أتلانتك: على بايدن ألا يبدد النفوذ الذي ورثه
تشكل إيران تهديداً عالمياً كبيراً، خصوصاً أنها ما زالت تنتهكُ القرارات الدولية بشتى أنواع الوسائل. وفعلياً، فإن آخر فصول الانتهاكات الإيرانيّة كان في قرارها إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وهذه النسبة أعلى بكثير من تلك المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم بين طهران والدول الكبرى في العام 2015.
وقبل أسبوع، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخميس، أنّ إيران أبلغتها ببدء تنصيب معدات إنتاج معدن اليورانيوم، وهو ما يمثل انتهاكاً آخر للاتفاق النووي التاريخي المبرم مع القوى العالمية عام 2015، وفق ما ذكرت وكالة “أسوشيتد برس“.
ويستخدم معدن اليورانيوم في صنع قنبلة نووية، وتمّ حظر البحث في إنتاجه ضمن ما يُسمى بخطة العمل الشاملة المشتركة الموقعة مع القوى العالمية عام 2015، على وجه التحديد. ويعد الهدف النهائي للاتفاق هو منع إيران من تطوير قنبلة نووية، وهو أمر تصر طهران على عدم رغبتها في القيام به.
ومع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، برزت المطالبات من جديد باتجاه لعدم العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، والذي كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد انسحب منه في العام 2018.
واعتبرت مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية، إنّ الإتفاق لم يقلل من التهديد النووي الإيراني، لافتة إلى أنّ إيران تحتاج إلى 3 مكونات لكي تصبح قوة نووية عسكرية هي: يورانيوم عالي التخصيب، ورأس حربي، وصاروخ قادر على إيصاله. وفي الواقع، فإنّ الاتفاق لم يتناول سوى المكون الأول وتجاهل الحديث عن المكون الثاني والثالث.
واستطاع الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف رسمياً باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” من أن يحدّ من قدرة إيران الفورية على تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة. وخفضت هذه الخطّة مخزون النظام من اليورانيوم بنسبة 97%، وأوقفت ثلثي أجهزة الطرد المركزي، وأعادت تصنيف اثنين من منشآتها النووية الرئيسية كمراكز أبحاث مدنية، كما حدد حد أقصى لتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.7%، أي أقل بكثير من مستوى الأسلحة.
غير أنّ الاتفاق سمح أيضاً لإيران بالاحتفاظ ببنيتها التحتية النووية الهائلة، وهي غير ضرورية لبرنامج طاقة مدني ولكنها ضرورية لبرنامج نووي عسكري. كذلك، لم يُغلق الاتفاق أي منشأة نووية أو تدمير جهاز طرد مركزي واحد. وبحسب “ذا أتلانتك”، فإنّ السهولة والسرعة اللتين استأنفت بهما إيران إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب توضح خطر ترك النظام بهذه القدرات.
وسمحت الصفقة للنظام الإيراني بتطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة قادرة على إنتاج المزيد من اليورانيوم عالي التخصيب في وقت أقل بكثير، مما يجعل إيران بعد أقل من عقد من الآن، قادرة قانوناً على إنتاج وتخزين ما يكفي من المواد الانشطارية لعشرات القنابل.
ومع هذا، أشارت المجلة إلى أنه على الرغم من وجود بنود لتفقد المنشآت المتعلقة بالتخصيب، فلا يوجد أي منها لتفتيش مواقع صنع القنابل المحتملة أو معاقبة إيران في حالة اكتشاف أي منها، معتبرة أن هذا الإغفال، أصبح أكثر وضوحاً قبل 3 سنوات، بعد أن كشفت إسرائيل عن أرشيف إيران النووي السري. كذلك، كشفت آلاف الوثائق السرية بالتفصيل مواقع نووية ومواد مشعة غير معلنة، بالإضافة إلى مخططات لقنبلة محمولة بصواريخ. والأمر الأكثر إدانة هو أن الأرشيف أكد أن برنامج الأسلحة النووية الإيراني لم يتوقف في عام 2003، بل انقسم فقط إلى قنوات علنية وسرية، بعضها جزء لا يتجزأ من جامعات مرموقة.
وبحسب بعض الخبراء، فإن الصفقة تسمح لإيران في النهاية بامتلاك العنصر الأول للقنبلة وهو مخزون من اليورانيوم عالي التخصيب. أما بالنسبة للصاروخ الذي سيحمل الرأس النووية، فإن النظام الإيراني يمتلك بالفعل صواريخ “شهاب -3″، القائمة على صاروخ نو دونج الكوري الشمالي، القادرة على ضرب أي دولة في الشرق الأوسط وحتى دول بعيدة مثل رومانيا، ويحتوي الأرشيف على خطط مفصلة لتركيب رأس حربي نووي على صاروخ “شهاب -3″، وتهدف إيران إلى توسيع تهديدها لأوروبا الغربية والولايات المتحدة من خلال تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات.
ورأت “ذا أتلانتك” أنّ الاتفاق لم يوقف جهود طهران للحصول على قنبلة نووية، بل كافأها بشكل مبالغ، فقد ساعد الاتفاق وتخفيف العقوبات على النظام الإيراني، في حصولها على عشرات المليارات من الدولارات. ووفقاً للمجلة، فإنه بدلاً من استغلالها في تنمية البنية التحتية المتدهورة، استخدم النظام الإيراني هذه الأموال لتوسيع شبكة الإرهاب الدولي، وتعزيز القدرات الهجومية لحماس وحزب الله، ومساعدة النظام السوري بشكل أكبر في قتل واجتثاث شعبه، بالإضافة إلى بسط هيمنتها على لبنان والعراق وسوريا واليمن وغزة.
“ذا أتلانتك: على إدارة بايدن مقاومة الضغط من أعضاء الكونغرس وغيرهم ممن يحثون على العودة غير المشروطة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة
ودعت المجلة إدارة بايدن إلى مقاومة الضغط من أعضاء الكونغرس وغيرهم ممن يحثون على العودة غير المشروطة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، والتشاور مع حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط بشأن الشكل الجديد الذي يجب أن تكون عليه الصفقة والتي تمكن من الحد الفعلي لقدرة طهران لتطوير أسلحة نووية. وبحسب “ذا أتلانتيك”، فإنّ تحقيق هذه الأهداف سيتطلب تعاوناً وثيقاً وصريحاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية المعنية.
ومع هذا، فقد اعتبرت المجلة أنه على الرغم من أن كل إدارة جديدة تسعى لتمييز نفسها عن سابقتها، فإنه يجب على الرئيس جو بايدن ألا يبدد النفوذ الذي ورثه. وواقعياً، فقد أدت عملية إعادة فرض العقوبات الأمريكية وتشديدها إلى ضغوط هائلة على النظام الإيراني. وبعد انتظار انتهاء الإدارة القديمة على أمل أن يأتي عام 2021 بإدارة جديدة، يحاول النظام الإيراني الآن ترهيب بايدن لتجديد خطة العمل الشاملة المشتركة. وليس من قبيل الصدفة أن النظام انتظر عامين قبل الاقتراب من التخصيب بنسبة 20%، وهو ما كان يمكن أن يفعله في أي وقت، لكنه يفعل ذلك الآن فقط، مع بداية الإدارة الجديدة. وبحسب المجلة، فإنّ بايدن لا يجب أن يستسلم لهذا الإبتزاز النووي.
بعد تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن: ما هي ملامح السياسة الخارجية الأمريكية عالميا وعربيا؟
يعتبر الأوروبيون تنصيب جو بايدن فرصة لإعادة العلاقات مع واشنطن الى مسارها الصحيح، لذلك قد قاموا بتقديم خطة للعمل المشترك بهدف تفعيل آليات التعاون المشترك. فما هي أهم القضايا التي ستكون مطروحة على خطة العمل المشترك من وجهة نظر أوروبية وأمريكية؟