توترات البوكمال تعكس أبعاداً متعددة للصراع الإقليمي والمحلي

تعيش مدينة البوكمال شرق محافظة دير الزور حالة من الاستنفار الأمني المتزايد في الأسابيع الأخيرة، وسط تصاعد التوترات بين الميليشيات المدعومة من إيران والعشائر المحلية، خاصة عشيرة “الحسون”. هذه التوترات تعكس أبعاداً متعددة للصراع الإقليمي والمحلي، حيث يتشابك النفوذ الإيراني في المنطقة مع التحديات التي تفرضها العشائر المحلية التي تحاول الحفاظ على سيادتها وحماية مصالحها.

وتعد البوكمال، ذات الموقع الاستراتيجي قرب الحدود السورية-العراقية، نقطة محورية للصراع، فهي تضم عدداً من الموارد الحيوية، مما يجعل السيطرة عليها مطلباً حيوياً للقوى المتنافسة.

في هذا السياق، أرسلت ميليشيا “فاطميون” الأفغانية، المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، تعزيزات عسكرية من حمص إلى المدينة في خطوة تهدف إلى تعزيز النفوذ الإيراني وتثبيت السيطرة على المناطق التي تشهد تقلبات أمنية، ومن بينها البوكمال.

فبحسب المصادر الميدانية، وصلت قوافل من الحافلات تحمل مقاتلين تابعين للميليشيا، الذين تم توزيعهم على مواقع حساسة في المدينة وفي محيطها، بما في ذلك حقل “T2” القريب. وتعكس هذه التحركات العسكرية سعي “فاطميون” إلى توسيع نطاق سيطرتها العسكرية وربط مناطق نفوذها في بادية دير الزور وبادية حمص، وفقاً لاستراتيجيات الحرس الثوري الإيراني.

استنفار في البوكمال وتوترات بين الميليشيات الإيرانية والعشائر

تعزيزات لـ “فاطميون” وتوتر عشائري

بحسب مصادر ميدانية في البوكمال، فقد وصلت ست حافلات نقل سياحية إلى مدينة البوكمال، تحمل عناصر تابعة لميليشيا “فاطميون” من حمص وريفها. فور وصولهم، تم نقلهم إلى عدة مواقع، أهمها مقر الحمدان ومواقع في بادية البوكمال قرب حقل “T2″، والذي يُعد أحد المراكز الرئيسية للميليشيات الإيرانية في المنطقة.

ويشير المراقبون إلى أن هذه التعزيزات جاءت في إطار خطة أوسع من قبل “فاطميون” لتوسيع سيطرتها وربط مناطق نفوذها في بادية دير الزور وبادية حمص، بناءً على توجيهات من قيادة الحرس الثوري الإيراني، لتعزيز تواجدهم الأمني والعسكري بالمنطقة.

في الوقت ذاته، أدى توتر أمني حاد إلى حالة استنفار كبيرة في مدينة البوكمال، حيث اجتمع قادة من الحرس الثوري الإيراني مع “أبو عيسى”، قائد ميليشيا “الفوج 47” في المنطقة، في خطوة توحي بقلق من انزلاق الوضع إلى مواجهات مفتوحة، وبحسب مصادر محلية، فقد أُعطي “أبو عيسى” تفويضاً باستخدام القوة بشكل مباشر ضد أي تهديد محتمل من أبناء العشائر المسلحة، وخاصة بعد تصاعد التوترات مع عشيرة “الحسون”.

وتمكن “الفوج 47″، المدعوم إيرانياً، من تعزيز إجراءاته الأمنية عبر فرض نقاط تفتيش في مختلف مداخل ومخارج المدينة، ومنع حركة الدخول والخروج، إلى جانب تشديد التفتيش على السيارات والمركبات العابرة، وسيّرت دوريات ليلية على أطراف المدينة، خاصة قرب ضفاف نهر الفرات، في خطوة واضحة لتأمين المنطقة.

استنفار في البوكمال وتوترات بين الميليشيات الإيرانية والعشائر

خلفيات التوتر العشائري والاشتباكات

وتعود جذور الأزمة الحالية إلى خلاف تصاعد على خلفية حادثة سطو مسلح، عندما اقتحم عناصر من ميليشيا “الفوج 47” منزل “الشيخ أيمن الدندل”، أحد وجهاء عشيرة “الحسون”، بهدف السرقة، وهو ما اعتبرته العشيرة إهانة وتعدياً على كرامتها. ورداً على ذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مسلحي العشيرة وعناصر “الفوج 47″، أسفرت عن إصابات في صفوف الطرفين واستمرار المواجهات على مدى عدة أيام.

تضاعفت حدة المواجهات عقب رفض الميليشيات طلبات عشيرة “الحسون” بضرورة انسحاب ميليشيا “الفوج 47” من مدينة البوكمال كشرط أساسي للتهدئة. وأشارت مصادر محلية إلى أن العشيرة رفعت سقف مطالبها للصلح، معتبرةً أن وجود الميليشيات في المدينة بات يشكل تهديداً لأمنها واستقرارها.

استهداف للمعارضة وتصعيد ضد العشائر

وفي سياق متصل، أكدت مصادر محلية أنّ الميليشيات الإيرانية لا تنوي تقديم تنازلات، بل على العكس تماماً، إذ يبدو أنّها بصدد اتخاذ خطوات تصعيدية عبر اعتقال وتصفية كل من شارك أو دعم الاشتباكات ضدها من أفراد عشيرة “الحسون”. ويعتبر هذا التصعيد بمثابة رسالة من الميليشيات المدعومة إيرانياً لأي عشائر أو مجموعات محلية قد تفكر في معارضة تواجدهم أو نفوذهم في المنطقة.

وسط هذه الأجواء المتوترة، يُعاني السكان المحليون في البوكمال من قيود أمنية مشددة فُرضت على حركتهم اليومية، وقد طُلب من أصحاب المحلات التجارية في سوق المدينة إغلاق محلاتهم، مما يشير إلى توقعات بحدوث اشتباكات أوسع أو حملات أمنية مكثفة من قبل الميليشيات الإيرانية، وقد أعرب السكان عن مخاوفهم من تفاقم الأوضاع وتحولها إلى صدامات واسعة قد تطال المدنيين، وسط غياب تام لأي سلطة محلية قادرة على كبح جماح الميليشيات أو تحقيق نوع من التوازن في المنطقة.

يؤكد المراقبون أنّ هذا الوضع المتأزم في البوكمال يعكس حالة النفوذ الإيراني المتزايد في شرق سوريا، ومحاولاته المستمرة للسيطرة على الطرق الرئيسية والمواقع الاستراتيجية، بما في ذلك الطريق الممتد من دير الزور إلى حمص. ويرى بعض المحللين أن هذه التحركات جزء من استراتيجية أوسع للحرس الثوري الإيراني لتعزيز تواجده بالقرب من الحدود العراقية، في سبيل تأمين طرق إمداد عسكرية ولوجستية تربط بين إيران وسوريا عبر الأراضي العراقية.

استنفار في البوكمال وتوترات بين الميليشيات الإيرانية والعشائر

لكن هذا التوسع في النفوذ الإيراني يأتي على حساب استقرار السكان المحليين ويمثل تهديداً مباشراً للتركيبة الاجتماعية التقليدية في المنطقة، حيث لا يزال الولاء العشائري يلعب دوراً محورياً في تشكيل التحالفات والخصومات. وبالتالي، فإن تجاهل مطالب عشائر المنطقة واستمرار قمعها قد يؤدي إلى تصعيد أكبر وانفجار الأوضاع، مما قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الاضطرابات والاشتباكات المسلحة.

وتُشير التطورات الأخيرة في البوكمال إلى حالة من الاحتقان الأمني والاجتماعي، وسط صراع متصاعد بين الميليشيات المدعومة من إيران والعشائر المحلية التي تجد نفسها محاصرة بين حاجتها للدفاع عن كرامتها، وحقيقة افتقارها للقدرات العسكرية اللازمة لمواجهة نفوذ الميليشيات المتزايد. وتبقى المخاوف من أن تفاقم الأوضاع قد يؤدي إلى تدهور الأمن والاستقرار في البوكمال، مما يجعلها بؤرة توتر جديدة شرق سوريا، في منطقة هي بالأصل غنية بالتعقيدات والتداخلات الإقليمية.