على أطراف مدينة بيشاور والتي دمّرها الإرهاب خلال حقبة ما بعد طالبان، وحين تتجه نحو ممر خيبر الشهير بالقرب من الحدود الباكستانية – الأفغانية، تدخل شبكة من المتاجر واسعة ومترامية الأطراف، وتسمى سوق كارخانو أو “بازار المهرّبين”.
يقع سوق كارخانو في الجزء الشمالي الغربي من باكستان، على طريق سريع يقودك مباشرة إلى الحدود الباكستانية – الأفغانية. ويتباهى السوق علناً ببيع البضائع المستوردة عبر باكستان إلى أفغانستان. وتُهرّب البضائع التي لا تحظى بطلب هناك، إلى الأسواق الباكستانية من دون دفع أيّ رسوم.
تمنح اتفاقية التجارة العابرة الباكستانية – الأفغانية (باتا)، التي يستورد الأفغان ذو المخزون الأكثر من خلالها البضائع من الصين والهند ودبي وسنغافورة وماليزيا وإيران وحتى تركيا، إمكانية الوصول إلى الحدود الباكستانية في طريقها إلى أفغانستان. ولم تصل معظم هذه البضائع إلى أفغانستان أثناء عبورها وتفريغها وإعادتها إلى الأسواق الباكستانية، حيث يتعامل قانون الدولة بشكل مختلف مع رجال الأعمال القبليين.
بائع الفاكهة المجفّفة في سوق كارخانو الرئيسي نور الدين، يقول لـ”أخبار الآن“، إنّ “التجّار الأفغان الأثرياء يستوردون هذه البضائع عبر “باتا” (PATTA)، ولا نعرف قيمة الرسوم التي يدفعونها أو إذا كانوا يدفعون أيّاً منها”.
وقال نور الدين إنّ “معظم الفاكهة المجفّفة، بما في ذلك الفستق والعنب الجاف والجوز والتين المجفّف، تأتي من أفغانستان عبر الناقلات التي تسافر عبر جبال يتعذّر الوصول إليها بهدف التهرّب من قوات الأمن الحدودية”.
وأضاف أنّ “الكاجو والفول السوداني واللوز والصنوبر وبذور دوار الشمس المجفّفة وجوز الهند المجفف والتمر والبندق، فكل ذلك يُستورد من خلال تجارة العبور”، متحدثاً أنّ “السلطات الباكستانية عزّزت الآن عمليات التفتيش على الحدود التي سيّجتها بالأسلاك الشائكة، ما جعل التهريب من أفغانستان صعباً للغاية”. وتابع أنّ “معظم البضائع الأجنبية تُستورد بشكل قانوني الآن وتُدفع الرسوم والضرائب بشكل صحيح في مدينة كراتشي الباكستانية”.
لكن في الواقع، فإنّ مجموعة متنوعة من النسخ الصينية وطبق الأصل لمنتجات صينية الصنع ذات العلامات التجارية، بما في ذلك المجوهرات والساعات والكاميرات والسلع الإلكترونية والأجهزة المنزلية الإصطناعية في السوق، تنفي الإدعاء بأنّ التهريب تمّ تقليصه، وهي تتواجد بكثرة في هذا السوق.
وتجتاح أدوات المطبخ المستعملة والطهي وكذلك أدوات الأفران والسخانات الفورية، الأسواق في اليابان. لكن المراقبة الصارمة للحدود لم تتحكم في تدفق البضائع من أفغانستان، إذ ارتفعت أسعارها بنسبة 30 إلى 40 %، وهي تكلفة إضافية يدفعها المهرّبون للأجهزة الأمنية.
وأبلغ سلطان خان، وهو بائع أجهزة الهاتف في سوق كارخانو، “أخبار الآن“، أنّ أجهزة الهاتف الأرضية المستعملة تدخل أفغانستان من اليابان والصين وكوريا عبر كراتشي من خلال رجال أعمال كبار، يستخدمون فيما بعد التجار الأفغان والباكستانيين لإحضارها إلى منطقة خيبر (وهي منطقة قبلية سابقة وتخضع الآن لسلطة الحكومة الباكستانية).
وقال سلطان: “ومن هناك، يوجّه المهربون أجهزة الهاتف إلى سوق كارخانو”، مضيفاً أنّ الطلب على مجموعات النسخ الصينية وطبق الأصل يتزايد بشكل كبير ويحقق أرباحاً جيّدة”.
وشكّل هذا السوق محط الأنظار العالمية، حين ذكرت وسائل الإعلام الأجنبية في العام 2014 أنّ المعدات التي تستخدمها منظّمة حلف شمال الأطلسي والقوات الأمريكية في أفغانستان المجاورة، معروضة للبيع في السوق.
وأشارت التقارير الإعلامية إلى أنّ الأسلحة الأمريكية الصنع، تشمل مسدسات وبنادق كلاشينكوف ونظارات للرؤية الليلية وخناجر وثياباً عسكرية وأكياس النوم وأجهزة كمبيوتر محمولة وكاميرات وأدوية وبنادق قنص معروضة في السوق. لقد هُرّبت هذه السلع من أفغانستان إلى باكستان عبر متمرّدي طالبان، التي احتجزت أحياناً الحاويات المليئة بالمعدات العسكرية الأمريكية، ونُقلت الأسلحة المنهوبة من الحاويات إلى أسواق المهربين في بيشاور لبيعها.
رجل أمن يعمل في نقطة تفتيش بالقرب من کارخانو، صرّح لـ”أخبار الآن” زاعماً أنّه ما من أسلحة غير شرعية تباع في هذه الأسواق. وأضاف الشرطي الذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، أنّ هذه الأسواق تغصّ بالبضائع الصينية المستوردة بشكل غير قانوني من خلال تجارة الترانزيت. وتتوفر هذه البضائع في كلّ أرجاء البلاد، بحسب ما أكد. إلّا أنّه أقرّ بأنّ المناطق القبلية المتلاصقة تشهد تداولاً غير مشروع للأسلحة.
ويبيّن أنّ جهاز الشرطة يتمتّع بصلاحية الحفاظ على القانون والنظام في المناطق القبلية بموجب التعديل الدستوري. بالتالي، فإنّ مصانع الأدوية غير القانونية والأسلحة غير المرخّصة والعقاقير المهرّبة، ستصادر وستتخذ إجراءات بحق الجناة.
في هذا السياق، أقرّ مجلس النواب الباكستاني بالإجماع في العام 2018 التعديل الخامس والعشرين من القانون. ودعت هذه المادة إلى إدماج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الإتحادية مع خیبر بختونخوا.
وتمّ بالفعل دمج 7 أقسام للإدارة الاتحادية، ألا وهي باجور، مومند، خیبر، كورم، اورکزئی، شمال وزيرستان، وجنوب وزيرستان. وقد توسّع القانون الإتحادي الباكستاني ليشمل المناطق هذه بعدما كانت مستقلة ومنفصلة. بيد أنّ الحكومة أخفقت في السنوات الـ3 الماضية في تحقيق إطار قانوني شامل في المناطق القبلية (سابقاً) في باكستان.
أمّا الخطوة التالية التي اتخذتها السلطة الباكستانية بغرض القضاء على الإرهاب والتهريب، فهي تسييج الحدود سهلة الإختراق الممتدة على طول 2600 كلم مع أفغانستان.
وينفذ الجيش الباكستاني حالياً هذا المشروع بكلفة تقدر بـ500 مليون دولار أميركي (ما يعادل 1.86 ملياردرهم إماراتي). تفصل بضع مترات بين الأسوار الشبكية التي تعلو على ارتفاع ثلاثة أمتار. وتملؤها وتعلوها أسلاك شائكة تمر عبر التضاريس الوعرة والجبال الغادرة المكسوة بالثلوج على ارتفاع 4,000 متر. وبحسب ما أفادت تقارير إعلامية، فإن التسييج سيكتمل في نهايةشهر مارس من هذا العام.
على الرغم من أنّ هذه الخطوات دفعت نحو ارتفاع أسعار البضائع المهرّبة، إلّا أنّها لم تثن التجار عن هذا التوجه. وفي الوضع الراهن، تظهر حركة التهريب نشاطاً متزايداً في باكستان.
وفي تقرير أعدّه فريق من الإقتصاديين في جامعة هارفارد، تبيّن أنّ البضائع المهربة إلى البلد تدر نحو 3.3 مليار دولار أميركي (12.11 مليار درهم إماراتي) في السنة الواحدة.
والمقلق في الأمر، أنّ الأجهزة التنظيمية الموكلة فرض القانون، تصادر ما لا يفوق الـ 5 % من البضائع المهرّبة إلى باكستان. وأضاف التقرير أنّه في الفترة الممتدة ما بين 2014-2018، زاد حجم البضائع المهرّبة إلى البلد ثلاثة أضعاف.
وقد قفزت نسبة التهريب من 3.88% إلى 11.25% في الفترة ذاتها، و74 بالمئة من الهواتف الخلوية المباعة في باكستان هي بالأساس مهرّبة. وبحسب التقرير، فإنّ 53 % من مستحضرات النظافة، و23 % من الشاي، و20 % من السجائر، هُربت إلى البلد. بالإضافة إلى ذلك، فقد بلغت قيمة العقاقير الطبية المهرّبة إلى باكستان 44 مليار روبية هندية (1.1 مليار درهمإماراتي).