أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (متابعات)
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالاً للأكاديمية المتخصصة في الثقافة الإيغورية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، راشيل هاريس، تصف فيه، ما اسمته، أحدث التكتيكات في الحرب الصينية ضد مسلمي الإيغور.
وتبدأ هاريس مقالها: “بدأت أبحث في الإسلام بين إثنية الإيغور قبل عشر سنوات، حيث قضيت عطلي الصيفية متجولة في أنحاء إقليم سنجان، في غرب الصين، وقمت بعدة سفرات طويلة عبر الصحراء للوصول إلى كاشغر وياركند وكوتشا، ونمت على أسرة مبنية من الطوب في بيوت عائلات في قرى نائية، وتوقفت عند مزارات صوفية، وزرت عددا كبيرا من المساجد، وكان زوجي يعمل معي، وكنا نأخذ أطفالنا معنا في تلك الرحلات، كان أطفالنا صغارا، ولم يكون لديهم اهتمام بالمقابلات التي نجريها مع الأئمة وكنت أغريهم بالهدايا، ولدي صور كثيرة لهم يجلسون في الشوارع الترابية خارج المساجد، والبوظة على وجوههم ويلعبون في أجهزة الآيباد”.
وتضيف الكاتبة: “كانت مرحلة مهمة لبناء المساجد في إقليم سنجان، فبعد الثورة الثقافية، بدأ المسلمون الإيغور والكازاخ بالعودة للارتباط بدينهم، وعادوا للذهاب للحج والاحتفال بالمناسبات في المزارات التي تقع عميقا في صحراء تكلامكان، وبدأوا يتعلمون عن الإسلام في العالم، ومن استطاع منهم سافر إلى مكة للحج، وبدأوا بإعادة بناء مساجدهم، ومع ازدهار المجتمعات المحلية بدأوا ببناء مساجد أكبر وأجمل، وتجمع فيها الناس لصلاة الجمعة، وأصبحت رمزا لهوية المجتمع وفخره”.
وتتابع هاريس قائلة: “ذكرتني بهذا كله صورة نشرت على (تويتر) الأسبوع الماضي، شون جانغ الذي قام بعمل ريادي في كشفه عن وجود شبكة من معسكرات الاعتقال للمسلمين في إقليم سنجان قام بنشر صور أقمار صناعية (قبل وبعد) لمسجد قرية (مسجد تاريخي في بلدة اسمها قرية) في منطقة هوتان الجنوبية، ويعتقد ان هذا الصرح المعماري الشامخ يعود تاريخه إلى 1237، تم ترميمه في ثمانينيات القرن الماضي ثم في تسعينيات القرن الماضي، وتم تصويره يوم العيد في 2016، حيث يخرج منه آلاف المصلين على الشوارع، وبحلول عام 2018 أصبح المكان الذي كان يقف فيه المسجد قطعة أرض ممسوحة”.
وتشير الكاتبة إلى أن “المراقبين وصفوا أفعال الصين في إقليم سنجان بأنها أفعال (دولة الجرافات)، وهو وصف صريح لما يتم من تدمير وتغيير لمعالم المنطقة وشعبها، وكانت المساجد مثل المسجد في قرية من أوائل الأهداف للحملة ضد (التطرف الديني)، وقام صحافي بزيارة المنطقة الشرقية (قمول) في 2017، وعلم من المسؤولين المحليين بأن أكثر من 200 مسجد من أصل 800 مسجد في المنطقة تم تدميرها، وأن 500 أخرى سيتم تدميرها عام 2018، ويقول السكان المحليون بأن مساجدهم تختفي بين ليلة وضحاها، حيث يتم تجريفها دون إنذار”.
وتفيد الباحثة بأن “المساجد ليست هي الأهداف الوحيدة، بل إن هناك مدنا كاملة تتم إعادة تصميمها لتسهيل أكبر قدر من الأمن ومراقبة السكان المحليين، وتم هدم مواقع ذات قيمة معمارية عالية، مثل مدينة كاشغر التاريخية، وأعيد بناؤها لمناسبة احتياجات ما تدعي الحكومة أنها صناعة سياحة رائجة في إقليم سنجان”.
وتلفت هاريس إلى أنه “لا يتم تدمير البنايات التراثية فقط، بل إن الجرافات تعمل على هدم المجتمعات المحلية وثقافة الناس وحياتهم، فالممارسات الدينية اليومية أصبحت تقريبا محظورة في سنجان، وابتلي الناس بتكنولوجيا التجسس -من حواجز وبرمجيات التعرف على الوجه وماسحات أجهزة التلفون الخلوي- بالإضافة إلى زيارات البيوت للتعرف على الأشخاص (المعرضين للتطرف)، وهناك قائمة رسمية بمؤشرات التطرف، وتتضمن أشياء مثل رفض الشخص للسجائر والكحول وعدم مشاهدة التلفاز والاتصال بالناس في الخارج.”
وتنوه الكاتبة إلى أن “الأشخاص الذين يحددون بأن لديهم قابلية للتطرف يرسلون إلى أحد معسكرات الاعتقال الكثيرة، التي تم بناؤها في أنحاء الإقليم على مدى السنوات الأخيرة، ويحاط نظام معسكرات الاعتقال هذه بجدار من السرية، لكن الباحثين جمعوا أدلة كثيرة بأن المعسكرات تحتوي على أكثر من مليون من المسلمين الإيغور والكازاخ، ويخضع السجناء لنظام مرهق من الدراسة ونقد الذات، ويتعرضون لوحشية وتعذيب منهجيين”.
وتقول هاريس: “نعلم عن هذا بسبب العديد من الأفعال الشجاعة التي يقوم بها أفراد من الإيغور والكازاخ في الخارج، الذين اختاروا أن يرفعوا صوتهم بالرغم من خوفهم الحقيقي على أقاربهم الذين يعيشون هناك، والذين قد يتعرضون للعقوبة، وتطبق الحكومة الصينية حملة دعاية لإقناع المجتمع الدولي بأن المعسكرات هي (مراكز تدريب مهني)، ضرورية لاقتلاع العنف المتطرف وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، ولأني رأيت العديد من زملائي وأصدقائي الإيغور يختفون في تلك المعسكرات”.
وتعلق الكاتبة قائلة: “فإني أجد تلك الرواية مهينة، ويتضمن المعتقلون أكاديميين ومغنين وكوميديين وشعراء: أشخاص -مثل المساجد التي تم تجريفها- يمثلون رموزا للهوية الإيغورية. والقيام بنزع هذه النخبة الثقافية من المجتمع -كما يشير زملائي في أوروبا الشرقية- يعيد للذاكرة الإرهاب الستاليني في ثلاثينيات القرن الماضي”.
وتقول هاريس: “كما يمكننا أن نرى هذا الاستهداف للثقافة والهوية بالقيود المفروضة على استخدام اللغة الإيغورية، والدروس المفروضة لتعلم اللغة الصينية، وتشجيع الزواج عبر الإثنيات، وتحريك الإيغور لإثبات وطنيتهم بالاحتفال بالأعياد الصينية وأداء أغان ثورية، وهذا ليس رد فعل للتطرف العنيف، لكنه جهد منظم لتفريغ ثقافة كاملة، وترويع شعب كامل، وتستخدم الحكومة الصينية الحرب التي يشنها الغرب ضد الإرهاب على مستوى العالم لتبرير أفعالها، ولذلك فإنه من المخيب للأمل أن يكون أعلى الناس صوتا في نقدهم لسياسة الصين في سنجان من اليمين الأمريكي الذي يسعى لتحقيق أجنداته، نحتاج لمزيد من أصوات اليسار حول هذه القضية، بوضع القمع الذي يتعرض له مسلمو سنجان في السياق الأوسع للإسلاموفوبيا العالمية”.
وتشير الباحثة إلى أن “الدول الإسلامية، وكثير منها مدين للصين ومبادرة الحزام والطريق، فشلت في شجب ما تقوم به الصين، أو أنها شجعت على ما تفعله في إقليم سنجان، لكن سجل الدول الغربية ليس بأفضل، فكما رأينا إيطاليا تدعم مبادرة الحزام والطريق، ويجب أن تحاسب الشركات والمؤسسات التي تتحدث فقط عن حقوق الإنسان، إن هي اختارت التعامل مع منتجات وتكنولوجيات ومبادرات تعمل على تمكين ما يحدث في سنجان”.
وتختم هاريس مقالها بالقول: “نحن مدينون للناس الشجعان الذين يرفعون أصواتهم في وجه المضايقات المباشرة من قوات الأمن الصينية لإبقاء هذه القضية ثابتة على الأجندة الدولية”.