تحلّ اليوم (26 ديسمبر/كانون الأول) ذكرى ولادة “ماو تسي تونغ“، مؤسس جمهورية الصين الشعبية، والذي أصبح في وقتٍ ما واحداً من أقطاب الشيوعية في العالم.
وفي مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر 1949، أعلن تونغ (1893-1976) قيام جمهورية الصين الشعبية على بر الصين الرئيسي، وذلك عقب النصر العسكري الذي حققه الحزب الشيوعي الصيني على قوات الكومينتانغ (Kuomintang) التي سرعان ما غادرت نحو جزيرة تايوان.
وفي الواقع، فقد أرسى تونغ نهجاً اتسم بطابعه الدموي، إذ أنه خلال حكمه، تسبب تونغ في وفاة أكثر من 50 مليون شخص قضى كثير منهم إما بسبب المجاعة أو عن طريق الإعدامات، أو بسبب الإرهاق داخل مراكز العمل القسري.
وأثناء وجوده في الحكم، الذي استمر لأكثر من ربع قرن، اشتهر الزعيم الصيني بقراراته الغريبة التي جاءت لتثير ذهول العالم، فإضافة لحادثة إجبار شعبه على تقديس فاكهة المانغو، لجأ تونغ لاعتماد جملة من الإجراءات الغريبة الأخرى بحجة دفاعه عن حقوق العمال والطبقات الفقيرة.
ومثّل جمع الطوابع البريدية بالنسبة لماو تسي تونغ هواية مكروهة، اعتمدها الأثرياء القادرون على اقتناء أعداد كبيرة منها. وتزامناً مع بداية الثورة الثقافية بالبلاد، حرّم ماو تسي تونغ على الصينيين ممارسة هذه الهواية وهدد بمعاقبة كل من يخالف ذلك.
وبقيت هذه الهواية محرمة على الصينيين لحين وفاة ماو تسي تونغ عام 1976 ونهاية فترة حكمه، إذ وافق حينها القادة الجدد للصين على تخفيف مثل هذه الإجراءات الغريبة التي اعتمدها ماو سابقاً.
خلال فترة حكم ماو تسي تونغ، اتجهت قوات الحرس الأحمر للبحث عن كل ما من شأنه أن يسيء أو يمس الثورة الصينية. ومع ذلك، فقد مثّل اللون الأحمر لون الثورة بالنسبة للصينيين واعتمد للإشارة للعديد من الأشياء الثورية بداية من الكتاب الأحمر لماو تسي تونغ.
نهج ماو تسي تونغ.. تأسيس للقمع والاضطهاد
وأسّس نهج تونغ أرضية خصبة لنظام تسلطّ قمعي، وقد ساهم إلى حدّ كبير في انهاء حياة الكثير من الناس، كما مهّد إلى حدّ كبير من الإضطهاد والعبودية في الصين.
وفي الأساس، فإن فكر تونغ ترسّخ بشكل كبير في ممارسات الصين القمعية والتي تجلّت في الكثير من المحطات والملفات. ولهذا، فإن كل أعمال الحزب الشيوعي الصيني باتت مرتبطة بالعنف والإضطهاد والقمع، ولنهج تونغ دور في ذلك.
وعلاوة عن ذلك، فإنّ السياسة الصينية القائمة على الفرض وضرب المعتقدات، نابعة من فكر تونغ الذي كان يهدف إلى تكريس معتقداته الخاصة دون سواها، وخير دليل على ذلك هو ممارسات الصين القمعية ضدّ أقلية الإيغور المسلمة في شينجيانغ وغيرها من الأقليات العرقية التي تشهدُ أبشع الانتهاكات.
ومما لا شكّ فيه هو أنّ تونغ كرّس إلى حدّ كبير ما يسمى بمراكز العمل القسري والتي توفي فيها خلال حكمه الكثير من الأشخاص. والآن، فإن الصين تفرض على أبناء الأقليات العرقية هذا النمط من العمل، وتجعلهم يعيشون تحت الضغوط والظروف البائسة من دون أن قدرة على الاعتراض. ومع هذا، فإنّ نهج تونغ كان انطلاقة لسياسة الاعتقالات التعسفية بشكل كبير، وهذا ما تفعله الصين باستمرار ضدّ أبناء الإيغور، إذ تحتجز أكثر من 1.8 مليون مسلم في معسكرات بمنطقة شينجيانغ.
نبذة عن حياة ماو تسي تونغ
1- ولد تونغ في 26 ديسمبر عام 1893 في قرية شاوشان في اقليم هونان، لوالد فلاح صارم أصبح فيما بعد تاجر حبوب.
2- كان ماو من صغره متمرداً على تقاليد والده الصارمة، ففي حين اراده فلاحاً رغب ماو في مزيد من التعليم.
3- ترك ماو البيت في سن 13 ليذهب الى مدرسة اولية في منطقة مجاورة، وفي العام 1911 وصل عاصمة الاقليم تشانجشا ليدخل مدرسة عليا.
4- في تلك الفترة كانت مملكة تشينج سقطت وثورة صن يات سن في أوجها، والتحق ماو بوحدة للجيش الثوري لفترة قصيرة تصل إلى 6 أشهر، ثم عاد الى تشانجشا ليقرر ماذا سيدرس وتأرجح بين القانون والتاريخ والاعمال الى ان استقر على التدريس ليتخرج من مدرسة للمعلمين في 1918.
5- بعد ذلك، ذهب تونغ إلى بكين للدراسة في الجامعة، ولما لم يكن لديه ما يكفي من المال، عمل في مكتبة الجامعة لـ6 أشهر، ثم عاد الى نشانجشا ليمتهن التدريس.
6- في تلك الفترة تعرف على عميد الكلية تشن تو هسيو وامين المكتبة لاي تا تشاو، مؤسسي الحزب الشيوعي فيما بعد في مايو/أيار 1921.
7- في ذلك العام تزوج من يانج كاي هوي ابنة معلمه التي اعدمها الكومنانج عام 1930، لكنه منذ العام 1928 تعرف على فتاة صغيرة هي هو تسو تشن التي انجب منها 5 اطفال حتى طلقها عام 1937، ثم تزوج الممثلة تشيانج تشينج التي كان لها دور رئيسي في الثورة الثقافية فيما بعد.
8- ما بين 1920 و1921 كان ماو ينظم الطلبة والتجار والعمال لمعارضة سيطرة اليابان على الامتياز الالماني في اقليم شاندونج، احد شروط معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الاولى، الذي اعتبر اهانة للسيادة الصينية وولد مشاعر معاداة الامبريالية لدى الناشطين الصينيين.
9- في العام 1921، كان ماو تسي تونغ موفد اقليم هونان للاجتماع التاسيسي للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي.
10- في العام 1923 طلبت الشيوعية الدولية (الكومنترن) من الشيوعيين الصينيين التحالف مع الحزب القومي (كومنتانغ) بزعامة صن يات سن الذي كان ييسعى للتخلص من ملاك الاراضي الكبار وتوحيد البلاد.
11- في العام 1924، انتقل ماو الى شانغهاي كمسؤول للكومنتانغ، وبعد عام عاد الى هونان لينظم احتجاجات الفلاحين، ثم هرب الى كانتون، مقر قيادة صن يات سن الذي توفي فجأة في مارس/آذار 1925 وتولى تشيانج كاي تشك قيادة الكومنتانغ.
12- أول ما فعله تشيانج بعد تعزيز موقعه هو طرد الشيوعيين من القيادة وانفرط التحالف بين القوميين والشيوعيين في العام 1927، ليعود الشيوعيون الى الريف حيث قاعدة واسعة من الفلاحين الثائرين. ومن هنا بدأت افكار ماو، التي عرفت في الادبيات الشيوعية فيما بعد بالماوية والتي ترى ان الثورة لا يمكن قصر القيام بها على الطبقة العاملة بل يمكن ذلك بالفلاحين ـ وهو ما حققه عملياً.
13- كذلك بدأت بذور عداوته للقوميين وشكوكه حول الاتحاد السوفيتي، التي بلورت فيما بعد توجهه الشيوعي المختلف.
14- في العام 1927، قاد ماو مجموعة صغيرة من الفلاحين من اقليم هونان الى اقليم جيانجزي الجبلي حيث شكّل هو وأعضاء آخرين من الحزب الشيوعي حكومة على النمط السوفيتي، وشرعوا في تكوين جيش فدائيين كان نواة الجيش الاحمر الذي هزم القوميين بعد 22 عاماً ودحرهم الى جزيرة تايوان.
15- مع بداية الثلاثينيات، كان الكومنتانغ هزموا ملاك الاراضي ووحدوا البلاد وتحولوا للقضاء على الشيوعيين.
16- في العام 1934 هاجم تشيانج معقل الشيوعيين في جيانجزي فاضطروا للفرار لتبدأ المسيرة الكبرى الشهيرة. وعلى مدى 6 آلاف ميل من التراجع من جيانجزي الى بلدة يانان في اقليم شانزي باقصى الشمال، لم ينج سوى عشر جيش الفدائيين الذي بدأ بـ80 ألفاً.
17- على مدى 10 سنوات تلت كانت يانان معقل الشيوعيين، واصبح ماو تسي تونغ الزعيم الشيوعي بلا منازع.
18- في تلك الفترة، مارس تونغ ورفاقه عملياً ما تم بناء الصين الشعبية على اساسه فيما بعد، اذ احتضنهم الفلاحون بعد توزيعهم الاراضي وكتب ماو في ذلك الوقت عن تكييف الماركسية اللينينية لتناسب الوضع الصيني وعن ثورة القلاحين.
19- في العام 1937، غزت اليابان الصين وجدّد القوميون والشيوعيون تحالفهم بتشجيع من القوى الجمهورية في البلاد ومن الكومنترن. وفي تلك الفترة زادت قوات الجيش الاحمر لتصل الى مليون وبسط ماو سيطرة الشيوعيين لتصل الى حوالى 100 مليون صيني.
20- بعد عام واحد من انسحاب اليابان، دخل الصينيون في حرب اهلية مجدداً حسمت في العام 1949 بهزيمة القوميين، واصبح ماو تسي تونغ رئيس الحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية الوليدة ورئيس اللجنة العسكرية التي تقود جيش التحرير الشعبي.
21- بدأ تونغ ورفاقه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني جهداً لاعادة بناء الصين عبر خطط تنمية وثورات بعد ثورات.وعبر مبادرات وخطوات، انجز تونغ الاصلاح الزراعي والتعاونيات الزراعية وبسط مظلة الخدمات الصحية وغيرها. لكن مبادرة القفزة للامام عام 1958، بهدف تطوير الصناعة في الصين بالتوازي مع الزراعة لتجاوز انجاز الغرب، لم تجدِ نفعاً، وفشلت في اواسط الستينات. حينئذ انسحب تونغ من المواقع التنفيذية وان ظل رئيساً للحزب حتى وفاته.
22- في العام 1966، بدا أن معاوني ماو من امثال ليو شاو كي ودنج زياو بنج يتجاهلون حديديته في مسالة الصراع الطبقي وهم ينفذون خطط التنمية، فاطلق ما عرف باسم الثورة الثقافية مستهدفاً معاضيه ومستغلاً غضب قطاعات من الطلاب سموا وقتها بالحرس الاحمر. الا أن الثورة الثقافية ادت الى اضطرابات اضطرته الى الاستعانة بالجيش للقضاء عليها عام 1967، وكان حليفه وقتها قائد الجيش وزير الدفاع لين بياو الذي قرر ماو ترشيحه خلفاً له عام 1969.
23- لكن صعود شواين لاي واتفاقه مع ماو على ان البعد عن الاتحاد السوفيتي يقتضي انفتاحا على امريكا لم يكن مقبولا لدى لين. وفي العام 1971، قتل لين بياو في تحطم طائرة كان في طريقه للهرب بها بعد اتهامه بمحاولة اغتيال ماو.
24- بعد الثورة الثقافية، بدا ان البراجماتيين بقيادة دنج زياو بنج قد كسبوا الجولة، الا ان المتشددين تفوقوا عليهم اثر وفاة شواين لاي في يناير/كانون الثاني 1976.
25- اختار ماو شخصية وسطية لقيادة البلاد من بعده هو هوا جو فنج. وبعد وفاة ماو بشهر قام هوا باعتقال المتشددين وفي مقدمتهم من عرفوا بعصابة الـ4: زانج شون كياو ووانج هونج وين وياو ون يوان وتشيانج تشينج (زوجة ماو).
الصين وكورونا.. جيوش الكترونية لإخفاء “الحقيقة المرة” على الصعيدين الرقمي والميداني
أفضل نظام للمعلومات المضللة في العالم ليس في موسكو، بل في بكين. ويُظهر تسريب جديد كيف سحبت بكين البرامج المتخصصة، والرقابة والمتصيدون والمخبرون، وكذلك الشرطة للسيطرة على نشر أخبار فيروس كورونا، في حين أنّ الضوابط كانت تستهدف الجمهور الصيني في المقام الأوّل، وكان المسؤولون على دراية بسعيهم إلى استخدام الرقابة للتأثير على الآراء في الخارج.