هل نستطيع أن نتخيل حياة دون شمس ؟ أمر صعب للغاية، ولكنه ليس مستحيلًا، خاصة أن علماء الفلك والفيزياء الفلكية أكدوا أن للشمس فترة حياة بلغت منتصفها تقريبًا، وأنه قد قرب العد التنازلي لنصف حياتها الثاني والأخير، وبعدها ستغرب للأبد ويعم الظلام، وتحدث الكارثة، وهذا الكلام حقيقة علمية متفق عليه وحتى تجنب هذه اللحظة دعونا نتخيل ماذا سيحدث؟، وهو ما تم في فيلم الخيال العلمي البريطاني “SUNSHINE” الذي تم عرضه مؤخرًا، وتدور أحداثه حول مجموعة من العلماء ورواد الفضاء بمحاولة لإنقاذ الشمس من غروبها الأبدي وموتها المحقق، عن طريق طرح قضية انتهاء عمر الشمس للنقاش والجدل بين عامة الناس، فقد جسد بطلا الفيلم “روز بارين” و”سيليان ميرفي” ومن معهما من مساعدين، دور طاقم من رواد الفضاء البواسل الذين ذهبوا إلى الفضاء لإنقاذ الشمس من غيابها الأخير، ومع عبقرية في الإخراج السينمائي مثل “داني بويل”، صور الفيلم ببراعة فائقة للقدر المحتوم للشمس، وصور أيضًا ما سيحدث لكوكبنا بعد موت نجم حياته الذي يمنح الضوء والدفء والحياة لكل ساكنيه.
قال د. بيير ماكستد أستاذ الفيزياء الفلكية بجامعة كيل البريطانية: إنهم متأكدون من صحة افتراضاتهم العلمية بشأن نهاية الشمس؛ لأنهم يتابعون وبدقة متناهية – منذ أكثر من 20 عامًا دورة عمل الشمس وحياتها والتغييرات التي تطرأ عليها، وتوصلوا إلى أن دورة حياتها تبدأ في الانتهاء عندما ينفد الهيدروجين الموجود بداخلها، وهذا لن يحدث قبل 6 أو 7 مليارات سنة على الأقل، وكل ما سيبقى من الشمس سديم كوكبي جميل يصدر عنه ضوء أبيض خافت، لا يقوى على الوصول للأرض.
وتبعد الشمس عن مركز مجرة درب التبانة حوالي 30 ألف سنة ضوئية، وتدور حول مركز المجرة كل 250 مليون سنة تقريبًا، وتتكون الشمس مثل باقي النجوم من الهيدروجين كمكون أساسي يمثل 92%، وخلال عملية إنتاج الطاقة تتحول ذرة الهيدروجين إلى الهليوم والذي يمثل 7.8% من مكونات الشمس، والباقي عناصر أخرى مثل الأكسجين الذي يمثل 0.6% والكربون والكبريت والنيتروجين، وتقدر كتلة الشمس بحوالي 333 ألف مرة ضعف كتلة الأرض، للحفاظ على النظام الشمسي بالكامل، وتبعد عن الأرض حوالي 150 مليون كيلو متر، وتبعد عن أقرب نجم لها مسافة 4.3 سنة ضوئية، وتبلغ درجة حرارة مركز الشمس 14 مليون درجة مئوية، وعلى سطحها تبلغ الحرارة حوالي 5.500 درجة مئوية، وتزداد درجة حرارتها بنسبة 10% كل مليار سنة، وذلك بسبب نشاط التفاعلات النووية في مركزها.
وتقدر الأشعة أو الطاقة الشمسية المتولدة عنها بنحو 390 مليار ميجا واط، وتفتقد من أشعتها حوالي عشرة ملايين طن كل ثانية، كما تفقد من مادتها 600 مليون طن كل ثانية، وذلك بسبب التفاعلات النووية التي تحدث في مركزها.
بداية النهاية
مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الشمس ستتأثر المجموعة الشمسية بأكملها بما فيها الأرض، كما سيقل الهيدروجين الموجود في لبها، وهذا معناه بداية خلل سيحدث في الحياة على الأرض، كما سينفذ الوقود النووي وتتوقف التفاعلات التي تحدث بداخلها، مما يؤدي أيضًا إلى توقف الإشعاعات والانفجارات التي تحدث على سطحها، لتكون النتيجة وقوع خلل كبير في توازن الطاقة الموجودة في الكون.
بعد مرور هذه الفترة سيكون اتساع الطبقة الخارجية للشمس قد وصل لأقصاه، وستكون درجة حرارة الشمس قد وصلت هي الأخرى لذروتها، وبعدها مباشرة ستبدأ مرحلة الزوال وتقل درجة حرارة طبقتها الخارجية، وسيتحول شكلها إلى لون أحمر باهت، وهذا سبب إشارة علماء الفلك في الكثير من دراستهم إلى الشمس والنجوم التي من نوعها، على أنها عملاق أحمر، ويقول سيمون جيفري بمرصد “أرما” بإيرلندا الشمالية: إن سبب تحول لون الشمس إلى الأحمر، هو أن الغاز الموجود بها سيصبح أقل بآلاف المرات من معدله الطبيعي الذي كان عليه من قبل.
مصير الكواكب
وقال بيير ماكستد خبير الفلك بجامعة “كيل” البريطانية: إنه بعد 7.6 مليارات سنة سوف تبتلع الشمس بعض الكواكب الموجودة في نظامها، وأول كوكب ستبتلعه هو عطارد يليه فينوس، كما ستتحول أقمار كوكب المشتري الغنية بالماء إلى شهب كبيرة تتناثر في الفضاء، وسيتناثر كذلك ماؤها في الفضاء ويبقى ملايين السنين عالقًا في الكون. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة نفاذ غاز الهليوم الموجود بالشمس لتدخل مرحلة ثانية من الخفوت، وتصبح في حجم كرة مكونة من الكربون والأكسجين حرارتها، لا تزيد على 2000 درجة، وغير قادرة على الوصول بضوئها إلى الأرض، وبفعل نبضات النشاط النووي ستهوى لتضعف لتلاشي هذه الكرة، وتعود غازًا وغبارًا كما كان الحال قبل نشأتها، وبعدها يسود ظلام تام كافة ما تبقى من كواكبها.
الانفجارات الشمسية
والانفجارات هي ظاهرة تتكرر باستمرار خلال دورة نشاط تتكرر كل 11 سنة، وتحدث عندما تزيد الطاقة المغناطيسية وتتحرر فجأة فينبعث عنها ضوء أبيض شديد التوهج، وقد تم رصد هذه الانفجارات لأول مرة في سبتمبر عام 1859 على يد عالم الفلك البريطاني “ريتشارد كارلجتون”، عندما كان يتابع البقع الشمسية ولاحظ ظهورًا مفاجئًا لضوء أبيض باهر، ويطلق الانفجار الشمسي الغازات المشحونة كهربائيًا في اتجاه الأرض بسرعة ثلاثة ملايين كيلو متر، ويخترق بعضها الغلاف الجوي المعروف بطبقة “الأيونوسفير”، وتحدث هذه الانفجارات اضطرابات في الحالة الأيونية التي تعمل على حفظ المجال المغناطيسي للأرض، مما يؤثر على الاتصالات اللاسلكية على الأرض والتي تعتمد على الموجات الكهرومغناطيسية.