هل يشمل الرد الإسرائيلي المحتمل ضرب مفاعلات إيران النووية؟
مع استعداد إسرائيل لمهاجمة إيران بعد أن فاجأت أصدقاءها وأعدائها على حد سواء بهجومها الخاطف على جماعة حزب الله اللبنانية فإن كل الحديث يدور عن انزلاق لا مفر منه نحو حرب جديدة في الشرق الأوسط.
ولكن لا تزال هناك مكابح تمنع وقوع المنطقة في حرب أوسع نطاقا من شأنها أن تدفع إسرائيل وطهران إلى صراع متصاعد وتجر دولا أخرى، وفقا لعدة أشخاص من ذوي الخبرة في صنع القرار الاستخباراتي والعسكري.
وقال خبراء إن من غير المرجح أن تتراجع إسرائيل عن شن هجوم جوي على إيران في الأيام المقبلة ردا على قرار طهران إطلاق نحو 180 صاروخا باليستيا على إسرائيل يوم الثلاثاء، لكن أي الأهداف قد تستهدفها إسرائيل في هذا الهجوم المحتمل؟.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال لمجلسه الأمني المصغر مساء الثلاثاء، ملخصا مبدأه في الردع: “كل من يهاجمنا سنهاجمه”.
ومع ذلك، أبلغ المسؤولون الإسرائيليون نظراءهم الأمريكيين أن ردهم على الهجوم الإيراني سيكون “مدروسا”، على الرغم من أنهم لم يقدموا بعد قائمة نهائية بالأهداف المحتملة، وفقا لشخص في واشنطن مطلع على المناقشات والذي طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة المسائل الأمنية.
أهداف مختارة بعناية
وقال آفي ميلاميد، وهو مسؤول استخبارات إسرائيلي سابق ومفاوض خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين في الثمانينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين: “أعتقد أن الأهداف التي سيتم اختيارها سيتم اختيارها بعناية شديدة”.
وأضاف أن المواقع ذات الأهمية العسكرية الإيرانية مثل البنية التحتية للصواريخ ومراكز الاتصالات ومحطات الطاقة من المرجح أن تكون مرشحة.
ومن غير المرجح أن تضرب إسرائيل المنشآت النفطية التي تدعم الاقتصاد الإيراني أو مواقعها النووية، وفقاً للعديد من الخبراء الذين تمت مقابلتهم، ومن بينهم أكثر من نصف دزينة من المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين والدبلوماسيين السابقين من الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وقالوا إن من المتوقع أن تؤدي هذه الأهداف شديدة الحساسية إلى رد فعل إيراني متصاعد بما في ذلك الاستهداف المحتمل لمواقع إنتاج النفط لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بما في ذلك دول الخليج العربية.
من جانبه قال الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس إنه لن يتفاوض علنا عندما سئل عما إذا كان حث إسرائيل على عدم مهاجمة منشآت النفط الإيرانية، وذلك بعد ساعات من مساهمته في ارتفاع أسعار النفط العالمية عندما قال إن واشنطن تناقش مثل هذه الضربات الإسرائيلية.
منشآت تكرير البنزين والديزل هدف محتمل
وقال نورمان رول، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والذي شغل منصب المدير الأعلى لشؤون إيران في مجتمع الاستخبارات الأمريكي من عام 2008 إلى عام 2017: “سيكون من غير الحكمة أن يحاول الغرباء التنبؤ بخطة الهجوم الإسرائيلية”.
يضيف: “ولكن إذا قررت إسرائيل توجيه ضربة متناسبة ولكن جوهرية، فقد تختار أن تقتصر هجماتها على الصواريخ الإيرانية وبنية فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني التي دعمت الهجمات التي تشنها طهران ووكلاؤها على إسرائيل”.
فيلق القدس هو فرع من الوحدة العسكرية النخبة للحرس الثوري الإيراني.
وقال رول، المستشار البارز لمجموعة متحدون ضد إيران النووية، إن إسرائيل يمكن أن تضرب المنشآت الإيرانية التي تقوم بتكرير البنزين والديزل للاستهلاك المحلي في حين تتجنب تلك التي تقوم بتحميل صادرات النفط، وهو ما يحرم طهران من مبرر للرد على منشآت دول الخليج ويحد من ارتفاع أسعار النفط الخام.
إيران.. خصم حذر
ومن غير المرجح أن يشبه أي صراع أوسع نطاقا في الشرق الأوسط الحروب البرية الطاحنة التي شهدتها العقود الماضية بين الجيوش المتعارضة.
لقد دخلت دولتان فقط ذات سيادة، إسرائيل وإيران، في مواجهات عسكرية حتى الآن خلال العام الماضي، ويفصل بينهما دولتان أخريان ومساحات شاسعة من الصحراء. وقد حدت المسافة بينهما من تبادل الضربات الجوية، أو العمليات السرية، أو استخدام الميليشيات بالوكالة مثل حزب الله.
لقد تعهدت إيران منذ فترة طويلة بتدمير دولة إسرائيل، إلا أنها أثبتت أنها خصم حذر في هذه الأزمة، حيث قامت بمعايرة هجماتها الجوية على إسرائيل بعناية، الأولى في أبريل/نيسان ــ بعد أن قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في سوريا، مما أسفر عن مقتل العديد من القادة ــ والثانية هذا الأسبوع بعد مقتل نصر الله.
كانت الوفاة الوحيدة التي تم الإبلاغ عنها نتيجة للهجومين الإيرانيين هي فلسطيني غير محظوظ أصيب بصاروخ سقط من السماء على الضفة الغربية يوم الثلاثاء.
وتقول الولايات المتحدة إنها ستدافع عن إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة ضد عدوهما المشترك، إيران وعملائها، ولكن لا أحد يعتقد أنها سترسل قوات برية كما فعلت في حربي الخليج في عامي 1990 و2003 عندما خاضت الحرب ضد العراق.
المواقع النووية في الأفق؟
بالنسبة للعديد من سكان المنطقة، فإن الحرب أصبحت بالفعل حقيقة قاتمة، خصوصا وأن الولايات المتحدة لا تضغط على إسرائيل للامتناع عن الرد العسكري على الهجوم الإيراني الأخير – كما فعلت في أبريل – لكنها تشجع على دراسة متأنية للعواقب المحتملة لأي رد، وفقًا للشخص في واشنطن المطلع على المناقشات.
ولكن واشنطن أثبتت أن نفوذها على إسرائيل محدود، وظل نتنياهو ثابتا على موقفه بشأن استهداف أعداء بلاده منذ هجوم حماس.
وقال ريتشارد هوكر، الضابط المتقاعد في الجيش الأمريكي الذي خدم في مجلس الأمن القومي في عهد رؤساء جمهوريين وديمقراطيين: “لقد تجاوز الإسرائيليون بالفعل عددا من الخطوط الحمراء التي وضعناها لهم”.
وتعني الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل أيضا أن قدرات بايدن على الإقناع ستكون محدودة خلال أشهره الأخيرة في البيت الأبيض.
وقال بايدن للصحفيين يوم الأربعاء إن إسرائيل لها الحق في الرد “بشكل متناسب”. وأوضح أنه لا يؤيد توجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، حيث تقول إسرائيل والدول الغربية إن الإيرانيين لديهم برنامج يهدف إلى بناء أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران.
وقال هوكر إن استهداف مثل هذه المواقع ممكن ولكن ليس مرجحا “لأنك عندما تفعل شيئا كهذا فإنك تضع القيادة الإيرانية في موقف يجعلها قادرة على القيام بشيء دراماتيكي للغاية ردا على ذلك”.
إن إسرائيل، التي يعتقد على نطاق واسع أنها الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط رغم أنها لا تؤكد أو تنفي امتلاكها لمثل هذه الأسلحة، تعتبر منذ فترة طويلة أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديداً وجودياً.
وتنتشر المواقع النووية الإيرانية في العديد من المواقع، بعضها عميق تحت الأرض.
دعوة لضرب المنشآت النفطية
وفي واشنطن، التي فشلت عقوباتها على طهران في إغلاق صناعة النفط الإيرانية، هناك دعوات لشن ضربات على مصافي التكرير وغيرها من منشآت الطاقة.
وقال السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام في بيان “يجب ضرب مصافي النفط هذه بقوة لأنها مصدر الأموال للنظام”.
وظلت أسعار النفط تتداول في نطاق ضيق يتراوح بين 70 و90 دولارا للبرميل في السنوات الأخيرة على الرغم من الحرب بين روسيا وأوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط.
أبرز المفاعلات النووية الإيرانية
مفاعل أصفهان
بنت إيران معملا في أصفهان لتحويل اليورانيوم إلى 3 أشكال: غاز سادس فلوريد اليورانيوم المستخدم في أنشطة تخصيب اليورانيوم الجارية في مفاعل نطنز، وأكسيد اليورانيوم الذي يستخدم في معامل الوقود، ولكن ليس من النوع الذي تستخدمه إيران، والمعدن الذي يستخدم غالبا في أساس المتفجرات النووية.
مفاعل نطنز
أقامت إيران منشأة لتغذية اليورانيوم باستخدام طريقة الطرد المركزي وطريقة الفصل الليزري في موقع نطنز على بُعد 260 كيلومترا جنوب طهران. وقد جاء في تقرير مسرب للوكالة الدولية عام 2003، أنه عثر على يورانيوم من الدرجة المطلوبة للأسلحة في عينات أخذت من الموقع، مع أن إيران ألقت باللوم على مواد مستوردة ملوثة، وأكد تقرير مستقل فيما بعد ما قالته طهران.
مفاعل أراك
باشرت إيران منذ عام 1996 بناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل في مدينة أراك (وسط إيران)، وقد أعلنت طهران رسميا بدء إنتاجه في 28 أغسطس/آب 2006 بعد أن كشفت المعارضة الإيرانية النقاب عن هذه المنشأة للمرة الأولى عام 2002، كما نُشرت صور لها التقطتها مؤسسة العلم والأمن الدولي الأميركية -التي تتابع برنامج إيران النووي- في ديسمبر/كانون الأول 2002.
مفاعل فوردو
تستخدم إيران منشأة فوردو -المقامة في مكان تحت الأرض بمنطقة جبلية حصينة جنوب العاصمة طهران، والتي اعترفت بوجودها للوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر/أيلول 2009 بعدما اكتشفتها أجهزة مخابرات غربية- لتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء انشطارية نسبتها 20%، ليكون وقودا لمفاعل أبحاث طبي في طهران ينتج النظائر المشعة لعلاج مرضى السرطان.
مراكز تخدم الصناعة النووية
طبقا لقرار أصدره مجلس الأمن الدولي برقم 1737 عام 2006 بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن المؤسسات الإيرانية المشتركة في الأنشطة النووية أو أنشطة القذائف الباليستية تتبع في كثير منها الحرس الثوري ووزارة الدفاع.