جهاد طروادة: خطة إيران حول باب المندب
زاد الحديث مؤخرًا عن التعاون بين مليشيا الحوثي وفرعيّ تنظيم القاعدة في اليمن والصومال، نُشرت مؤخرًا تسريبات متطابقة من مصادر عسكرية واستخباراتية لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة عن تطور التعاون بين الحوثيين وجماعة الشباب في الصومال، وكشفت مصادر مخابراتية أمريكية لشبكة “سي إن إن” في يونيو المنصرم أن وكالات المخابرات رصدت اتصالات جارية بين الحوثيين في اليمن والجماعات المسلحة في الصومال وأبرزها “الشباب” بُغية نقل الأسلحة من اليمن إلى الصومال.
ووفقًا لتصريحات مسؤولين أمريكيين للقناة أعتبر هذا التعاون تطورًا مقلقًا، حيث يُهدد بتصعيد العنف في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني المضطرب.
كما رصدت هذه التطورات المتسارعة تحقيقات إعلامية أجرتها “Kaab TV” ومنصة “Horn observer“، التي سلطت الضوء على الروابط بين الحوثيين وجماعة الشباب إلى جانب عودة نشاط القرصنة في السواحل الصومالية. في مارس الماضي أفادت تقارير بأن قراصنة صوماليين نشروا أسلحة مضادة للطائرات على سفينة مختطفة في البحر الأحمر، مما أثار مخاوف من وجود صفقات بين القراصنة والحوثيين وجماعة الشباب.
واستعرضت جل الصحافة الأمريكية التحقيقات حول توريد الحوثيين أسلحة إلى الصومال بالإضافة إلى عكس مخاوف إقليمية للتأكد، وتفحص ما إذا كانت إيران، التي تدعم الحوثيين، متورطة في هذا التعاون. صرح مسؤول أمريكي أن المسألة تُؤخذ بجدية في المحادثات الجارية مع الدول المطلة على البحر الأحمر، كما أبدت دول أفريقية مخاوفها، مطالبة بمزيد من المعلومات بشأن هذا التعاون.
يرى محللون أن التعاون بين الحوثيين (الشيعة) وجماعة الشباب (السنة) قد يُصعّد الصراع في كل من الصومال والبحر الأحمر. ما يجمع مليشيا الحوثي وفرعي تنظيم القاعدة في اليمن والصومال هو “جهاد طهران”.
أخبار الآن كشفت بشكل حصري منذ عامين وأكثر عن مدى تأثير سيف العدل -المقيم في طهران والقائد الفعلي لتنظيم القاعدة- في قيام هكذا تعاون وتخادم بين القاعدة والحوثي، الأضداد فكريًا وأيديولوجيًا، منذ قدوم خالد نجل سيف العدل إلى اليمن في العام 2015، والذي توفى في مارس من العام الحالي 2024، وقد ألمح سيف العدل لذلك التحالف القائم بين مليشيا الحوثي وجماعة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في اليمن بمقالة نشرة على شبكة السحاب -الذراع الإعلامي للقيادة العامة لتنظيم القاعدة- وذلك في العدد من سلسلة مقالات بعنوان: هذه غزة .. حرب وجود .. لا حرب حدود”، تعليقًا على عمليات ميليشيا الحوثي في البحر الأحمر.
من جهة أخرى صرح محمد البخيتي القيادي البارز في جماعة الحوثي، عضو المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله”: أنهم يقفون لجانب تنظيم القاعدة ضد القصف الأمريكي، كما طالب بتوقف الطيران الأمريكي عن قصف تنظيم القاعدة بمأرب، مُصرحًا أن ذلك أحد مطالب الجماعة، مستعرضًا استهداف وإسقاط الطيران المسير الأمريكي بمأرب، ألمُتخصص حصرًا باستهداف قيادات ومعسكرات تنظيم القاعدة.
تطور التعاون بين الشباب في الصومال والحوثي في اليمن
مصادر محلية وجهادية في الصومال كشفت لـ”أخبار الآن” منذ وقتٍ مبكر عن وجود جسر وخطًا بحريًا ذهابًا وإيابًا بين جماعة الشباب في الصومال ومناطق سيطرة ميليشيا الحوثي شمال اليمن، للتفاوض والتوسيع التعاون والتخادم، وقد كان ذلك منذ عامين وأكثر.
وقد أرسلت جماعة الشباب شخصيات قبلية وعشائرية مقربة للجماعة للتفاوض مع جماعة الحوثي بدعوة وإلحاح من الجماعة في صنعاء، إلا أن حرب غزة جعلت من ذلك التخادم والتعاون الخجول بين مليشيا الحوثي وجماعة الشباب أكثر جرأة في التواصل والتنسيق والتخادم، فيما أكد صحفي مقرب من قيادات جماعة مليشيا الحوثي وصول وفد صومالي مفوضًا من جماعة الشباب إلى صنعاء.
في هذا الصدد أكدت مصادر صومالية متنوعة أيضًا عن إرسال جماعة الشباب دفعة من عناصر التنظيم الشابة إلى مناطق مليشيا الحوثي لأخذ دورات في التصنيع الحربي، وقيادة الطيران المسير، وقد كشف مصدر جهادي عن ذلك قائلًا: شكل دخول الطيران المسير فارقًا كبيرًا في معركة تنظيم القاعدة باليمن بأقل الخسائر ضمن صفقات بين فرع التنظيم ومليشيا الحوثي، وهو ما دفع جماعة الشباب للإهتمام بهكذا جانب، وتقديم الطيران المسير كأولوية ضمن صفقات التخادم والتعاون بين مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة.
وقد أكّد لـ”أخبار الآن” مصدر رفيع مقرب من القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) المعلومات الواردة التي تتحدث عن ارسال جماعة الشباب دفعًا متتالية من عناصر التنظيم إلى مناطق مليشيا الحوثي، لأخذ دورات في التصنيع العسكري وإدارة الطيران المُسير.
تقرير فريق خبراء مجلس الأمن يؤكد التنسيق والتخادم
صدر التقرير النهائي عن فريق الخبراء المعني باليمن، المنشأ بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2140 لعام 2014، في أكتوبر من العام الحالي 2024، وكشف التقرير عن عمق الروابط المتزايدة بين جماعة أنصار الله (المعروفة بالحوثيين) وتنظيم جماعة الشباب في الصومال، عبر التقرير الأممي عن قلقه من التحالف بين الحوثيين والجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، حيث تم الاتفاق بين الحوثيين والقاعدة على وقف النزاعات الداخلية بينهما، وتبادل الأسلحة والتنسيق في الهجمات ضد القوات الحكومية اليمنية.
إضافةً إلى ذلك، رُصدت زيادة في أنشطة تهريب الأسلحة الصغيرة والخفيفة بين الحوثيين وجماعة الشباب الصومالية، حيث تشير التقارير إلى احتمال وجود تزويد عسكري مشترك -دولة -أو مزود أسلحة مشترك -تاجر- لكلا التنظيمين. ويشير التقرير إلى أن العقوبات المفروضة على الحوثيين ستظل ذات تأثير محدود ما لم يتم اتخاذ تدابير شاملة لمواجهة جميع منتهكي نظام العقوبات الدولية الخاصة بتهريب السلاح.
كما أفاد التقرير بأن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قام مؤخرًا بشن هجمات ضد القوات الحكومية اليمنية في أبين وشبوة باستخدام طائرات بدون طيار وأجهزة متفجرة مرتجلة، مما يشكل قلقًا نظرًا للاستخدام المتزايد لهذه التكنولوجيا، وقد وأشار التقرير إلى أن الحوثيين في محاولة لتوسيع نفوذهم، يدرسون خيارات لتنفيذ هجمات بحرية انطلاقاً من السواحل الصومالية، ويعملون على تعزيز روابطهم مع جماعة الشباب في الصومال.
ووفقاً لمصادر حكومية يمنية، تزايدت أنشطة تهريب الأسلحة بين الحوثيين وجماعة الشباب، خاصةً الأسلحة الصغيرة والخفيفة، حيث وجد فرق الخبراء أن كلا الطرفين يمتلكان أسلحة بنفس النماذج والأرقام التسلسلية، مما يشير إلى تزويد متبادل أو وجود مورد مشترك، ويرى الخبراء أن التعاون المتزايد بين الحوثيين وجماعة الشباب في عمليات النقل والتهريب غير المشروع للأسلحة يمثل تهديدًا خطيرًا للسلام والأمن في اليمن والمنطقة.
وكانت قد كشفت “أخبار الآن” منذ وقتٍ مبكر عن تطور العلاقات بين مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن، وذلك منذ وصول خالد نجل سيف العدل إلى مدينة المكلا وقت سيطرة التنظيم على المدينة عام 2015.
تحالف وتقاطع مصالح.. أم سيطرة واختراق؟
يرى عدد من المتخصصون أن ما يحدث من تخادم بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي ما هو إلا سيطرةً من طهران على القيادة العامة لتنظيم القاعدة عن خلال سيف العدل واستخدام نفوذه لا سيّما دور خالد نجل سيف العدل الراحل في اليمن، لذلك كانت عجلة التقارب في اليمن بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي أسرع من بقية الأفرع.
لقد كان مسار تنظيم القاعدة منذ البداية متجنبًا لصدام مشروع إيران في اليمن وقد كشفت ذلك وثائق “أبوت أباد” وأسامة بن لادن يوجه ناصر الوحيشي بعدم الإنشغال بمواجهة ميليشيا الحوثي، أو ما صرح بهِ المتحدث باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني من توجيه الظواهري لهم بعدم استهداف إيران، إلا أن التنظيم كان يرفض التعاون أو التقارب مع إيران أو مليشياتها في المنطقة، إلا أن سيطرة طهران على القيادة العامة جعلت المحال لدى الجهاديين واقعًا، وتحول ذلك إلى تخادم عسكريًا على خريطة الصراع في الداخل اليمني أو في البحر الأحمر بين مليشيا الحوثي وفرعي تنظيم القاعدة باليمن والصومال.
يبرر البعض أن ما يحصل هو تقاطع مصالح وتوافق في العداء لأمريكا ودول الغرب، بينما يؤكد الواقع أن مليشيا الحوثي تقوم باستخدام التنظيم وابتزازه في آنٍ واحد، يقول حساب أنباء جاسم -جهادي مخضرم- : تشعر أحيانًا أن الحوثيين وإيران ساعات بيحبوا يوصلوا رسائل لسيف العدل للضغط عليه والتهديد.. المُتغطي بالايرانيين عريان.
بينما يعاني التنظيم من أزمات داخلية وخلافات خفيّة تحاول طهران الاستفادة من تنظيم القاعدة بأي صورة أو وسيلة كانت، فتارة تجر التنظيم لمحاولات العمل الخارجي كما حصلت من محاولات فاشلة قبالة سواحل المهرة وحضرموت، وقد كانت عمليات أكبر حجمًا من قدرة التنظيم، إلى محاولات استخدام إعلام التنظيم، في التخادم الصريح والجلي مع أجندة طهران، وبين تصريح سيف العدل في التحالف مع مليشيا الحوثي، ومهاجمة إبراهيم البنا لمليشيا الحوثي، يتضح الكثير من تخبط التنظيم جراء سيطرة طهران.
خلافات مستمرة .. وتمايز الأطراف
مع تطور التخادم والتعاون بين مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن والصومال، تزداد الخلافات الداخلية، وتتسع رقعة الخلاف بين الجهاديين المناصرين للتنظيم، ما بين موافق لسياسات التنظيم تحت بند السمع والطاعة، وما بين معارض ومخالف لذلك تحت بند سيطرة طهران.
على مستوى برنامج تلغرام التطبيق الأكثر نشاطًا لمناصري التنظيم، انقسم أنصار التنظيم إلى فريقين وكلًا قام بعمل مجموعات خاصة به، ويهاجم كلًا منهم الآخر، وتمايز الطرفين، خلال الأيام الماضية، يعتمد الطرف المعارض للتقارب مع إيران على تصريحات وكتابات أبو محمد المقدسي، بينما يسعى الطرف الآخر الموافق لسياسات سيف العدل لإظهار المخالفين بصورة المتأثرين برواية الإعلام والمخابرات -بحسب وصفهم-، وقد عجزوا عن تخوينهم لأن الأسماء المعارضة بارزة كبيرة ومعروفة في الساحة الجهادية، مما دفعهم للحديث أنهم وقعوا بتصديق روايات الإعلام المخابراتية.
يتحدث عنصر جهادي -شاب التحق بتنظيم القاعدة عن قريب- لـ”أخبار الآن” قائلًا: إن جلسات عناصر شباب التنظيم في اليمن لا تتوقف عن مناقشة قضية التقارب والتخادم مع مليشيا الحوثي، بينما يحاول أمراء ومسؤلي المجموعات داخل التنظيم منع أي نقاشات كهذه.
وأضاف قائلًا: إن المتعصبين للقيادة من الشرعيون والقادة داخل التنظيم يبررون أنه لا تخادم مع الحوثي إنما هو تجميد للمعركة، لأن هناك عدو صائل في الجنوب. وعلق قائلاً: لم يعد مثل هذه الأعذار تكفي ولم تعد مقنعة لذلك تركت التنظيم أنا ومن معي.
يفيد مصدر صومالي جهادي أن ثمة خلافات حادة داخل جماعة الشباب عن التعاون الدائر بين جماعة الشباب ومليشيا الحوثي، وقد قال مُعلقلًا على ذلك لـ”أخبار الآن”: مع التكتم الشديد على الخلافات الداخلية في جماعة الشباب تجاه التحالف مع ميليشيا الحوثي، إلا أن الخلافات تبدو أكثر حِدة، ولا أستبعد أن يكون هناك صراعًا عسكريًا أو إنشقاق عن الجماعة، وبحسب مصادر خاصة لـ”أخبار الآن” مجموعة من القادة الشرعيون داخل جماعة الشباب أبلغوا قيادة الجماعة برفض التحالف مع ميليشيا الحوثي جملةً وتفصيلًا.
الخلاصة
بينما يحاول تنظيم القاعدة في اليمن إخفاء قدر الممكن التعاون مع مليشيا الحوثي عن عناصر وأنصار التنظيم، بينما يتمدد ذلك التعاون من طهران إلى اليمن ومن اليمن إلى الصومال، بحسب جهاديون قريبًا يدخل الطيران المسير ساحة الحرب الصوماليّة وإن حاولت جماعة الشباب إخفاء ذلك، وحينها ستكون قيادة جماعة الشباب قد خلقت العديد من الأعذار.
هل نرى صراعًا عسكريًا داخل جماعة الشباب إنعكاسًا لرفض قادة بارزون التحالف مع مليشيا الحوثي جملةً وتفصيلًا؟ أم أن سيطرة القيادة تقطع الطريق كما فعلت قيادة التنظيم في اليمن وفرضت القرار والسلاح والمال بأيدي أجناح سيف العدل.
يتحول تنظيم القاعدة بأفرعهِ في اليمن والصومال إلى أذرع إيرانية في المنطقة من خلال سيف العدل ونفوذه في التنظيم، تستغل ذلك مليشيا الحوثي في الإستفادة من فرعي التنظيم في اليمن والصومال.
يحاول البخيتي القيادي البارز في جماعة الحوثي، عضو المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله” مغازلة التنظيم إعلاميًا، كاشفًا عن التحالف العسكري بين التنظيم والمليشيا من خلال إسقاط الطيران المتخصص باستهداف قادة ومعسكرات تنظيم القاعدة في مأرب، معلنًا تضامنهم مع تنظيم القاعدة.