قتلى من جماعة الشباب في شبيلي الوسطى

أعلن الجيش الصومالي مقتل 25 مسلحا من جماعة الشباب خلال عملية عسكرية في منطقة راس قابو، الواقعة في محافظة شبيلي الوسطى بولاية هيرشبيلي.

وأكد مسؤولون في الجيش أن القوات الصومالية تمكنت من صد هجوم شنه أفراد الجماعة المسلحة، مما أدى إلى اندلاع معركة شرسة بين الجانبين.

تأتي هذه العملية بعد أيام قليلة من مقتل 59 مسلحا من جماعة الشباب في عمليتين منفصلتين في إقليمي غلغدود وشبيلي الوسطى.

خسائر ثقيلة

وكانت جماعة الشباب قد تعرضت لهزائم عسكرية كبيرة في الفترة من أغسطس/ آب 2022 إلى يونيو/ حزيران 2023، التي شهدت المرحلة الأولى من الحرب التي أعلنها الرئيس حسن شيخ محمود ضدها، وتمكنت خلالها الحكومة الفيدرالية المدعومة بالمقاتلين العشائريين المعروفين بـ”معويسلي” من تحرير نحو 70 بلدة ومدينة وقرية، في ولايتي هرشبيلي وغلمدغ.

منها ابتزاز القبائل لتقديم أبنائها.. كيف تحصل جماعة الشباب الصومالية على المجندين؟

وأدى تباطؤ الزخم في إكمال العمليات العسكرية إلى منح جماعة الشباب فرصةً لإعادة ترتيب صفوفها، ما مكنها من استرداد بعض المناطق التي سبق وفقدتها لصالح القوات الحكومية في الولايتين.

إلى ذلك، أعلنت الحكومة الفيدرالية عن حصيلة ضحايا الجماعة في المرحلة الأولى من الحرب، وقدرتها بنحو 3 آلاف قتيل ونحو 3700 مصاب، وهي حصيلة تحتاج إلى التدقيق من مصادر مستقلة، حيث تُقدر أعداد مقاتلي جماعة الشباب بنحو 7 إلى 10 آلاف مقاتل.

إجمالًا تلقت جماعة الشباب خسائر كبيرة في الأفراد، في جبهات القتال وعبر الاستهداف بالطيران المُسير، ومن خلال استسلام المئات من عناصرها إلى القوات الحكومية، ومع ذلك تبدو قادرةً على تعويض جزء مُعتبر من هذا النقص، وهو ما يظهر في استمرار قدرتها على السيطرة على مناطق واسعة في وسط وجنوب البلاد.

يدعو ذلك إلى البحث حول الآليات التي تحشد من خلالها الجماعة المقاتلين والأعضاء، والتي يمكن تقسيمها إلى ست، وهي: التحاق المؤمنين بالفكرة، والتجنيد الانتقائي، وتوافد المقاتلين من خارج البلاد، وتجنيد صغار السن في مناطق السيطرة، وابتزاز القبائل لتوفير المقاتلين، والتحالف مع القبائل الصغيرة من خلال إذكاء الصراعات القبلية.

تراجع الانضمام الطوعي

عقب دخول القوات الإثيوبية العاصمة، مقديشو، وهزيمة المحاكم الإسلامية في عام 2006، ثم مشاركتها في المفاوضات السياسية في عام 2008، انتهى عمليًا الدور البارز للمحاكم من الناحية العسكرية، وتصدرت جماعة الشباب التي ضمت المتطرفين المشهد، وباتت القوة العسكرية الأكبر، التي خاضت حروبًا واسعة ضد قوات الحكومة الانتقالية وحلفائها من بعثة الاتحاد الأفريقي.

في تلك المرحلة، اعتمدت الجماعة على تجنيد مقاتلي المحاكم الإسلامية الذين تشتتوا في مناطق متفرقة، وكذا استفادت من المشاعر العامة المناهضة للتدخل الإثيوبي العسكري، ونجحت في تجنيد الآلاف من الناقمين على القوات الإثيوبية، كما استفادت من شيوع الفكر السلفي المتشدد في العاصمة، منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991.

بمرور الوقت فقدت الجماعة التعاطف الشعبي، بعد خروج القوات الإثيوبية في 2009، ومقتل آلاف المدنيين في التفجيرات الإرهابية التي استهدفت العاصمة بشكل خاص، ومع تحسن الأوضاع الأمنية نسبيًا في مناطق واسعة، وعودة الحياة الطبيعية، لم يعد الانضمام الطوعي كافيًا لتلبية حاجة الجماعة من المقاتلين.

منها ابتزاز القبائل لتقديم أبنائها.. كيف تحصل جماعة الشباب الصومالية على المجندين؟

مع ذلك، لا يزال العديدون ينضمون إلى الجماعة، خاصة المقاتلين من مناطق شمال وشرق البلاد، وهي مناطق صوماليلاند وبونتلاند، وإن قلت وتيرتهم، بحسب شهادة حسن آدم (اسم مستعار)، وهو عضو منشق عن الجماعة من بونتلاند، ويقول: “انخفضت أعداد الملتحقين بالجماعة من بونتلاند وصوماليلاند، بدايةً من العام 2013”.

وتقدم حالة رئيس قسم الصحافة السابق في الجامعة الوطنية في مقديشو، نغييه علي خليف، مثالًا للانضمام الطوعي، وأعلن خليف التحاقه بصفوف الجماعة في شباط/ فبراير، 2024، الماضي، وهو من المنحدرين من صوماليلاند، التي ينتمي إليها معظم قادة الجماعة.

في السياق ذاته، ينضم المئات من الأجانب المؤمنين بأفكار التنظيمات المصنفة إرهابيةً إلى جماعة الشباب، ويقول آدم لـ”أخبار الآن” إنّه “في البداية كان الأجانب يأتون من أوروبا والولايات المتحدة ودول عربية، ولكن بعد العام 2013 تراجع انضمام هؤلاء، لصالح المنضمين من دول أفريقية، مثل السودان، وأوغندا، وكينيا، وتنزانيا، بينما يلتحق الإثيوبيون بتنظيم داعش في بونتلاند”.

منها ابتزاز القبائل لتقديم أبنائها.. كيف تحصل جماعة الشباب الصومالية على المجندين؟

التجنيد من الجماعات الدينية

ويحتل التجنيد الانتقائي أهمية كبيرة لدى الجماعة، التي تستهدف الأفراد الذين تحتاجهم لأداء المهام داخل المدن والمؤسسات الحكومية، كما تتغلغل الجماعة داخل صفوف الجماعات الدينية وتجند أعضائها، خاصة جماعة التبليغ والدعوة، التي تقوم بالعديد من الجولات الدعوية، التي توفر حرية التنقل في مناطق سيطرة الدولة للمتخفين من عناصر الشباب داخلها، بحسب شهادة مقاتل منشق عن الشباب، يدعى سعيد جوري (اسم مستعار) لـ”أخبار الآن”.

التحق جوري بجماعة التبليغ والدعوة، وفيها التقى بالعناصر الذين زرعتهم جماعة الشباب، وقاموا بتجنيده، يقول إنّ “مقاتلي الشباب يعبرون نقاط التفتيش للقوات الحكومية متخفين في زي جماعة التبليغ والدعوة، كما يتخفون بين أفراد الجولات الدعوية للتحرك بسهولة داخل مناطق سيطرة الحكومة، وذلك بتسهيل من عناصر الشباب داخل جماعة التبليغ”.

ويضيف أنّ من بين الفئات التي تستهدفها جماعة الشباب بالتجنيد سائقي “التوك توك” أو ما تُعرف بـ”الركشة” داخل المدن، لمعرفتهم بها وقدرتهم على التنقل بيسر داخلها، وذلك لتأدية مهام مثل نقل معدات التفجير، وتتبع الأشخاص الذين تترصدهم الجماعة. ويتابع جوري، أنّ “الجماعة لديها مجندين داخل دائرة الجوازات والهجرة، ومهمتهم هي استخراج جوازات السفر وتسهيل الإجراءات لعناصرها، وهؤلاء الموظفون يُجندون لأداء مهام محدودة”.

منها ابتزاز القبائل لتقديم أبنائها.. كيف تحصل جماعة الشباب الصومالية على المجندين؟

ابتزاز القبائل

ويعتبر السكان المحليون في مناطق سيطرة جماعة الشباب هم المورد الأكبر للمقاتلين، حيث تسيطر على محافظات كاملة منذ العام 2006، خاصة في شبيلي الوسطى في ولاية هرشبيلي، وجوبا الوسطى وجوبا السفلى وإقليم جيدو في ولاية جوبالاند، ومعظم مناطق الريف في محافظتي باي وبكول في ولاية جنوب الغرب.

تختلف طبيعة العلاقة بين الجماعة والقبائل التي توجد في مناطق سيطرتها من مكان لآخر، فبينما قاومت قبيلة “حوادلي” في إقليم هيران في ولاية هرشبيلي الجماعة، وخاضت معها معارك عديدة، انتهت بنجاحها بدعم الحكومة الفيدرالية في تحرير معظم الإقليم، وجدت قبائل أخرى في التحالف مع الجماعة ضمانة للحماية من الصراعات القبلية.

منها ابتزاز القبائل لتقديم أبنائها.. كيف تحصل جماعة الشباب الصومالية على المجندين؟

توفر القبائل المتحالفة مع جماعة الشباب المجندين، وخاصة القبائل صغيرة العدد التي عانت لعقود من سطوة جيرانها من القبائل الكبيرة، ومنها قبائل “بيمال” في جوبا الوسطى، وقبائل “غري” و”غالجعل” في شبيلي السفلى، كما تعتمد الجماعة على قبيلة “دودبلي” الصغيرة، المشهورة بالبأس في القتال، بحسب حديث حسن آدم لـ”أخبار الآن”.

من جانبه، يضيف سعيد جوري، بأنّ “أهم القبائل التي تجند الجماعة أبنائها هي، بيمال، والرحنوين، وغري، ودغودي، ودودبلي، ومريحان، وبادي عدي” كما تحصل الجماعة على حصة كبيرة من المقاتلين من خلال تجنيد الأطفال في مناطق سيطرتها الواسعة، على غرار ما تفعله جميع التنظيمات المصنفة إرهابيةً.

يقول حسن آدم، العضو السابق في الجماعة، إنّ “معظم المجندين بعد عام 2013 يأتون من عبر وجهاء القبائل، وفي مرات عدة شهدت طلب الجماعة من شيوخ تقديم 100 شاب بين عمر 15 إلى 20 عامًا، وفي أحيان أخرى طلبت الجماعة 50 طفلًا من صغار السن من ممثلي القبائل لديها، لتقوم بتدريبهم في معسكراتها، وضمهم إلى قواتها”.

منها ابتزاز القبائل لتقديم أبنائها.. كيف تحصل جماعة الشباب الصومالية على المجندين؟

يتابع آدم أنّ الجماعة لديها ممثلين عند القبائل في الشرق والشمال، يقدمون لها خدمات التجنيد والتعاون معها في مناطق قبائلهم، بينما تتعامل قبائل شبيلي الوسطى والسفلى مع الجماعة بشكل مباشر، مشيرًا إلى أنّ بعض الشيوخ يقدم المقاتلين عن قناعة والبعض الآخر خوفًا.

وتمارس جماعة الشباب الترهيب بحق القبائل لإجبارهم على تقديم المجندين، ومثال ذلك قيامها بمصادرة الماشية من قبيلة “ليسان” في إقليمي “باي وبكول”، لإجبارها على تقديم مجندين.

اتصالًا بذلك، يقول سعيد جوري، إنّ “الجماعة عندما ترى قبيلة بات منها وزراء ومسؤولين يشغلون مناصب عليا في الحكومة تعمد إلى ابتزازها، من خلال طلب مجندين منها، ثم تزج بهم في ميادين القتال، وإن لم تنصاع القبيلة للمطالب تقوم بمصادرة مواشيهم عقابًا لها”.

منها ابتزاز القبائل لتقديم أبنائها.. كيف تحصل جماعة الشباب الصومالية على المجندين؟

اغتيال الشيوخ المعارضين

ويذكر جوري أنّ “الجماعة تنصب تعمل على تنصيب الموالين لها كشيوخ في القبائل، وتدفع لهم رواتب شهرية، وتعقد معهم اجتماعات دورية حول القضايا الراهنة، وبدورهم يقومون بمهام للجماعة، منها جمع الأموال، وتجنيد الأعداد المطلوبة من جماعة الشباب للتجنيد، والتوسط في حلّ الخلافات القبلية، ويكون المجندون تحت مسؤولية هؤلاء الشيوخ”.

ويذكر أنّ “شيوخ القبائل في مناطق سيطرة الجماعة ليسوا جميعًا على وفاق معها، فمنهم من رفض الأوامر فقُتل في ظروف غامضة كاغتيال أو تفجير، ولهذا ينفذ وجهاء القبائل طلبات الجماعة، إما عن رضا أو خوف”.

وفي المجمل تظل جماعة الشباب قادرة على حشد المقاتلين في مناطق سيطرتها، حيث وُلدت أجيال عديدة في ظل ذلك، وتقدم منطقة شبيلي الوسطى في ولاية هرشبيلي مثالًا على ذلك.

يقول ياسين عبدي (اسم مستعار)، وهو عضو سابق في الجماعة، وعمل في جهاز استخباراتها المعروف بـ”أمنيات”، إنّ “الجماعة ستحافظ على وجود قوي في شبيلي الوسطى التي تحصل من أرضها الخصبة وثروتها الحيوانية على عائدات كبيرة، لعدة أسباب منها، تواجد أعداد كبيرة من المقاتلين، والغابات التي توفر أماكن الاختباء، وانخفاض مستوى التعليم، والفقر الشديد”. يضيف لـ”أخبار الآن”، أنّ “انخفاض مستوى التعليم والفقر سببان لالتحاق العديد من أبناء القبائل بالجماعة”.

“اشترطوا عليه أن يقتل أمه أولًا” قصص مؤثرة للعائدين من جماعة الشباب الصومالية