تفاصيل “خطة ذكية” انتهت بتهريب مشرّع من هونغ كونغ! بعدما خرج تيد هوي، من الأبواب الأوتوماتيكية في صالة الوصول بمطار كوبنهاغن، استقبله سياسيان دنماركيان شابان بفرح عظيم. لم يحترما بتاتًا الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، فاحتضناه.
“نجحت الخطة”.. لقد تمكّن الدنماركيان من خداع سلطات هونغ كونغ وأجبراها على إعادة جواز سفر تيد هوي. لكنَّ الشابين اللذين ساعده في تنظيم خطة الهروب يواجهان الآن تهديداً وشيكاً وخطراً، وهو تسليم المجرم إلى سلطات الصين.
عضو الحزب الاجتماعي الليبرالي الدنماركي توماس روهدين، قال في مقابلة مع “أخبار الآن“: “يبدو أنّ قانون الأمن القومي في هونغ كونغ قانون عالمي، ومن الواضح جدّاً أنّ الجميع يخضع له. فإذا خالف سياسي القانون في أوروبا، يمكن للنظام أن يستهدفه على أيّ حال، لأنه قانون عالمي”!
أمّا عضو حزب المحافظين أندرس ستورغارد، فقال لـ”أخبار الآن“، إنّ “كلّ شيء يعبّر عن نظرة العالم للحكومة الصينية. يمكن للجميع أن ينعم بالسلام طالما أنّهم ينحنون أمام صاحب السمو الإمبراطور شي. الأمر يتعلق حقاً بتهديد كلّ من ينتقد الصين بصمت”.
أسّسا معاً المجتمع الدنماركي الناقد للصين، ومن خلال عدم ثقتهما المشتركة بهذا البلد وشرب كؤوس النبيذ في إحدى الأمسيات في كوبنهاغن، أصبحا صديقين لـ تيد هوي، السياسي المؤيد للديمقراطية في هونغ كونغ الذي اشتهر بإلقاء “قنبلة ذات الرائحة الكريهة” في المجلس التشريعي لهونغ كونغ، حيث كانوا يصوتون على قانون يجرّم إهانة النشيد الوطني الصيني.
عندما أُلقي القبض على هوي بسبب ذلك الأمر وتورّطه في الاحتجاجات الضخمة، وقد صادرت السلطات جواز سفره، تواصل مع ستورغارد وسأله عمّا إذا كان بإمكانه المساعدة في تنظيم اجتماع في كوبنهاغن، ويفضل أن يكون الأمر طبيعياً من الناحية السياسية، ومشابه لتغيّر المناخ. اعتبره الدنماركيان صرخة تصبّ في إطار طلب للمساعدة.
وقال ستورغارد: “لقد بدا واضحاً، إذا أُلقي القبض عليك في هونغ كونغ، وطلبت القدوم إلى الدنمارك لعقد اجتماعات، حين تمضي سنوات عديدة في السجن، أعتقد أن الحديث عن المناخ ليس أكثر الأمور إلحاحاً”. فإذا دُعي سياسي إلى اجتماع مهم في بلد آخر، في هذه الحالة لا يمكن لهونغ كونغ أن تحجب جواز سفره.. لذا ومن خلال دعوة هوي لحضور اجتماعات رسمية حول تغيّر المناخ، يمكن خداع السلطات لإعادته جواز سفره.
وُضعت الخطة موضع التنفيذ
وهذا ما فعلاه. بمساعدة من سياسيين آخرين، أعدّا جدولًا زمنياً للاجتماعات مع منظّمات ومجموعات عديدة بدت جميعها حقيقية، لكنّها كانت موجودة فقط لتهريب هوي. لذلك، حين تمّ إرسال رسالة فعلية إلى تيد هوي لدعوته إلى الإجتماع للتحدّث بصفته سياسياً مهمّاً في هونغ كونغ، صدّقت السلطات الصينية ذلك وأعادت جواز سفره. وتجنّباً للمخاطرة، لم يتواصل الدنماركيان مع هوي لاحتمال أن تكون سلطات الصين تراقبهما، وبالتالي تكشف المخطّط لعملية الهروب المنظمة.
وقال روهدين: “لم نشك في أنّها كانت خطة هروب، لكن لم تكن لدينا تفاصيل على الإطلاق. فوضعنا برنامجاً وكشفناه للصحافة، لكنّنا لم نكن نعرف شيئاً على وجه اليقين”.
وبعد العناق في المطار، حصل هوي على معلومات جديدة، ما أدّى إلى قلب خطط الدنماركيين. كانت عائلته لا تزال في هونغ كونغ وكانت تنتظر ركوب الطائرة المتجهة إلى لندن. كما كان يخشى ما إن انتشر خبر أنّه يسعى إلى المنفى في المملكة المتحدة، فلن يُسمح لهما بالصعود على متن الطائرة.
وقال رودين: “ثم بدأت فوضى رهيبة. كان ينبغي علينا أن نقنع الصحافيين لسحب كلّ شيء عن المنفى. وفي هذا السياق، وفي هذه الأثناء كان لدينا برنامج ممتلئ، وعقدنا اجتماعات حول صراع سياسي للتحدّث عنه وعائلته إلى جانبه”. وأضاف: “إذا كنا متوتّرين، فلن أريد أن أكون هوي. كان ذلك مرهقاً جسدياً وعاطفياً”.
لكن بعد ذلك تلقى هوي رسالة نصية. كانت العائلة على متن الطائرة وفي طريقها إلى الخروج من هونغ كونغ، وكانت الأمور قد انتهت. لم يكن يخطط للعودة إلى هونغ كونغ في الوقت الحالي؛ بل كان سيواصل القتال في مكان آخر.
ليس لديك أي وقف مؤقت في بكين
كان ردّة فعل الصين وهونغ كونغ واضحة.. فهما لن يتسامحا مع التأثيرات الخارجية التي تقوّض سلطتهما على المدينة. فقد طلبت عضو المجلس التنفيذي في هونغ كونغ ريجنا إيب ليو في تغريدة لها، الحصول على صلاحيات لمحاكمة أندرس ستورغارد الذي ساعد تيد هوي وعاونه في خداع محاكمنا”. وقال ستورغارد: “اعتقدنا أنّه كان حديثاً صعباً للجمهور المحلي”، فيما قال رهدن: “لقد كنّا نمزح كثيراً في البداية. تريد محاكمتنا في هونغ كونغ، ونحن نريد محاكمتها في لاهاي”!
لكن بحسب وسائل الإعلام الدنماركية، بدأت سلطات هونغ كونغ تحقيقاً بشأن احتمال تسليم الأشخاص الذين يقفون وراء مخطط النفي إلى المنطقة الإدارية الخاصة. ثمّ بدأت تبدو حقيقية بعض الشيء. وقال ستورغارد: “إنّها دولة معروفة باختطاف مواطني الدول الأخرى”، في إشارة إلى صاحب محل لبيع الكتب يحمل الجنسية السويدية الذي تمّ الإستيلاء عليه في تايلاند وسجنه لاحقًا في الصين. وأضاف: “ثمّة عواقب مباشرة بالنسبة إليّ، صديقتي فلبينية وأودّ زيارة عائلتها، لكن الرئيس دوتيرتي لديه صفقة تسليم المجرمين مع الصين. لا أعرف ما إذا كانوا سيرسلونني إلى الصين، لكنّها طبعاً فكرة أفكر فيها”.
رسالة للآخرين
وقال السياسيان لـ”أخبار الآن” إنّهما فوجئا بنقص الدعم من وزارة الخارجية الدنماركية. ووعد الوزير بالحفاظ على خط “قائم على القيمة” ضدّ الصين، لكنّه رفض مقابلة هوي ولم يدعم السياسيين الشابين، حتى مع انتشار قصص التسليم في وسائل الإعلام الدنماركية. لكن ذلك لم يمنعهما من مواصلة عملهم في انتقاد الصين، لأنّ نفوذ الصين بدأ بالتسرّب إلى أوروبا، ويجب على شخص ما أن يبدأ في التحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. في هذا السياق، قال ستورغارد: “يجب على البلدان أن تتحد.. تريد الصين تقسيمنا ومهاجمة الدول الصغيرة بشكل فردي. إذا كان العالم متماسكاً، فيمكننا إحداث فرق”.
كذلك لديهم رسالة مباشرة إلى دول الشرق الأوسط، إذ قال روهدين: “أين أنتم؟ تبحث بلدان عديدة في الشرق الأوسط عن الطريق الآخر لما يحدث في شينجيانغ. هذه معركة مشتركة بينكم وبين أوروبا. يستخدم الناس هذا كحجة، إنّها ليست إبادة جماعية، لأنّ الدول الإسلامية لم تقف في وجه الصين، لذا لديكم الكثير من التأثير هنا”. أمّا ستورغارد فقال من جهته: “يتجلّى الفرق حين تقف بعض الدول وتعارضهم. يتعين أحيانًا على الطفل الصغير الوقوف في وجه المتنمّر.. يجب أن يتخذ شخص ما الخطوة الأولى، فلماذا لا نقوم نحن بذلك”؟