مقابلة خاصة مع المتحدث باسم جيش العدل حسين بلوش
نشرت جماعة جيش العدل الناشطة في سيستان بلوشيستان، أربعة بيانات زعمت فيها مسؤوليتها عن 4 هجمات مختلفة ضد ثكنات وأفراد عسكريين من قوات الأمن التابعة للنظام الإيراني.
وسيستان-بلوشستان المحاذية لباكستان وأفغانستان هي من أكثر محافظات إيران فقرا وغالبية سكانها من أقلية البلوش السنية. وغالبا ما تشهد المحافظة مناوشات بين قوات الأمن الإيرانية ومجموعات مسلحّة.
وبحسب وسائل إعلام فقد وقع هجومان منفصلان في جنوب شرق إيران أسفرا، عن مقتل 6 عسكريين ومسؤولين محليين في محافظة سيستان وبلوشستان.
وأفادت وكالة ركنا الإيرانية بأن هجوماً مسلحاً وقع على مدرسة في مدينة بنت في المحافظة، خلّف 4 أربعة قتلى، ثلاثة منهم عسكريون، من بينهم قائد قوات التعبئة التابعة للحرس الثوري في المدينة الضابط برويز كدخدايي، ورئيس المجلس البلدي للمدينة يوسف شيراني.
وتأتي هذه الهجمات بينما كانت هناك عودة إلى إيران، في الأشهر الأخيرة، للحديث عن الجهادية والجماعات المسلحة، ولكن ليس بسبب العلاقات أو التعاون مع تنظيم القاعدة، ولا بسبب الهجمات ضد الشيعة من قبل تنظيم داعش، وإنما ترجع أسباب هذا الاهتمام المتجدد إلى إحدى المحافظات الإيرانية البعيدة وغير المستقرة، وهي سيستان بلوشستان
وتأتي التهديدات الموجهة إلى النظام الإيراني والحرس الثوري الإيراني من جماعة جهادية مسلحة تسمى جيش العدل، والتي زادت في الأشهر الأخيرة من دعايتها بشكل كبير، من خلال مواد إعلامية لافتة، كما كثفت هجماتها المسلحة.
وقد أعلنت حكومة طهران الجماعة منظمة إرهابية، واتهمتها في الماضي بأنها جماعة تهدف لزعزعة استقرار البلاد وحكومتها.
وركزت أحدث المنشورات الإعلامية للجماعة على أمرين: الأول هو انتشار البيانات التي تدين الهجمات ضد قوات الأمن الإيرانية والجيش والشرطة والحرس الثوري الإيراني، ضد شخصيات سياسية وقانونية تعمل لصالح النظام.
والثاني كان إرسال رسائل بالفيديو يظهر فيها مقاتليهم أثناء تلقيهم تدريبات مسلحة خلال قيامهم بعمليات عسكرية وأثناء قتل جواسيس النظام أو أعضاء الحرس الثوري الإيراني.
وفي أحد هذه الفيديوهات يقول المتحدث إن “الحرب بدأت ولن تتوقف حتى يأتي النصر”.
النشاط الجديد للجماعة الجهادية الإيرانية جيش العدل دفعنا إلى الاتصال بالمتحدث الرسمي الحالي للجماعة حسين بلوش للحصول منه على آخر المعلومات وفهم أنشطتها وأهدافها، وهو ما سيتم شرحه في السطور التالية.
من هو جيش العدل؟
جيش العدل، هو جماعة سلفية جهادية إيرانية تعمل في مناطق سيستان وبلوشستان، وهي محافظة إيرانية تستضيف مجتمعًا كبيرًا من المسلمين السنة الذين يقعون ضحايا التمييز من قبل النظام الإيراني.
ويعود تاريخ الجماعة إلى عام 2002 عندما بدأت مجموعة مسلحة تعمل كحركة مقاومة شعبية تحت اسم جند الله، بقيادة عبد الملك ريغي الذي تم القبض عليه في عام 2010 وإعدامه من قبل النظام الإيراني.
وأدى مقتل ريغي إلى حدوث انقسامات داخل جند الله بسبب الخلافات الأيديولوجية والعملياتية والعسكرية التي أدت إلى تفكك جند الله وظهور عدة مجموعات منها.
بسبب هذه الأحداث ونتيجة للخلافات التي حصلت، ولد جيش العدل (Jad)، الذي أسسه الزعيم الحالي صلاح الدين فاروقي عام 2012، والذي جمع إرث جند الله ووضع لنفسه هدف “معالجة شكاوى وحقوق شعب بلوشستان وإيران السنية”. .
ومن خلال النهج الاستراتيجي المتوافق مع الحقائق على الأرض، نجح فاروقي في جذب وتجنيد العديد من المقاتلين، مما عزز موقعه باعتباره المنظمة المسلحة الرئيسية في بلوشستان.
وبعد اثني عشر عامًا، لا تزال الجماعة الجهادية الإيرانية مستمرة في الصمود ولا تزال واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية في مقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية.
أهداف جيش العدل السياسية
الهدف السياسي الرئيسي للجماعة، كما حدده المتحدث باسمها حسين بلوش في مقابلتي معه، هو “الإطاحة بالحكومة الإيرانية واستعادة كرامة الشعب الإيراني، وخاصة مسلمي البلوش والمجموعات العرقية الإيرانية الأخرى، وخاصة الطائفة البلوشية”.
يضيف بلوش في تصريحاته لـ”أخبار الآن”: “لقد أنهكنا التمييز والفظائع التي يرتكبها هذا النظام الطائفي ضدنا، نحن نرفض السماح لهذه الحكومة القمعية بأن تملي علينا مصيرنا وتشكل مستقبلنا. وباستخدام الموارد المالية والبشرية لبلدنا، فهو يهاجمنا ويهاجم معتقداتنا باستمرار، وينشر أيديولوجيته القاتلة على المستوى العالمي، مما يؤدي إلى إهدار الموارد البشرية والمالية للأمة”.
علاوة على ذلك، فإن الدور الذي تلعبه إيران في الصراعات في سوريا والعراق واليمن ولبنان يغذي الطائفية ويتسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا بين المسلمين، وبالتالي فإن إيران، بمواردها وتفاعلاتها الهائلة، تلعب دورًا رئيسيًا في هذه المصائب.
الأهداف العسكرية للجماعة
أما الأهداف العسكرية للجماعة فهي قتال وضرب أعضاء الحرس الثوري الإيراني وحرس الحدود والشرطة والمسؤولين الحكوميين والثكنات.
وأبدت الجماعة اهتماما خاصا بهجماتها، ومنعتها من إحداث آثار جانبية.
وفي هذا الصدد يقول المتحدث باسم جيش العدل حسين بلوش: “نحن ملتزمون باستهداف الكيانات القمعية فقط، بما في ذلك قوات الشرطة والحرس الثوري. وبالإضافة إلى ذلك، يمتد اهتمامنا إلى المسؤولين في السلطة القضائية وأجهزة المخابرات. وتتماشى أعمالنا باستمرار مع القيم الإنسانية المشتركة، وتجنب أعمال مثل استهداف المدنيين أو تدمير البنية التحتية العامة. ولسوء الحظ، لا يزال نطاقنا محدودًا، ويخضع بشكل أساسي للدعاية والأجهزة الأمنية للنظام الإيراني”.
عدد المقاتلين غير مؤكد، لكن من الممكن تقدير ما بين 200 و300 مقاتل بناءً على الصور ومقاطع الفيديو.
وتتكون المجموعة بشكل رئيسي من المقاتلين البلوشيين الإيرانيين، ومع ذلك، تضم بين صفوفها أيضًا بعض الأكراد الإيرانيين وغيرهم من الإيرانيين السنة:
وعن هذه النقطة، يكشف بلوش: “في الوقت الحالي، معظم أعضائنا هم من البلوش من مقاطعة سيستان وبلوشستان، ومع ذلك، فإننا ندرج أيضًا قوى سنية من مناطق أخرى مختلفة في إيران.
في جيش العدل، نحن نؤمن بالمصير المشترك لجميع الإيرانيين، ونسعى جاهدين من أجل الوحدة لتحقيق الرخاء والتقدم لأرضنا. ونحن نرحب بجميع الإيرانيين للانضمام إلينا في هذا المسعى”.
هل يتعاون جيش العدل مع أي من الجماعات الجهادية الأخرى؟
يعمل جيش العدل حاليًا بشكل مستقل تمامًا ولا يوجد أي تعاون مع الجماعات المسلحة الإيرانية الأخرى، ولا مع الجماعات الجهادية مثل “أنصار الفرقان” (التي تعمل أيضًا في سيستان وبلوشستان) أو “حركة أهل سنة إيران” التي تعمل حاليًا في سوريا ولكنها تتألف من الأكراد والبلوشيين الإيرانيين السنة، ولا مع الجماعات البلوشيين المستقلة أو العاملة في المناطق البلوشية الإيرانية والباكستانية.
ومع ذلك، صرح المتحدث العسكري باسم الجماعة أنهم على استعداد للقتال مع أي شخص يريد محاربة “العدو المشترك” معهم في المستقبل، بقوله :”نحن منفتحون على التعاون والتفاعل مع مختلف المجموعات العرقية النشطة سياسيًا وعسكريًا في إيران لتحدي النظام الإيراني باعتباره خصمًا مشتركًا بشكل جماعي”.
ومع ذلك، فيما يتعلق بالتحالفات والتعاون، اتهمت إيران وحلفاؤها جيش العدل بأنه حليف لتنظيم القاعدة.
ومع ذلك، نفى المتحدث الرسمي بلوش بشكل قاطع هذا التحالف وكذلك التحالف مع منظمات سلفية جهادية أخرى أو منظمات إرهابية معترف بها رسميًا وعالميًا، مؤكدا: “يعمل جيش العدل بشكل مستقل ولأهداف محددة ومحدودة”.
يضيف: “وبالتالي فإن منظمة مثل القاعدة لا تبدي أي اهتمام بالتعاون معنا. ولديهم تحالفات تكتيكية مع النظام الإيراني”.
أما بالنسبة لتنظيم داعش، فوفقا لمتحدث باسم جيش العدل “من خلال تحليل تاريخ الجهاد المعاصر، لم يلاحظ أي تطرف مثل ذلك الذي مارسوه خلال الجهاد الماضي ضد المعتدين من غير المسلمين.
يتابع: “نحن لسنا إرهابيين، بل نهدف إلى الاعتراف بما نحن عليه: مقاتلون مخلصون يضحون بأنفسهم من أجل شعبنا ومعتقداتنا المشتركة، خاليين من أي حوافز دنيوية”.
هيكل جيش العدل
تترأس جيش العدل قيادة قوية، وهو مقسم إلى أربعة أقسام (مع أقسام فرعية بدورها).
وتتكون القيادة المركزية للجماعة من كبار القادة ودوائر اتخاذ القرار مثل المجلس المركزي والمجموعات الاستشارية المتخصصة.
وبعد ذلك، تتكون الأقسام التشغيلية السبعة من:
إدارة الاستخبارات والأمن: تعمل من جزأين: تقوم بجمع المعلومات عن التنظيم المعادي والحماية من هجمات العدو.
الإدارة العسكرية: وتنقسم هذه الإدارة إلى أقسام جغرافية، وتضم حاليًا ست وحدات تعمل في مناطق جغرافية محددة.
الدائرة الاجتماعية والسياسية: تعمل هذه الدائرة في ثلاثة مجالات رئيسية أبرزها:
1. قطاع العلاقات: يتفاعل مع الجمهور والشيوخ المؤثرين لتعزيز العلاقات التنظيمية مع السكان المحليين.
2. قطاع الاتصالات: يجيب على أسئلة الأشخاص والمجموعات المختلفة والأفراد الآخرين حول التنظيم ويتعامل مع وسائل الإعلام والدعاية الخاصة بالجماعة.
الدائرة السياسية: إجراء حوارات مع الشخصيات والأحزاب السياسية لتحديد المصالح المشتركة.
الإدارة المالية: تتولى إدارة الشؤون المالية للمنظمة.
خاتمة
في الأشهر الستة الماضية، تزايدت دعاية الجماعة بشكل كبير، وهذا ما دفعني في المقابلة مع المتحدث العسكري باسم جيش العدل إلى سؤاله حول الدافع لهذه الزيادة، ليرد قائلا: “يبدو النظام الآن ضعيفاً، لكن النهج الاستراتيجي ضروري. ونحث جميع المعنيين بالشأن الإيراني على اتخاذ قرارات حكيمة لتحقيق نتيجة إيجابية”.
ومن تحليل الأهداف والاستراتيجيات الدعائية للجماعة، فإن لديها أهدافًا سلفية جهادية محلية، بعيدة كل البعد عن الجهادية العالمية للمنظمات الأخرى، كما يتضح أيضًا من استعدادها لعدم قبول مقاتلين أجانب في صفوفها واستعدادها للتعاون في الحرب لمحاربة النظام الإيراني فقط من خلال الجماعات المحلية وليس مع المنظمات العابرة للحدود الوطنية.
وبالنظر إلى الكفاح المسلح المحلي الذي يدعو إليه جيش العدل، فإن الجماعة تختلف بالتالي عن المنظمات السلفية الجهادية ذات التطلعات الإقليمية أو العالمية، مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش.
مثل الجماعات الجهادية السورية، يدعم جيش العدل صراعًا مسلحًا محليًا حصريًا، من الناحيتين الأيديولوجية والعملياتية.
وبحسب الجماعة المتمركزة في إيران، فإنهم يحاولون تجنب أي نشاط عسكري يمكن أن يستهدف المدنيين (لا يعتبر المسؤولون والجواسيس مدنيين في نظرهم، حيث يقومون بأدوار لصالح النظام الحكومي للنظام). أو مهاجمة البنية التحتية والأماكن العامة، أو قتل السجناء.
علاوة على ذلك، في دعايتهم الأخيرة، تبرز الحاجة إلى التحرك وتسريع إدارة الكفاح المسلح لاستغلال لحظات الضعف التي تعيشها الحكومة في طهران، والتي تقطعت بها السبل في ديناميات جيوسياسية إقليمية وعالمية ليست سهلة.
لكن حتى الآن، وعلى الرغم من أن الجماعة تتمتع بما يمكن وصفه بإجماع جيد ودعم شعبي، إلا أن قدراتها العسكرية تقتصر على تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية.