يبلغ تأثير مخدّر الفنتانيل 50 مرّة أكثر من تأثير الهيروين، وتصنّفه منظمة الصحة العالمية على أنّه أخطر المخدّرات القاتلة، التي تهدد أمن الدول. وفي أغسطس الماضي، أصدرت المنظمة بياناً جاء فيه أنّ تعاطي المخدّرات يتسبب في وفاة نصف مليون شخص تقريباً حول العالم، وترتبط نسبة تزيد على 70% من هذه الوفيات بتعاطي المواد الأفيونية. ويعرّف البيان المواد الأفيونية بأنّها “مواد يشيع استعمالها لعلاج الآلام، وهي تشمل أدوية مثل المورفين والفنتانيل والترامادول”.
المافيات الصينية تتحايل على اتفاقيات صنع الأدوية
أفاد تقرير للأمم المتحدة صدر في شهر مايو من العام الحالي، ونشره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بأنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومات في كلّ أنحاء العالم لاحتواء جائحة كورونا، أدّت إلى تعطيل طرق تهريب المخدرات على نطاق واسع عن طريق الجو والبر، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار.
وأوضح التقرير المعني باتجاهات سوق المخدرات خلال أزمة كورونا، أنّ نتيجة ذلك كان قيام بعض متعاطي المخدرات بالانتقال إلى مواد أخرى، على سبيل المثال، الإنتقال من الهيروين إلى المواد الأفيونية الاصطناعية، ومنها الفنتانيل، الذي يقع على رأس قائمة المخدرات الأفيونية الخطرة المصنّعة في الصين.
وسبق هذا التقرير تحذير آخر في يناير الماضي من الفنتانيل ذلك المخدر الذي تنتجه مافيا شركات المخدرات المصنعة في الصين وتتحايل به على اتفاقيات صنع الأدوية والعقارات المخدرة حول العالم، حيث حذّر تقرير بريطاني صادر عن مجلس مكافحة إساءة استخدام العقّارات الإستشاري، من أنّ عدد الوفيات التي يسببها مخدّر فينتانيل المسكن في بريطانيا والعالم في ازدياد .
وطالب مجلس الحكومة البريطانية باتخاذ إجراءات لمعالجة “التهديد الحالي” الذي يمثله هذا المخدر الصيني الذي يرتدي ثوب المسكن. ولم يخل تقرير المخدرات العالمي الصادر منذ 4 أشهر من التحذير من خطورة الفنتانيل وباقي مشتقاته من المخدرات الصينية المصنعة.
كيف يصل المخدر الصيني إلى دول العالم؟
في هذا السياق، كشفت “ناشيونال بيزنس ريفيو” النيوزيلاندية المختصة بالإقتصاد العالمي، في تحقيقها الإستقصائي الذي نشرته تحت عنوان “نحن نشحن إلى الولايات المتحدة: داخل شبكات الأدوية الاصطناعية عبر الإنترنت في الصين”، عن طرق توصيل مخدّر الفنتانيل من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أدى ذلك إلى وفاة أكثر من 37000 بجرعة زائدة في العام 2019، كجزء من أزمة المواد الأفيونية الوطنية التي تفاقمت هذا العام خلال جائحة فيروس كورونا، وفقاً للسلطات الصحية الفيدرالية، إضافةً إلى كيفية استخدام عصابات تصنيعه والتجارة به منصات السوشيل ميديا العادية، والـ”دارك ويب”، في بيع وإيصال المخدر الأقوى والأخطر في جدول المخدرات حتى الآن.
فقد أدّت الإجراءات التي اتخذتها الحكومات في كلّ أنحاء العالم لاحتواء جائحة كوفيد-19، إلى تعطيل طرق تهريب المخدرات على نطاق واسع عن طريق الجو والبر، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار.
وفي فبراير الماضي، كانت أعلنت منظمة الصحة العالمية أنّ استلام رسائل أو طرود من الصين مأمون، وأكدت أن الناس الذين يتلقون رسائل أو طرود من الصين ليسوا معرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا. لكن في الحقيقة أن نوعاً آخر من الخطر بخلاف كورونا، كان يدق باب منتظري “طرود الصين المليئة بالفنتانيل الصيني أو أحد مشتقاته”، عبر طريقين أساسين، هما التجارة الإلكترونية المباشرة عبر الانترنت، والطرود داخل أكياس من سبائك الألومنيوم.
وأوضح تحقيق “ناشيونال بيزنس ريفيو” أنّ سهولة تصنيع المواد الأفيونية في مساحات صغيرة وسرية باستخدام معدات بدائية، شجع مصنعي الفنتانيل المخدّر على زيادة إنتاجهم وإقامة مختبراتهم في مناطق نائية في الصين، مستفيدين من التكنولوجيا الحديثة ورواج تجارة الإنترنت، فما أن يدخل الشاب إلى الشبكة العنكبوتية ويبدأ في البحث عن مروّجي الفنتانيل، حتى يظهر له 92 كيانا على مواقع التواصل الإجتماعي العادية يبعون الفنتانيل، بأسماء مختلفة، للتحايل على تجارة أخطر مخدر في العصر الحديث.
كيف يتحايل المصنّعون على حظر الفنتانيل؟
يشكّل مصنّعو الفنتانيل شبكة من الكيانات الصينية المعقّدة، تعمل تحت مسمّيات شركات مسجّلة في مدن نائية في مناطق صينية داخلية، حيث التدقيق في تطبيق القانون أقل، والتهاون في الإجراءات الرقابية أكبر. ورغم حظر الصين تصنيع الفنتانيل تحت الضغط، إلّا إنّ الشركات الصينية تقوم بإيجاد تركيبات بدائل من مشتقات الفنتانيل تحت مسميات أخرى. وعلى منصة التجارة الالكترونية الصينية يبيع أكثر من 30 بائع جملة 4 مشتقات للفنتانيل، تحت أرقام تسلسلية كيميائية مختصرة في سبتمبر 2019، وذلك بعد 3 شهور من دخول قرار حظر الفنتانيل حيز التنفيذ .
الفنتانيل سهل التصنيع
إنّها المعادلة الصعبة التي استطاع مصنعو المخدرات في الصين الوصول إليها، حيث مازال التصنيع مستمراً على قدم وساق في مقاطعة هوبي النائية، حيث يوجد أحد المختبرات المختبئة داخل مجمع مستودعات صناعية مترامي الأطراف. فهل تستغل الصين حجم تجارتها الخارجية، التي يتم التخطيط لأن تكون جميعها الكترونية عبر خطة طريق الحرير الجديد؟
وتتفاخر الصين بأنّها أكبر دولة لتجارة السلع في العالم، فحجم تجارتها الخارجية هو الأكبر، إذ يبلغ 2.41 تريليون دولار حالياً، وقد وصل حجم تجارتها الخارجية في العام 2019 إلى 4.5 تريليون دولار، لتتصدر الصين دول العالم في حجم التجارة الخارجية التي بات طريق الحرير ودول الحزام يمثلون فيه الجزء الأكبر من هذه التجارة.
إقرأ ايضاً.. كيف يباع الفنتانيل في صيدليات مصر تحت مسمى المسكن
حجم تجارة الصين مع دول العالم وفق آخر الإحصائيات
وتتجاوز صادرات الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية الـ400 مليار دولار رغم قرار الحكومة الأمريكية بزيادة الضرائب على الواردات الصينية بنحو 25 في المئة.
أمّا عن تواجد الصين القوي في السوق الآسيوي فتعبر عنه هذه الارقام :
- هونج كونج 303 مليار دولار
- اليابان 147.2مليار دولار
- كوريا الجنويبة 109مليار دولار
- فيتنام 84 مليار دولار
- الهند 76.9 مليار دولار
- سنغافورة 49.8مليار دولار
- تايوان 48.7 مليار دولار
- روسيا 48 مليار دولار
- ماليزيا 85 مليار دولار
السوق الأوروبية
وعن السوق الاوروبية تتصدر ألمانيا قائمة الدول المستوردة للمنتجات الصينية بقيمة 77.9 مليار دولار، ثمّ هولندا بقيمة 73.1 مليار دولار، والمملكة المتحدة بقيمة 57 مليار دولار.
كما توسعت الصين بشكل كبير في استثماراتها في أفريقيا، إذ تجاوز عدد الشركات الصينية في دول القارة السمراء الـ10 آلاف شركة، 950 منها في نيجيريا و861 في زامبيا.
كما تبلغ قيمة المنتجات الأفريقية المملوكة لشركات صينية 500 مليار دولار، بينما وصل حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في العام 2018 إلى 224.3 مليار دولار.
تصنيع الفنتانيل غير طبي ومافيا إنتاجه تتعمد زيادة المادة الفعالة
الفنتانيل لا يخضع للمعايير الطبية في عملية تصنيعه، وهذا ما يوضحه الدكتور عبدالرحمن حماد مؤسس وحدة علاج الادمان في مستشفى العباسية للصحة النفسية والعصبية في مصر، قائلا لـ”أخبار الآن“: “يعطي الفنتانيل بالفعل تأثيرات مسكنة للآلام، وعندما نسأل الشباب لماذا تتعاطونه يجيبون بأنّه مسكن للألام الشديدة غير المحتملة… ولكن عند البحث عن السبب وراء إعطائه هذا المفعول، يتضح أن طريقة تصنيعه لا تتوافق مع المعايير الطبية”، مضيفاً أنّ “الشركات أو المعامل التابعة للعصابات التي تقوم يتصنيعه تزيد كمية المادة الفعّالة فيه، الأمر الذي يجعله قاتلاً. وقال حمّاد: “فعادة الوفيات الناتجة عن تعاطي هذ المادة تعود الى سببين رئيسيين، إمّا توقف القلب أو توقّف الجهاز التنفسي عن العمل، والسبب الأخير هو الأكثر ترجيحاً لحالات الوفاة”.
شركات الفنتانيل الصينية نجحت في الهروب من سيطرة الاتفاقيات الدولية للأدوية
ويقول حمّاد لـ”أخبار الآن“: هناك ثلاث اتفاقيات عالمية تنظم حركة المخدرات وحركة الأدوية الموضوعة على جداول المخدرات”، معتبراً أنّ “هناك تحدياً عالمياً جديداً الآن يتمثّل في نجاح مافيا تصنيع الفنتانيل في الصين في الهروب من سيطرة الاتفاقيات الدولية، وترويج هذه الأنواع من المخدرات التي كان لها استخدام طبي، قبل أن تقع تحت سيطرة العصابات والمافيا الدولية، التي تمتلك معامل أكبر من إمكانيات شركات الأدوية الكبرى، ما يجعلها غير خاضعة لأيّ اتفاقية، فيتم تهريبها إلى الأسواق السوداء”.
المنصات الإلكترونية وطريق الحرير الجديد معبر الفنتانيل للخارج
في العام 2020 ساعد انتشار كوفيد 19 وما رافقه من حالات حظر رافقها حالة من الهلع، في رواج منصات التجارة الإلكترونية التي أنشاتها الشركات الصينية في الشرق الأوسط، والتي خططت لها لتكون جزءاً هاماً من طريق الحرير الرقمي، ومنها موقع التسوق “جولي تشيك” والذي يغطي 9 دول عربية. وتعتمد الشركة على نظام تسويق ذكي يستخدم خوارزميات تساعد في اقتراح منتجات بغرض زيادة التسوق، والذي أصبح واحداً من أكثر مواقع التسوق زيارة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى موقع “علي بابا” .
وفي ديسمبر الجاري، أعلن المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية، أنّه أطلق أكثر من 300 معرض تجاري عبر الإنترنت هذا العام، للمساعدة في استقرار التجارة الخارجية وسط تفشي جائحة كوفيد-19.
وقال فنغ ياو شيانغ، المسؤول في المجلس خلال مؤتمر صحافي، إنّ المجلس نظّم أيضاً ما يقرب من 1000 دورة تدريبية عبر الإنترنت لنحو 900 ألف شخص لمساعدة الشركات على المشاركة في البناء المشترك للحزام وطريق الحرير.
وصرح فنغ أنّ الهدف من عقد منتدى في مدينة شنتشن بمقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين، هو تشجيع الشركات الصينية المدرجة على المشاركة في البناء المشترك للحزام والطريق. إنّها نفس دول الحزام التي سيصل لشبابها الفنتانيل عبر أحدث وسائل العصر التكنولوجية من خلال طريق الحرير الإلكتروني الجديد، مع الإشارة إلى أنّ الصين تمتلك قطاعاً واسعاً للأدوية والكيماويات، فيما يحمي بائعو المواد الأفيونية الاصطناعية أنفسهم خلف طبقات من الشركات المترابطة المسجلة في هذه القطاعات أو المجالات ذات الصلة مثل التكنولوجيا الحيوية.