لا يخفى على أحد ما تقوم به إيران من أجل تمديد نفوذها في دول الجوار، سواء بشكل مباشر، أو عبر وسطاء، ولكن تقريرا لوكالة رويترز تناول بعدا آخر، تسعى من خلاله طهران لبسط نفوذها في الداخل العراقي.
وتشير الوكالة إلى ضخ إيران ملايين الدولارات بشكل سنوي من أجل توسيع وبناء المزارات الشيعية في العراق، ضمن خطتها التوسعية في المنطقة.
زيارة رفيعة المستوى
فخلال شهر سبتمبر الماضي، قام القائد الإيراني حسن بلارك بزيارة غير معلنة لواحد من أقدس المواقع عند الشيعة في مدينة كربلاء بجنوب العراق.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت قبل شهور عقوبات على بلارك أحد كبار الضباط في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتهمة تهريب السلاح.
وجاءت زيارة بلارك لتفقد مشروع إنشائي تتولى تنفيذه شركة يملكها مع آخرين من رجال الحرس الثوري تربطها صلات بالزعيم الإيراني علي خامنئي وهي مؤسسة تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات أيضا.
وسيؤدي مشروع التوسعة الذي تبلغ تكاليفه 600 مليون دولار في العتبة الحسينية إلى زيادة الطاقة الاستيعابية لأكبر موقع في العالم للزيارات الدينية السنوية، و تعد هذه أكبر توسعة للعتبة منذ 300 عام.
ولم تنشر وسائل الإعلام الإيرانية أو العراقية شيئا عن الزيارة التي أكدها موظف عراقي من العاملين بالمؤسسة.
ويقول عاملون، إن بلارك وقادة آخرين في الحرس الثوري يشرفون على المشروع ويترددون عليه دون إخطار سابق إذ تتولى الشركات الإيرانية والمهندسون الإيرانيون المتعاقد معهم حصريا لتنفيذ الأعمال المطلوبة إطلاعهم على التطورات في جولات سريعة.
وسبق تصوير قاسم سليماني قائد فيلق القدس الراحل الذي قاد استراتيجية إيران العسكرية والسياسية في مختلف أنحاء المنطقة خلال جولة قام بها في المشروع في 2018 قبل 18 شهرا من مقتله.
وقال مصدر إيراني في كربلاء إن إسماعيل قاآني الذي خلف سليماني في منصبه قام بزيارة غير معلنة “للعتبة المقدسة” بعد أسبوعين من زيارة بلارك.
تحديثات غير مسبوقة
وينهمك عمال إيرانيون ليلا ونهارا في ملء حفرة عمقها 40 مترا ومساحتها 50 ألف متر مربع بالأسياخ الفولاذية والأسمنت المستورد من إيران.
وستضم المباني متعددة الأدوار التي يعملون على إقامتها وحدات للوضوء ومتحفا ومكتبة.
وسيتمكن ملايين الزائرين وغالبيتهم العظمى من الشيعة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي من الوصول إلى مرقد الحسين عن طريق نفق واسع.
وهذا هو أكبر مشروع تقود تنفيذه مؤسسة الكوثر المملوكة للحرس الثوري لتطوير السياحة الدينية في العراق وسوريا وهناك مشروعات أخرى في الطريق.
ويحقق الدور الإيراني في السياحة الدينية قوة ناعمة لطهران ويعزز وجودها في المراكز الدينية العراقية التي تعد مركزا للنفوذ الشيعي الإقليمي.
فرص اقتصادية ضخمة
يعمل التحكم في تطوير العتبات المقدسة على تعميق العلاقات التجارية كما أنه ينطوي على فرص اقتصادية لإيران، فالسياحة الدينية صناعة تدر مليارات الدولارات سنويا في العراق وهي ثاني أكبر مصدر للدخل في البلاد بعد قطاع النفط.
وقال وزير عراقي سابق مطلع على المشروع “صارت علاقة، وصارت توغل إيراني؛ دخلوا في الدولة العميقة، العلاقة العقائدية أكبر من العلاقة السياسية، إنهم يستخدمون السياسة الناعمة جدا”.
وتمنح الحكومة العراقية المشروعات الدينية امتيازات خاصة منها إعفاءات جمركية على الأسمنت والصلب وغيرهما من المواد الإيرانية المستوردة.
وتقول عدة مصادر إن الكثير من البضائع تدخل العراق بدعوى تطوير العتبات ثم تباع في أماكن أخرى في البلاد.
وتتولى لجنة إعادة إعمار العتبات المقدسة في إيران تطوير العتبات الشيعية، واللجنة شكلها الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي ويتولى إدارتها من يتم تعيينهم من الحرس الثوري.
وفي مارس فرضت واشنطن عقوبات على اللجنة وعلى مؤسسة الكوثر جناح الأعمال الهندسية التابع لها في العراق؛ وكان بلارك من المسؤولين المستهدفين بالعقوبات.
وقال الأمريكيون إن اللجنة والمؤسسة متورطتان في تقديم “مساعدات مميتة” لفصائل تعمل لحسابها في العراق وسوريا وأنشطة استخباراتية وغسل أموال.
وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية لرويترز، إن إيران تسعى لتوسعة نفوذها واستغلال قطاعي المال والأعمال في العراق.
وندد خامنئي بالعقوبات الأمريكية ووصفها بأنها محاولة لتدمير الاقتصاد الإيراني والإطاحة بنظام الحكم في البلاد.
وقال مسؤول بالحكومة العراقية إنه لا يمكنه التعليق على أنشطة مؤسسة الكوثر في العراق لأنه ليس لديه تفاصيل وكرر هذا التصريح أيضا متحدث باسم الوقف الشيعي الذي يدير العتبات المقدسة.
وقال أفضل الشامي نائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة لرويترز إن الدور الإيراني ضروري لأن “الوضع الاقتصادي في العراق لا يستطيع أن يبني مثل هذه المشاريع الكبيرة”.
وأضاف “الشعب الإيراني شعب يحب الأئمة ويحب العراق ويريد أن يتبرع بأموال للعتبات المقدسة”.
وتابع “عندما تنتقل الأموال عن طريق مؤسسة رسمية بالتأكيد هذا قد يشكل دعما لها في الداخل، وفي الخارج دعم معنوي وإعلامي”.
حتى المرايا من إيران
أسست إيران نفوذا لها في العراق عقب الاجتياح الأمريكي الذي أسقط صدام حسين في 2003 ودفع بالأغلبية الشيعية إلى مقاعد الحكم خاصة الأحزاب التي تدعمها طهران.
وعمل الحرس الثوري على توسيع إمبراطورية الأعمال التابعة له في إيران ثم وسّع نطاق نفوذه في مختلف أنحاء العراق وفي سوريا ولبنان.
وأنشأ الحرس الثوري ممرا لدعم حلفائه من الفصائل في مختلف أرجاء المنطقة والسيطرة على الحدود والتجارة البرية وتعزيز وجوده في المواقع الشيعية المقدسة.
غير أن محاولات الجمهورية الإسلامية لتوسعة نفوذها في العراق تواجه الآن تحديات جديدة.
فإيران منشغلة بجائحة فيروس كورونا في الداخل وكذلك معارضة الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة التي تساندها في العراق ولبنان.
ويؤيد علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق دعوات للإصلاح السياسي كما أنه يعارض منذ فترة طويلة التدخل الأجنبي بما في ذلك التدخل الإيراني في البلاد.
وتحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تقليص النفوذ الإيراني بالعقوبات واغتيال قادة عسكريين وبإقامة تحالفات مع أصدقائها في المنطقة.
وللمرة الأولى منذ سنوات أخذت حكومة عراقية بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي صف الولايات المتحدة، وعارضت الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران تعيين الكاظمي.
مؤسسة الكوثر.. أداة إيران الناعمة
وكانت زيارة بلارك خلال سبتمبر أيلول لكربلاء أحدث علامة على أن الحرس الثوري يواصل أعمال مؤسسة الكوثر رغم الضغوط الأمريكية على أنشطته في العراق.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في نص العقوبات التي فُرضت في مارس آذار إن مؤسسة الكوثر “عملت كقاعدة لأنشطة المخابرات الإيرانية في العراق بل وشحن أسلحة وذخائر لجماعات الميليشيات الإرهابية المدعومة من إيران”.
وقال مسؤول بالجمارك العراقية لرويترز إن إيران لا تحتاج لنقل السلاح إلى مؤسسة الكوثر التي يتركز نشاطها في التجارة والقوة الناعمة.
وقال المسؤول “توجد وسائل أخرى لذلك فالفصائل التي تعمل لحسابهم تسيطر على الحدود من الشمال الكردي إلى جنوب العراق”.
وتنفذ مؤسسة الكوثر أعمال تطوير العتبات لحساب لجنة إعادة إعمار العتبات المقدسة باستخدام عدد من الشركات الإيرانية المتخصصة.
وقال ضياء الأسدي النائب السابق الذي تربطه صلة وثيقة برجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المولود في النجف “إيران عينها على العتبات منذ سقوط النظام (العراقي) في 2003”.
وتقع العتبة الحسينية التي يزورها ما يصل إلى 50 مليون زائر كل عام في مسجد فسيح تعلوه قبة ذهبية وتزين مداخله الزخارف وأبواب من الخشب والزجاج كلها من إيران وفقا لما قاله وزير الإسكان العراقي السابق بنكين ريكاني وعدة مصادر حكومية أخرى.
وقال ريكاني “المرايا اللي موجودة كلها صناعة إيرانية”.
ويتناول الزوار الطعام مجانا في قاعات خاصة ملحقة بالعتبة ويؤدون صلواتهم بينما يقطع ضجيج الحفر وأصوات أعمال أخرى رهبة السكون في المكان.
وزار صحفي من رويترز فندقا في كربلاء تستأجره العتبة الحسينية لاستضافة المهندسين الذين يعملون في المشروع.
يقع الفندق في شارع يحظى بإجراءات تأمين ومُراقب بالكاميرات.
وفي بهو الاستقبال بالفندق عُلقت لافتة لتخليد ذكرى سليماني القائد الذي اغتالته الولايات المتحدة، ويتردد المهندسون على الاستقبال في فترات الراحة لاستلام وجبات غداء إيرانية تقليدية مكونة أساسا من الأرز والدجاج.
ويشغل عمال إيرانيون فندقين آخرين في المدينة وأكشاكا مقامة بجوار مكاتب مؤسسة الكوثر التي تطل على مشروع توسعة العتبة.
وهناك يعمل عمال إيرانيون يرتدون ملابس خاصة بالشركات التي تعاقدت معها مؤسسة الكوثر وسط علامات إرشادية باللغة الفارسية خاصة بالصحة والسلامة.
وفي كثير من الأحيان يكون المهندسون الذين يضعون خوذات على رؤوسهم من خريجي جامعة الشهيد بهشتي في طهران وفقا لما قاله مقاول عراقي يعمل مع الكوثر.
والجامعة مدرجة في قوائم العقوبات الغربية بتهمة المشاركة في أبحاث الأسلحة النووية.
وقد قال وزير العلوم الإيراني إن أنشطة الجامعة لا علاقة لها بأبحاث الأسلحة الذرية.
وكان موقع المشروع شبه خال قبل نحو عام لكنه سرعان ما امتلأ بهياكل المباني. وقد وقّع بلارك عقدا تقارب قيمته 650 مليون دولار في 2015 مع العتبة الحسينية لكي تقوم مؤسسة الكوثر بتنفيذ مشروع التوسعة باسم “صحن العقيلة زينب”، شقيقة الحسين.
وتقول لجنة إعادة إعمار العتبات المقدسة إنها تشرف على 17 مشروعا على الأقل في مراقد مهمة في النجف وكربلاء وبغداد ومدينة سامراء الشمالية؛ وكثيرا ما تكون تعاقدات هذه المشاريع لسنوات طويلة وتبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات.
وفي النجف قامت مؤسسة الكوثر ولجنة إعادة الإعمار بإصلاح القبة الذهبية في مرقد الإمام علي وإيوانه كما أنهما تنفذان توسعة للبنية التحتية في المرقد أيضا بتكلفة تبلغ 500 مليون دولار.
وفي بغداد صنعت المؤسسة واللجنة شبابيك مزخرفة في مرقدين لاثنين من أئمة الشيعة كما تعملان على إصلاح مئذنة مائلة بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية وفقا لما قاله مصدر مقرب من العتبات.
وتعمل اللجنة أيضا على توسعة مرقد الإمام العسكري في سامراء الذي فجره متطرفون في 2006 مما أدى إلى اندلاع مجموعة من أسوأ أعمال العنف الطائفية وإراقة الدماء في العراق.
ويتطلع بلارك إلى مزيد من الأعمال، فقد قال لوكالة فارس شبه الرسمية للأنباء في أغسطس إنه يأمل تنفيذ توسعة في موقع آخر في كربلاء هو مرقد الإمام العباس في إطار خطة وافقت عليها وزارة البلديات العراقية لكن المسؤولين بالمرقد لم يطلبوا ذلك حتى الآن.
وقال متحدث باسم وزارة الإسكان العراقية إنه لا يمكنه التعليق لأنه ليس لديه معلومات دقيقة عن هذا الأمر، ولم يصدر تعليق عن المرقد.
وتنفذ عدة شركات إيرانية الأعمال بصفة مقاولين، وتعمل شركة آب تابان المتخصصة في الأنفاق والأساسات والمياه في مشروع كربلاء وفقا لما قالته وكالة تسنيم للأنباء التي تربطها صلات بالحرس الثوري.
وتعمل شركة بديده لمقاولات الهندسة المدنية وشركة مانا للإنشاءات في مشروع كربلاء وتطوير مرقد الإمام علي في النجف وفقا لما ورد في مواقع إخبارية ومواقع شركات إيرانية.
وتقول بديده على موقعها على الإنترنت إنها تهدف لزيادة حجم أعمالها في المنطقة.
وقال مسؤول حكومي عراقي إن الكوثر لا تطلع أي إدارات حكومية عراقية على أنشطتها وأوضاعها المالية.
وقال مسؤول بالوقف الشيعي الذي يتولى إدارة المواقع الشيعية إنه لا يمكنه مناقشة أي موضوعات متصلة بأعمال شركات طهران لعدم توفر تفاصيل محددة عن أنشطتها.
وقال الشامي نائب الأمين العام للعتبة الحسينية “إذا قد يكون لهم نشاطات أخرى، لا نعرف هذا”.
وأضاف أنه لا علم له بأي عقوبات أمريكية مفروضة على مؤسسة الكوثر.
وضع خاص
قال وزير الإسكان العراقي السابق ريكاني إن الدولة تمول عملية الشراء الأولية للأراضي الخاصة والعامة في المواقع من الموازنة المخصصة للسلطات الدينية الشيعية التي تتولى عملية الشراء.
أما بالنسبة لصحن العقيلة زينب وهو جزء من مشروع كربلاء فقد دفعت السلطات الدينية حوالي 170 مليون دولار لشراء ما لا يقل عن 300 عقار وفقا لما قالته مصادر مقربة من العتبات.
وقالت المصادر إن مرقدي الحسين والعباس المجاور له يعتزمان شراء المزيد من الأراضي في المنطقة.
وقال محمد الذي كان يعيش حيث سيقام صحن العقيلة وكان يمتلك فندقين في المنطقة إن هدم ممتلكاته حقق له مبلغا كبيرا لكنه محا نشاطه وقضى على أملاك الأسرة التي توارثتها عبر أجيال.
وأضاف أنه لم يكن يريد بيع بيته لكنه أكد أنه لا حيلة له في مواجهة رغبة العتبات في التوسع، مشيرا إلى أن أصحاب الأملاك يحصلون على مبلغ كبير لبيع عقاراتهم وإذا رفضوا يصدر لهم أمر قضائي ملزم.
ودفع المرقد لمحمد وأشقائه الستة ما يقرب من مليون دولار مقابل أملاكهم، وهو يدير الآن متجرا ويعتمد اعتمادا كبيرا على حركة الزائرين للمراقد.
وقالت مصادر مطلعة مقربة من العتبة الحسينية إنه بعد الاستحواذ على الأرض تمول إيران مشروعات العتبات بالكامل – في الظاهر من تبرعات الإيرانيين المتدينين من الشيعة ومن خلال جمعيات خيرية ترتبط بمؤسسات العتبات الشيعية.
وقال موظف إيراني في مؤسسة الكوثر رفض نشر اسمه إن جانبا كبيرا من المال يأتي من خزائن الدولة الإيرانية لكنه لم يكن يعلم حجم هذا التمويل؛ وأضاف قائلا إن مشروعا تزيد تكلفته عن 600 مليون دولار “لا يمكن أن يتحقق بالتبرعات. فأنت تحتاج لدولة وراء ذلك”، وأيدت مصادر أخرى عراقية وإيرانية هذا الرأي.
وتحصل مشروعات العتبات على وضع خاص بمقتضى القانون العراقي أي أنها تخضع لإشراف مؤسسات العتبات ولا تخضع لإشراف الدولة؛ وتسري إعفاءات جمركية على كل المواد الواردة من إيران والخارج للمشروعات الدينية الممولة بالتبرعات.
وامتنع مصدر مقرب من العتبة الحسينية مطلع على المشاريع الهندسية عن ذكر حجم الصلب والأسمنت والأخشاب وغيرها من الواردات القادمة من إيران للمشروع.
وقال تاجر عراقي يعمل مع مؤسسة الكوثر إن كميات كبيرة من الصلب والأسمنت تستورد من إيران معفاة من الضرائب تحت غطاء مشروعات العتبات لكنها تباع عن طريق وسطاء في السوق العراقية حيث الأسعار فيها أعلى منها في إيران.
وقال مسؤول عراقي رفيع على دراية مباشرة بالوضع إن الشركات المشاركة في مشروعات العتبات عادة ما تطلب أضعاف الكميات المطلوبة من مواد البناء.
وأصر الشامي نائب الأمين العام للعتبة الحسينية أنه سيكون من الصعب تسريب البضائع بهذه الطريقة لأن مسؤولي الجمارك الإيرانيين والعراقيين يتفقدونها ثم تُنقل مباشرة إلى مخازن العتبات، غير أنه لم يستبعد إمكانية أن تكون لبعض الواردات وثائق مزورة.
وأضاف “كل شيء ممكن في العراق”.
وكانت الشركات تتولى نقل عمالها بالحافلات حتى عندما تكون الحدود مغلقة مثلما حدث خلال الموجة الأولى من جائحة كوفيد-19.
وقال موظف إيراني بمؤسسة الكوثر لرويترز إنه عند إغلاق الحدود في المرة الأولى حدثت مشاكل في الدخول إلى العراق لكن العتبة الحسينية تدخلت للحصول على استثناءات.
وقدر أن هناك حوالي 200 عامل إيراني يعملون حاليا انخفاضا من 2000 في وقت سابق.
وقال الشامي إنه لا يعلم ما إذا كانت العتبة قد طلبت استثناءات لسفر العمال الإيرانيين.
وقال مسؤول الجمارك العراقي ومقاول عراقي إن مؤسسة الكوثر تشارك أيضا في مشروعات أخرى للبنية التحتية تشمل أيضا قطاع الطاقة. وقال المقاول إن من هذه المشروعات محطة للكهرباء في البصرة.
وتقود العمل في مشروع محطة الكهرباء شركة إيرانية تعمل في مجال الطاقة اسمها مبنا تخضع أيضا للعقوبات الأمريكية.
استراتيجية بعيدة المدى
يقول عمال في كربلاء إنهم يرون دليلا على أن العقوبات الأمريكية موجعة لإيران ولمؤسسة الكوثر؛ فقد قال الموظف الإيراني بالمؤسسة لرويترز إنه اعتاد تحويل 1100 دولار شهريا لبلاده كانت تسدد له بالدينار العراقي المستقر. غير أنه لا يحصل سوى على حوالي 200 دولار منذ سريان العقوبات لأنه يحصل الآن على مرتبه بالريال الإيراني الضعيف.
وكادت الأعمال المتاحة في الموقع للعراقيين أن تختفي، وقال مهندس عراقي حديث التخرج اعتاد أن يحصل على عمل منتظم في مشروع العتبة إنه يقضي أياما الآن على أمل الحصول على عمل. وهو يواجه صعوبات في إعالة أسرته الصغيرة.
وبالنسبة لإيران تعد المشاركة في تطوير المراقد الشيعية في العراق استراتيجية بعيدة المدى، إذ يحقق لها ذلك وجودا دائما في مراكز النفوذ الشيعي حيث تأمل التأثير في خلافة السيستاني أكثر رجال الدين الشيعة في العراق نفوذا.
ويوجد الحرس الثوري بصفة منتظمة في النجف حيث مقر السيستاني.
ويعارض السيستاني أي تدخل خارجي حتى إذا كان إيرانيا في شؤون العراق كما يعارض نموذج الحكم الديني على غرار ولاية الفقيه، وفي 2018 توفي المرجع الذي وقع عليه الاختيار لخلافة السيستاني البالغ من العمر 90 عاما وذلك في انتكاسة لخطط طهران في العراق.
وقال مسؤولون عراقيون وخبراء إن طهران تستخدم وجودها لإبراز قوتها الإقليمية ودعم شرعيتها في الداخل باعتبارها حامية الأماكن الشيعية المقدسة.
وقال النائب محمد صاحب الدراجي عضو اللجنة المالية النيابية “إيران تريد نفوذا اقتصاديا ودينيا وسياسيا، وأفضل مكان لتحقيق ذلك هو كربلاء والنجف، إيران ضعفت لكنها أقوى من أمريكا في العراق”.
ويقول مواطنون عراقيون إنهم يجدون أنفسهم من جديد في قلب السجال بين إيران وأمريكا، إذ يتسبب النفوذ الإيراني الواسع في العراق في تحمل بغداد بشكل مباشر تداعيات العقوبات الأمريكية إزاء إيران.