تتواصل التحركات الإحتجاجية في ميانمار رفضاً للإنقلاب العسكري الذي حصل في الأوّل من فبراير الماضي، فيما لا تتوانى عناصر الجيش عن رمي المتظاهرين بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع من أجل تفريقهم، الأمر الذي يؤدّي إلى سقوط عشرات القتلى والمزيد من الجرحى.
وأفاد مراسل “أخبار الآن” في ميانمار بأنّ المئات من المتظاهرين خرجوا في مدن عديدة للتنديد بالانقلاب غداة فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات جديدة على القادة العسكريين. وأوضحت وزارة التجارة الأمريكية أنّها فرضت “قيوداً جديدة على الصادرات” إلى ميانمار، وأدرجت على قائمتها السوداء وزارتي الدفاع والداخلية “المسؤولتين عن الانقلاب” فضلاً عن “هيئتين تجاريتين تديرهما وزارة الدفاع”.
“نقتل ويتمّ اضطهادنا على الطريق علانية”
سوانغ مونغ هلاينغ، وهو مواطن من ميانمار يقول لـ”أخبار الآن“، إنّ “المتظاهرين العزّل والمدنيين في ميانمار يقتلون ويضطهدون على الطريق علانية، والعالم يراقب بشكل أعمى. في ميانمار لا تحترم قوات الأمن حقوق الإنسان، فقد ألقي القبض على الآلاف من الناشطين والقادة”.
ويضيف: “بصفتي مواطناً من ميانمار لا يمكنني البقاء بعد الآن تحت سيطرة الحكم العسكري الوحشي، نحن جميعاً لا نلتزم بالإنقلاب. نحن نقاتل من أجل الديمقراطية الحقيقية في البلاد، وسنواصل القتال حتى نحصل على الديمقراطية. لقد أعلنا الجنرال مين أونغ هلينج وزملاءه العسكريين إرهابيين، يقتلون مدنيين أبرياء منذ عقود، إنه المسؤول عن كلّ نزاع طائفي حدث في بلدنا”.
ويتابع هلاينغ حديثه لـ”أخبار الآن“: “لم تفرج الحكومة العسكرية عن المعتقلين بما في ذلك أونغ سان سو كي والرئيس مينت، لقد ابقوهم كرهائن. تقول نساء معتقلات إنّهن تعرضن لاعتداء جنسي من قبل جنود وشرطة ميانمار، إنّ ذلك انتهاك كامل لحقوق الإنسان لا يسمح العالم بحدوثه بعد الآن. نحن لسنا بأمان في أي مكان وفي أي وقت هنا، من الواضح أنّهم يقتلون ويعذبون ويدمرون ممتلكات المدنيين، ويقبضون على الجميع، ويسرقون ويقومون بكل أنواع الأعمال اللاإنسانية. بصفتنا مواطنين غير مسلحين” ما هي الأشياء التي يمكننا القيام بها”؟
ويخيتم: “في كلّ أنحاء البلاد اليوم، تحزن عائلات كثيرة على فقدان الأطفال والآباء والأحباء. بالأمس، قتل جيش ميانمار ما مجموعه 38 متظاهراً سلمياً. أليست ما يفعل جيش ميانمار جرائم ضد الإنسانية؟ لذا، أصبحت الاحتجاجات مهمتنا اليومية لأن المقاومة أصبحت واجبنا”.
“سنخرجُ قَدْرَ الإمكانِ للاحتجاجِ على هؤلاء القتلة واللصوص”
أمّا الناشطة البورمية إي ثينزار مونغ، فتقول من ناحيتها لـ”أخبار الآن“، إنّ “شعبَنا في الشوارع مسالم، كما يمكنُ أن تجدَ هذا النوع من المتظاهرين في أجزاءَ لأخرى من العالم. إنّ بلطجيةَ الجيشِ والشرطةِ هناك، لا تتبعُ أيَّ قواعد، والقواتُ الأمنية تقتلُ المدنيينَ كيفما يحلو لهم”.
وتشير مونغ إلى أنّه “لا توجدُ حدودٌ لدى الجيش، وهم لا يتبعونَ معاييرَ مكافحةِ الشغب، حتى أنّهم لا يطلبون من الناسِ الإبتعادَ قبل إطلاقِ الغازِ المسيلِ للدموع والرصاصِ المطاطي والذخيرةِ الحية. الأدلةُ على أعمالِ القتلِ والضربِ والاعتقالات والانتهاكاتِ بحريةٍ واضحة تماماً، فلا شيءَ يردعُ الجيش هنا. ومستوياتُ العنفِ تتزايدُ في عدّةِ مدن أكثر وأكثر.
وتتابع: “حتى أنّ الجيشَ حاصرَ المتظاهرين في إحدى المرات بشاحناتٍ مدنيةٍ وتمت مباغتَتُهم، وكان المتظاهرون يهتفونَ بالمطالبِ حاملينَ دروعاً للدفاعِ عن أنفسِهِم ضدَّ الرصاصِ المطاطي. نحن نواجهُ حملةَ القمع، ولا يُسمحُ لنا بالتجمّعِ منذ الثامن والعشرين من فبراير.. فيما لا أحدَ في الشوارعِ يحرضُ على العنف. نحن لا نحملُ حتى إبرة. كيف لنا ذلك؟ إنّهم يمارسونَ العنفَ من دونِ سببٍ واضح. الشيءُ المؤكد هو أنهم لم يعودوا يتسامحونَ مع أيِّ تجمعٍ سلميٍ ويقتلونَ الناسَ بلا رحمة.
وتختم حديثها لـ”أخبار الآن” بالقول: “شيءٌ آخر مؤكّد، هو أنّ الشعبَ سيخرجُ ويتجمعُ قَدْرَ الإمكانِ للاحتجاجِ على هؤلاء القتلةِ واللصوص. إنّهم يقتلونَ الناس في الشوارع كما يحلو لهم، ويَكْذِبونَ بلا خجلٍ على الجمهورِ والعالم”.
المشهد الميداني لم يتغيّر، فهو يسير على وقع القمع وإصرار الجيش ميانمار على موقفه في الإستيلاء على السلطة من جهة، وإصرار المتظاهرين على رفض هذا الإنقلاب العسكري. فما قصته الموجزة؟
قصة موجزة عن الانقلاب في ميانمار
في الرابع من يناير العام 1948، حصلت ميانمار على استقلالها من الإستعمار البريطاني، ومنذ أن أصبحت دولة مستقلة، اتخذ الجنرال أونغ سان، مؤسس جيش ميانمار، وصديقه العقيد السير ريجينالد دورمان سميث اللذان عملا بنشاط من أجل ميانمار الحرة، قراراً لضمان النظام الديمقراطي الفيدرالي في البلاد.
وفي 19 يوليو العام 1948، كان هناك لقاء لأونغ سان مع حكومته الجديدة والتي تضمّ إثنين من المسلمين. وخلال الإجتماع، دخلت مجموعة من المسلّحين، واغتالت تسعةً من أعضاء الحكومة، بمن فيهم أونغ سان إلى جانب إثنين من مسلمي ميانمار. ومنذ ذلك الحين، استولى جيش ميانمار على السلطة لمرّات عديدة وحتى الآن.
وكانت البلاد بعدما حقّقت البلاد استقلالها، كان الجنرال أونغ سان يحاول أن يجعل ميانمار دولة ديمقراطية، لكنّه في الوقت نفسه، لم يحظَ بعض القادة العسكريين بقبول من أونغ سان، وهم كانوا يعرفون تماماً أنّه إذا ما أصبحت ميانمار دولة ديمقراطية، فإنه سيتعين عليهم ترك السياسة وتسليم السلطة إلى المدنيين.
وحتى في القرن الـ21، وعندما أجريت انتخابات مستقلة في العام 2015، حقق حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بقيادة أونغ سان سو تشي، ابنة الجنرال أونغ سان، فوزاً ساحقاً بنسبة 85% من الأصوات، وشكّلت حكومة لمدّة 5 سنوات.
وعلى الرغم من تشكيل حكومة مدنية، إلّا أنّ الحزب لم يكن لديه كلّ السلطة التي يجب أن تمتلكها الحكومة، لأنّ الإدارة القوية والرئيسية لقيادة البلاد كانت في يد الجيش، و25% من مقاعد البرلمان تنتمي أيضاً إلى جيش ميانمار، وقد سمح دستور 2008 له البقاء في السياسة.
ومنذ حصول ميانمار على الإستقلال، كانت هناك العديد من النزاعات بين مجموعتين عرقيتين مثل صراع مجتمعات الروهينغا المسلمة ومجتمعات راخين البوذية، وخلف كلّ هذا الصراع، كان الجيش هو العقل المدبر.
وعندما وصلت حكومة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية إلى السلطة، حاول الجيش إسقاطها بطريقة مختلفة، وذلك عن طريق حملة الإبادة الجماعية في العام 2017 ضدّ أقلية الروهينغا، وزعم أنّ الأمر بمهمة الابادة قد تمّ إصداره من قبل حكومة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وعليه فقط تنفيذ الأمر. وأمام العالم، أصبحت الحكومة في ميانمار “حكومة إبادة جماعية”.
ومع ذلك، انتهت ولاية الحكومة التي دامت لـ5 سنوات في أكتوبر 2020، وخاطب حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الرأي العام طالباً إعطاءه فرصة ثانية لتحقيق المطلوب بعدما عرقلت الصراعات الداخلية مهام الحكومة. وفعلياً، فقد طلب الحزب من الناس التصويت له مرّة أخرى حتى يحاول في بادئ الأمر تغيير الدستور.
وأيضاً هذه المرة، فاز الحزب بنسبة 87% من الأصوات، وعندما كان في صدد تشكيل حكومة في الشهر الماضي فبراير، قام الجيش بالإنقلاب لأنّه كان يدرك أنّه في حال تمكّن حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية من تشكيل حكومته، فإنّه سيغير دستور العام 2008 وسيتمّ استبعاد الجيش عن السياسة.
ومنذ الإنقلاب العسكري في 1 فبراير 2021، واحتجاز المئات من كبار قادة الرابطة الوطنية، بينهم أونغ سان سو تشي والرئيس الحالي يو وين مينت، بدأ شعب ميانمار حركة العصيان المدني في كلّ أنحاء البلاد للإحتجاج على الإنقلاب العسكري الأخير. لكن الجيش لم يفرج عن المعتقلين، وبدلاً من ذلك، كان المجلس العسكري يمارس القمع لاعتقال الناشطين خصوصاً أثناء الليل.
سلوكيات الجيش في ميانمار هي عبارة عن جرائم ضدّ الإنسانية، ومعظم المتظاهرين يقتلون برصاص القنص، فيما ازدادت اللحمة بين بين شعب ميانمار، وتضامن من الروهينغا الذين كانوا في يوم من الأيام ضحية الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش ميانمار. ويقول الشعب هناك: “إننا تعرّضنا لغسيل دماغ وتمّ بثّ الأخبار الكاذبة عن الروهينجا ونشروا الكراهية ضدّ هذه الأقلية، لكنّنا أدركنا أن الأمر كذبة كبيرة بطلها الجيش، وشعرنا بالأسف للوقوف بجانب الجيش عندما ارتكبوا إبادة جماعية ضدّ الروهينجا”.
وأصبح الناس يشعرون بالإحباط من المجلس العسكري، ومضوا في تنظيم احتجاجات سلمية ضدّ الجيش والمطالبة بديمقراطية حقيقية وإطلاق سراح المعتقلين. ولكن مع مرور اليوم، بدأ جيش ميانمار حملة قمع وحشية ضد المتظاهرين.
وقال المؤسس المشارك لتحالف “الروهنغيا الحر” رو ناي سان لوين: “لقد مررنا بأوضاع أسوأ مرات عديدة. صرخت طلباً للمساعدة، ولم أشعر بالإحباط بسبب الظروف. لم أتوقف أبداً عن التفكير في أنني سأنجح يوماً ما، لقد ثابرت، ولم أشعر بالإحباط حتى مع إرسال تهديدات لي بالقتل. العدو يعني أنّ هناك مجموعة عسكرية واحدة في ميانمار، فلا تتوجب أن تتراجع عزيمتنا”.
إدانة أممية لحملة القمع العنيفة
وكانت الأمم المتحدة دانت الحملة الأمنية العنيفة، داعيةً القادة العسكريين للبلاد إلى الإمتناع عن استخدام القوّة بحقّ المتظاهرين السلميين. وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شامداساني في بيان: “ندين بشدة تصعيد العنف ضدّ المحتجين في ميانمار، وندعو الجيش إلى التوقف فوراً عن استخدام القوة في حق المتظاهرين السلميين”.