عبر الإعلام والدعاية.. هكذا تسعى “طالبان” لبث صورتها إلى العالم

  • “طالبان” تعمد إلى تدعيم نفسها من خلال حملات دعائية تروّج لأفكارها
  • الجماعة استخدمت التعبئة الدعائية إلى جانب العمل العسكري للتوسع

تشهدُ أفغانستان تطورات متسارعة بشكل كبير، كما أن الهجوم الأخير على مطار كابول كان مُدمراً خصوصاً أنه أودى بحياة أكثر من 170 شخص.

وفي أعقاب الهُجوم، ستُذكر دائماً الأسابيع الأولى لجماعة “طالبان” في السيطرة الفعلية على أفغانستان، على أنها وقت الفوضى والعنف واليأس، وفق ما ذكر موقع “wired“.

وكان تهديد تنظيم “داعش خراسان” في أفغانستان معروفاً بالفعل، كما أن السلوك غير المعتاد منه في الفترة التي سبقت الهجوم، إلى جانب تقارير استخباراتية عن تهديد وشيك، يعني أن الكثيرين توقعوا أن يتم شنّ هجوم. إلا أن السرعة والنطاق والدقة بشأن ما حصل، هي عوامل ستترك بصمة لا تُمحى في الأيام الأولى لـ”طالبان” كسلطة حاكمة.

ووسط ذلك، فإنّ ما حصل في أفغانستان من خلال سيطرة “طالبان” السريعة، فاجأ الكثير من الدول والمراقبين. كذلك، لم يتوقع أحد أن تتنازل حكومة الرئيس السابق أشرف غني عن السيطرة بهذه السرعة.

ولم يكن هذا التقدم ناتجاً عن القوة العسكرية فقط، بل كان نتيجة للتخطيط وسنوات من التوعية الاستراتيجية سواء عبر الانترنت أو بشكل مباشر. وفي الحقيقة، فإنّ طالبان كانت تعمل بشأن لحظة السيطرة منذ سنوات، وقد استخدمت التعبئة الدعائية إلى جانب العمل العسكري للتوسع. وإضافة لذلك، فإنّ الجماعة تعملُ بشكل منهجي على تشكيل بيئة المعلومات في أفغانستان لسنوات.

أما الآن، وبعد أن عززت “طالبان” سيطرتها على البلاد، يراقب الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي على حد سواء بقلق، ويتطلعون لمعرفة ما ستكون عليه الخطوة التالية. ومع الهجوم على مطار كابول، فإن المخاطر أكبر. وحالياً، فإنّ “طالبان” تواصل دعايتها، وباتت تسعى إلى وضع لغة التحريض جانباً. ففي السابق، كانت الجماعة تحشد الأفغان ضد الحكومة وقوات الأمن، إلا أنها اليوم تسعى للتركيز على الوحدة والأمن والحكم الرشيد. كذلك، فإن “طَالبان” تسعى إلى ترسيخ فكرة أنها قوة شامل تعمل من أجل أفغانستان بأكملها وليس فقط من أجل مذهبها.

ومع هذا، فإن “طالبان” دأبت أيضاً على الترويج لنفسها من جديد على أن نهجها يتغير تباعاً، كما أنها تحاول إقناع العالم بأنها ستخرج من عباءة التطرف والتشدّد خصوصاً بشأن النساء. إلا أن كل هذه الادعاءات ما زالت محط شكّ من قبل الدول والخبراء وحتى الأفغان أنفسهم.

وفعلياً، فإن الجماعة المتشددة تروّج للقول بأنها استبدلت سياساتها الصارمة في التسعينيات بمقاربة أكثر اعتدالاً وتقدمية تجاه الحكم الإسلامي. وفي ظل هذا الكلام، جرى تصوير مسؤولي طالبان بشكل متحرّر أثناء لقائهم مع العاملات والطلاب وموظفي المستشفيات وقادة الأعمال والأقليات الدينية على حد سواء، مؤكدين أن الأمور قد تغيرت وأن “إمارة أفغانستان الإسلامية” لعام 2021 لا تشبه “الإمارة الإسلامية” في أفغانستان قبل 20 عاماً.

وإلى جانب ذلك، بدأت “طالبان” في إظهار كيف يعمل نظامها الجديد للحكم. وفي أحد مقاطع الفيديو التي نُشرت قبل أيام قليلة، كان عناصر طالبان يرتدون الزي المدني ويجوبون الشوارع بهواتف محمولة باهظة الثمن. وفي نفس الوقت تقريباً، ظهر مقطع فيديو يظهر مجموعة من اللصوص الذين تم أسرهم وقد تم ضربهم بشكل مُبرح إلا أنهم لم يتعرضوا لقطع الأيدي، ما يعني ضمنياً أن “طَالبان” اختارت حالياً عدم تنفيذ عقوبة البتر.

وهذا التدفق من المحتوى الذي يركز على “الحكم الرشيد” لا يمكن أن يؤكد على ما تريده “طَالبان”، وقد يكون ما نشهده حالياً هو صورة ناصعة ولكن الممارسات الحقيقية تكون على أرض الواقع. وإضافة لذلك، تسعى “طَالبان” لأن تصور نفسها بعيدة عن المنظمات الإرهابية، وهذا جزءٌ أساسي من لعبتها الدعائية من أجل جعل المجتمع الدولي يطمئن لها.

كذلك، فإنّ “طَالبان” ترى قنوات التواصل باباً لنشر مُثلها العليا وإضفاء الشرعية على أفعالها وأيضاً ترهيب خصومها. ومن خلال القيام بذلك، كانت “طالبان” تتواصل في وقت واحد مع المؤيدين والخصوم على حد سواء، ناهيك عن العدد الهائل من الأفغان الذين يشعرون، أو شعروا، بالتناقض تجاه كل من الحكومة الأفغانية السابقة.

ولتحقيق هذه الأهداف، اتخذت جهود التأثير بشكل عام ثلاثة أشكال: الاتصالات القائمة على وسائل الإعلام، والتواصل الشخصي، والإشارة إلى العنف.

وتشتمل الاتصالات القائمة على الوسائط على محتوى سمعي بصري مثل البرامج الإذاعية ومقاطع الفيديو والمجلات وتقارير الصور التي يمكن بثها عبر الإنترنت. كذلك، يشمل التواصل الشخصي دوريات الشرطة، المعارض الدينية وأي شيء ينتج عنه تفاعل مباشر بين وحدات التوعية التابعة لطالبان والمجتمعات المحلية.

وفي العام الحالي وحتى آب/أغسطس الجاري، عندما سيطرت طَالبان على كابول، نشرت شبكتها الإعلامية على الإنترنت ما يقرب من 38000 مقطعاً دعائياً. وفي الواقع، فقد جرى نشر هذه المواد بـ5 لغات في وقت واحد: العربية والدارية والإنكليزية والباشتو والأردية، وقد شكلت المواد بلغة الباشتو الجزء الأكبر من المقاطع لأنها اللغة التي تتحدث بها قاعدة الدعم الأساسية لـ”طالبان”. كذلك، حظيت المقاطع الدعائية بلغة “الداري” بحصة لا يُستهان بها من المقاطع، وقد ركزت جهود الدعاية قبل كل شيء على الجبهة الداخليّة.

وبغض النظر عن الجمهور المستهدف، كان تركيز طالبان يتمحور حول إظهار قدرتها ومصداقيتها وشرعيتها، وكان أحد المكونات البارزة في الدعاية هو المحتوى الذي نشرته في ما يتعلق بحملة العفو الخاصة بها. وإلى جانب ذلك، على مدار العام الماضي على وجه الخصوص، استثمرت طالبان قدراً هائلاً من الوقت والجهد في حشد الدعم في صفوفها، وإضفاء الشرعية على مشاركتها في المحادثات الأفغانية الداخلية. كذلك، فإنها تسعى إلى وضع نفسها كشريك ذي مصداقية.

والآن بعد أن انتصرت طَالبان في أفغانستان، أصبحت أجهزتها الإعلامية أكثر أهمية من أي وقت مضى لأن دورها هام للغاية نظراً لقدرتها على مواكبة كل مرحلة بالتوازي مع المشروع السياسي للجماعة.

شاهد أيضاً: ناصر زهير: اذا فشلت طالبان في حكم أفغانستان سنواجه طالبان القديمة قبل 20 عاماً