نافيد أفكاري.. المصارع الذي انتفض ضدّ الذل في إيران
نشرت شبكة “CNN” الأمريكية تقريراً جديداً سلطت الضوء فيه على قضية إعدام المصارع الإيراني نافيد أفكاري خلال العام 2020، وذلك بعد أن أدانته السلطات في البلاد بقتل حارس أمن طعناً خلال احتجاجات مناهضة للحكومة عام 2018، وهي جريمة تقول عائلة أفكاري أنها ملفقة ولم يرتكبها.
وتطرق التقرير إلى تصريح المصارع الإيراني سردار باشاي، الذي كشف عن تفاصيل اللحظات التي علم خلالها بنبأ إعدام أفكاري، وذلك خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
وأشار باشاي إلى أن تسجيلاً صوتياً ورده من أحد الأصدقاء، وقد أبلغه بما حصل مع أفكاري، وقال: “لقد بكيت للتو.. لم أستطع السيطرة على دموعي”.
ووفقاً لـ”CNN”، فإن باشاي يعيش في منفى اختياري بالولايات المتحدة منذ العام 2009، وقد كان بطل العالم للمصارعة اليونانية الرومانية. ومن موقعه، كان باشاي الذي كان مقرباً من مدرب أفكاري في إيران، يقوم بحملة جادة لإنقاذ حياة الأخير، إلا أن المساعي لم تنجح وانتهت بإعدام المصارع الإيراني الذي كان يبلغ من العمر 27 عاماً.
وولدَ أفكاري في 22 تموز/يوليو 1993 وترعرع في مدينة شيراز، واكتشف المصارعة في سن الـ9 وكرس حياته بسرعة لهذه الرياضة. وخلال السنوات العديدة، استطاع أفكاري طبع اسمه في سجلات المصارعة، وتدرج في سلم الإنجازات الكبيرة.
وكان أفكاري يتصف بالتواضع، ويقول أحد أفراد العائلة أن المصارع الراحل كان “أطلف فرد في العائلة”. ومع هذا، فإن ما كان يتميز به أفكاري أيضاً هو أنه كان مليئاً بالطاقة والإثارة، في حين أنه لم يكن مهتماً بالسياسة بشكل خاص، لكنه كان حريصاً على المساعدة في المجتمع والتبرع للفقراء.
ووسط كل ذلك، كان أفكاري منزعجاً من ثقافة التمييز في إيران، خصوصاً ضد النساء وأولئك الذين يعيشون في فقر. ولهذا السبب، شارك أفكاري في المظاهرات الشعبية التي اجتاحت البلاد في العام 2018.
وتشير “CNN” إلى أنّ نافيد أفكاري كان قلقاً بشأن ارتفاع الأسعار في إيران، ولذلك نزل إلى الشوارع للاحتجاج مع ملايين الأشخاص الآخرين.
وبحسب عائلته، فإن أفكاري أصيب بالإحباط بسبب الفساد والفقر وشعر بالقلق من أن الكثير من الناس باتوا يفقدون قدرتهم على العيش.
وتزعم الرواية الرسمية الإيرانية أنّ نافيد أفكاري قتل حارس أمن شركة مياه خلال تظاهرات شيراز في 2 آب/أغسطس 2018. وفي سبتمبر/أيلول من ذلك العام، جرى اعتقال أفكاري وشقيقه وحيد، ثم جرى اعتقال شقيقهما الآخر حبيب في وقتٍ لاحق من العام نفسه.
وحُكم على أفكاري بالإعدام، في حين أن وحيد وحبيب يواجهان السجن لفترة تتجاوز الـ15 عاماً، وقد عوقب الجميع أيضاً بـ74 جلدة.
وفي البداية، اعترف أفكاري بالجريمة، لكنه تراجع عن تلك الكلمات في المحكمة، بحجة أنه تعرض للتعذيب أثناء استجوابه من قبل “رجال يرتدون قبعات ونظارات وأقنعة”.
ويقول مؤيدوه إن محاكمته كانت خالية من أي دليل مُقنع، وفي الواقع، كان دليل الفيديو الوحيد المتاح، من كاميرا مراقبة، من المرجح أن يثبت براءته.
وقال محامي نافيد افكاري حسن يونسي لمركز حقوق الانسان في ايران: “لا يوجد دليل مرئي على لحظة الجريمة، والفيلم المعروض في هذه القضية يظهر مشاهد قبل ساعة من وقت القتل”.
ومع هذا، فقد جرى تسريب تسيل صوتي في المحكمة، ويظهر أن أفكاري كان غاضباً ويتحدث بصوت عالٍ إلى القاضي، لكن الأخير لم يبدِ أي اهتمام بمنح أفكاري جلسة استماع عادلة.
ومثل هذه التسجيلات لإجراءات المحكمة نادرة للغاية في إيران، ومن يقوم بإعدادها وتسريبها يعرض نفسه لمخاطرة كبيرة.
كذلك، زعمت السلطات الإيرانية أن لديها أدلة بالفيديو على الجريمة التي ارتكبت في الساعة 11:32 مساءً، لكن وفقًا للشريط الصوتي، لم يتم عرضها أبدًا في المحكمة ولم يتمكن المتهم من رؤيتها بنفسه.
ويقول نافيد أفكاري خلال المحاكمة: “لماذا تخافون ولماذا لا تعرضون الفيلم”.. وهنا يجيب القاضي: “نحن لا نخاف من أي شيء”.
وفي التسجيل، طالب أفكاري بسماع شاهده شاهين ناصري، وهو شخص يمكنه أن يشهد على الإساءات التي تعرض لها أثناء احتجازه لدى الشرطة لما يقرب من 50 يوماً.
وفي شكوى رفعت إلى القضاء في سبتمبر/أيلول 2019، وصف أفكاري “التعذيب النفسي والجسدي الذي تعرض له”، لكن بحسب وكالة الأنباء الإيرانية التي تديرها الدولة، رفض رئيس السلطة القضائية لولاية فارس مزاعم تعرض نافيد أفكاري للضرب أو التعذيب. ومع هذا، كانت الحكومة الإيرانية قد ادعت مراراً وتكراراً أن أفكاري لم يتعرض للتعذيب وأن اعترافه لم يكن بالإكراه.
ووفقاً لعائلة أفكاري، كانت أيامه الأخيرة قاسية، لكن لم يكن هناك بالضرورة أي سبب للاعتقاد بأن النهاية اقتربت.
وتقول الأسرة إنه احتُجز في الحبس الانفرادي لمدة أسبوع وتعرض للضرب على أيدي 20 حارساً قبل أن يُقال إنه وإخوته نُقلوا من سجن شيراز إلى العاصمة طهران.
وفي الواقع، فقد كان ذلك كذبة. وبدلاً من نقله إلى طهران، تم إعدام أفكاري في 12 سبتمبر/أيلول، عن عمر يناهز 27 عاماً. وبعد ذلك بكثير، علم أفراد الأسرة أن وحيد وحبيب كانا في زنزانة قريبة من حبل المشنقة حيث سمعوا أن شقيقهما يموت.
وأعيد جثمان أفكاري إلى أسرته في منتصف الليل، وقالوا إنه حُرم من دفنه بشكل لائق. ولاحقاً، فإن قبر المصارع الراحل تعرض للتدنيس من قبل السلطات الإيرانية، إذ جرى تدميره بجرافة. وعلى هذا النحو، فإن مثوى نافيد أفكاري الأخير أصبح الآن مجرد قبر بسيط.
وكان موت أفكاري بمثابة ضربة قاصمة لأولئك الذين أحبوه وكذلك لأولئك الذين لم يقابلوه من قبل. وبحسب البيانات، فإن نافيد أفكاري كان واحداً من بين 267 شخصاً على الأقل أُعدموا في إيران عام 2020.
وبينما لا يزال أصدقاء أفكاري وعائلته حزينين، فإنهم يتعاملون مع مزيد من الترهيب. وفي السياق، يقول مدربه السابق محم دعلي الشمياني أنه تلقى تحذيرات من الحديث عن نافيد أفكاري، كما أنه تمت معاقبته ومنعه من تدريس المصارعة كما جرّد من المزايا والتأمينات الخاصة به.
ووسط ذلك، تشعر الأسرة الآن بالقلق على سلامة أبنائها الآخرين في السجن، لكنهم يقولون إن أفكاري أعدهم ليكونوا أقوياء.
وطوال العامين اللذين سُجن فيهما، يقول أفراد أسرة إنه كان يبنيهم، ويهدئ مخاوفهم حيثما أمكن، ويضمن أنهم سيكونون قادرين على مواصلة كفاحه بعد رحيله.
ومع هذا، كان أفكاري يعلم أنه سيُقتل، لكن في آخر ليلة له على قيد الحياة، تقول عائلته إنه اتصل بهم ليخبرهم أنه كان على ما يرام، ويطلب منهم عدم القلق.
ورغم وفاته، فإنّ صوت نافيد أفكاري الآن أعلى من أي وقت مضى، ويمكن العثور على تسجيله وهو يتحدى القاضي عبر الكثير من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تسجيل آخر أثناء وجوده في السجن، ويقول بهدوء: “خلال كل السنوات التي ناضلت فيها، لم أواجه أبداً خصماً جباناً لعب بطريقة قذرة لأن المصارعة هي رياضة شريفة بطبيعتها. لكن عائلتي وأنا اضطررنا منذ عامين إلى مواجهة الظلم والخصم الأكثر جُبناً”.