الى أعباء الأوبئة و آخرها الإيبولا الذي ظهر من جديد و القضايا الإجتماعية يلقي الإرهاب بثقله على كاهل المجتمع في جمهورية الكونغو الديمقراطية. فالهجمات الإرهابية سجلت في الأسابيع الماضية ارتفاعا ملحوظا ترافق مع هجمات و اعتداءات اخرى للمتمردين. واقع يضع القوات المولجة بحفظ الامن في وضعية صعبة جدا
“أخبار الآن” وصلت إلى قلب إفريقيا وبالتحديد إقليم “بني” الشمالي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتقت بجنديات من “لواء قوة التدخل FIB” التابع لقوات حفظ السلام للأمم المتحدة في الإقليم، فالمهمة التي تواجهها النساء في تلك القوات مهمة شاقة وبالغة الأهمية في تضميد جروح “حرب إفريقيا العظيمة” وفق تسمية المجتمع الدولي للحرب في الكونغو.
تلعب النساء دوراً مهماً في كتيبة “تنزانيا” لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يرتكز دورهن على تعزيز الأمن في مناطق الصراع، وتقديم الدعم لأهالي تلك المناطق.
بدأت حرب الكونغو الثانية عام 1998 واستمرت ما يناهز عقداً من الزمن، شاركت فيها 8 دول إفريقية و25 مجموعة مسلحة تقريباً، أسفرت هذه الحرب، حتى عام 2008، عن مقتل 5,4 مليون شخص، معظمهم توفي بسبب المرض والمجاعة.
واعتبر هذا الصراع من أكثر النزاعات دموية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، لم يكن العنف دموياً فحسب، بل كان أيضاً وحشياً، وتميز بالانتهاكات الجنسية، مما دفع الأمم المتحدة إلى تسمية جمهورية الكونغو الديمقراطية “عاصمة الاغتصاب في العالم”.
تجاهل المقاتلون المعايير المعمول بها في الحروب أو قوانين النزاع المسلح، وقاموا بتجنيد الأطفال واستخدام العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب، أدت الهجمات إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا واستهدفت بشكل متعمد الضعفاء والأبرياء.
خلال هذا الصراع الدموي، لعبت المرأة دوراً أساسياً وفعالاً في إرساء السلام، تقول الجندية في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من تنزانيا، إميليانا جاستن كابونجا، لـ “اخبار الآن” إننا نواجه العديد من التحديات، يُقتل الناس، ويُذبحون، ويُطلق عليهم الرصاص، وتُختن النساء، “وإذا كانت حاملاً فإنهم يأخذون الطفل، كوني امرأة بصرف النظر عن وظيفتي، فإن هذه الأشياء تؤثر علي بشكل مباشر لأنه يمكن أن تحدث معي أيضاً”.
دور النساء أكبر في بناء السلام في الكونغو
تتمثل مهام الجنديات في تلك القوات في بناء السلام من خلال القيام بدوريات في المجتمعات المحلية، وتقديم المشورة لخدمات الشرطة المحلية، وزيادة الامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، واستعادة وتعزيز السلامة العامة وسيادة القانون.
يعتمدن النساء في قوات حفظ السلام في الكونغو على أنوثتهن في ترسيخ السلام، لتكون عامل مساعد وليس كضعف، من خلالها يسكبن الثقة من الرجال والنساء على حد سواء، ويبعثن الأمان والثقة والطمأنينة في نفوس الناس، وخاصة النساء ضحايا الاغتصاب والتعنيف والتهميش، لأنهن يدركن أنهن موجودات لحمايتهن.
تشدد كابونجا، وهي خبيرة اتصالات في قوات حفظ السلام من تنزانيا، على أن “بناء السلام يبدأ من داخل المنازل ليتحقق في البلد بأسره”، فهي تعمل هي وزميلاتها على رفع معنويات السكان المحليين ودعمهم في القضايا التي يواجهونها.
كابونجا واحدة من عشرين ألف شخص، ذكور وإناث، تابعين للأمم المتحدة يعملون على تعزيز السلام والأمن في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويكمن دور النساء في “قوات حفظ السلام” في الصراع في أنهن مقاتلات نشيطات، ومدافعات عن حقوق الإنسان، ومؤثرات، وقياديات.
جزءٌ كبير منهن من تنزانيا، فالقرب القبائلي والاجتماعي والعادات والتقاليد يساعدن أكثر على مهمتهن، تقول الجندية في قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أندريا مسوفيلا، وهي من تنزانيا أيضًا لـ “أخبار الأن” إن “أكثر ما يؤلمنا كنساء من تنزانيا هو معاناة النساء في جمهورية الكونغو الديمقراطية. الشيء الجيد الذي تعلمته من النساء الكونغوليات هو أنه حتى مع الحرب والمعاناة، فإنهن يواصلن العمل والإنتاج، إنهن حقًا عاملات جيدات، يساعدن أسرهن، إذا كان لديهن السلام، لكان بإمكانهن أن يصبحن عاملات جيدات للغاية، كان من الممكن أن يكونوا أفضل سيدات الأعمال في إفريقيا”.
تضميد جراح الحرب في الكونغو
تأثرن النساء في مناطق الصراع في الكونغو بشكل كبير، وبمجرد وجود النساء في الدوريات وفي نقاط التفتيش يتيح لهن المشاركة والتحدث عن معاناتهن، إحدى الناجيات من الصراع تحدثت لـ “أخبار الآن” عن علاقات نساء منطقة إقليم “بني” بجنديات قوات حفظ السلام: ” لدينا علاقة جيدة جدًا معهم، بدونهم سنعاني في هذه المنطقة طوال الوقت بسبب الحرب المستمرة”.
لا يقتصر عملهن على دوريات “حفظ السلام” فقط، إنما يقمن نساء “لواء قوة التدخل FIB” بالمساعدة في وحدة الرعاية الصحية، حيث تتواجد خيم صغيرة منشرة في الإقليم تُستخدم كمشافي لمعالجة الجنود والسكان.
“أخبار الآن” التقت بواحدة من الطبيبات المشاركات في عمليات العلاج هناك، وهي تكلا سيباستيان كيبيربتي التي أشارت إلى أن النساء كن على خط المواجهة كأول مستجيبين لمساعدة الأهالي وأضافت: “عندما تعرضت كامانغو لهجوم، ذهبنا لمساعدة الضحايا، كان هناك طفل يبلغ من العمر 13 عاماً أصيب بجروح بالغة، وساعدنا نساء حوامل أصبن بالمناجل، بالنسبة للنساء بشكل عام، نقوم بمهمة صعبة للغاية في جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
وخلال انتشار كوفيد-19 لعبت حافظات السلام دورا مهما في التوعية وتلقين الناس بطرق حماية أنفسهم وعائلاتهم من خطر المرض، وما ينجم من ظواهر بسبب انتشار المرض مثل ارتفاع العنف بين الأزواج والاغتصاب، إذ يتسع نطاق ممارسة التحرش الجنسي “العنف الجنسي” في أوقات النزاعات المسلحة وأعمال العنف وانتشار الأوبئة، وفي هذا السياق قالت منظمة الصليب الأحمر إن غالباً ما يتم نبذ ضحايا التحرش الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية من قبل أهلهم ومجتمعاتهم.
“حرب إفريقيا العظيمة” لم تنته!
على الرغم من انتهاء الحرب رسمياً في الكونغو، عام 2003، إلا أن حروب صغيرة متنقلة لازالت مستمرة في هذا البلد الغني حيث تعتبر جمهورية الكونغو الديمقراطية من أغنى البلاد من خلال رصيدها بالثروات المعدنية إضافة إلى أنها ثاني أكبر دولة في أفريقيا، ومع ذلك فهي من أكثر البلاد فقرًا في العالم، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى النزاعات التي مزقت البلاد وأنهكتها خلال الأعوام العشرين الماضية.
أدت تلك الصراعات إلى نزوح ملايين السكان، حيث تعتبر الكونغو من بين أعلى الدول في العالم بأعداد النازحين.
ومن منظور حفظ السلام، فإن منطقة عمليات قوات حفظ السلام تعوقها البنية التحتية الضعيفة، ومحدودية الحركة على الطرق، والاعتماد على الطيران النادر الوصول إلى مناطق المسؤولية النائية.
ومنذ قرار مجلس الأمن 1925 تمديد تفويض بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2010، تمركزت غالبية قوات حفظ السلام البالغ عددها 20000 في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتمتد عبر المقاطعات الشرقية، وشمال وجنوب “كيفو”، ومانييما، وكاتانغا – المقاطعات المتاخمة لجنوب السودان، أوغندا ورواندا وبوروندي وتنزانيا وزامبيا على مسافة تقارب 1500 ميل.
وبعد ما يقرب من أربعة عشر عاماً من نشر قوات حفظ السلام الأولى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لا تزال بعثة الأمم المتحدة تكافح لإيجاد سلام للحفاظ عليه في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتواصل الجماعات المتمردة شن هجمات على السكان مما أسفر أيضاً عن مقتل الكثير من جنديات قوات حفظ السلام.