أخبار الآن | دبي -الإمارات العربية المتحدة
سنوات سوداء مرت أشبه ما تكون تلك برايات الإرهاب، حملت بين جنباتها قصصا ما كان لعاقل التخيل أنه سيقرأ أو يرى أو يسمع بمثلها، حتى في أشد مخيلات الكتّاب قبحا، مثال ذلك تجربة سيدة فرنسية نستعرضها لكم في هذا الموضوع.
تروي السيدة الفرنسية لو نوفا، قصة كفاحها خلال ست سنوات من أجل إنقاذ ابنتها التي مالت إلى التطرف وعمرها 12 عاما، بعد غسل دماغها بالأفكار المتشددة. شهادة أم مؤثرة، تسلط الضوء على ظاهرة تطرف الشباب، التي صارت "قضية الجميع" اليوم في فرنسا.
تقول السيدة "الكتابة كانت بمثابة علاج بالنسبة لي، مكنني من إعادة تسلسل الأحداث في السنوات الأخيرة مع مسافة عنها". بهذه العبارات التي تحمل الكثير من الحزن والإصرار تتحدث لو نوفا عن تجربتها المؤلمة. وفقا لموقع "france24".
اعترافات لأم فرنسية، "سرقت" الأفكار المتطرفة ابنتها شارلوت أو أمينة كما صارت تسمى اليوم، نحو مجتمع "راديكالي" في أحد ضواحي العاصمة البريطانية لندن حيث تعيش مع زوج يؤمن بأفكار متشددة ومتعدد الزوجات.
"تطرف غير عنيف وغير معروف في المجتمع الفرنسي" تقول لو نوفا.
رواية مؤثرة للغاية تبدأ بقصة عائلية عادية. طفولة في بيئة ثرية، شارلوت، تلميذة ناجحة تحب المدرسة، المطالعة، الرسم، كرة السلة، والاستماع إلى أغاني فرقة الروك الفرنسية "ديونيسوس".
لا شيء كان يوحي أو يهيئ هذه الشابة للوقوع في ظلمات التطرف. عام 2011، سلسلة من الأحداث جاءت لتسرع انعطاف شارلوت نحو التطرف مع حبها الأول، كريم، شاب ذو علاقات مشبوهة. وأب عاطل عن العمل يعاني من انهيار عصبي، لا يكف عن توبيخها.
عبور نحو الأصولية
من أجل استعادة حب كريم، تقربت شارلوت من شقيقته نورة ورافقتها. كثيرا ما كانت تفر إلى بيتها حيث تستمتع ببيئة "العيش فيها جميلا". بدأت شارلوت تتعرف أكثر فأكثر على الإسلام، وبعدها المداومة على الصلاة في المسجد.
كما وجد القرآن مكانا على رفوف خزانتها بين كتبها المدرسية. تغيرات في شخصية الشابة لمحتها الأم، لكن من دون أن يثير ذلك قلقا لديها. خلال الست سنوات المقبلة، سيجر بشارلوت نحو التطرف والأصولية.
تحفظ "لو نوفا" من هذه التجربة عدة مؤشرات إنذار: التسرب المدرسي كان في الدرجة الأولى. "عندما يسقط التعليم أمام الإيديولوجية المتطرفة، من الصعب الكفاح ضده"، تقول لو نوفا، مؤكدة بأنها "فعلت كل شيء من أجل أن لا تترك ابنتها المدرسة". لتضيف "كان ضروري بالنسبة إلي أن أبقيها على صلة بالمجتمع".
إقرأ: أسيرة ايزيدية لدى داعش..أحداث مثيرة وهروب محفوف بالمخاطر
العشرات من الجلابيب مخبأة في خزانة
المؤشر الثاني كان الجلباب "اللباس الذي يغطي جسد المرأة من الرأس حتى القدمين" حيث عثرت الأم على العشرات منه مخبأة في خزانة الفتاة. يومها تقول أن "مؤشر الحرارة العاطفي لديها بلغ أشده". وطيلة السنوات التي تلت، حاولت الأم وابنتها "التفاوض" للتوصل لأرضية تفاهم حول هذا اللباس "الدخيل" الذي جاء ليفرض نفسه على العائلة.
تسارعت الأحداث يوم اتصلت إدارة الثانوية التي كانت تدرس شارلوت فيها، بالأم لو، لتبلغها بمشاريع ابنتها للذهاب إلى مصر لمتابعة دروس دينية مركزة. أول ما فعلته الأم يومها كان الاتصال بالرقم الأخضر "Stop Djihadisme"، الذي وضعته السلطات الفرنسية تحت تصرف العائلات التي ترصد أفكارا متطرفة لدى أبناءها.
لتبدأ بعد ذلك إجراءات إدارية لمنعها من الخروج من الأراضي الفرنسية. كما قامت بمصادرة جواز سفر شارلوت التي صنفت ضمن قائمة "إس" للأشخاص الذين يمثلون خطرا محتملا على الأمن العام.
اتصالها بمركز الوقاية من الانحرافات، جعل لو تخرج من عزلتها. "أعطوني عامين لإخراج شارلوت من الذي كانت فيه" تقول هذه الأم التي لم تتوان عن مقابلة شباب متشبعين بأفكار جهادية لتنظيم "داعش" مع ابنتها المراهقة. تقاسمت الاثنتان أوقاتا من الود المتبادل، لكن في الحقيقة كان الوقت قد فات "كلما أظهرت رقة من الخارج، زادت حدة من الداخل" تقول لو.
عبرة ثالثة تستخلصها لو من تجربة ابنتها شارلوت: ابنتي لم تعرف إلا "الإسلام المشوّه" الذي تتربع أفكاره المتطرفة على مواقع التواصل الاجتماعي. خمسة أيام قبل عيد الميلاد في 2016، قالت شارلوت أو أمينة كما تفضل أن ينادى عليها، أنها ستقضي الليلة عند صديقتها.
في اليوم التالي طلبت من والدتها قراءة رسالة تركتها في غرفتها. جاء فيها "إذا قرأت هذه الرسالة، فهذا يعني أنني وصلت إلى بريطانيا". لأنها اختارت أن تعيش حياتها "الجديدة" في لندن مع زوجها الفرنسي الذي يعيش مع زوجتان.
منذ ذلك، ذهبت لو إلى المملكة المتحدة لرؤية ابنتها التي تعيش في منزل "بحي غالبية سكانه من الأصوليين". لم تتمكن من الدخول لبيت شارلوت التي "قابلتها في أحد مطاعم الوجيات السريعة، في قاعة مخصصة للعائلات.
زوجها لم يكن بعيدا". في "هذه الرقة الصغيرة، حيث الاختلاط بين الرجال والنساء ممنوع في الأماكن العامة، تقاسمت الأم ساعة من الزمن مع ابنتها، التي صارت تلبس البرقع الآن "لباس يغطي كامل الجسم حتى الوجه والعينين" والتي يظهر أنها تعاني من حالة جسدية ونفسية حساسة".
شهر سبتمبر/أيلول الماضي، فرض زوج شارلوت عليها أن تقتصر اتصالاتها مع والدتها على المراسلات البريدية، بعد تبادل بعض المكالمات الهاتفية عبر تطبيق واتساب.
تأمل لو أن يتمكن هذا الكتاب-العلاج من تمتين علاقتها بابنتها أكثر بطريقة أو بأخرى.
إقرأ أيضا: جنرال أمريكي: لن أطيع ترامب إذا أمر باستخدام سلاح نووي