الحرب النفسية لا تقل أهمية عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان.. فكيف تؤثر على اللبنانيين؟
خلف الحرب التي تقطع أوصال لبنان وتفجّر أحشاءه منذ أكثر من أسبوعين، تشنّ إسرائيل سراً، حرباً أخرى، غير دموية، لكن أكثر ضراوة من حرب السلاح والنار: إنها الحرب النفسية.
يُعتبر التلاعب النفسي أحد أقوى جوانب الحرب رغم أنه غالباً ما يتم تجاهله، بحسب جامعة ستانفورد، ويُعرّف عنه أيضاً وفقاً لجامعة كامبريدج البريطانية، بأنه مجموعة الأنشطة التي تسبب خوف وقلق الأشخاص الذين يُراد التأثير عليهم لكن من دون أن يتم إيذاؤهم جسديًا.
ويبدو أن الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل على لبنان لا تقل أهمية عن العمليات العسكرية التي تنفذها في الجنوب، في الضاحية الجنوبية لبيروت، البقاع وسائر المناطق اللبنانية، لا بل تتوازى معها. فما هي أبرز تجليات هذه الحرب النفسية؟ وكيف تؤثر على اللبنانيين وعلى مسار الحرب أيضاً؟
منذ بدء التصعيد في لبنان، عمد الجيش الإسرائيلي على إطلاق تحذيرات تدعو السكان إلى مغادرة منازلهم قبيل قصفها زاعمين أنها تُستخدم من قبل عناصر حزب الله، وكانت هذه التحذيرات تُطلق إما عن طريق نشرها على منصة إكس بواسطة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أو من خلال رسائل نصية واتصالات هاتفية من أرقام مجهولة.
هذه التحذيرات وضعها اللبنانيون في خانة الحرب النفسية خصوصاً أنها غالباً ما كانت تسبق الغارة الإسرائيلية ببضع دقائق، وبالتالي لم تفسح المجال للسكان بالإخلاء ولم تعطِهم الوقت الكافي لذلك.
اللعب على “أعصاب” اللبنانيين لم يقف عند هذا الحد، بل تخطاه إلى حد إطلاق تحذيرات تحث على إخلاء عدد من المباني في بيروت من دون أن يتم قصفها بعد ذلك، ما يعني ترك الناس بحالة قلق واستنفار مستمرّيْن.
في هذا السياق، يقول الكاتب السياسي اللبناني ابراهيم ريحان عبر “أخبار الآن” إن الحرب النفسية تحتل جزءًا مهمًا من سياسة الحرب الإسرائيلية.
وأضاف: حين تُطلق إسرائيل التحذيرات لسكان بعض المناطق التي تُعتبر حاضنة لحزب الله، يكون هدفها أن تقول بطريقة غير مباشرة للسكان إن الحزب يخزن الأسلحة والذخائر تحت بيوتهم. وهذه الخطوة من شأنها تأليب الرأي الحاضن للحزب عليه.
في المقابل، أوضح ريحان أن الإسرائيليين يتجنبون إعطاء إنذار الإخلاء إن كانوا يريدون استهداف شخصية وتنفيذ عملية اغتيال كما حصل في الغارات من اغتيال فؤاد شكر إلى اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله وكذلك مع هاشم صفي الدين وأخيراً في غارتي البسطة ورأس النبع في بيروت التي قال الإسرائيليون انهما استهدفتا مسؤول التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا.
اللعب على العواطف
تعرّف وكالة الاستخبارات الأمريكية الحرب النفسية على أنها الاستخدام المخطط له للدعاية والتدابير الإعلامية ذات الصلة المصممة للتأثير على آراء ومواقف وسلوك وعواطف الجماعات.
وقد بدا الهدف الأخير (التأثير على العواطف) واضحاً في الرسالة المصوّرة التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبنانيين والتي انطلق فيها من فكرة أن لبنان لم يعد لؤلؤة الشرق كما كان يُطلق عليه، ولم يعد جنة كما كان يُنظر إليه، قائلاً إن كل ذلك بسبب ممارسات حزب الله.
وقال نتنياهو: لقد دُمِّر لبنان الذي كان يعرف بالتسامح والجمال، الآن هو مكان للفوضى والحرب.
وتوجّه إلى اللبنانيين مستخدماً لغة التخويف، وأضاف: أنتم في مفترق طرق، وعليكم أن تختاروا، وألا تعودوا ببلدكم إلى الوراء، وإن لم تفعلوا ذلك فإن حزب الله سيواصل حربه ضد إسرائيل على حساب مصلحتكم، فهو لا يهتم بلبنان.
هذه التعابير التي قصد نتنياهو استخدامها تنطلق من معرفته المعمقة للواقع السياسي والطائفي في لبنان، فسلاح حزب الله هو قضية جدلية ينقسم حولها اللبنانيون منذ فترة من الزمن.
وقد وجد ابراهيم ريحان لـ”أخبار الآن” أن أحد الأهداف الإسرائيلية، بلا شك، هو جر اللبنانيين للانقسام، خصوصًا أن قسمًا كبيرًا من الشعب اللبناني يعتبر حزب الله غطاء سياسيًا للطبقة السياسية التي يتهمها اللبنانيون بالفساد وهدر المال العام والمودعين.
وقال ريحان: يحاول الإسرائيليون زيادة مسألة الاستهداف لشخصيات من الحزب خارج نطاق مناطقه في محاولة لزيادة الضغط على بيئته الحاضنة من قبل البيئات المعارضة للحزب، وبكلام آخر يحاولون أن يحولوا بيئة حزب الله الى بيئة معزولة داخلياً.
وقد حصلت في الآونة الأخيرة استهدافات إسرائيلية عدة لشخصيات وقيادات تابعة لحزب الله في مناطق لم تكن تستهدف في الماضي، مثل المعصيرة في كسروان، وبعدران في الشوف، اللتين تقعان في نطاق محافظة جبل لبنان. وهذا ما خلق قلقاً في المجتمعات المستضيفة للنازحين اللبنانيين.
الوتر السياسي والعسكري
في رسالته المصورة، دعا نتنياهو شعب لبنان إلى أن يحرروا بلدهم من حزب الله حتى يتسنى لهذه الحرب أن تنتهي، ,وقال: حرروا بلدكم من حزب الله حتى يستطيع بلدكم أن يحقق الرفاهة، وحتى تستطيع الأجيال القادمة أن تنعم بالسلام بدون حرب، وبدون نزيف دماء، وحتى نعيش مع بعضنا البعض في سلام.
وقد رأى الكاتب السياسي ابراهيم ريحان أن إسرائيل تريد أن تستثمر عمليتها قدر الإمكان لمحاولة التأثير على نفوذ حزب الله السياسي في لبنان. ولفت ريحان إلى أنه “يوضع في هذا الإطار محاولة الدخول على خط رئاسة الجمهورية من البوابة الأمريكية. إذ يعتقد الأمريكيون أن الفرصة سانحة للحد من نفوذ الحزب في الوقت الحالي وأن التفاوض تحت النار قد ينتج عنه رئيسًا للجمهورية لا يكون حليفًا لحزب الله.”
أما في الشق العسكري، فتعتمد إسرائيل أيضاً الحرب النفسية لبث صورة “التفوّق”، إذ قام جنود إسرائيليون، الأسبوع الماضي، برفع العلم الإسرائيلي عند أطراف بلدة مارون الراس الحدودية، الأمر الذي وصفه خبراء عسكريون لـ”أخبار الآن” بأنه رسالة معنوية لا أكثر خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي لم يقم مراكز ثابثة في تلك النقطة وعاد وانحسب بعد نشر فيديوهات لرفع العلم على مواقع التواصل الاجتماعي.