيف العدل تحت مسمى (سالم الشريف) عددًا من المقالات والكتابات منذ إنطلاق حرب وأحداث غزة، ومن أبرزها، سلسلة مقالات بعنوان: “هذه غزة … حرب وجود .. لا حرب حدود” محاولًا من خلال هكذا كتابات توجيه العقلية الجهادية السُّنيّة نحو مسار طهران في توسيع الحرب الحاصلة، وإشعال منطقة الشرق الأوسط بسلسلة من الحروب.

سيف العدل والقاعدة في اليمن: كيف ينقسم التنظيم بسبب جهاد طروادة

لماذا يحتاج سيف العدل للاختباء خلف العديد من الأسماء المختلفة؟

ولم يمتنع سيف العدل من الإشارة للتحالف -الخفي المكشوف-، بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي في اليمن، ففي العدد الأول من “هذه غزة…” أشاد سيف العدل بعمليات الحوثي في البحر الأحمر، وأثناء حديثه عن عدم تورط الغرب على الأرض ضد مليشيا الحوثي، أشار لسطوة مجاهدي الصومال – قاصدا حركة الشباب- على القواعد العسكرية في جيبوتي، أما اليمن فقد قال: “الشعب اليمني” ويبدوا أنه يشير لتحالف (مليشيا الحوثي) -الذين أشاد بعملياتهم- و (تنظيم القاعدة) -الذين زعم أنهم منشغلون- تحت مسمى “الشعب اليمني”.

فحينما جاء الحديث عن الصومال اختص المجاهدين حصرا -أي حركة الشباب- أما اليمن فلم يختص (التنظيم) ولم يختص من يقوم بعمليات الأحمر مليشيا الحوثي، وإنما أشار لتحالف خفيِ تحت مسمى “الشعب اليمني”.

تُعلّق الصحفيّة هدى الصالح، المتخصصة في شؤون الجماعات الراديكالية في حديث خاص لـ”أخبار الآن”، عن كتابات سيف العدل بما يتعلق بـ(عمليات البحر الأحمر):

مع تطرق سيف العدل في كتاباته لعمليات البحر الأحمر، نستذكر أولًا استهداف تنظيم القاعدة للمدمرة الأمريكية (يو.إس.إس كول) في 12 أكتوبر 2000، وسفن وبواخر أخرى، وقد كان ذلك ضمن “الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبين”، التي أطلقها أسامة بن لادن، وقد حدث ذلك الاستهداف وسفن أخر في البحر الأحمر بعد تقاطع المصالح بين إيران والسودان أثناء حسن الترابي مؤسس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وزعيم جبهة الميثاق الإسلامية.

كما نستحضر أمرًا مهمًا وهو أن سيف العدل صاحب خبرة ميدانية لا سيما في البلدان التي تطل على البحر الأحمر، فقد كان ضابط مصري، وأقام في السودان لسنوات وأشرف على العمل الميداني في الصومال أيضًا وقد أُرسِل لمهام خاصة، وبتكليف مباشر من أسامة بن لادن ذهب سيف العدل إلى الصومال لتأسيس فرع ومركزًا مهمًا عالميًا للقاعدة في الصومال، وأما اليمن وإن كانت زيارته قصيرة إلا أن خالد نجل سيف العدل قد رسم تصورًا خاصًا دقيقًا لأبيه.

اليوم لم يأتِ سيف العدل بجديد، سوى الوضوح أكثر بالتحالف الجاري بين مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن، بالتأكيد سيف العدل يشيد بعمليات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر بمسمى الشعب اليمني، وطبعًا لا توجد أي جماعة حاليًا تقوم بعمليات في البحر الأحمر.

سيف العدل كان في الصومال وقام بتأسيس مركزًا مهم للقاعدة هناك، كما أرسل نجله إلى اليمن، ولا تخفى العلاقة المتينة بين فرعي التنظيم في اليمن والصومال وأهمية الحدود البحرية بين البلدين، وها هو اليوم بوضوح يؤكد التحالف بين القاعدة والحوثي.

كما أن إشادة سيف العدل بعلميات مليشيا الحوثي تحت مسمى “الشعب اليمني” هو تجنبًا للإعلان الصريح بمباركة وتأييد حركة الحوثي لدى عناصر التنظيم وأنصاره.

سيف العدل والقاعدة في اليمن: كيف ينقسم التنظيم بسبب جهاد طروادة

 

تخبط وتناقضات خطاب التنظيم القاعدة

بينما يحاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تنفيذ أجندة طهران، يحاول الترقيع أيضًا بين الفينة والأخرى لكل هذه التحولات -والتي يصفها المعارضون لسياسات سيف العدل بالسقطات والانحرافات-، بعد أيامٍ من إشادة سيف العدل بعمليات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر يظهر مسؤول الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب إبراهيم البنا محذرًا من خطورة إيران وأتباعها في المنطقة مستخدمًا المعزوفة الطائفية، دون أن يتطرق لاستهدافهم، كما شدد في ذات الظهور على استهداف مصر، والأردن، ودول الحكومات العربية.

فيما يُفسر جهاديٌّ في تنظيم القاعدة لـ”أخبار الآن” عدم تحريض إبراهيم البنا على استهداف مليشيا الحوثي كما شدد على استهداف كلا من مصر والأردن، ما هو إلا إشارة واضحة أن ليس هناك أولوية لاستهداف الحوثي أو التصدي له.

كما أضاف الجهادي، قائلًا: تجميد الحرب مع الحوثي، والدخول معه في حالة من التخادم؛ يبدو أولوية لسيف العدل، وهذا ما لا يقبله الشق الآخر من أبرز قادة الجهاد وهو ما صرح به المقدسي.

لقد حاول خلال الأشهر الماضية الإعلام الرديف لتنظيم القاعدة من شن حملات على كل من يتحدث بخصوص العلاقة بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي، إلا أن المبررات اختلفت وبين كل مبرر وآخر كمٌ من التناقضات:

فريق يقول: لا تحالف بين إيران والقاعدة، ولا دليل على أن سيف العدل في إيران حاليًا، ولا دليل على أن سيف العدل هو أمير التنظيم العام.

وفريق آخر قال: إن التحالف بين التنظيم وإيران هو حالة من تقاطع المصالح، ولا يمنع أن يستفيد تنظيم القاعدة من طهران في ما لا يخالف الثوابت.

أما آخرين، فقد زعموا أن سيف العدل يقيم تحت الإقامة الجبرية وليس له أي سلطة على سير التنظيم، وتوجهاته تبقى خاصة فيه.

والأشد من كل أولئك هو أن فريقًا يدعوا السمع والطاعة دون المناقشة؛ فالقيادة أعلم بالمصالح والشرع.

سيف العدل والقاعدة في اليمن: كيف ينقسم التنظيم بسبب جهاد طروادة

ومع كل هذه المُبررات المتناقضة، يؤكد حجم الأزمة والتحولات التي طرأت على مسار تنظيم القاعدة بقيادة سيف العدل، فلا يوجد طريقًا أو مسارًا واضحًا للتنظيم، كما أن جنود وأنصار التنظيم يمر بحالة إعادة التشكل برؤية إيرانية.

يتساءل (أنباء جاسم) -وهو حساب جهادي- عن سلاح تنظيم القاعدة المجمد تجاه مليشيا الحوثي، وهو ما دفع مجموعة من الحسابات الوهمية والمعروفة لشن هجومًا على الحساب، بوصفهِ بابن أحد الجهاديين، وتارة أخرى بسيادة اللواء إشارة لكونهِ حساب يتبع الاستخبارات.

وبعيدًا عن كل ذلك فإن تنظيم القاعدة ولا سيما على الصعيد الإعلامي يبدو مرعوبًا ومرتبكًا من مناقشة علاقة تنظيم القاعدة بالحرس الثوري الإيراني أو مليشيا الحوثي في اليمن، وهو ما ظهر مؤخرًا على إعلام القاعدة الرسمي والرديف.

جهاد طروادة.. كيف تستفيد طهران من قاعدة اليمن

لقد استفادت طهران من تنظيم القاعدة في اليمن حتى أكثر من القيادة العامة للتنظيم والتي تبدو اليوم مقيمٌ معظم قادتها وأبرزهم في إيران، لقد بدأت رحلة السيطرة والنفوذ الإيرانية على تنظيم القاعدة منذ مجيء خالد نجل سيف العدل إلى المدينة المكلا عام 2015 أثناء سيطرة تنظيم القاعدة على المدينة، وهنا كنت بداية الحكاية.

فقد حيد الريمي مواجهة تنظيم القاعدة لمليشيا الحوثي تمامًا، مع حدوث بعضِ الخروقات الفردية الطبيعية في سياق الشحن الطائفي بين الجماعتين، إلا أن باطرفي ذهب بالتنظيم لأبعد من ذلك ودخل في حالة من التحالف والتخادم مع مليشيا الحوثي.

سيف العدل والقاعدة في اليمن: كيف ينقسم التنظيم بسبب جهاد طروادة

لماذا لا يقاتل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الحوثيين؟ لأن “سهام” القاعدة في شبه الجزيرة العربية تختار أهدافها وفقًا لأجندة الحرس الثوري الإيراني في اليمن

ولم يكتفِ بذلك بل جمد أيًا من المناوشات بين عناصر التنظيم وعناصر المليشيا في المناطق الحدودية بين محافظتي شبوة وأبين ومحافظة البيضاء، وحُدَّت منذ عامين وأكثر أيًا من تلك الهجمات والمناوشات، رغم قدرات تنظيم القاعدة القتالية والعسكرية التي تظهر في محافظتي أبين وشبوة.

وإن كان تحييد مواجهة تنظيم القاعدة لمليشيا الحوثي لوحدهِ كافيًا، إلا أن طهران لم تكتفِ بذلك، وذهبت لما هو أبعد، وتتلخص استفادة إيران من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بما يلي:

أولًا: فتح جبهات مع القوات العسكرية في المحافظات الجنوبية، لتخفيف الضغط عن مليشيا الحوثي داخليًا، وخصوصًا في ظل الضغوط الخارجية.

ثانيًا: بإطلاق مليشيا الحوثي لعدد من أبز قيادات تنظيم القاعدة من سجون صنعاء إلى المناطق المحررة، وإصدار لعدد منهم بطائق غير حقيقة، يؤكد حرص استخدام المليشيا للتنظيم في نشر الفوضى بالمناطق المحررة.

ثالثًا: محاولة استهداف -ما يزعم التنظيم- بأنها مصالح غريبة أو مصالحٌ لحلفاء الغرب، في محافظتي المهرة وحضرموت، وذلك بعدد من محاولات الاستهداف البحري الفاشلة للتنظيم، عبر زوارق مفخخة، وذلك يتقاطع تمامًا مع أجندة طهران في تصفية حساباتها الإقليمية والدولية.

رابعًا: محاولات طهران لإقحام تنظيم قاعدة اليمن في أعمال خارجية، إلا أن ذلك كان أكبر من قدرات التنظيم الحالية، ويبدو التنظيم في أضعف حالاته، وقد برز ذلك في الاستهدافات الأمريكية مؤخرًا على خبراء وقيادات التنظيم في مأرب.

وليس المقصد من ضعف التنظيم، أي الضعف على الصعيد العسكري أو الدعم المالي، فقد يكون التنظيم في حال جيد ماديًا، ولكن في الحديث عن الأمن الداخلي الذي يبدو هزيلًا، في ظل الانقسامات ووجود شبكة الجواسيس المُتمكنة من الجهاز الأمني، كما سبق الحديث.

خامسًا: الدور والنشاط الإعلامي الذي يقوم بهِ سيف العدل من خلال كتاباته، وهو جزء من مواد إعلام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ومن خلال ذلك يقوم سيف العدل بتنفيذ أجندة طهران مطبعًا التحالف والاستراتيجية.

وقد كان وما يزال الحرس الثوري الإيراني حريصًا على فرع تنظيم القاعدة في اليمن دون غيره، كما تحاول طهران الاستفادة من التنظيم في كل مناسبة وما تكاد تُضيع فرصةً.

الخلاصة

كان تنظيم القاعدة كيانًا متطرفًا إرهابيًا منفصلًا ذا سيادة في أفكاره وتوجهاتهِ، وما يزال تنظيمًا إرهابيًا إلا أنّ هذه المرة ذا تبعية لإيران، التي لطالما تحدث جهاديون عن علاقة سرية تكمن بين التنظيمِ وطهران تحت ذريعة المصالح وفقه الأولويات، وها هو اليوم ينكشف للعالم أن ما كان ويكون ليس إلا سيطرة من طهران على تَوجُّهات القاعدة، بات التنظيم فرعًا من فروع طهران في المنطقة مصرحًا بذلك المقدسي وواصفًا التنظيم بـ”النائحة”.

استفاد ويستفيد الحرس الثوري من فرع تنظيم القاعدة في اليمن بالتحديد وتجميد الجبهات مع مليشيا الحوثي، عسكريًا وميدانيًا وإعلاميًا، ويحاول أن يُصَدِّر التنظيم للأعمال الخارجية، رغم ضعف قدرات التنظيم.

يظهر التنظيم اليوم في حالة من الانقسام والارتباك والتناقضات بما يخص العلاقة بين القاعدة وإيران، فإلى أين سيذهب سيف العدل بالتنظيم؟ وهل يبقى سعد بن عاطف صامدًا رغم كل تلك الإشادات من سيف العدل بعمليات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر؟