التعدين .. طاقة عظمى خضراء في القطب الشمالي
من يتخيل أن يوما ما قوى خضراء هي التي ستجذب الزوار في ثاني أبرد منطقة في الكرة الأرضية. ففي القرن العاشر، اكتشف إريك الأحمر، وهو فايكنغ من أيسلندا، جزيرة في القطب الشمالي مليئة بالنباتات و أطلق عليها ” الأرض الخضراء”. أصبحت هذه الجزيرة اليوم العامل الأساسي للسياح في هذه المنطقة.
تحتوي هذه الجزيرة، و هي الأكبر في العالم، على موارد ضخمة من المعادن تُعرف باسم “الأرض النادرة” ، تُستخدم لإنشاء مغناطيس مدمج وقوي للغاية يساعد في تشغيل العديد من المعدات مثلا: المركبات الكهربائية و توربينات الرياح و والطائرات المقاتلة وأنظمة الأسلحة.
هذه المعادن متواجدة بوفرة على مستوى العالم، لكن معالجتها صعبة نسبيا – لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تسيطر على الإنتاج، تخلت عن هذه المكانة للصين منذ حوالي 20 عامًا.
و مع انحسار الغطاء الجليدي والأنهار الجليدية في جرينلاند، تتسابق شركتا تعدين مقرهما أستراليا – واحدة تسعى للحصول على تمويل في الولايات المتحدة، والأخرى مملوكة جزئيًا لشركة صينية مدعومة من الدولة – للحصول على الموافقة للبحث في ما تسميه هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) ” أكبر رواسب غير مطورة في العالم من معادن الأرض النادرة”.
و يهدف السباق ما بين الشركتين للتركيز على الجانب الملوث للطاقة النظيفة، بالإضافة إلى تحرر الغرب من الصين في إنتاج موارد حيوية. ففي العام الماضي، أنتجت الصين حوالي 90٪ منها، وفقًا لشركة الاستشارات Adamas Intelligence.
و مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، قالت إدارة الرئيس جو بايدن، الشهر الماضي، أنها ستراجع الإمدادات الأمريكية الرئيسية، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة، لضمان عدم تمكن الدول الأخرى من تسليحها ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
و من ناحية أخرى، تقول هذه الشركات، أن تطوير كل منجم في جرينلاند سيكلف حوالي 500 مليون دولا تقريبا. و يخطط كلاهما لإرسال المواد المعدنية بعيدا للمعالجة النهائية، وهو نشاط يتركز بشكل كبير في الصين. المنجم الأرضي النادر الوحيد الذي يعمل الآن في الولايات المتحدة – Mountain Pass في كاليفورنيا – مملوك جزئيًا لشركة صينية مدعومة من الدولة والتي ترسل حاليًا المواد المستخرجة من الولايات المتحدة إلى الصين لمعالجتها.
التعدين كمصدر رئيسي للدخل
تقع أراضي جرينلاند على بعد أقل من 16 كم (10 أميال) من بعضها البعض في الطرف الجنوبي من الجزيرة، بالقرب من أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. وأثار النقاش حولهما أزمة سياسية في العاصمة نوك، و الذي تسبب بإجراء انتخابات عامة في الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 56 ألف نسمة، في أبريل المقبل. و على الرغم من قلق العديد من سكان جرينلاند بشأن التلوث إلا أنهم يشعرون أن التعدين هو مفتاح تنمية اقتصادهم الهش. وفي استطلاع تم عام 2013 ، قال أكثر من النصف بقليل أنهم يريدون أن تصبح المواد الخام هي المصدر الرئيسي للدخل في البلاد. قد تدعم الدولة في نهاية المطاف أيًا من المشروعين، أو كليهما، أو لا تدعم أي منهما.
و يتلخص مشروع التعدين فالإختيار بين منجم واحد لا ينتج مواد مشعة، وآخر منتج له. المنجم الأول هو مبادرة خاصة لا يتضمن مواد نووية قدمه جيولوجي أسترالي إلى المسؤولين الأمريكيين. و قد حصلت هذه المبادرة على موافقة بيئية أولية، لكنه لايزال يحتاج إلى نقود وخطة معالجة. أما بالنسبة إلى المشروع الثاني، فقد أنفق فيه أكثر من 100 مليون دولار في التحضير للتعدين، وأثبت نجاح تكنولوجيا المعالجة من خلال مساعدة شريكه الصيني. وحصل هذا المشروع على دعم سياسي أولي من حكومة غرينلاند. لكن خططه تشمل أيضا تصدير اليورانيوم، الذي واجه مؤخرًا معارضة شديدة من سكان بلدة نرسق القريبة.
الموارد الإستراتيجية
تعد المعادن الأرضية النادرة في جرينلاند أيضًا فرصة لأمريكا وأوروبا لاستعادة السيطرة على الموارد الإستراتيجية.
فقد اكتسبت الجزيرة دورا مهم لمصدر المواد الخام اللازمة لتقنيات الطاقة المتجددة في عام 2010، و ذلك عندما هددت الصين بقطع إمداداتها من المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان، و ضيقت الحصص على المشتريين الدوليين.
أما الآن، فقد ارتفعت أسعار بعض المعادن في الأشهر الأخيرة، بسبب ارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية بالإضافة إلى المخاوف من أن بكين قد تقيد المبيعات.
و يعتبر موقع جرينلاند موقعًا حساسًا للغاية فهي تقع بالقرب من الجناح الشرقي للولايات المتحدة. على هذا الأساس، عرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شراء الجزيرة في عام 2019، ولم يكن أول رئيس أمريكي يفعل ذلك: ففي عام 1946 عرض هاري إس ترومان على الدنمارك 100 مليون دولار مقابل الحصول عليها. وتمنح المعاهدة الدفاعية بين الدنمارك والولايات المتحدة، و التي يعود تاريخها إلى عام 1951، للجيش الأمريكي حقوقًا غير محدودة تقريبًا هناك. بالإضافة إلى وجود قاعدة العسكرية في أقصى شمال الولايات المتحدة.
ويقول فريدبرت بفلوجر، زميل بارز في مركز أبحاث المجلس الأطلسي، أن العائدات الناتجة عن هذا المنجم كبير يمكن أن تمنح مالكه نفوذاً على السياسات في جرينلاند، وقد يشكل الوجود الصيني القوي هناك تهديدات استراتيجية.
وقال فلوجر، سياسي ألماني سابق ونائب وزير الدفاع السابق: “يمكن استخدام وجود الشركات الصينية في جرينلاند كمبرر لتدخل الصين”.