أخبار الآن | دمشق – سوريا – (خاص)
تنتشر اليوم ظاهرةً جديدة على الحواجز الأمنية في مدينة دمشق، وهي ظاهرة "السُخرة"، لتزيد من مخاطر خروج السوريين إلى الشوارع و خاصّةً من هم من أبناء المحافظات المحرّرة.
حيث يقوم عناصر الأمن على الحاجز بإيقاف الشباب، وأخذ هويّاتهم لتجنيدهم في أعمال شاقة طوال اليوم كبناء الحواجز الاسمنتية أو مهام تنظيف من دون أي مقابل، ثمّ يعيدون الهويات لأصحابها مع نهاية اليوم ليعودوا إلى منازلهم.
الشاب هيثم من دير الزور يقول: "إما أنهم يريدون إذلالنا, أو أنهم يعانون من نقصٍ في العناصر"، ويضيف هيثم قائلاً أنه عندما أخذوا هويته وأوقفوه على الحائط مع كثير من الشباب ظنّ أنه مطلوب أمنيا، ولكن بعد أن تكلم معهم الضابط المسؤول ليخبرهم بحقيقة الأمر قائلاً لهم "تساعدونا شوي و تروحوا على بيوتكم آمنين يا شباب"، عندها أحسّ هيثم بالراحة, فعلى الرغم من فكرة الإذلال, إلا أن "العمل كالعبيد أفضل من الاعتقال بقليل" يقول هيثم.
أما أعمال السُخرة في الأفرع الأمنية فقد وجدت مع وجود هذه الأفرع, وبات لقب السُخرة يطلق على شباب معتقلين يُستخدمون في تنظيف الفرع و تقديم وجبات الطعام للمعتقلين الآخرين في زنزانات أخرى وتنظيف الأواني، لا يناديهم أحد بأسمائهم و لا حتى بأرقام, بل بلقبهم (يا سُخرة).
في الفرع (215) أمن عسكري يكون السخرة عادةً من المعتقلين الذين هم من جنسيات عربية أخرى, حيث أمضى هؤلاء أكثر من 25 سنة في المعتقل حتى الآن, فيقومون بأمور التنظيف والطبخ في الفرع, ويسمح لهؤلاء بطبخ مأكولات غريبة عن أجواء الأفرع الأمنية, أي أنهم يستخدمون السمن أو الزيت و البهارات ويصنعون الحلويات أحياناً للضبّاط, والمعروف أنّ مأكولات الفرع هي البطاطا المسلوقة و البرغل والرز المسلوق فقط من دون استخدام أي منكهات, وتقول معتقلة في سجن عدرا تم تحويلها من 215 إلى عدرا, أن سجيناً لبناني الجنسية يبلغ الخمسين من العمر تقريباً, أمضى اكثر من 25 سنة في الأمن العسكري حتى الآن يقوم بالطبخ وتهريب صحن للمعتقلات النساء في الفرع و يقول لهم: "كلوا الله يفك أسركن" وتضيف: "عمّو أبو عمر بيطبخ أطيب أكل اكلته بحياتي". قّدم أبو عمر للمعتقلات على سبيل المثال قطعة من "كريب الشوكولا"!! وأخبرهم أنه سيخرج يوما ما و أراد أن يتعلم شيئاً يقوم به عندما يخرج و هو يظن بأنه أصبح الآن شيف طبخ محترف, وأنهم قد بدأوا يسمحون له بالقيام بذلك منذ أربع سنوات.
وأعمال السخرة لم تتوقف على الرجال في سوريا فقط بل شملت النساء المعتقلات ايضاً, حيث يقوم رجال الأمن باستخدام النساء المعتقلات من اللاتي أمضين فترة طويلة في الفرع, ففي الفرع 227 و يسمى فرع المنطقة تقوم المعتقلات بشطف الفرع وتنظيف المكاتب ليحصلن على وجبة طعام إضافية لتصبح وجبتها مشبعة أكثر من الأخريات, فبدلاً من نصف رغيف يسمح لهنّ برغيف كامل و صحن كامل من البرغل.
يظن الكثيرون بأن ظاهرة السُخرة جديدة في سوريا في ظل حكم الأسد, إلا أنها موجودة منذ وجود النظام ولكنها كانت تطبّق على نطاقٍ أضيق، والعساكر الذين كانوا يفرزون لخدمة ضابط بدلاً من الخدمة العسكرية خير مثال, ينظفون منزل الضابط ويلبّون احتياجات زوجته وأولاده ويقومون بحراستهم، ويعمل العسكري سائقاً للعائلة، مع الإشارة إلى أن أولئك العساكر هم من المدعومين، أي أنهم وصلوا إلى هذا الضابط عن طريق واسطة لتهريبهم من مشاق الخدمة العسكرية في سوريا.
وهكذا يواصل النظام السوري تطبيق كافة سبل القمع على الشعب, بأساليبٍ يحاول أن يبدو فيها بمظهر الكريم والمتسامح, كأن يصدر رئيس النظام عفواً يخرج به الأبرياء من المعتقلات, أو أن يسمح لمعتقل أمضى نصف عمره في المعتقل بالطبخ للضباط, أو أن يأخذ الناس للعمل دون مقابل و يعيدهم مساءً دون اعتقال.