الجماعة الإسلامية فرع القاعدة في إندونيسيا
بعد عام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، شن فرع من تنظيم القاعدة أكبر هجوم إرهابي أسفر عن مقتل 202 شخصًا من 21 دولة.
لم تقع المذبحة على الأراضي الأمريكية ولكن في جزيرة بالي السياحية في إندونيسيا المشهورة بشواطئها الرملية البيضاء والحانات والمقاهي الصاخبة.
في ليلة 12 أكتوبر من العام 2002، فجر انتحاري نفسه وأعقبه انفجار قوي بسيارة مفخخة في منطقة كوتا في بالي، حيث اكتظت الحانات والمقاهي بالسياح والسكان المحليين.
صعقت اندونيسيا في هذا الهجوم الإرهابي حيث كان الأكثر تدميرا وأول تفجير انتحاري في البلاد.
قال زاكاري أبوزا وهو أستاذ دراسات في جنوب شرق آسيا في كلية الحرب الوطنية بواشنطن والمتخصص في الإرهاب وحركات التمرد: “كانت تفجيرات بالي أكثر الهجمات الإرهابية فتكًا منذ سنوات بعد 11 سبتمبر”
ونفذت الجماعة الإسلامية هذه الهجمات وهي فرع في جنوب شرق آسيا للقاعدة وهي جماعة لم يسمع بها أحد قبل الهجمات.
كان للجماعة الإسلامية خلايا في ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وجنوب الفلبين بالإضافة إلى أماكن أخرى، لكن إندونيسيا وجنوب الفلبين هما اللتان تحملتا العبء الأكبر لهجمات الجماعة الإسلامية.
بعد مرور أكثر من 20 عامًا على هجمات 11 سبتمبر، ظهرت الجماعة الإسلامية مرة أخرى، واليوم، يُنظر إليها على أنها أكبر تهديد إرهابي في إندونيسيا من قبل الأجهزة الأمنية والمحللين.
هجمات الجماعة الإسلامية
من العام 2002 إلى العام 2009، كانت الجماعة الإسلامية تقف وراء كل هجوم إرهابي كبير في إندونيسيا بما في ذلك تفجير فندق جاكرتا ماريوت في العام 2003 وتفجير سيارة مفخخة بالسفارة الأسترالية في العام 2004 والتفجير المزدوج لفندق ماريوت جاكرتا وفندق ريتز كارلتون في العام 2009. وكان هذا الهجوم الإرهابي الثاني الذي استهدف ماريوت جاكرتا.
وكانت آخر مرة شنت فيها الجماعة الإسلامية هجوماً في العام 2011 عندما فجر انتحاري وحيد نفسه في مسجد تواجد فيه ضباط الشرطة. وسقط وحده قتيلًا.
في أعقاب الهجمات الإرهابية، شنت فرقة الشرطة الخاصة لمكافحة الإرهاب المفرزة 88 (Densus 88) حملة اعتقال للمئات من أعضاء الجماعة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد.
أضعفت الغارات والاعتقالات الحازمة الجماعة حيث لم يسمع الكثير عنها منذ العام 2014.
خلال هذه الفترة، طغى على الجماعة الإسلامية أكبر فرع إندونيسي لتنظيم (داعش) أي جماعة (أنشاروت دوله) والتي تأسست في العام 2015. أصبح جماعة أنشاروت دوله الوجه الجديد للإرهاب في إندونيسيا.
لم يُسمع سوى القليل عن الجماعة الإسلامية حتى العام 2019 عندما قامت فرقة مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة Densus88 باعتقال زعيم المجموعة المسمى بارا ويجايانتو الفار منذ العام 2003.
كشف اعتقال ويجايانتو عن تحول الجماعة الإسلامية من مجموعة تعتمد على التبرعات والسرقات لتمويل أنشطتها إلى كيان شرعي لكسب المال له مصالح في زيت النخيل وأعمال أخرى.
تغيرت قواعد اللعبة إذ أن الأنشطة الاقتصادية وفرت دخلاً متكررًا لتمويل أنشطتها. أمنت هذه الأنشطة أموالاً كافية تمكنها من دفع رواتب شهرية “لعناصرها” تتراوح بين 10 و 15 مليون روبية (700 دولار أمريكي إلى 1050 دولارًا أمريكيًا).
قال أسوين سيريغار وهو رئيس العمليات في فرقة مكافحة الإرهاب الإندونيسية 88 إن الجماعة الإسلامية هي أكثر المنظمات الراديكالية تنظيماً من حيث التجنيد والهيكل التنظيمي والتمويل.
وأضاف، “نحن، من الشرطة، نركز دائمًا على هذه المجموعة التي لم توقف نشاطها واستمرت بتوسيع تنظيمها”.
ويتابع قائلاً :”تستمر أعدادهم في التزايد سنة تلو الأخرى. هذا يعني أن المجموعة تجند عناصر بنشاط وأنها لا تزال على قيد الحياة، وفقًا لتقديراتنا فإنه يوجد أكثر من 6000 منهم وبعضهم خلايا نائمة تمتزج مع المجتمع”.
قال إيوا مولانا وهو الباحث في مركز دراسات الاحتجاز في جاكرتا إنه في حين أن المجموعة لم تكن نشطة مؤخرًا في التخطيط لأعمال إرهابية على عكس جماعة أنشاروت دوله الفرع الإندونيسي لداعش – فإن قدرة الجماعة الإسلامية من حيث الخبرة والمؤهلات والتنظيم ومهارات أعضائها فاقت تلك المؤهلات الخاصة بالمجموعات الموالية لداعش.
ومن العام 2019 إلى أغسطس 2021، ألقت Densus 88 القبض على 242 من أعضاء الجماعة الإسلامية المشتبه بهم.
الجماعة الإسلامية… تحول كبير في تحصيل المال بطرق عدة
ويؤكد رئيس العمليات في فرقة مكافحة الإرهاب الإندونيسية بأن الجماعة الإسلامية حاولت جمع الأموال من الجمهور عن طريق الصناديق الخيرية الموضوعة في الأماكن العامة بما في ذلك الأسواق الصغيرة إضافة إلى الرسوم من أعضائها والتي تستخدم لاحقًا كرأس مال لأعمالها.
وتابع أسوين أن إندونيسيا صادرت حتى الآن 15 ألف صندوق خيري يشتبه في ارتباطها بالجماعة الإسلامية، مضيفًا أن منظمة غير حكومية لها صلات مشبوهة مع الجماعة الإسلامية قد جمعت ما يقدر بنحو 20.6 مليار روبية (1.45 مليون دولار أمريكي) على شكل تبرعات العام الماضي. وقد تم الاستيلاء على الأموال واعتقال زعيمها الشهر الماضي.
ويشير أسوين إلى إدراج المزارع والمؤسسات الإنسانية أيضا والمدارس باعتبارها بعضًا من مؤسسات الأعمال التابعة للجماعة الإسلامية.
ويعلق محمد أدي بهاكتي، المدير التنفيذي لمركز دراسات التطرف والتخلص من التطرف (PAKAR) قائلًا إن الجماعة الإسلامية تزداد قوة منذ 10 سنوات تحت قيادة ويجايانتو.
ويقول أدي: “لقد أعادوا هيكلة المنظمة وانتقلوا إلى القطاع الاقتصادي مع الإبقاء على التدريب لتحسين القدرات القتالية والمادية لأعضائها”.
كما شهدت الأعمال التجارية خروج الجماعة من الظل لإدارة أعمال واسعة النطاق.
ويتابع بهاكتي قائلاً: “بصرف النظر عن مزارع زيت النخيل، كانوا يديرون صالات رياضية وورش لحام وعيادات علاجية بالأعشاب التقليدية ومطاعم ومقاهي وتأجير سيارات وفنادق. وقال أدي إنهم قدموا أيضًا خدمات تركيب كاميرات المراقبة.” كما قاموا بتخزين المواد المتفجرة والأسلحة. في الواقع ، كانوا ينتجون أسلحتهم بأنفسهم.”
ويؤكد جنرال الشرطة المتقاعد بيني ماموتو الذي حقق في تفجيرات بالي بأن الجماعة الإسلامية تدار حاليا بدرجة عالية من “الاحتراف”.
ويقول ماموتو: “إنهم يستهدفون المتعلمين والمهنيين الذين يتفوقون في مجال تخصصهم، لديهم أعين في المجالات الإستراتيجية مثل اللوجستيات وتكنولوجيا المعلومات والنقل وقطاع التعليم والإعلام وغيرها”.
وأضاف إن الجماعة الإسلامية لديها أيضًا استراتيجية لإنشاء شبكات عالمية مع الجماعات التي تشاركها أيديولوجيتها، بما في ذلك تلك الموجودة في أفغانستان.
أما روميل بانلاوي وهو رئيس المعهد الفلبيني لأبحاث السلام والعنف والإرهاب فيؤكد بأن عودة ظهور الجماعة الإسلامية في إندونيسيا تشكل أيضًا تهديدًا للفلبين حيث يواصل أتباعهم الاتصال بالمقاتلين ذوي التفكير المماثل في جزيرة مينداناو.
وقال بانلاوي إن مقاطعة شرق آسيا التابعة لداعش في الفلبين تعتمد أساسًا على الشبكة التي أنشأتها الجماعة الإسلامية في الفلبين.
في الواقع، يواصل المقاتلون الإرهابيون الأجانب الموالون لداعش والعاملين في الفلبين استخدام الشبكة التي أنشأتها الجماعة الإسلامية في الفلبين.
إرهاب جنوب شرق آسيا يمر عبر أفغانستان
كانت أفغانستان هي القاعدة التي دبرت منها القاعدة هجمات 11 سبتمبر وهناك دربت المهاجمين، حين قامت طالبان بإيواء أسامة بن لادن ورفضت تسليمه للولايات المتحدة بعد الهجمات الإرهابية.
وكانت أفغانستان أيضا ساحة تدريب لبعض أعضاء الجماعة الإسلامية الأكثر صلابة وفتكًا من ماليزيا وإندونيسيا.
ويستكمل زاكاري أبوزا المتخصص في الإرهاب وحركات التمرد تصريحاته قائلاً: “إن سيطرة طالبان على أفغانستان لن يؤدي إلى أي تحسينات حقيقية في القدرات الإرهابية على المدى القصير. لكن على المدى المتوسط إلى الطويل، ما زالت هيئة المحلفين خارج نطاق القضاء”.
ويقول: “نحن لا نعرف ما إذا كانت طالبان ستفتح البلاد أمام المقاتلين الأجانب أم لا، كما فعلوا في الفترة من العام 1996 إلى العام 2001”.
عززت عودة طالبان إلى أفغانستان معنويات المسلحين في جنوب شرق آسيا الذين احتفلوا على وسائل التواصل الاجتماعي بانتصار طالبان.
أعرب بعض المسلحين الإندونيسيين عن رغبتهم في شق طريقهم إلى أفغانستان للخضوع لتدريب عسكري، بحسب محللين، إذا حدث ذلك، فهناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى زيادة القدرات القتالية للجماعات الإرهابية الإقليمية.
ومع ذلك، لا تتوقع وكالات الأمن والمحللون أن يحدث ذلك على المدى القصير بسبب إغلاق كوفيد-19 الذي جعل السفر صعبًا.
وقال مصدر أمني إندونيسي رفيع المستوى إن عمليات الإغلاق الوبائي ساعدت بطريقة ما عدم حدوث ذلك أمام الإندونيسيين الذين أرادوا أن يشقوا طريقهم إلى أفغانستان، يوجد حاليًا 7 إندونيسيين انضموا إلى تنظيم (داعش) في أفغانستان.
وأوضح المصدر الأمني أنهم كانوا من بين 5000 سجين أطلقت حركة طالبان سراحهم من قاعدة جوية أمريكية سابقة في كابول في أغسطس.
في حين أن الإغلاق قد أراح جنوب شرق آسيا بعض الشيء، إلا أنه لا يزال يمثل تهديدًا تبحث فيه وكالات الأمن الإقليمية.
قال مسؤول ماليزي رفيع في مكافحة الإرهاب إن عودة طالبان تفتح “فرصة أمام الجماعات الإرهابية للتجمع مرة أخرى في أفغانستان”
وشدد المسؤول على أنه “لا يوجد أي تأثير مادي حتى الآن” بالنسبة لماليزيا حيث لا تزال الأحداث تتكشف في أفغانستان ولا يمكن تقييمها بدقة في الوقت الحالي.
وقال المسؤول الماليزي إن هذا يوفر طريقًا للجهاديين للاجتماع في أفغانستان كمركز في الجهاد.
وقيّم المسؤول أنه إذا فشلت طالبان في إدارة البلاد بشكل جيد بسبب الخلافات الداخلية أو المقاومة القبلية، فإن بعض المناطق المحرومة من البلاد ستصبح “معقلًا للجماعات الإرهابية لأنها تحكم نفسها بنفسها”.
وتابع المسؤول: “بغض النظر عما يؤول إليه الأمر، سيوفر السيناريوهان وسيلة للإرهابيين الأجانب بما في ذلك من ماليزيا لاكتساب خبرة في الجهاد في أفغانستان”.
وقد شكل الماليزيون بعض أبرز قادة وأعضاء الجماعة الإسلامية.
وكانت القنابل التي استخدمت في هجمات بالي من صنع الماليزي أزهري حسين وهو صانع القنابل في الجماعة الإسلامية. حيث خضع المحاضر الجامعي السابق الذي تلقى تعليمه في المملكة المتحدة لتدريب مكثف على صنع القنابل في أفغانستان وقتلته الشرطة الاندونيسية في العام 2005 في جاوة الشرقية.
حارب العالم الماليزي يزيد صوفات في أفغانستان وجنده أسامة بن لادن لتطوير الجمرة الخبيثة المزعومة لاستخدامها كأسلحة دمار شامل. أطلق سراحه من السجن في العام 2019 بعد أن قضى سلسلة من الأحكام بالسجن ويخضع حاليا للمراقبة من قبل الشرطة.
ويؤكد زاكاري أبوزا الأكاديمي بأن الإرهاب تهديد مستمر ولكن يمكن التحكم فيه في جنوب شرق آسيا، ويتابع قائلاً: “لن يختفي في أي وقت قريب، لكن قوات الأمن في ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا تتمتع بقدرات كبيرة وموارد جيدة ولديها سلطة قانونية كبيرة،”