“أينما حلت وارتحلت، تنشر الدمار والخراب والقتل”..

مجموعة عسكرية ضخمة، عملها أقرب ما يكون إلى عمل المافيات الدولية، إلا أن تنظيمها وتمويلها وتسليحها، يتم من قبل جهاز مخابرات روسيا.

هي مجموعة فاغنر الروسية، ذائعة الصيت وقد عاثت فساداً في دول كسوريا وليبيا والسودان وفنزويلا وأوكرانيا، ودول أفريقية عديدة، منها جمهورية أفريقيا الوسطى. توصيف مرتزقة الفاغنر السابق، ليس من قبيل التحامل على تلك المجموعة العسكرية، بل هو واقع يؤيده الكثير من الوقائع والتقارير الحقوقية الدولية.

كان آخر هذه التقارير تحليل صدر عن مجموعة من خبراء الأمم المتحدة، كشفوا فيه أنّ العنف المتصاعد في جمهوية أفريقيا الوسطى، تغذيه مجموعة فاغنر العسكرية، مستغلّة الأحداث الأخيرة التي وقعت في البلد الأفريقي، إضافة إلى الصدمات العسكرية التي خلّفتها الإنتخابات في البلد ذي الموارد الغنية.

https://twitter.com/INGASSOOumarou/status/1391771461220769796

التحليل الذي صدر عن مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة، خلُص إلى أنّ المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر، ارتكبوا انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في جمهورية أفريقيا الوسطى، أثناء القتال إلى جانب القوات الحكومية التي تعرف اختصاراً باسم (فاكا)، مستغلّين موجة العنف الجديدة التي تشهدها البلاد منذ أن شنّ تحالف الفصائل المتمرّدة هجوماً على مناطق عديدة في البلد الأفريقي، بعد فوز فوستين أرشانج تواديرا بالإنتخابات الرئاسية.

فاغنر

بانغي – جمهورية أفريقيا الوسطى – فوستين أرشانج تواديرا يستعد للإدلاء بصوته في معهد بوغندا في العاصمة. Getty Images

وأشار إلى أنّ مجموعة العمل الأممية، منزعجة للغاية من الإتصالات بين المرتزقة الروس وسلسلة الهجمات العنيفة التي وقعت في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ الإنتخابات في ديسمبر / كانون الأوّل.

تحليل الأمم المتحدة: المرتزقة الروسية ارتكبت انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في أفريقيا الوسطى مستغلّة موجة العنف التي تشهدها البلاد

وفي وقت سابق من هذا العام، اشتدّ القتال بين قوات الرئيس والمتمردين، بعد محاولتهم محاصرة العاصمة بانغي، في ظلّ انعدام الأمن، والإقتتال على السلطة في بلد شهد 4 انقلابات ناجحة وانقلابين فاشلين منذ العام 1979.

تحالف خُط بالدم

وفقاً لفريق خبراء الأمم المتحدة، يعمل المرتزقة الروس مع بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي يبلغ قوامها 15000 فرد والموجودة في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ العام 2014. وقد تمّ تكليف بعثة الأمم المتحدة تلك، بتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى، وحماية المدنيين وتهيئة الأجواء لبناء مؤسسات دائمة تدير شؤون البلاد.

المجموعة الأممية في تحليلها، أعربت عن “انزعاجها الشديد” لوجود اتصال وثيق بين المرتزقة الأجانب وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كاشفةً عن وجود اجتماعات منتظمة بين موظفي الأمم المتحدة و المستشارين الروس، وزيارات من الروس إلى قواعد بعثة الأمم المتحدة المتواجدة في البلد الأفريقي.

فاغنر

بانغي – جمهورية أفريقيا الوسطى – قوات أمن روسية ورواندية في ملعب يوكاتكس قبل الانتخابات الرئاسية. Getty Images

“جيلينا أباراك”، رئيسة ومقررة مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالقانون الدولي لحقوق الإنسان قالت وفق ما أوردت صحيفة الغارديان البريطانية، إن “عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين العمليات المدنية والعسكرية وعمليات حفظ السلام أثناء الأعمال العدائية، يخلق ارتباكاً بشأن الأهداف المشروعة ويزيد من مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني على نطاق واسع”.

إنزعاج أممي عارم من الإتصالات بين المرتزقة الروس وسلسلة الهجمات العنيفة التي وقعت في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ الإنتخابات في ديسمبر / كانون الأوّل.

وأضافت: “بشكل غير مقبول، يبدو أنّه لا توجد تحقيقات ولا محاسبة على هذه الإنتهاكات.. إنّ الروابط الوثيقة بين مختلف الجهات الفاعلة تهدّد بشكل أكبر فرص إجراء أيّ تحقيق محايد وضمان المساءلة. هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الوضوح بشأن أدوار الشركاء الدوليين”.

انتهاكات جسيمة

وقال الخبراء الأمميون إنّهم تلقوا تقارير عن “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي” ارتكبها أفراد عسكريون روس خاصون يعملون بالاشتراك مع قوات (فاكا)، مشيرين إلى أنّ قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة شاركت في بعض تلك العمليات.

التحليل أورد أبرز الإنتهاكات التي ارتكبتها مرتزقة فاغنر وقوات (فاكا)، والتي كان منها، “الإعدام الجماعي بإجراءات موجزة، والإعتقال التعسفي، والتعذيب أثناء الإستجواب، والتهجير القسري للسكان المدنيين الذين فرّ منهم نحو 240 ألف من ديارهم بسبب القتال في الأسابيع الأخيرة، إضافةً إلى إدارة هجمات على المنظمات الإنسانية العاملة هناك، مع تزايد حالات الإختفاء القسري”.

https://twitter.com/kenyapassembly/status/1398392469423898627

وكانت مصادر في الأمم المتحدة كشفت لوكالة الأنباء الفرنسية في يناير/كانون الثاني الماضي، أنّ التنسيق على الأرض بين قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و المدربين العسكريين” الروس و 300 جندي رواندي تمّ إرسالهم كتعزيزات في ديسمبر على أساس ثنائي، كان “جيدًا”، بحسب تلك المصادر.

فاغنر

بانغي – جمهورية أفريقيا الوسطى – جنود حفظ السلام الروانديون التابعون لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا). Getty Images

طباخ بوتين إلى الواجهة مجدداً

وكما هي العادة، فإنّ الخيوط تصل دائماً إلى “يفغيني بريغوجين”، أو كما يعرف بـ”طباخ بوتين”، وهو من أبرز المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويعتبر الأب الروحي لمرتزقة الفاغنر وممولها الرئيس. وأكدت الأمم المتحدة في تحليلها أنّ الروس العاملون في أفريقيا الوسطى يرتبطون ببريغوجين، الذي له باع طويل في عملية القتل المنظّم في دول عديدة.

فاغنر

يفغيني بريغوزين أثناء اجتماع مع مستثمرين أجانب في قصر كونستانتين في سانت بطرسبرغ – روسيا. Getty Images

وكشفت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة، وجود 3 كيانات “مرتبطة” بشكل مباشر مع بريغوجين” وتنشط في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي “مجموعة فاغنر، ولوباي إنفست، وهي شركة تعدين مقرها جمهورية أفريقيا الوسطى متخصصة في الذهب والماس وتمّ فرض عقوبات عليها من قبل الولايات المتحدة، ومجموعة سيوا للخدمات الأمنية (Sewa Security Services)، التي تحرس الرئيس تواديرا وغيره من كبار مسؤولي ذلك البلد”.

وتسيطر مرتوقة فاغنر التي قال التحليل إنّ لديها ما يقدر بنحو 1500 جندي في البلاد، على 3 مطارات تقع في مواقع استراتيجية تسمح بتصدير الموارد الطبيعية المستخرجة من مواقع التعدين والمشتراة من السوق السوداء.

فاغنر

بانغي – جمهورية أفريقيا الوسطى – مرتزقة روس يقفون في حراسة عند نقطة تفتيش قبل الانتخابات الرئاسية في بانغي. Getty Images

ووفق صحيفة الغارديان، أظهرت وثائق مسرّبة ازدياد حجم العمليات التي يديرها بريغوجين في أفريقيا، وهو انعكاس لطموح موسكو المتمثل بتحويل المنطقة إلى مركز استراتيجي.

الوثائق كذلك، كشفت أنّ الأنشطة التي يديرها بريغوجين، يتمّ تنسيقها بشكل وثيق، مع كبار المسؤولين داخل وزارتي الخارجية والدفاع في روسيا.

وقد سعت موسكو إلى توثيق علاقتها بالرئيس فوستان آرشانج تواديرا، رغم أنّ قواته لا تسيطر إلّا على العاصمة بانغي، بينما تستحوذ الجماعات المتمردة المسلحة على نحو ثلثي البلاد.

https://twitter.com/Dilliwalanerd/status/1395990865454133249

تحقيقات

وفتح مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) تحقيقاً في انتهاكات عديدة وقعت في جمهورية أفريقيا الوسطى، منها على سبيل المثال، استهداف مرتزقة روس وقوات من (الفاكا) مركبة لم تتوقف عند نقطة تفتيش في محافظة أواكا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 15 آخرين. كما تورّطوا في هجوم على مسجد في بامباري، عاصمة المحافظة.

في المقابل، كشف التحليل وقوع انتهاكات من جانب قوات التمرّد التي تطلق على نفسها اسم تحالف الوطنيين من أجل التغيير (CPC)، ويقودها الرئيس السابق “فرانسوا بوزيزيكما”. وعلى سبيل المثال، ارتكب المتمردون في 8 مارس/آذار الماضي، سلسلة من عمليات القتل، بعد استهدافهم لقافلة تابعة للحكومة وقوات فاغنر في قرية مانغا، على الطريق السريع بين بوزوم وبوكارانغا. وبحسب ما ورد قُتل إثنان من المرتزقة الروس ودمرت سيارة.

الفاغنر.. جرائم تتخطى حدود الفظاعة بأفريقيا الوسطى وانزعاج أممي شديد

بانغي – ضباط شرطة من بعثة الأمم المتحدة (مينوسكا) يقومون بدوريات أثناء وصول الناس إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية. Getty Images

واستولى فرانسوا بوزيزي على السلطة في انقلاب العام 2003، وأطيح به بعد عقد من الزمان، ما دفع البلاد إلى حرب طائفية وحشية، فرّ على إثرها بوزيزه إلى خارج البلاد، لكنه عاد أواخر العام 2019، ما أثار مخاوف من أن المستعمرة الفرنسية السابقة قد تواجه عنفاً متجدداً.

ورفض بوزيزي وزعماء المعارضة الآخرون الإعتراف بتواديرا كفائز في انتخابات ديسمبر، بدعوى التزوير. وقد اندلعت اشتباكات في مناطق متعدّدة في البلاد، سيطر على إثرها المتمردون على نحو ثلثي البلاد، فيما احتفظ تواديرا وقواته (فاكا) بالعاصمة، معتمداً على مرتزقة الفاغنر وقوات رواندية في الدفاع عمّا بقي له من مناطق نفوذ.

جذور

وبالعودة إلى جذور العلاقة بين روسيا وقوات (فاكا)، فإنها تعود وفق الموقع الإخباري لراديو فرنسا العالمي (FRI) إلى ديسمبر العام 2017، عندما سمحت الأمم المتحدة لروسيا بتزويد نظام تواديرا بأسلحة خفيفة لاستعادة السيطرة على مناطق استحوذت عليها الجماعات المتمردة.

وسرعان ما تعمّقت العلاقات بين الطرفين، و بحلول مارس العام 2018، أصبح فاليري زاخاروف، المسؤول السابق في (GRU)، ذراع الإستخبارات العسكرية الروسية، مستشاراً للأمن القومي لتواديرا.

فاغنر

بانغي – جمهورية أفريقيا الوسطى – قوات الأمن تتخذ تدابير حول مقر حزب الرئيس الحالي فوستين أرشانج تواديرا. Getty Images

وبعد أشهر، ظهر تواديرا علناً وسط أفراد حماية روس يُعتقد أنّهم جزء من “مجموعة فاغنر” التي يديرها يفغيني بريغوجين.

الموقع الإخباري الفرنسي، واستناداً إلى تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية، أكّد أنّ رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى استعان بهذه المجموعة لتدريب قوات الجيش من أجل مواجهة حركات التمرّد والإنقلابات في بلده، مقابل منح شركة تعدين تسمى (Lobaye Invest)، وهي مملوكة لبريغوجين، حقوق الإستكشاف لسبعة مناجم للذهب والألماس.

فاغنر

سوتشي روسيا – الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحيي رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أرشينج تواديرا في القمة الروسية الأفريقية. Getty Images

ويقول التقرير إنّ الصفقة آتى أكلها بالفعل لرئيس البلاد، فقد وفّر التدخل الروسي الحماية له من محاولة إنقلابية قام بها الرئيس السابق، فرانسوا بوزيزي، في ديسمبر العام 2020، بالتعاون مع جماعات متمردة.

واستجابة لنداءات تواديرا، أرسلت روسيا 300 مدرب عسكري من فاغنر ومروحيات، ساعدت بالتعاون مع القوات الرواندية، وبعثة الأمم المتحدة (MINUSCA) في استعادة 3 مدن وطرق رئيسية بالقرب من العاصمة، ونجحت في صد الإنقلاب والسماح للإنتخابات بالمضي قدماً، حتى أعلن فوزه في الإنتخابات.

روسيا تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية

ما سبق يعكس مدى الإهتمام الروسي بالحصول على الموارد الطبيعية في الخارج، لأنّ اقتصادها يعتمد بشكل كبير على هذه الموارد، ونظراً للتكلفة المرتفعة لإنشاء بنية تحتية في سيبيريا الشاسعة، فقد يكون التوسع العسكري في جمهورية أفريقيا الوسطى ودول أخرى جزءاً من استراتيجيتها لتأمين الموارد خارج حدودها.

كما تسعى روسيا إلى “تكرار تجربة فاغنر” في سوريا، حيث ساعدت هذه المجموعة نظام بشار الأسد، الذي منحها حقوق تشغيل قاعدة حميميم الجوية السورية على البحر المتوسط واستكشاف احتياطيات النفط البحرية.

ويشير التحليل إلى أنّ روسيا ستركز جهودها في المستقبل على تعزيز وجودها في أفريقيا من خلال متعاقدين من القطاع الخاص، وذلك في بلدان “تمزقها حالة عدم الإستقرار السياسي ولديها موارد طبيعية وفيرة”.

وفي المجمل، لم يعد كشف جرائم مرتزقة فاغنر، أمراً مستغرباً – إن صح التعبير – فتاريخها مليئ بالقتل والدمار، ويبقى السؤال الأبرز، هل ستنجو تلك المجموعة من تبعات دولية قد تورّط كبار صناع القرار في الكرملين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دول عديدة حول العالم؟!