هل يخلق مقتل زعيم حماس فرصة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة؟
قبل مقتله، كان يُنظر إلى يحيى السنوار على أنّه عقبة أمام التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة منذ هجوم حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
غير أنّ مقتله الذي أعلنته إسرائيل الخميس يضعف الهرمية القيادية في حماس ويدخل الحركة في حالة من التشرذم، وهذا بدوره يزيد من تعقيد المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن وفقا لفريق من الخبراء.
فيما يرى فريق آخر، أن مقتل السنوار من المرجح أن يمنح القيادة السياسية للحركة في الخارج مزيداً من المرونة والسيطرة، في إشارة إلى خليل الحية وخالد مشعل، مندوبي حماس الرئيسيين في المحادثات التي استمرت شهوراً.
وبحسب المراقبين، قد يكون هؤلاء القادة أكثر استجابة للضغوط من قطر، الوسيط الرئيسي الذي يستضيف بعض كبار قادة حماس. وعلى النقيض من السنوار، فإن هؤلاء القادة ليسوا مختبئين في غزة، وهو ما قد يسرع من التقدم في التوصل إلى اتفاق.
الآن، ومع رحيل السنوار، بات يتعيّن على حماس أن تختار قائدا جديدا لها وهو ما سيلقي بثقله على مصير الرهائن الذين ما زال 97 منهم محتجزين في قطاع غزة، بينهم 34 أكد الجيش الإسرائيلي مقتلهم.
وكلّفت إسرائيل أجهزتها الاستخبارية بمتابعة المفاوضات مع الوسطاء الولايات المتحدة وقطر ومصر، ولكن مهمة هؤلاء لن تكون أسهل من ذي قبل، كما تقول “فرانس برس”.
ويشير معهد سوفان ومقرّه نيويورك، إلى أنّه وقفا لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، فإنّ “موقف السنوار ازداد تشددا في الأسابيع الأخيرة … وحماس لم تعد مهتمة بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار أو إلى اتفاق بشأن الرهائن”.
ولكن المركز المتخصّص في القضايا الأمنية يضيف أنّ “أي مفاوضات مستقبلية يمكن أن تكون أيضا بمثابة اختبار للقدرة العملياتية لحماس بعد السنوار”.
ورحّبت عائلات الرهائن الجمعة بالقضاء على السنوار الذي تتهمه إسرائيل بأنّه مهندس هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، غير أنّها أعربت عن “قلقها العميق” بشأن مصير المحتجزين.
ودعا منتدى عائلات الرهائن والمفقودين الحكومة الإسرائيلية والوسطاء الدوليين إلى الإفادة من “هذا الإنجاز الكبير لتأمين عودتهم”.
خلايا لامركزية
غير أنّ حماس لم تعد المنظمة العسكرية ذات الهيكلية الواضحة والهرمية المنظمة التي كانت عليها قبل الحرب بكل كتائبها وألويتها.
ويقول ديفيد خلفا مؤلف كتاب “إسرائيل-فلسطين، العام صفر” والباحث في مؤسسة جان جوري إنّه بعدما أضعفت الهجمات الإسرائيلية الحركة وشرذمتها بعد تقطيع أوصال القطاع بين الشمال والجنوب، باتت حماس “تعمل ضمن خلايا محلية للغاية، إلى درجة أنّها أصبحت لا مركزية بشكل كبير”.
ويشير إلى أنّ هذا الوضع الجديد “سيطرح مشكلة حقيقية للإسرائيليين والأمريكيين. وبدلا من التوصل إلى اتفاق شامل لتحرير الرهائن، من المحتمل أن تسعى حماس إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين بشكل تدريجي، من خلال منح الحصانة لبعض قادتها المتبقيين وإمكانية مغادرتهم غزة” للجوء إلى تركيا أو إيران أو قطر.
وحتى منتصف العام الحالي، كانت بنية حركة حماس ذات رأسين هما الجناح السياسي بقيادة إسماعيل هنية ومقرّه الدوحة، والجناح العسكري بقيادة السنوار في غزة، قبل أن يغتال هنية في طهران في تموز/يوليو.
“الصورة ضبابية”
ويرى ديفيد خلفا أن ميزان القوى الداخلي في حماس سيميل الآن نحو الفرع الخارجي “حيث تتركّز مصادر التمويل والدعم اللوجستي وتدريب المقاتلين”.
ولكن إذا اختارت الحركة مسؤولا في الخارج، فإنّها تخاطر برؤية الأخير منفصلا عن المقاتلين على الأرض. وإذا عيّنت مقاتلا مثل محمد السنوار شقيق قائدها الراحل، فستبتعد عن الحل السياسي.
وفي الحالتين، فإنّ قضية الرهائن تواجه مصيرا قد يبدو مجهولا.
ويقول جان ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، إنّ “جهود المفاوضات كانت ترتكز في السابق على فكرة أنّ السنوار لديه اتصال مع معظم الذين يحتجزون الرهائن، وأنّه يمكن أن يؤثر على أفعالهم”.
ويضيف أنّ “الصورة أصبحت أكثر ضبابية الآن ويجب أن نتوقع حلولا مختلفة”.
ورغم أنّ الضغوط ما زالت كبيرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إلا أنّ حكومته ليست مستعدّة لإطلاق سراح الرهائن بأي ثمن.
وليس من المحتمل أن يتكرّر سيناريو إطلاق سراح ألف معتقل فلسطيني، بمن فيهم السنوار، في العام 2011 مقابل الجندي جلعاد شاليط الذي احتجزته حماس مدّة خمس سنوات.
ويقول ديفيد خلفا “يريدون الابتعاد عن سابقة شاليط التي كانت خطأ باهظا”.
يأتي هذا، بينما تتزايد الضغوط على نتنياهو لإنهاء القتال وإنقاذ الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا موجودين لدى حماس داخل القطاع.
وفي هذا الصدد، قالت شيرا إيفرون، المديرة البارزة لأبحاث السياسات في مؤسسة ديان وجيلفورد جليزر المؤيدة لإسرائيل “أعتقد أن ما لدينا الآن هو فرصة يجب أن يتم استغلالها لإغلاق الجبهة في غزة”.
وأضافت إيفرون “أعني، عليك أن تتذكر أن هذا الأمر يصب في أعماق المجتمع الإسرائيلي، لقد انتقموا للعقل المُدبر السنوار”.
من جانبه، يؤكد أميت سولفي، رئيس بلدة كيبوتس بئيري القريبة من قطاع غزة، والتي فقدت واحداً من كل عشرة من سكانها في السابع من أكتوبر، أن موت السنوار قد أتاح فرصة يجب اغتنامها، موضحاً بقوله “هناك فرصة.. ويتعين على إسرائيل أن تغتنم هذه الفرصة بقوة، وأن تطوّرها لاتفاق دبلوماسي”.