الشعب الروسي يواجه قمح الحريّات وغسل الأدمغة عن طريق الدعاية السياسية
إنه النفط والغاز، فحفاظ بوتين على سلطته على تلك الأنابيب وما يترتّب عنها من مداخيل جعلاه يشنّ حربه الشعواء على أوكرانيا، وهو يعتمد في حربه تلك على الدعاية السياسية بشكل أساسي فيغسل عبرها أدمغة الروس ليكسب تأييدهم، فيما يبتزّ الدّول الأخرى مهدداً إياها بالخطر النووي ليربح المفاوضات. هذا هو التحليل الذي قدّمه رئيس حزب “Western Choice” الروسي قسطنطين بوروفوي، فهل يصيب في تحليله؟
يقول بوروفوي إن “ثمّة آراء شائعة جدًا مفادها أن بوتين يحاول إعادة إنشاء الإمبراطورية الروسية أو حتى الإمبراطورية السوفيتية أي الاتحاد السوفياتي، هذا ليس دقيق تمامًا، فهدفه الوحيد هو الحفاظ على قوة بلاده من أجل الحفاظ على سلطته على أنابيب الغاز والنفط وطبعاً الدخل المترتب من تدفقات النفط والغاز. هو غير مهتم بتطوير البلاد، فالاقتصاد عملياً غير موجود في روسيا، وكل ما يمكن أن يحقق ربحًا في يوم من الأيام يتم احتكاره من قبل مؤسسة مملوكة من الدولة يديرها أصدقاؤه. فقد قضى على الطبقة الوسطى من روّاد الأعمال والمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة لأنها تشكل خطرًا على سلطته”.
وصف بوروفوي ما يحصل في أوكرانيا بأنه “جريمة، فقد تم ارتكاب العديد من الأعمال الإجرامية هناك والتي تم تسميتها بالفعل بالجرائم العسكرية، وبالتالي من الضروري البدء في الإعداد لمحكمة دوليّة لبوتين كما حدث مع ميلوسوفيتش وصدام حسين وكبار المجرمين”.
الابتزاز النووي
يعتقد بوروفوي أن مسألة ضرب يوتين للمفاعلات النوويّة هي نوع من ورقة ابتزاز يستخدمها بوتين لدفع عجلة المفاوضات بالطريقة التي تخدم مصالحه “فبالتوازي مع الحرب واحتلال الأراضي، يفتعل بوتين مشكلة أخرى فهو بقوم بابتزاز المجتمع الغربي وبقية العالم عن طريق التهديد النووي. التهديد موجود بالتأكيد بدون شك لكن بوتين هو رئيس الخدمة السريّة والمسؤول عن الحملة الدعائيّة القائمة على المعلومات المضللة، يا له من قائد ذكي! رأينا ذلك خلال العملية في جورجيا في الـ 2008، ونراه الآن. وللأسف فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يفكران بجدية في ابتزازه وتهديداته”.
وأضاف “علينا أن نأخذ في الاعتبار هذا احتمال تنفيذ تهديده، لكن علينا أن نفهم أنه أولاً وقبل كل شيء إنها خدعة حقيقية لإنقاذ ظروفه الآن. ففي أوكرانيا مثلاً هو يودّ الحفاظ على موقع جيشه، لا يمكنه هزيمة أوكرانيا لكنه يرغب في ذلك قبل إجراء المفاوضات، والمفاوضات لن تدور حول أوكرانيا بل حول غزو الناتو بحسب الكلمات التي توجه بها للروس”.
قمع الحريّات في روسيا
يسيطر بوتين على مفاصل الإعلام والأعمال في روسيا فكل الأعمال في القطاعات المختلفة تصب في مصلحته وتقع تحت إدارته وإدارة أصدقائه، وبحسب بوروفوي “من المثير للإهتمام أن بوتين وصل إلى السلطة كديمقراطي ثابت، لكن منذ العام 2004 بدأ في تغيير السياسة الداخلية بشكل كبير، أصبحت وسائل الإعلام المستقلة ملكاً لأصدقائه، وأصبحت الأعمال المملوكة لمؤسسات الدولة تحت إدارة أصدقائه أيضًا، وقد طُلب من رجال الأعمال المستقلين الخضوع لحكمه وإلا فمصيرهم السجن فالجميع يعلم ما حصل في قضية مايكل خودوركوفسكي”.
وأضاف “في العام 2000 بدأت الاحتجاجات تتصاعد بقيادة المعارضة الديمقراطية، فقد شارك ما يصل إلى 200 ألف شخص في مسيرات الاحتجاج في موسكو. أخذ بوتين التهديد على محمل الجد وبدأ في محاربة المعارضة، وأدخل الدعاية الإستفزازية ضد المعارضة واعتمد القتل أيضاً، ربما تعرفون عن مقتل أحد زعماء المعارضة بوريس نيمتسوف“.
ولفت بوروفوي إلى أن “الظروف الذهنيّة للشعب الروسي حالياً غريبة للغاية، فجزءاً كبيراً منه يؤيّد بوتين، ربما 50% من الشعب أو أكثر. هم يعرفون عن جرائم القتل في أوكرانيا، وأوكرانيا هي بلد شقيق وفيها الكثير من الروس، وربما نصف الأوكرانيين هم روس بحت، لكنهم يدعمونه بسبب الدعاية. لديهم أدوات قوية جدًا للتأثير على الناس، إنه أمر خطير للغاية وأحيانًا أعتقد أنه أخطر من قتل الناس لأن الناس بسبب الدعاية يفقدون قدرتهم على التفكير”.
وأكد بوروفوي أنه “لا وجود لوسائل إعلام مستقلة في روسيا، فقد تم إغلاق وسائل إعلامية في الأسابيع الأخيرة، والآن تقوم وسائل الإعلام الدولية بمغادرة روسيا لأنه بموجب قانون مجلس الدوما يعدّ التحدّث بحريّة جريمة، وإن نقل المعلومات حول الظروف الحقيقية مثلاً في أوكرانيا يعتبر جريمة، لهذا السبب إذا قام الصحافيّون بنقل الوقائع كما هي فإنهم بذلك يخالفون القوانين. إنه لأمر خطير، فبوتين يريد الحفاظ على سلطته ولهذا السبب هو يقضي على الإعلام ويقوم بتدميره، ونحن نتحرك دون شك نحو الاتجاه الذي تسلكه كوريا الشمالية، إنه أمر خطير للغاية”.
وأضاف أنه في حال مخالفة الصحافيين للقانون “فيمكن وضعهم في السجن ويمكن قتلهم حتى، إن ضباط الخدمة الخاصة في المخابرات السوفيتية (KGB) موجودون في السلطة في روسيا وليس لديهم مشكلة في كيفية التصرف مع أعدائهم، يمكنهم قتلهم إن المسألة سهلة للغاية بالنسبة إليهم وقد أظهروا ذلك مرّات عديدة وقتلوا جميع خصومهم ومن يخالفونهم الرأي”.
وقد أعرب بوروفوي عن سعادته بصمود الأوكرانيين وأكد أنه كرئيس لحزب سياسي روسي يعلن دعمه لأوكرانيا “وأتوقع أن تفوز في هذه الحرب، وأريدها أن تفوز لأنها إن فازت يمكن أن يتغير شيء ما في روسيا، فالأمور هنا أصبحت خطيرة للغاية ليس فقط داخل روسيا ولكن أيضاً بالنسبة للعالم بأسره”.
وأضاف “الأسوأ الآن هي ذهنية الشعب الروسي التي تأثّرت بحملات الدعاية. الأمر أشبه بما كان يحدث تمامًا في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية في العام 1945. ففي العام 1948 عندما تمت المصادقة على الدستور الألماني الجديد تم قبول دستور ديمقراطي ومع ذلك كان نحو 70 ٪ من الألمان مستعدين للتصويت للنازيين، وقد استغرق الأمر نحو 30 عامًا لتغيير ذهنيّتهم ومواقفهم. إنها عملية صعبة ومهمة للغاية ويمكن أن تبدأ في روسيا بعد عهد بوتين”.