الهجوم المضاد الأوكراني يربك الروس
شهدت الفترة الماضية عدة تطورات على ساحة المعارك العسكرية بين الجيشين الروسي والأوكراني، ونتيجة لدعاية مكثفة من الجانب الأوكراني بالإعداد لهجوم وشيك على محور خيرسون- ميكولايف في الجنوب، والذي بدء بالفعل في نهاية شهر أغسطس (آب)، وحقق نجاحات محدودة عبر استيلاء الجيش الأوكراني على عدة قرى ومقاطعات صغيرة، بدا وكأن الجيش الروسي قد نجح في التصدي لهذا الهجوم المضاد وتثبيت مواقعة وأن الجيش الأوكراني قد فشل في تحقيق هدفه. إلا ان المفاجأة كانت في الشرق، وبالتحديد في محور إيزوم-خاركيف، والذي حقق فيها الأوكرانيين عدة نجاحات عسكرية لم يستطع الجانب الروسي إنكارها، وفيما يبدو أن تكثيف الدعاية المسبقة حول الهجوم على محور الجنوب لم يكن سوى تمويه للعملية الكبرى في الشرق، التي لم تؤدي لتوقف الهجوم المضاد في الجنوب، حيث يخوض الأوكرانيين الآن هجومهم على كلا المحورين بالتزامن (الشرق والجنوب).
أدى الهجوم الأوكراني على محور إيزوم-خاركيف، لاستيلاء الجيش الأوكراني على مدينة بالاكليا ومنطقة شيفشينكوف ومدينة كوبيانسك، ورفع العلم الأوكراني عليهم، وسط خيبة أمل كبيرة من قبل حلفاء موسكو في أوكرانيا، والشخصيات الروسية القومية الداعمة لما تسمى “استعادة” أراضي روسيا التاريخية في أوكرانيا. يعرض هذا التقرير أبرز ما صدر من تعليقات لهذه الشخصيات الداعمة والمؤيدة للكرملين، والأثر العسكري والمعنوي المترتب لنجاح الهجوم المضاد الأوكراني.
ينبغي على الروس أن يتعلموا من الأوكرانيين!
تحت هذا العنوان، علق الكاتب السياسي إيغور غولموغوروف، أيقونة القوميين الروس، الذي يفتخر بوصف نفسه بأنه “قومي متطرف”، بأن على الروس “التعلم من درس بالاكليا المخزي“، قائلاً، نحن نرى أن الأوكرانيين “يدافعون عن كل قرية صغيرة منذ شهور ببسالة، وما يقومون به بمثابة درس جيد. يجب أن يكون الدرس الرئيسي هو أن على الاتحاد الروسي التخلص من النظرة المتعالية لأوكرانيا من موقع التفوق الاستراتيجي المطلق، والبدء في القتال بذكاء وقوة بمخالبنا وأسناننا وكل ما في وسعنا. لقد كان لدينا مثل هذا التفوق قبل 8 سنوات، ولكنه لم يعد موجود الآن”. وحسب وصفه، أي خطاب سيبدو الآن حول “تجنب القتال في الشوارع” و “المعاملة الإنسانية للسكان” وما إلى ذلك هو خطاب تبرير “للخيانة”. إن لم نفعل ذلك فهذا يعني شيئًا واحدًا فقط: “نحن لا نعتبر هذه أرضنا ونريد أن نتخلص منها، ونخون من وثقوا فينا ونتركهم في أيدي الأوكرانيين”. ثم وجه سؤاله إلى الجنود الروس قائلاً “هل هذه ارضنا ام لا؟”، معبرًا عن عدم ثقته في القادة العسكريين، مختتمًا تعليقه بالقول “آمل حقًا أن تتبع هذه الدراما العديد من الاستنتاجات التنظيمية الجديدة التي تمكنا من المواجهة، إذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف يحسد الأحياء الأموات قريبًا”.
ضرورة البحث عن المذنبين ومحاكمتهم
مرة أخرى، عبر إيغور غولموغوروف، أحد أكثر المتحمسين لضم كافة أراضي أوكرانيا إلى روسيا، متسائلاً عن مسؤولية ما حدث من فشل عسكري، ومطالبًا بإجراء “محاكمات عاجلة للمسؤولين“، قائلاً: “من الضروري البحث عن المذنبين، بعد كان هذه التضحيات، وفي ظل وجود آلاف الأشخاص الذين استعدوا للتو ليصبحوا مواطنين روس، وحصلوا على جوازات سفر روسية، انتهى بهم الأمر في أيدي الأوكرانيين”، مكررً السؤال: “هل حقًا لا يوجد مذنب يمكن محاسبته على قدرة العدو على قضم ما يقرب من مائة كيلو متر مربع، وتحقيق كل هذه الاختراقات دون أن يتكبد أي خسائر تضاهي التقدم؟” معلقًا على أسباب الفشل، حيث قال: “الأوكرانيون ليسوا آلهة حرب ولا حتى أنصاف الآلهة، بل لأنهم عملوا بكفاءة وبجدية فقد تمكنوا من التقدم في خيرسون والشرق تحقيق هذه الاختراقات، ويجب على بعض المذنبين أن يدركوا ويعترفوا بذنبهم ويصححون أخطائهم”، وفيما يبدو إشارة لقادة الجيش الروس، قال أيضًا “هناك شخص ما مسؤول يجب أن يترك منصبه إلى الأبد، وسيكون من المفيد أن يجلس شخص ما، ووفقًا لقوانين زمن الحرب، يتم إعدامه”.
الهزيمة في خاركيف نتيجة طبيعية لتخلف روسيا وانفصال مسؤوليها عن الواقع
تحت هذا العنوان، كتبت هيئة تحرير وكالة ميغ للأخبار في حسابها الرسمي على تيليجرام، عند الاطلاع على وسائل الإعلام المحلية، نجد أن: “انفصال المسؤولين الروس عن الواقع قد تجاوز كل الحدود المقبولة“، متسائلة: “كيف لهؤلاء المسؤولين الذين أرادوا التخلص من الاستبداد السوفيتي في شبابهم، يريدون الآن إعادة انتاجه من جديد”، مختتمين بأن من لا: “يفهمون مدى أهمية وسائل الإعلام المستقلة والمتنافسة ليس لديهم عقل”.
وفيما يتعلق بما يحدث الآن من تدهور على الجبهة العسكرية، عرضت هيئة التحرير على السلطات ثلاث خيارات:
1.تغيير الاستراتيجية حسبما نصح بعض قدامى المحاربين.
2.تغيير ثوري لكل شيء من الخطط إلى القيادة إلى طريقة التعامل مع الواقع الحالي بشكل جاد.
3.التظاهر بأن كل شيء يسير وفقًا لخطة محددة مسبقًا، وسيتم تحقيق جميع الأهداف والمهام دون فشل، وما إلى ذلك من تصريحات معتادة.
قالت هيئة التحرير: “لا نعرف أي من هذه الخيارات ستختار الحكومة، لأنه ولله الحمد منذ فترة طويلة لم تكن لدينا أدنى علاقة بها”.
في منشور آخر، تحت عنوان “من يخرج مسؤولينا من عزلتهم“، كتبت هيئة التحرير: “من الرائع أن العديد من أبناء مسؤولينا قد درسوا في الغرب، وكثير من هؤلاء الأبناء أذكياء حقًا، وبعضهم نجح في دراسته وتمكن من العمل في الغرب، ألا يمكنهم إخبار آبائهم عن تأخرنا الكارثي في كافة المجالات الرئيسية؟ يجب أن يكونوا قد قالوا لهم هذه الحقيقة!”.
نظام عفا عليه الزمن ولا أمل في إصلاحه
كتبت هيئة التحرير لوكالة ميغ، إن النقطة المهمة فيما يحدث الآن، هي أن: “النظام السياسي الروسي قد عفا عليه الزمن بشكل ميؤوس منه في المجالات الأساسية، لو كانت المشكلة تكمن في أشخاص محددين لكان الأمر أسهل بكثير، لكن الأزمة باتت تكمن في النظام نفسه، الذي يجب أن يفهم أخيرًا أن الوقت قد حان لبدء تغيير نفسه، وإلا فإن كل هذا لن ينتهي بشكل جيد”. محذرين من الأخطار التي تنتظر روسيا، لو لم يحدث هذا التغيير: “إن خطر الفوضى ليس مرتبطا باليوم وليس بالغد، بل بعد غد، إذا تركنا كل شيء كما هو، يبدو لنا أن سيناريو الفوضى داخل البلاد سيصبح حقيقي للغاية”.
سقوط الهيبة الروسية
كتب المؤرخ الروسي أليكسي بيلكو، عدة منشورات على قناته في تيليجرام، انتقد فيها الأداء السياسي والعسكري للسلطات الروسية، وتحت عنوان “الطبيعة اللزجة للحرب في أوكرانيا“، كتب بأن الوضع الحالي: “يحرم روسيا من فرصة العمل بنشاط في مسارح عالمية أخرى من الحرب الباردة الجديدة، في ظل قرب نفاذ الوقت من موسكو”، معتبرًا أن: “الآلة العسكرية الروسية تعمل بفتور على ترقيع أجزاء من الأراضي الأوكرانية، بينما يعمل الغرب بنشاط على إنشاء نقطة انطلاق جديدة للضغط على روسيا في دول البلطيق، ويعرقلون احتمالات عودتها إلى البلقان”.
معتبرًا أن أسباب التراجع الروسي يكمن في “أوهام” النخبة الروسية، قائلاً: كل هذه الأحلام بالاتفاقات مع الغرب مثل “صفقة الحبوب” تنتهي بشيء واحد فقط: “الإدراك المفاجئ أننا تعرضنا للخداع مرة أخرى”. حان وقت الفهم: “لم تعد هناك قواعد ولن تكون هناك لوقت طويل. لذلك، يجب أن نحارب بدون قواعد”.
كما انتقد القرارات الاقتصادية للكرملين، وعدم قدرة روسيا على اللعب بورقة الغاز، قائلاً: “بات من الواضح الآن أن قرار وقف الغاز إلى أوروبا كان يجب أن يتخذ في مارس (آذار)، وليس في سبتمبر (أيلول)، لقد منحوا دول الاتحاد الأوروبي الفرصة للاستعداد لفصل الشتاء، لأنه كان يُنظر إليهم على أنهم شريك محتمل في المستقبل بعد الحرب بينما هم العدو الذي يقاتل بالفعل ضد روسيا”.
النجاح العسكري الأوكراني سيدفع الغرب لتقديم دعم أكبر
كتب المؤرخ الروسي أليكسي بيلكو، حول الهزيمة الأخيرة في محور إيزوم-خاركيف: “في ظل النجاحات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية حتى الآن، فقد حققت انتصارًا إعلاميًا، الأمر الذي سيكلف روسيا شحنات جديدة من الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا وضحايا جدد. لذلك، إذا أردنا الانتصار في هذه الحرب، يجب أن نقاتل بجدية، بهدف هزيمة ساحقة للقوات المسلحة لأوكرانيا، وإحباط معنويات النخب الأوكرانية، وإرسال إشارة واضحة للغرب – لا جدوى من الاستثمار في أوكرانيا. أي شيء آخر سينتهي بكارثة سياسية على روسيا”.
الاستفتاءات لمواجهة التراجع العسكري
في ظل موجة الانتقادات الأخيرة، علق أيضًا كتب المؤرخ الروسي أليكسي بيلكو، حول نية السلطات الروسية تنظيم استفتاءات على الأراضي التي سيطرت عليها داخل أوكرانيا، حول “رأي السكان في الانضمام إلى روسيا“، قائلاً: تثير المعلومات حول إمكانية إجراء استفتاءات يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) في خيرسون وزابوروجي ولوغانسك ودونيتسك تساؤلات: “هل ستستولي القوات الروسية على النصف المتبقي من أراضي منطقة دونيتسك السابقة في أوكرانيا، وكذلك مدينة زابوروجي ، بالضبط بحلول هذا التاريخ؟، وبدون ذلك كيف تجري الاستفتاءات؟ أم أنها ستنظمها فقط في تلك المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة للاتحاد الروسي؟ – يشعر المرء أنه من خلال نشر المعلومات حول الاستفتاءات في وسائل الإعلام، فإنهم يريدون تخفيف تأثير الوضع في الجبهة. حدث شيء مشابه عندما ظهرت معلومات حول استفتاء محتمل في أوسيتيا الجنوبية بالتزامن مع قرار سحب القوات من منطقتي كييف وتشرنيهيف”.
خيبة أمل المقاتلين الروس القوميين
في هذا القسم، نعرض آراء القادة العسكريين الروس من القوميين الذي قادوا التمرد العسكري ضد كييف عام 2014، وآرائهم حول سير المعارك.
كتب إيغور جيركين، الذي يصف نفسه بأنه قومي روسي، وأحد قادة المعارك الرئيسية في القرم ودونباس، تحليلاً عسكريًا للأحداث الحالية على الأرض، تحت عنوان “الوضع في محور بالاكليسكي-إيزوم“:
· حقق الأوكرانيين نجاحًا عملياتيًا في الاتجاه الرئيسي للهجوم، ويقومون بتطوير هجوم جنوب مدينة فولوخوف يار. في الوقت الحالي، يدور القتال شمال مدينتي فيسيلي وكوني، مما يعني أن القوات المسلحة الأوكرانية تهدف إلى الاستيلاء على أهم تقاطع طرق، والذي يسمح بتزويد المجموعة المتقدمة مباشرة بالدعم على طول خط مباشر للعمليات. في حالة استيلاء الأوكرانيين على مفترق الطرق المشار إليه (تشوغيف-إيزيوم وبالاكليا-تشيستوفودوفكا) – في بيئة العمليات (بشكل عام بدون طرق معبدة متصلة بـ “البر الرئيسي”) – لن يتوقف الأمر على فقدان بالاكليا فقط، ولكن أيضًا تجمعنا بأكمله في خاركوف والجنوب.
· في الاتجاه الشرقي، يحاول الأوكرانيين توسيع الاختراق لإحكام السيطرة على شيفتشينكوف أو تطويقها. إذا نجحوا في ذلك سيبدؤون في القيام باختراق جديد في اتجاه كوبيانسك.
· على الضفة الغربية لنهر سيفيرسكي دونتس، قام الأوكرانيين بتصفية رأس جسرنا المقابل لبالاكليا (الذي تركناه على ما يبدو دون قتال جاد وانسحبنا إلى بالاكليا، وقاموا بتفجير الجسر). هنا احتلت القوات المسلحة لأوكرانيا مناطق شيرفونايا وغوساروفكا وبيراك. لا يشكل هذا التقدم التكتيكي تهديدًا كبيرًا، لكن حقيقة تصفية رأس الجسر تحرمه من الأمل في شن هجوم في المستقبل. ومع ذلك من الواضح أن قواتنا الآن لا ترقى إلى مستوى استغلال هذا الوضع لصالحها.
· على عكس العديد من الآراء التي رجحت دفع الأوكرانيين بكل قواتهم في اتجاه خيرسون أعتقد أن الأمر ليس كذلك. فالقوات التي الشرق تتجاوز مجموع القوات في اتجاهات خيرسون وبيريسلاف، ولكننا نتحدث عن ضربتين متوازيتين متكافئتين. والفرق الكامل بين التقدم “المحكم” للعدو بالقرب من خيرسون والاختراق السريع في منطقة شرق بالاكليا يكمن في حقيقة أن القسم الأخير تبين أنه تم إطلاقه بالكامل تقريبًا بمعنى وجود وحدات من الجيش النظامي – سواء في الأمام أو في الاحتياط.
الاستعداد الأوكراني الذكي
كتب القائد العسكري الأوكراني الأصل الموالي لروسيا ألكسندر خوداكوفسكي، حول “الاستعداد الدفاعي الأوكراني” وضعت أوكرانيا، افتراض حدوث صدام مع روسيا، وإدراكًا منها للاختلاف في الإمكانات “كانت تستعد لحرب دفاعية. من بين العديد من الوثائق التي وقعت في أيدينا وحددت تكتيكات تصرفات أوكرانيا، لم يكن هناك مستند واحد من شأنه أن ينظم الأعمال في الهجوم – فقط للدفاع. لهذه المهمة من حيث المبدأ، تم بناء نظام ذكي، يحتوي على أكثر من مستوى دفاع ودعم هندسي جيد، ورغم تغلبنا على بعض هذه الدفاعات، فقد عانينا من الخسائ