الديمقراطية في أمريكا أمام اختبار صعب
بعد عام على اقتحام أنصار الرئيس السابق لـ أمريكا دونالد ترامب الكابيتول، وإغلاقهم الكونغرس، ما زال الأمريكيون بانتظار محاسبة المسؤولين عن عملية مثّلت تحديا غير مسبوق للديموقراطية في الولايات المتحدة.
وما زال السؤال نفسه مطروحا: هل كانت مجرّد تظاهرة تحوّلت إلى أعمال شغب أم تمرّدا، أو محاولة انقلاب خطط لها ترامب؟
وتعد التسجيلات المصوّرة العائدة إلى ذلك اليوم السادس من كانون الثاني/يناير 2021 شاهدة على العنف الذي ارتُكب باسم الرئيس السابق.
يظهر في التسجيلات مهاجمون أثناء ضربهم عناصر الأمن بقضبان حديدية وهراوات، فيما يبدو شرطي في أحد الممرات وهو يتأوّه ألما.
وهتف المهاجمون الذي كانوا يحملون معدات الاعتداء “اشنقوا مايك بنس”، وهو نائب رئيس أمريكا السابق، الذي فر من المكان إلى جانب نواب ديموقراطيين وجمهوريين. وقُتلت امرأة بإطلاق نار في ممر في الكابيتول.
وشكّل الاعتداء الذي استمر لساعات صدمة في أمريكا؛ للأمريكيين، والعالم، الذي اعتاد على الولايات المتحدة كنموذج لدولة ديموقراطية تتمتّع بالاستقرار.
وبعد عام، ما زالت محاولة منع الرئيس الديموقراطي جو بايدن من تولي السلطة بعد فوزه بانتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بانتظار المحاسبة.
وقال بايدن رئيس أمريكا الحالي في تموز/يوليو “حتى خلال الحرب الأهلية، لم يخرق المتمرّدون الكابيتول، حصن ديموقراطيتنا”.
وأضاف: “لم تكن هذه معارضة. كانت خرقا للنظام ومثّلت أزمة وجودية واختبارا بشأن إن كان بإمكان ديموقراطيتنا الاستمرار”.
ترامب يحيي الذكرى
وبعد عام، تم توجيه اتهامات لأكثر من 700 شخص بالاعتداء على عناصر إنفاذ القانون واقتحام قاعات الكونغرس.
وكشفت التحقيقات في أمريكا عن جهود منسّقة قام بها ترامب وحلفاؤه لمنع بنس من ترؤس عملية مصادقة الكونغرس على بايدن كرئيس منتخب قانونا.
ويتردد سؤال في هذا الصدد مفاده: كيف يرتبط الهجوم بمحاولات ترامب؟
تحقق لجنة خاصة في مجلس النواب في الأمر، لكن كلّما تعمّقت أكثر في القضية، ازدادت حساسيتها. ففرضا لو عثرت على أدلة تشير إلى أن ترامب حرّض عن قصد على الهجوم، أو خطط للبقاء بشكل غير قانوني في السلطة كرئيس لأمريكا، فهل تخاطر بإثارة مزيد من الاضطرابات عبر المطالبة بملاحقة جنائية غير مسبوقة تستهدف رئيسا سابقا؟
وفي الذكرى السنوية الأولى للاعتداء التي توافق الخميس، أمرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بـ”مراسم رسمية” في الكونغرس.
وأما ترامب، الذي ما زال يعد الشخصية الأكثر نفوذا في الحزب الجمهوري، فيخطط لإحياء ذكرى السادس من كانون الثاني/يناير على طريقته الخاصة في بالم بيتش في فلوريدا، حيث يقول إنه سيركّز على انتخابات 2020 الرئاسية “المزوّرة”.
ورغم أنه لم يقدّم أي أدلة على أن الانتخابات كانت مزورة، تظهر الاستطلاعات بأن حوالى ثلثي الناخبين الجمهوريين يؤيّدونه.
بدروهم، يدرك النواب الجمهوريون بأن ترامب قادر على الدفع بهم قدما أو سحقهم سياسيا، وبالتالي يفضّل معظمهم إرضاؤه. حتى أن بنس لم يدل بأي تصريح ضده.
وعلى العكس، يسعى الحزب لاستعادة السلطة في انتخابات الكونغرس المرتقبة العام الجاري وفي اقتراع 2024 الرئاسي، والذي قد يترشّح ترامب لخوضه مجددا.
جهود منسقة لإلغاء نتائج الانتخابات
وبات تسلسل الأحداث التي قادت إلى السادس من كانون الثاني/يناير 2021 أكثر وضوحا.
وقبل شهور من موعد الانتخابات، أعلن ترامب بأنها ستكون مزوّرة ولن يقبل بالخسارة.
وعندما بات فوز بايدن واضحا ليلة الانتخابات، رفض ترامب التنازل.
وعلى مدى ستة أسابيع، سعى مع أنصاره لإلغاء الأصوات التي تم فرزها في ولايات رئيسية عبر رفع دعاوى قانونية والضغط على مسؤولي الولايات.
وعندما فشلت جهودهم في هذا الصدد، تركّزت أنظارهم على السادس من كانون الثاني/يناير، عندما يعقد بنس اجتماعا لمجلسي الكونغرس للمصادقة على فوز بايدن.
ودعا ترامب أنصاره للتوجه إلى واشنطن قائلا في تغريدة “تظاهرة كبيرة في واشنطن بتاريخ 6 كانون الثاني/يناير. كونوا هناك، ستكون (التظاهرة) صاخبة!”.
كما ضغط ترامب وأنصاره على بنس لعدم المصادقة على النتيجة، بناء على تبريرات قانونية حددها ونشرها حلفاء ترامب بينهم كبير موظفيه مارك ميدوز وبعض النواب الجمهوريين.
وفيما استعد الكونغرس للالتئام، قال ترامب لأنصاره خلال تجمّع في البيت الأبيض إن الانتخابات كانت “مزوّرة” وتعهّد “عدم التنازل إطلاقا”.
وأشار إلى أن بنس هو المفتاح قائلا “إذا قام مايك بنس بالأمر الصحيح، فسنفوز بالانتخابات”.
وحضّ الحشد على التوجّه إلى الكونغرس و”القتال”.
وبالتالي، سار الآلاف باتّجاه الكابيتول، معقل ديمقراطية أمريكا بينهم أعضاء في مجموعات ناشطة هي “براود بويز” و”أوث كيبرز”، ارتدى العديد منهم سترات واقية وخوذات.
وفي فندق قريب، أدار حلفاء ترامب “غرفة حرب” كانوا على تواصل منها مع الأشخاص في الشارع والمكتب البيضاوي والنواب الجمهوريين في الكونغرس.
وأدى الاعتداء العنيف الذي أعقب ذلك إلى إغلاق الكابيتول وأوقف جلسة المصادقة، فيما فر النواب وقتل خمسة أشخاص وأصيب العشرات بجروح.
واستغرقت استعادة الشرطة والقوات الفدرالية السيطرة على الكابيتول وإبعاد المهاجمين أكثر من ست ساعات.
وأخيرا، صادق بنس في جلسة صباح السابع من كانون الثاني/يناير رسميا على بايدن كرئيس منتخب.
مسارعة لاستكمال التحقيق
اعتقد كثيرون أن تدابير عزل ترامب التي سرعان ما أعقبت الحادثة خلال الأسبوعيين التاليين وتنصيب بايدن في 20 كانون الثاني/يناير، ستطوي هذه الصفحة لتكون فصلا من فصول التاريخ.
لكن ترامب بقي في الواجهة، فعزز سيطرته على الحزب الجمهوري ورفض جميع الانتقادات وتعهّد العودة إلى الساحة السياسية.
بدورهم، يطالب الديموقراطيون بالمحاسبة.
قال عضو الكونغرس الديموقراطي بيني ثومبسن، الذي يقود تحقيق مجلس النواب، إن “عدم القيام بتحرّك ما أو تجاوز (ما حصل)، ليس خيارا بكل بساطة”.
وسيكون على اللجنة، التي استجوبت أكثر من 300 شخص في أمريكا، استكمال عملها قبل انتخابات منتصف الولاية المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، التي قد تعيد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، ما سيعني إلغاء التحقيق.
وفي كانون الأول/ديسمبر، أكدت نائبة رئيس اللجنة ليز تشيني (وهي من بين مجموعة صغيرة من الجمهوريين الداعمين للتحقيق) بأن أنظار اللجنة تتركّز على ترامب.
وقالت “لم يكن هناك مبرر أقوى في تاريخ أمتنا لإجراء تحقيق في الكونغرس في أفعال رئيس سابق. لا يمكننا الاستسلام لجهود الرئيس ترامب الرامية لإخفاء ما حصل”.
لكن خبراء يشيرون إلى أن الكشف عن الحقيقة الكاملة لما حصل في أمريكان في السادس من كانون الثاني/يناير يحمل مخاطر سياسية هائلة لإدارة بايدن.
لكن تركها طي الكتمان خطير أيضا.
وأفاد الخبير السياسي من معهد بروكينغز وليام غالستون فرانس برس أن “السادس من كانون الثاني/يناير كان نذيرا بشأن خطر واضح وحاضر”.
وأضاف: “أخفقت جهود إلغاء نتائج انتخابات ديموقراطية”.
وأردف: “هل سيكون الأمر كذلك بعد ثلاث سنوات من الآن؟ الأمر غير واضح. لأن الأشخاص الذين كانوا عازمين على إلغاء تداعيات انتخابات 2020 تعلموا الكثير”.