في الأيام التي أعقبت الإطاحة بزعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي، ظلّت الشوارع في العاصمة نايبيداو صامتة وفارغة. وفي الواقع، فإنّ بعض الحواجز العسكرية والعربات المدرّعة التي تنفذ دوريات في الشوارع، هي العلامة الوحيدة على إنقلاب الجيش المفاجئ في البلاد.
وحالياً، فإنّ قائد القوات المسلحة في ميانمار الجنرال مين أونغ هلاينغ هو الذي يدير شؤون البلاد. فالإستبدادي المتهم بالاشراف على عملية تظهير عرقي ضدّ أقلية الروهينغا المسلمة هو الآن في مركز السلطة في ميانمار.
ويقول الخبراء أنّ توقيت الانقلاب يكمُن في سعي مين أونغ هلاينغ للسلطة، وهو لم يلقِ خطاباً يعلن فيه تنصيب نفسه حاكماً جديداً في ميانمار. وبدلاً من ذلك، لجأ الجنرال العسكري البالغ من العمر 64 عاماً، وقال في تصريح مقتضب أنّ الانقلاب كان “حتمياً” بعد أن فشلت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، التي فازت بنسبة 83% من الأصوات في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، في الرد على شكاوى الجيش بشأن التزوير الانتخابي المزعوم.
والآن، فرض هلاينغ حالة الطوارئ في ميانمار، وتعهد بإجراء انتخابات جديدة في غضون عام، وهو ادعاء لا يصدقه الكثيرون.
وأعطت كيلي كوري، النائب السابق لسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والمتخصصة في شؤون ميانمار، لمحة عن شخصية هلاينغ في العام 2018، خلال بعثة لتقصي الحقائق تابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الفظائع التي ارتكبها الجيش ضد أقلية الروهينغا.
وكان هلاينغ أشرف على حملة عسكرية من الاغتصاب والقتل والحرق المتعمد ضدّ أبناء الروهينغا، وكان ذلك بهدف الإبادة الجماعية.
وقام فريق مجلس الأمن الدولي المكون من 15 عضواً بالتحليق فوق القرى المحترقة أثناء جرفها، وعندما التقى بهم، قلل هلاينغ من أهمية الاتهامات بارتكاب جرائم خطيرة، وادّعى أنّ ما حصل كان “مسألة داخلية” لاستئصال الإرهاب.
وتقول كوري لصحيفة “تيلغراف” البريطانية: “أعتقد أنه معتل اجتماعياً” في إشارة إلى هلاينغ. وتضيف: “جلس هلاينغ مع ابتسامة سخيفة برزت على وجهه طوال الوقت. لقد كان سلساً جداً. كان لديه الكثير من الثقة وشعر بالرضا عن نفسه وما فعله”.
كان هلاينغ مقتنعاً شخصياً بأنه ولد ليحكم، وتقول كوري: “لقد أخبره الجميع بذلك طوال السنوات الـ10 الماضية”.
ويقول محللون إن الموعد النهائي للجنرال للتقاعد في عيد ميلاده، من المرجح أن يكون قد أدى إلى قراره بشن انقلاب. ومع هذا، كان هلاينغ سيدرك جيداً أن تنحيه عن منصبه كان سيجعله أكثر عرضة للمحاكمة بسبب دوره في الحملة الوحشية ضدّ الروهينغا في العام 2017.
وتدرس محكمة العدل الدولية في لاهاي بالفعل مسؤوليته الجنائية بشأن الإبادة الجماعية المزعومة، وهو يخضع حالياً لعقوبات أمريكية.
ومع هذا، يتساءل مراقبون آخرون عمّا إذا كان الانقلاب منطقياً بالنظر إلى النفوذ الكبير الذي يتمتع به الجنرالات بالفعل في حكم ميانمار. وعلى الرغم من فوز أونغ سان سو تشي في انتخابات العام 2015، فإن الجيش احتفظ دائماً بالسيطرة على وزارات الدفاع والداخلية والحدود القوية، بالإضافة إلى 25% من المقاعد غير المنتخبة في البرلمان.
وبعد الانقلاب، من المرجح أن يعود الجيش إلى قواعد اللعبة المعتادة، باتباع أنماط السلوك السابقة من خلال اعتقال المعارضين، ومحاولة حل الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وتهميش سو تشي.
من جهته، قال أفيناش باليوال، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة SOAS في لندن، إن “الاعتراضات الحالية للدول الأجنبية بشأن ميانمار، ليس لها تأثير كبير على الجنرالات الذين يتولون المسؤولية الآن بحزم”.
اللاجئون الروهينغا يفقدون أيّ أمل بالعودة إلى الوطن بعد انقلاب ميانمار
لم يبدل الإنقلاب العسكري في ميانمار شيئاً من نظرة الروهينغا الذين ينتشرون في المخيّمات في بنغلادش، بل على العكس لقد زاد هذا التطور الطين بلة، لا سيما وأن تاريخ الحجيش في ميانمار ليس مشرّقأً وفق ما يقول اللاجئون الذين التقاهم مراسل “أخبار الآن” في مخيّم حكيم بارا (المخيم 14)، حيث يعيش أكثر من 50 ألف نسمة.