أوكرانيا بين براثن الدب الروسي
- روسيا قلقة من تعزيز أوكرانيا علاقاتها مع أوروبا وأمريكا أو انضمامها إلى “الناتو”
- الأسطول الروسي في ميناء سيفاستوبول مصدر توتر بين روسيا وأوكرانيا
- عقب احتلال القرم تطور أداء الجيشين الأوكراني والروسي كثيرا مع التفوق الواضح لروسيا
تتسارع وتيرة الأحداث بين أوكرانيا وروسيا، وسط انشغال وترقب العالم أجمع بما ستؤول إليه الأحداث ، سيناريوهات متعددة رسمت من قبل أمريكا و الاتحاد الأوروبي ، ومخاطر حددتها الدراسات تتعلق بالأمن الغذائي والجوانب الإنسانية لالآف البشر.
الأزمة كما يصنفها البعض “حول المصالح والسياسات” تتلخص بقلق روسيا من توجه القادة الأوكرانيون لتعزيز العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
أوكرانيا لاتزال تنظر بقلق شديد إلى شبه جزيرة القرم التي كانت جزءاً من أراضيها ، والتي ضمتها روسيا لها وفقاً لاستفتاء مارس 2014، وكذلك الصراع الدائر في دونباس، ولوهانسك، وهما منطقتان من أراضيها أعلنتا انفصالهما عنها، وقد تم إعلان تشكيل جمهورية دونباس واستقلالها، وسط اتهام أوكرانيا لروسيا بدعم المتمردين فيهما.
احتلال القرم
في اوائل عام 2014، أصبحت شبه جزيرة القرم محور اخطر أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب (والموالي لروسيا) فيكتور يانوكوفيتش باحتجاجات شابها العنف في العاصمة كييف.
عند ذاك، قامت قوات موالية لروسيا بالسيطرة على القرم، وبعد ذلك صوت سكان المنطقة – وغالبيتهم من ذوي الأصول الروسية – في استفتاء عام للانضمام الى روسيا الاتحادية. ولكن أوكرانيا والدول الغربية أكدت أن الاستفتاء لم يكن شرعيا.
وعقب اعلان استقلال أوكرانيا، سعى سياسيون روس في القرم الى توثيق علاقات شبه الجزيرة مع روسيا والى تثبيت سيادتها من خلال سلسلة من الخطوات وصفتها الحكومة الأوكرانية بأنها منافية للدستور الأوكراني,
وينص الدستور الأوكراني الذي سن في عام 1996 على أن القرم لها وضع الجمهورية ذاتية الحكم، ولكنه نص أيضا على أن القوانين التي تسن في القرم يحب أن تتماشى مع القوانين الأوكرانية.
التوتر بين روسيا و أوكرانيا
يعد ميناء سيفاستوبول قاعدة بحرية مهمة، وكان مقر اسطول البحر الأسود الروسي منذ الحقبة السوفيتية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، جرى تقسيم الأسطول بين روسيا وأوكرانيا.
وكان وجود الاسطول الروسي في سيفاستوبول مصدر توتر بين روسيا وأوكرانيا منذ ذلك الحين. ففي عام 2008، طالبت أوكرانيا – التي كان يحكمها آنذاك الرئيس فيكتور يوشنكو الموالي للغرب – روسيا بالامتناع عن استخدام أسطول البحر الأسود في صراعها مع جورجيا.
ولكن البلدين اتفقا على بقاء الأسطول الروسي في مقره في سيفاستوبول حتى عام 2017، وبعد انتخاب فيكتور يانوكوفيتش المؤيد لروسيا رئيسا لأوكرانيا في عام 2010، وافقت أوكرانيا على تمديد بقاء أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول بـ 25 سنة بعد 2017، مقابل حصول أوكرانيا على الغاز الروسي بأسعار تفضيلية.
الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي هددا بفرض عقوبات على روسيا نتيجة غزوها القرم، لكن العقوبات لم تترك أثراً فعلياً على الاقتصاد الروسي، فالاقتصاد الروسي بقي مستقراً، وقد أسهمت أسعار النفط الروسي في إبقاء الاقتصاد الروسي على ذلك، والأهم أن روسيا تعمل على امتلاك أداة ضغط قوية في السيطرة على سوق النفط وذلك من خلال سيطرتها على خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي يجعل ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي؛ خاصة أن إجراءات بناء الخط تسير على قدم وساق رغم بعض الصعوبات.
وفشلت العقوبات الأمريكية والأوروبية في دفع روسيا للانسحاب، وبقي الصراع صامتاً مستقراً ولم يتطور إلى مواجهة كبرى حتى اللحظة.
الغزو الروسي الوشيك
منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، تطوَّر أداء الجيشين الأوكراني والروسي كثيراً، مع التفوق الواضح لروسيا.
لكن النزاع الذي بقي مستقراً أو من النوع المحدود، بعد انحسار القتال في شرق أوكرانيا عام 2016، عاد ليصبح قابلاً للانفجار مع إعادة تموضع القوات العسكرية الروسية على الحدود المتاخمة لأوكرانيا والتي تتجاوز دورتها التدريبية المعتادة، وهو ما فسّره مراقبون كثيرون بأنه غزو عسكري وشيك، حيث تحركت القطاعات العسكرية الروسية لآلاف الكيلو مترات وبأعداد تصل إلى عشرات الآلاف إلى الحدود الأوكرانية وشبه جزيرة القرم.
في سبتمبر 2014 تم توقيع اتفاق بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين برعاية روسية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مينسك عاصمة بيلاروسيا، وأهم بنود الاتفاق:
ترسيخ وقف إطلاق النار، وتأسيس منطقة عازلة بين قوات الحكومة والانفصاليين الموالين لروسيا بمسافة 30 كيلومتراً.
سحب “المجموعات المسلحة جميعها وكذلك التجهيزات العسكرية والمقاتلين والمرتزقة” إلى الحدود الخارجية للمنطقة العازلة.
وقف استخدام أنواع الأسلحة كافة سواء الأسلحة الثقيلة أو الخفيفة ومنع استخدام الطائرات من دون طيار.
لكن هذا الاتفاق فشل لأنه غير كافٍ ولم يكن واضحاً.
وتبع هذا الاتفاق اتفاق آخر ونص على : زيادة المنطقة العازلة إلى ما بين 50-140 كيلومتراً، وسحب الأسلحة الثقيلة.
وانسحاب الجيش الأوكراني إلى جهة الغرب بعد سيطرة الانفصاليين على أراضٍ جديدة، أما الأراضي التي تم الاستيلاء عليها فتكون ضمن المنطقة العازلة الموسعة.
وإطلاق سراح الأسرى والرهائن المعتقلين منذ عام 2014 وانسحاب المجموعات المسلحة والمرتزقة بمراقبة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في أوروبا، وإصدار عفو عن المقاتلين.
وتنظيم انتخابات وفقاً للقوانين المحلية الأوكرانية ولتحديد الوضع المستقبلي لمنطقتي دونيتسك ولوهانسك.
اضافة إلى وضع دستور جديد بحلول نهاية عام 2015، يتيح اللامركزية في منطقتي دونيتسك ولوهانسك بالاتفاق مع ممثلي المنطقتين.
المصالح الروسية
تحاول الحكومة الروسية اثبات كلاعب جيوسياسي في أوكرانيا، وبالتالي إذا ما تم تهديد هذه المصالح بشكل فعلي؛ فإن روسيا قد تستخدم القوة لإجهاض هذه المحاولات، بما فيها غزو أوكرانيا.
تسعى روسيا إلى مراجعة الاتفاقات والتسويات التي تمت ما بعد الحرب الباردة، ومن ضمنها استعادة المنظومة الإقليمية ليكون لها دور في الأمن الأوروبي، وبالتالي تريد روسيا ضمانات غير مشروطة لأمنها اليوم ومستقبلاً، ولن تقبل بتمدد الناتو شرقاً ليشمل أوكرانيا كما قال بوتين.
وتعتبر روسيا أن التدخل أو الإدانة الأمريكية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم والمعارك في شرق أوكرانيا وغيرها من السياسات الأمريكية هو تدخل في الشؤون الروسية الداخلية، حتى العقوبات الأمريكية فهي بالنسبة إلى روسيا غير شرعية.
أما الإطار الأبعد للمصالح الروسية فهو يتمثل في إعادة ربط الدول التي كانت تشكل في السابق الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، لمنافسة الاتحاد الأوروبي بل والولايات المتحدة والصين أيضاً، ويعد ذلك أمناً استراتيجياً للجانب الروسي.
مطالب أوكرانيا
لدى أوكرانيا مطالب تتعلق بحرية الملاحة، بعد واقعة احتجاز روسيا ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية وطواقمها في بحر آزوف، بحجة دخولها المياه الإقليمية الروسية بشكل غير قانوني، وهذا التصرف يجعلها تسيطر عملياً على منطقة بحر آزوف وبالتالي قدرتها على محاصرة مدينة ماريوبول.
تهدف أوكرانيا إلى عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وترى أن مستقبلها مع الأوروبيين، خاصة أن هذا الانضمام سيوفر لها الكثير من المزايا الاقتصادية والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي سفيوفر لها المظلة الأمنية وحماية وجودها
سيناريو الحرب
ليس من السهل غزو بلد كامل كأوكرانيا بسبب حجم مساحته، وعدد سكانه الذي يصل إلى 40 مليون نسمة، ولكن ربما يتم اجتياح جزء منها لاستخدامه كورقة ضغط في المفاوضات أو فرض تسوية توقف ذهاب أوكرانيا إلى المعسكر الآخر.
وتزايدت المخاوف أيضًا بشأن حشد عدد كبير من القوات الروسية فب بيلاروسيا، الدولة المتحالفة مع موسكو والتب يمكن أن تشكل ممرا للدخول إلى أوكرانيا.
يُعتقد أن انتشار موسكو في بيلاروسيا هو الأكبر هناك منذ الحرب الباردة، ووفقا لتصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ فى 3 فبراير فقد “نشرت روسيا 30 ألف جندي، وقوات العمليات الخاصة “سبيتسناز”، وطائرات مقاتلة بما فى ذلك سو -35، وصواريخ إسكندر ذات القدرة المزدوجة وأنظمة الدفاع الجوى إس -400″..
فيليب كاربر من مؤسسة بوتوماك بواشنطن، قال عقب دراسته لتحركات القوات الروسية بالتفصيل -بحسب الشبكة- أن ”أقوى تشكيل هجومى روسى وهو جيش دبابات الحرس الأول الذى يتمركز عادة فى منطقة موسكو، تحرك جنوبا لنحو 400 كيلومتر واحتشد فى المنطقة المثلى لشن هجوم مدرع سريع على طريق غزو خورسك- كييف.”
تشكل شبه جزيرة القرم نقطة انطلاق طبيعية لأي عملية عسكرية جديدة. لكن من غير الواضح ما إذا كانت موسكو ستحاول بدء تحرك إلى أوكرانيا من شبه جزيرة القرم.
وجاءت عمليات الانتشار الجديدة هذه في اليوم ذاته الذى وصلت فيه بضع سفن حربية روسية إلى سيفاستوبول، الميناء الرئيس لشبه جزيرة القرم، فيما نشرت وزارة الدفاع الروسية، صورا لست سفن إنزال برمائية كبيرة في الميناء. وردّت البحرية الأوكرانية بأن روسيا تواصل عسكرة منطقة البحر الأسود، وتنقل سفن إنزال إضافية للضغط على أوكرانيا والعالم.
جبهة شرق أوكرانيا “دونيتسك ولوغانسك”
وتشير التقارير أيضا إلى أن معظم الاهتمام يتركز على منطقتى دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين حيث تخوض القوات الأوكرانية والانفصاليون المدعومون من روسيا قتالا منذ 2014.
وأبرز التوقعات للمختصين الذين يراقبون التحركات الروسية هو أن تقوم موسكو بتعزيز القوة العسكرية التي تمتلكها بالفعل في المنطقة؛ ما يجعل شرق أوكرانيا أسهل موقع يمكن من خلاله شن الغزو.
وأشارت صور الأقمار الصناعية إلى أن قاعدة يلنيا الضخمة، التب كانت تحتوي على دبابات ومدفعية ومدرعات روسية أخرى، باتت خاوية إلى حد كبير، ويبدو أن هذه المعدات تم نقلها بالقرب من الحدود الأوكرانية في الأيام الأخيرة.