أخبار الآن | باريس – فرنسا (يورونيوز)
تشهد فرنسا انطلاق محاكمة تاريخية في واحدة من أكبر فضائح الرعاية الصحية في البلاد بخصوص حبوب إنقاص الوزن التي تسببت في مقتل ما يصل إلى 2000 شخص إصابة عديد الأشخاص بأمراض مدى الحياة. ويتابع مختبر “سرفييه” بتهمة القتل الخطأ والخداع حيث تسعى المحاكمة إلى كشف النقاب عن كواليس صناعة الأدوية في فرنسا.
“سرفييه” أحد أكبر وأقوى المختبرات الخاصة في فرنسا، متهم بالتستر على الآثار الجانبية القاتلة لعقار موصوف على نطاق واسع يسمى “ميدياتور”، كما تتهم الوكالة الفرنسية لمراقبة الأدوية بالتساهل وعدم التصرف لمنع حدوث وفيات وإصابات في صفوف المرضى والمواطنين. وكانت دواء “ميدياتور” وهي حبوب إحدى مشتقات الأمفيتامين التي تم توصيفها لمرضى السكري الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة المفرطة، وكانت توصف في كثير من الأحيان كمثبط للشهية لنساء بصحة جيدة على أمل تخسيس وزنهن أو تجنب زيادته.
وعلى ما يبدو فقد تمّ توصيف الدواء لحوالي 5 ملايين شخص منذ العام 1975 وإلى غاية العام 2009 بالرغم من الاشتباه في أن الدواء يتسبب في القصور القلبي والرئوي. وزارة الصحة الفرنسية اكتشفت أن 500 شخص لقوا حتفهم بسبب مشاكل في صمام القلب بسبب التعرض للمكون النشط للدواء، ولكن الأطباء قدروا عدد الوفيات بأكثر من 2000 ضحية، في حين يعيش الآلاف حالات مرضية بسبب الدواء. بعض السيدات اللائي بدأن تعاطي الدواء وهنّ في صحة جيدة، أكدن أنهن غير قادرات على صعود السلالم وأنهن يعانين من مشاكل مستديمة على مستوى القلب والأوعية الدموية تحدّ من نشاط حياتهن اليومية. هذا الأمر دفع مختبر “سرفييه” إلى دفع حوالي 132 مليون يورو كتعويض.
ويسعى القضاء إلى تحديد سبب تداول الدواء في الأسواق لفترة طويلة في فرنسا، وفي هذا الشأن يرى المحامون أنّ مختبر “سرفييه” قام بتضليل المرضى بشكل عمدي لعقود من الزمن، وذلك بمساعدة السلطات التي لم تحذر المواطنين. ويتهم القضاء شركة صناعة الأدوية بتحقيق أرباح لا تقل عن مليار يورو، بينما كانت تدرك جيدا مخاطر الدواء. كما تحاكم الوكالة الفرنسية لمراقبة الأدوية بتهمة عدم اتخاذ خطوات كافية لفحص الدواء حيث يرى القضاء أنها لم تكن فعالة للتصرف في الوقت المناسب بشكل يجعلها متواطئة مع شركة “سرفييه”. وأوضحت هيئة الرقابة أنها ستتعاون مع القضاء وستلتزم بقواعد أخلاقية أكثر صرامة.
وفي العام 2007 دقت إيرين فراشون، وهي مختصة في أمراض الرئة والتنفس بأحد مستشفيات منطقة بروتاني، ناقوس الخطر بعد تقييم سجلات المرضى حيث حذرت من وجود صلة بين دواء “ميدياتور” والأضرار الخطيرة على مستوى القلب والرئة. وعن المحاكمة قالت فراشون: “المحاكمة تعد ارتياحا كبيرا، أخيرا سنشهد نهاية فضيحة لا تطاق لهذا الدواء الذي هو سمّ في الواقع”. يذكر أن السلطات الفرنسية لم تقم بسحب دواء “ميدياتور” من الأسواق إلا في العام 2009، أي بعد عامين من دقّ ناقوس الخطر من قبل الطبيبة فراشون وبعد سنوات من سحبه في اسبانيا وإيطاليا. للعلم أن الدواء لم يسمح بتسويقه في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
في لائحة الاتهام الفرنسية المؤلفة من 677 صفحة، أشار القضاة إلى أن مختبر “سرفييه” أخفى عن عمد الخصائص الحقيقية للدواء منذ سبعينيات القرن الماضي وأخفى دراسات طبية تنتقد الدواء، وارتكب عملية احتيال طويلة الأمد.
هذه الفضيحة أسالت الكثير من الحبر لأكثر من عقد من الزمن، وقد أثارت جدلا سياسيا حول عملية تنظيم الأدوية وقوة الضغط التي تمارسها شركات صناعة الأدوية في فرنسا، والتي تتمتع بأعلى مستويات استهلاك العقاقير الطبية في أوروبا.
وستستغرق هذه المحاكمة الواسعة، والتي تضم 21 متهما وأكثر من 2600 ضحية، ستة أشهر وستكون واحدة من أطول القضايا في باريس منذ عقود. وتمّ تشبيه الإطار الزمني لهذه القضية بمحاكمة رئيس الشرطة الفرنسي السابق، موريس بابون في العام 1997، والذي أدين لدوره في إرسال 1700 يهودي إلى معسكرات الموت النازية بين عامي 1942 و1944.
واستغرق الأمر أكثر من 10 سنوات لرفع القضية أمام المحكمة، وقد أشار شارل جوزيف أودين، محامي 250 ضحية إلى أن بداية المحاكمة انتصار في حد ذاته للضحايا. وقال مختبر “سرفييه” إنه لم يكذب بشأن آثار العلاج ويأمل أن إثبات أنه لم يتعارض مع مصالح المرضى.
مصدر الصورة: أ ف ب
إقرأ أيضا: