أخبار الآن | أستراليا (ABC NEWS)
لا ريب أنّ قضايا البيئة والتغيّرات المناخية تشكّل هاجساً بالنسبة للكثير من الحكومات والمنظمات الدولية، لا سيّما أنها ترتبط بشكل مباشر مع مصير الكوكب الذي نعيش عليه، لتطل على العالم مخاوف جديدة تتعلق بالانبعاثات الصادرة عن الصين جرّاء صعودها الصناعي، الأمر الذي يشكّل وفق الخبراء، أحد أخطر التحديات الأمنية التي سيشهدها العالم خلال هذا القرن.
“ريتشارد سميث”، وهو مؤلف وخبير في التاريخ والاقتصاد الصيني كتب في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية: “انبعاثات الصين المتزايدة – التي تشكل ما يقرب من ثلث الإجمالي العالمي – تشكل أكبر تهديد منفرد للحياة على الأرض”.
انبعاثات الصين المتزايدة تشكل أكبر تهديد منفرد للحياة على الأرض
وأضاف: “الأمر الخطير بشكل فريد في الحالة الصينية، هو أن انبعاثاتها تتزايد بسرعة كبيرة لدرجة أن العلماء يخبروننا أنّ بإمكانهم في النهاية القضاء على المناخ بمفردهم بغض النظر عما يفعله بقية العالم”. واعتبر أنّ السيناريو الأكثر تفاؤلاً سيفضي إلى أن الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، ستظل توفر ما لا يقل عن ثلثي الكهرباء في الصين حتى أواخر عام 2050، وفي ذلك الوقت سيكون الوقت قد فات.”
وتعهّدت الصين مؤخرًا بأن توقف انبعاثات الكربون بحلول عام 2060، لكن النطاق الهائل للبلاد يجعل هذا الأمر صعبًا للغاية، فالصين هي أكبر مصدر لانبعاث ثاني أكسيد الكربون في العالم – أحد الغازات المسببة للاحتباس الحراري – وهي أيضًا أكبر مستهلك ومستثمر في العالم في مجال الطاقة المتجددة. ومع ذلك، فإن قدرتها على الطاقة المتجددة ليست قريبة من المستويات التي قد تسمح للصين بالتخلص من الوقود الأحفوري وتحقيق أهداف النمو الاقتصادي لـ الحزب الشيوعي الصيني على المدى القصير.
قلق الحزب الشيوعي الصيني
موقع ABC NEWS نقل عن خبراء قولهم إنّ “الإحتباس الحراري ستكون له آثار عميقة على الأمن العالمي، إذ أنّ تقلّب أنماط الطقس والموارد النادرة بشكل متزايد يمكن أن تؤدّي إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية”.
وبشكل عام وبالنظر إلى المناخ السياسي في الصين، فإنّه يمكن أن تكون للقضايا البيئية أيضاً تأثيرات عميقة على استقرار الحكم الاستبدادي لـ”الحزب الشيوعي الصيني”، وهذا أمر تدركه بكين جيّداً.
“جونا نيمان”، وهي خبيرة في السياسة الدولية للطاقة والمناخ في جامعة “شيفيلد” بالمملكة المتحدة، قالت لـABC NEWS: “هناك افتراض أن الصين لا تفهم أن تلوثها يمثل مشكلة، إلا أنني اعتقد أن قادة الحزب الشيوعي الصيني على دراية بجميع القضايا المحيطة بالتغير المناخي وأكثر وعيًا من معظم القادة الغربيين حول تلك القضية”. وأضافت: “القضية هي حجم المشكلة التي يواجهونها بالفعل، وهي ضخمة.. أتوقع أن قادة الحزب الشيوعي الصيني يبقون مستيقظين في الليل بسبب التفكير في تلك المعضلة.”
فعلى سبيل المثال، اعتبر سميث أنّ قضايا البيئة وما يرتبط بها من مشاكل، يمكن أن تضيف مزيدًا من التوتر في المناطق التي يُنظر فيها إلى بكين بعين الريبة، بما في ذلك التبت وشينجيانغ ومنغوليا الداخلية، وقال: “في شينجيانغ، أدى استخراج الموارد الطبيعية، وأعمال المناجم والتنقيب عن النفط ومصانع تحويل الفحم إلى مواد كيميائية إلى جعل التلوث في ذلك الإقليم أسوأ منه في بكين”. وأضاف: “السكان المحليون ليسوا سعداء بذلك وليسوا راضين عن تدمير مساجدهم ومساكنهم الحضرية، لكن الاحتجاج العلني ممنوع”، نتيجة لقمع الحزب الشيوعي الصيني.
وقدّر تقرير حديث أن حوالي 16 ألف مسجد تم تدميره في إقليم شينجيانغ وهو الأمر الذي تنفيه بكين بشدة.
المناخ والانقسامات الاقتصادية والاجتماعية
ولفت تقرير ABC NEWS إلى أنّ التغيرات المناخية قد تأثر على النظام البيئي المتنوع في الصين، من خلال زيادة وضوح الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية. فعلى سبيل المثال، قد يتعرض سهل شمال الصين الشاسع – وهي منطقة ذات أعلى كثافة سكانية على وجه الأرض – لمثل هذه الحرارة الشديدة بحلول النصف الأخير من هذا القرن، مما يجعل المنطقة غير صالحة للسكن إذا استمرت الانبعاثات بلا هوادة.
يضاف إلى ما سبق، أن جبالاً في منطقة الهيمالايا، يُتوقع أن تذوب حوالي “ثلث” أنهارها الجليدية حتى لو حافظ العالم على متوسط درجات الحرارة من الارتفاع فوق 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100.
وإذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار درجتين، فإن “ثلثي” تلك الجبال ستذوب، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث فيضانات هائلة وبالتالي شلل المواسم الزراعية التي يقتات عليها مئات الملايين.
في غضون ذلك، أشارت الأبحاث الحديثة التي أجرتها مؤسسة “المناخ المركزية غير الربحية”، إلى أنّ ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى انخفاض المدن الساحلية في الصين عن مستويات المد والجزر بحلول عام 2050 أكثر مما كان متوقعًا في السابق، حتى لو تم تقليل الانبعاثات بشكل معتدل.
ووفقًا لنشرة الكوارث البحرية الصينية، ارتفع مستوى سطح البحر الساحلي في الصين بوتيرة متسارعة في السنوات الأربعين الماضية. فمن عام 1980 إلى عام 2019 ، ارتفع مستوى سطح البحر الساحلي في الصين بمعدل 3.4 ملم في السنة، وهو أعلى من المتوسط العالمي لنفس الفترة.
ندرة المياه
على المدى القصير، يمكن القول إن إحدى أكثر القضايا إلحاحاً بالنسبة للصين هي ندرة المياه. فذلك البلد الذي يعد موطنًا لـ 20 في المائة من سكان العالم، لا يمكنه الوصول إلا إلى 7 في المائة فقط من المياه العذبة في العالم.
يضاف إلى ما سبق أن نحو 80 في المائة من المياه الموجودة في الصين تتركز في مناطقها الجنوبية، في حين أن شمال الصين، الذي يضم 64 في المائة من الأراضي الزراعية وأكثر من 696 مليون شخص، يعاني من إجهاد مائي حاد (حيث ينخفض إجمالي استهلاك المياه – بما في ذلك الزراعة والصناعة ومياه الشرب – إلى أقل من 500 متر مكعب للفرد سنويًا).
ولتخفيف هذا الضغط، بنت بكين القناة الجنوبية الشمالية التي تنقل مياه الشرب على مسافة 1500 كيلومتر من جنوب الصين إلى بكين. ومع ذلك، فإن الحجم الهائل لاستهلاك المياه في الصين يعني أن البنية التحتية مثل القناة ليست الحل السحري لحل مشاكل المياه في البلاد. ففي عام 2017، أظهرت الإحصاءات الحكومية أن الزراعة والصناعة – التي تتركز أيضًا في الشمال – تستهلك حوالي 84 في المائة من المياه في الصين.
وفي غضون ذلك، أدّى الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة في الزراعة إلى تلويث 70 في المائة من المياه الجوفية في الصين، وفقًا لمسوح حكومية.
ندرة المياه يمكن أن تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار الصين
وتوصل “تشارلز بارتون”، وهو مؤلف تقرير حوار الصين لعام 2018 والمستشار الخاص للجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني بشأن الصين، إلى أن “ندرة المياه يمكن أن تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار الصين”، وكتب: “من الواضح أنه إذا حدثت أزمة مياه مفاجئة، فستُفرض بعض الخيارات الصعبة للغاية على الحكومة بين الزراعة وتوليد الطاقة والصناعة والاستخدام اليومي من قبل الناس”. وأضاف: “التهديد أسوأ من مجرد الأمن الغذائي والازدهار الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية.. إن احتمال أن تؤدي هذه العوامل وغيرها إلى اضطرابات واسعة النطاق، أمر يجب أن يرعب الحزب الشيوعي الصيني.”
خلافات المياه
كانت المياه أيضًا قضية خلافية بين الصين ودول المصب بما في ذلك لاوس وتايلاند وكمبوديا وفيتنام. وحتى الآن لم تعقد بكين معاهدات مياه رسمية مع تلك البلدان.
فعلى سبيل المثال، قامت الصين ببناء النصيب الأكبر من السدود على طول نهر “ميكونغ” الذي يمر بدول آسيوية عدة. وفي أبريل من هذا العام، اتهمت شركة الاستشارات البيئية الأمريكية “Eyes on Earth” الصين بحجب المياه خلال جفاف عام 2019 الذي دمر المجتمعات في اتجاه مجرى النهر.
وأكّدت لجنة نهر “ميكونغ”، أنّ الحزب الشيوعي الصيني حجب البيانات الهامة عن محطات المياه التي تشرف على مراقبة جريان ذلك النهر.
“بيشامون يوفانتونغ” الباحثة في الشؤون الصينية، اعتبرت أن النزاعات التي تشمل أكبر الأنهار في آسيا بما في ذلك نهر ميكونغ، يمكن أن تتحول إلى “كارثة” لها آثار غير مباشرة على البلدان الأخرى، حيث من المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الفيضانات ومواسم الرياح الموسمية الأكثر جفافاً، مما قد يعطل بشكل كبير موارد الرزق في المناطق المتأثرة بتلك التغيرات.
من جانبه، اعتبر “ديفيد مولدن” المدير العام للمركز الدولي للتنمية المتكاملة لجبال الهيمالايا أن الدول المجاورة – بما في ذلك باكستان المسلحة نوويًا والهند والصين – بحاجة إلى إنشاء “صمامات هروب” من أجل نزاعات محتملة. وقال: “هناك نزاعات بين الهند والصين والهند وباكستان، وميانمار أيضًا. لذا فإن تلك المنطقة معرضة لصراع خطير”.
وأضاف: “هناك موارد مهمة في أعالي الجبال ولم يتم الاتفاق على الحدود بشكل صحيح، ومن ثم هناك توترات عرقية غالبًا ما تكون وراء الكواليس”.
في الأسبوع الماضي، وقعت الدول الثماني التي تشكل المنطقة – أفغانستان وبنغلاديش وبوتان والصين والهند ونيبال وميانمار وباكستان – إعلانًا مشتركًا خلال قمة تتعلق بتنظيم الموارد المشتركة.
وقالت الدكتور “يوفانتونغ” إن القضايا المتعلقة بنهر “ميكونغ” قد تدفع الصين إلى إطلاق مبادرة مماثلة مع جيرانها في جنوب شرق آسيا.
وأضافت: “آخر شيء يحتاجه الحزب الشيوعي الصيني هو الدعاية السلبية والجيران الغاضبين للغاية في اتجاه مجرى النهر.. ولكن في الوقت نفسه، تركز كل من الهند والصين على الجوانب العسكرية والأمنية بشكل كبير، حيث تتجاهل البعد البيئي.”
وقال سميث: “من وجهة نظري، يحتاج العالم حقًا إلى شن حملة ضد انبعاثات الصين المتصاعدة التي تقود العالم إلى الهاوية“.